• الرئيسية
  • بيانات حزب البعث العربي الاشتراكي
    • بيانات حزب البعث – القيادة القومية
      • خطابات المعتز بالله عزت ابراهيم الدوري ( حفظه الله )
    • بيانات حزب البعث – قيادة القطر الاردني
    • بيانات حزب البعث – قيادة قطر العراق
      • تصريحات الناطق الرسمي
    • بيانات حزب البعث – قيادة قطر السودان
    • بيانات جبهة التحرير العربية
    • بيانات حزب البعث – قيادة قطر اليمن
    • بيانات حزب البعث – قيادة القطر الجزائر
    • بيانات حزب البعث – القطر الفلسطيني
    • بيانات حزب البعث – القطر اللبناني
    • بيانات حزب البعث – القطر الموريتاني
    • بيانات حزب البعث – القطر التونسي
    • بيانات حزب البعث – التنظيم السوري
    • بيانات حزب البعث – التنظيم الارتيري
    • تنظيم البعث في الدول الأسكندنافية وشمال أوربا
  • مقالات مختارة
    • مقالات الاستاذ صلاح المختار
    • الاستاذ الاكاديمي والماضل كاظم عبدالحسين عباس
    • صدام حسين مفكرا
      • شهيد الحج الاكبر ( صدام حسين )
  • الفكر والعقيدة
    • أقلام الرفاق
    • فكر وعقيدة البعث
    • التنظيم والتربية الحزبية
    • ملف منجزات ثورة 17 -30 تموز
    • نضال البعث
    • حقائق وقضايا عراقية
    • بيانات اللجنة التحضيرية لاحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد
  • الإصدارات
    • إصدارات المكتب القومي للحزب
  • البعث في الأردن
  • الدستور ونظام الداخلي
  • من نحن
  • اتصل بنا

حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية

Posted by حزب البعث العربي الاشتراكي الاردني on 17 مايو 2011
Posted in: نضال البعث. أضف تعليق

حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين

ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية

رسالة أنجزت في عام 2003 ونوقشت

أ. عبدالعزيز أمين موسى عرار

مشرف تربوي وباحث ومحاضر جامعي

مقدمة

أهمية البحث:

تعتبر الفترة الممتدة بين عامي 1948 ـ 1982 فترة مليئة بالتطورات التي شهدتها القــضية الفلسطينية، وبروز المد القومي العربي، و ظهور حزب البعث الذي نشط في مد فروعه في أقطار عربية عديدة، ومنها فلسطين، الذي بلغ أوج مده الجماهيري في الخمسينيات، التي تعتبر فترة مد وازدهار قومي، ولكنه أخذ يتراجع بعد انفصال الوحدة المصرية السورية عام 1961. وما تلاه من انقلاب شباط / فبراير1966 في القطر السوري. كما شهدت هذه الفترة قيام منظمة التحرير الفلسطينية وعملت على بعث للكيان الفلسطيني، وتجدد نشاط البعث على الساحة الفلسطينية بصورة تنظيمات عسكرية بعد حرب حزيران 1967، ولا زال بعضها ينشط إلى الآن.

أسباب اختيار البحث:

بدأ اهتمام الباحث في قراءة دفاتر نسخها معتقلو منظمتي جبهة التحرير العربية والصاعقة منذ اعتقاله عام 1976، ونظرا لقلة المراجع والمصادر التي تناولت حزب البعث بسبب منع الاحتلال لعشرات منها بالتداول والنشر، وأهمها مؤلفات ميشيل عفلق لهذا ظل يواصل اهتمامه و يقرأ ما يستطيع الحصول عليه عن حزب البعث، وبعد التحاقه بكلية الدراسات العليا في قسم التاريخ، وجد أن من الأفضل الكتابة عن حزب البعث في فلسطين وذلك لأن هذا الموضوع لم يلق عناية الباحثين العرب، وهو ما أذكى فيه روح البحث لإخراج هذه الرسالة العلمية، رغم أن بحوثاً ورسائل عديدة تناولت حزب البعث بالدراسة لكنها لم تتعرض للفرع الفلسطيني بالدراسة والتحليل الشامل، وعلى امتداد الفترة التاريخية التي كتب فيها الباحث.

وقد اختار الباحث هذه الفترة لأنها تقع بين مفصلين تاريخيين مُهمين الأول: حرب 1948 والثاني: اجتياح لبنان 1982، حيث تمثل الحرب الأولى بداية ظهور الحزب في فلسطين، بينما تأثرت أوضاع منظمات البعث في فلسطين بعد الظروف الخانقة التي مرت بها (م. ت. ف) إثر اجتياح لبنان في عام 1982.

المنهجية وأسلوب عرض المادة:

نهج الباحث المنهج التاريخي الوصفي في جمع المعلومات وكتابتها، وقام بمراجعة مصادر ومراجع عربية وأجنبية في مكتبات عربية في فلسطين مثل: مكتبات الجامعات الفلسطينية مثل: مكتبة جامعة بيرزيت، ومكتبة جامعة النجاح الوطنية، ومكتبات البلديات، وأهمها مكتبة بلدية نابلس، ومراكز البحث، وعلى رأسها مكتبة جمعية الدراسات العربية، و من المكتبات الإسرائيلية مكتبة جامعة حيفا، و مكتبة الجامعة العبرية، وكذلك مراكز التخطيط والبحث، ومنها مركز ترومان في القدس الشرقية، والمكتبة الوطنية في القدس الغربية، ومركز أبحاث جامعة بيرزيت إلى جانب استعانة الباحث بالأمين العام لجبهة التحرير العربية للحصول على وثائق خاصة بالبعث أفادت الدراسة.

واهتم بإجراء مسح معلوماتي، وتصوير مئات الأوراق ناهيك عن نسخ الجزازات وإحضار مؤلفات من خارج فلسطين، ثم جمعت في فصول حسب مخطط البحث، وقام بتقسيمها حسب مستوياتها واعتماد المصادر الأولية ما أمكن، وتجنب الأخذ عن المراجع المشكوك في صحتها.

اهتم الباحث بربط الحدث الذي يتناول حزب البعث وتنظيماته، والسياق التاريخي المحيط به وهو ما يفسر وجود العناوين والمضامين التي تناولت علاقاته ومواقفه من الفصائل الفلسطينية الوطنية والأنظمة العربية.

فصول البحث:

إحتوى البحث خمسة فصول وهي كالآتي:

الفصل الأول: يتحدث هذا الفصل عن ظهور الوعي القومي العربي في القرن التاسع عشر في المشرق العربي، حتى ميلاد حزب البعث في سوريا أوائل الأربعينيات، ويتضمن مباحث أخرى عن دور ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار في تأسيس حزب البعث، وموقف حزب البعث من القضية الفلسطينية، وتطوع قياداته للمشاركة في الحرب العربية ـ الإسرائيلية.

الفصل الثاني: يستعرض نشوء البعث في فلسطين، وامتداده وتوسعه في قطاعات جماهيرية مختلفة، وأشكال الفعاليات التي مارسها، وطرق التعبئة ووسائلها ومصادرها وتنافسه مع الأحزاب الأخرى في استقطاب الجماهير.

الفصل الثالث: يتناول هذا الفصل خلافات قيادات البعث القطرية والقومية وعلاقاته مع حكومتي مصر والأردن، ومدى تأثير الناصرية في حزب البعث، التي أدت إلى طرد عبدالله الريماوي أحد قادة الحزب في المملكة الأردنية الهاشمية، ويبين موقف حزب البعث من الكيان الفلسطيني، ومن منظمة التحرير الفلسطينية.

الفصل الرابع: يبحث هذا الفصل في تأسيس منظمات البعث وفعالياتها ومستويات مشاركتها في الكفاح الفلسطيني، ومسوغات ظهورها، وموقفها من فصائل المقاومة الفلسطينية ومن النظامين الأردني واللبناني، ودورها في أحداث أيلول/ سبتمبر 1970، و حرب لبنان 1976.

الفصل الخامس: يستعرض الباحث في هذا الفصل سلسلة من المبادرات والمشاريع السلمية التي طرحت للتفاوض مع الكيان الصهيوني منذ عام 1948، ومشاريع الأحلاف الاستعمارية التي طرحت للهدف نفسه، مروراً بالمشاريع والمبادرات العربية والفلسطينية والدولية لتحقيق حل للقضية الفلسطينية.

دراسة تحليلية لمصادر البحث ومراجعه:

تم تغطية البحث باستخدام مجموعة من المصادر والمراجع المنشورة وغير المنشورة. وهي تختلف في مستوياتها العلمية والمعلوماتية ودرجة الاستفادة منها، و تشمل:

ملفات المخابرات الأردنية في أرشيف إسرائيل:

وهي ملفات محفوظة في المكتبة الوطنية في القدس وتشمل: بيانات البعث ومنشوراته وتقارير عن نشاطاته التي كانت محفوظة في ملفات المخابرات الأردنية بمحافظة القدس، وقد رصدتها وجمعتها أجهزة المخابرات في متابعتها لنشاط حزب البعث بين عامي 1950 و 1967، وقد آل مصيرها للوقوع في قبضة قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب حزيران / يونيو1967 ، الذي نقلها بدوره من مقرها إلى الجامعة العبرية، ثم نقلت إلى المكتبة الوطنية في القدس الغربية وتم تحليلها بدراستين: الأولى: قام بها أمنون كوهين في كتابه الأحزاب في الضفة الغربية تحت الحكم الأردني 1948 ـ 1967، الذي كتب فيه عن مختلف الأحزاب دون الاهتمام بحزب البعث كسائر الأحزاب بينما جاءت الدراسة الأخرى التي قام بها أبرهام سيلع في حزب البعث دون سائر الأحزاب، وكلاهما استقى معلوماته من ملفات المخابرات الأردنية إلى جانب مقابلات أجريت مع أشخاص، إلا أن هذه المقابلات ظلت تنقصها الصراحة ؛ بسبب عملهما في الإدارة المدنية للكيان الصهيوني، ويؤخذ على سيلع أنه وصف الحركة الوطنية بالإرهاب أحيانا.

أفادت هذه المنشورات في تغطية نشاط البعث في الضفة الغربية تحت الحكم الأردني ولكن مما يؤخذ عليها الخلط أحيانا بين منتسبي الأحزاب كأن يكون عضواً في حركة القوميين العرب ويسجل في حزب البعث أو تظل كشوفات المنتسبين للحزب تتكرر في الأسماء حتى وإن هاجر خارج فلسطين أو غاب عنها عدة سنوات، كما أن أشخاصا عديدين كذبوا تقارير المباحث بعد سؤالي لهم وفسروا أن سبب تسجيلهم يرجع لصداقتهم أو حسب مزاجية رجال الأمن، إلا أنها تحتوي على معلومات مفيدة للبحث. كما أن بعضها يضم منشورات الحزب التي جمعها رجال المباحث.

وثائق البعث المنشورة:

اعتمد الباحث على وثائق نشرها حزب البعث سواءً أكانت بيانات ونشرات سرية أو تقارير أو تعميمات أو سواها من الوثائق التي يحفل بها كتاب نضال البعث، ويقع في 11 جزءاً تناولت نشاط الحزب في العراق وسوريا ولبنان، على وجه الخصوص وسائر نشاطات البعث في الوطن العربي على وجه العموم، وتغطي الفترة الزمنية الممتدة من عام 1940 ـ 1968، ويؤخذ عليها أنها لم تتناول نشاط البعث في قطري الأردن وفلسطين إلا قليلا ؛ بسبب اشتداد حملة القمع فيهما، واحتلال الضفة الغربية ولجوء البعثيين لحرق الأوراق وإتلافها أمام مطاردة ومداهمة رجال المباحث لبيوتهم. رغم ذلك أمكن الاستفادة منها في تحديد وجهة نظر الحزب وقيادته تجاه خلاف عفلق والريماوي عام 1959 أو تجاه المبادرات والحلول السلمية خاصة أن المبادئ والمواقف تجمعهم في مختلف الأقطار العربية حتى عام 1966.

واعتمد الباحث بيانات صادرة عن حزب البعث في الأردن وسوريا منها: البيان الانتخابي المنشور عام 1956 في المملكة الأردنية الهاشمية، وبيان القيادة القومية لحزب البعث حول المؤتمر القومي السادس عام 1963، وبيان حزب البعث حول حلف بغداد وغيرها من النشرات التي تحتفظ بها مكتبة مركز ترومان في الجامعة العبرية، وكانت هذه المنشورات تصادر من قبل قوات الأمن عند مداهمة بيوت الفلسطينيين ويجري إرسالها إلى هذه المكتبة بعد دراستها.

سلسلة الوثائق العربية وسلسلة الوثائق الفلسطينية العربية:

تعتبر سلسلة الوثائق العربية من السجلات الوثائقية المهمة التي تضم البيانات والتصريحات السياسية في مناسبات مختلفة تم توثيقها في الجامعة اللبنانية في بيروت، التي تغطي فترة الأحداث الممتدة بين عامي 1963 ـ 1971 م، وأمكن الاطلاع على المؤتمرات، والمواقف المتناقضة بين القيادات القومية والقطرية في سوريا والعراق، وذات الصلة بفلسطين، بينما تغطي سلسلة كتاب الوثائق الفلسطينية العربية فترة الأحداث المتعلقة بفلسطين بين عامي 1964 ـ 1981 ، ومنها حصل الباحث على سجل للعمليات العسكرية والنشاطات، والمواقف لقادة منظمتي الصاعقة، وجبهة التحرير العربية.

رغم توفر هذه الوثائق المنشورة إلا أن منظمات البعث ظلت تنقصها التغطية الكافية بسبب غياب التوثيق الكافي لديها؛ حيث كانت الفائدة محدودة بالحصول على وثائق من قادتها ومسؤوليها.

مصادر ومراجع منشورة:

تم استخدام مؤلفات مهمة و مرجعية مثل: كتاب عبد الرحمن الكواكبي أم القرى. وكتاب نجيب عازوري، وكتاب الطهطاوي وكذلك كتابات ساطع الحصري ورجع إلى كتابات بعض الرواد الأوائل الذين انتسبوا للجمعيات السرية العربية مثل: محمد عزة دروزة، وكتاب ذوقان قرقوط ( ميشيل عفلق البدايات الأولى )، الذي يشمل نتاج عفلق الأدبي والسياسي ومواقفه الأولى تجاه قضايا مهمة ومختلفة، وقد أفاد الباحث الإطلاع على كتاب إلياس جوزيف (عفلق في نصف قرن ) الذي يعد تحليلاً لمختلف المراجع والمصادر التي كتبت حول عفلق ودوره في تأسيس حزب البعث، وهو جزء من نقاش دار في لبنان من على صفحات جريدة النهار اللبنانية، وأفاد الباحث في تحديد نشأة البعث في سوريا.

وحتى يتم تحديد البدايات الأولى لنشأة حزب البعث رجع الباحث إلى كتابات مؤسسي البعث أو رعيله الأوائل في سوريا، ومنهم: ميشيل عفلق، وصلاح الدين البيطار وجلال السيد، وهم مؤسسو حزب البعث، ومنهم سامي الجندي، وشبلي العيسمي، والياس فرح، وياسين الحافظ في سوريا وهاني الفكيكي في العراق وعبدالله الريماوي، وناجي علوش، ومنيف الرزاز، وبهجت أبو غربية في الأردن و فلسطين.

تم الرجوع لمؤلفات وكتابات البعثيين الذين يعبرون عن مواقفه، أو من كانت لهم تجربة غنية وسجلوا مذكراتهم، أو شرحوا أفكار البعث فيها.

وتتنوع كتاباتهم من شخص لآخر، يمتاز عفلق بكتابة المقالة السياسية القصيرة، التي تبين أفكار البعث والتي تضمنها كتاب (في سبيل البعث )، وأمكن التعرف على مواقف قيادة البعث عبر مراجعة مقالاته المنشورة في كتاب ( معركة المصير) الذي يحفل بمقالات تشجع على الوحدة بين مصر وسوريا أما كتابه (نقطة البداية )، فهو يوضح أسباب انقلاب 23 شباط/ فبراير 1966، وخلفياته في سوريا ويتعرض له بالهجوم مبينا أن شخصيته كمؤسس للبعث تعرضت للتشويه من قبل قادة الانقلاب، ويسجل رؤية القيادة القومية للكفاح الفلسطيني المسلح، وقضايا الثورة الفلسطينية والموقف من القضية الكردية حتى عام 1972. ودعوة البعثيين للعودة إلى بدايات البعث قبل أن يعتريه التشويه والانطلاق بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967. لقد استخدم الباحث بعض المعلومات المتصلة بالفصل الثالث والرابع، مستعرضا موقف كل فريق من تكتلات البعث، وتياراتها المتصارعة التي قادت إلى الانقلاب الدموي في 23 شباط 1966 في سوريا.

ويقدم كتاب (حزب البعث ) لجلال السيد سجلا تاريخيا لتأسيس الحزب معتمدا على تجربته حتى عام 1966، وأفاد الباحث في الفصل الأول في الكتابة عن تأسيس البعث في سوريا. أما سامي الجندي فقد كتب هو الآخر كتب كتابا بعنوان البعث، وهو عبارة عن مذكرات تعاني من التناقض في بعض النصوص، وخاصة فيما يتعلق بمن هو مؤسس البعث هل هو ميشيل عفلق، أم زكي الأرسوزي ؟

وتم مقارنة بين ما كتبه جلال السيد وصلاح الدين البيطار،وسامي الجندي حول البدايات الأولى للبعث، ووجد أن في كتاباتهم تناقضاً حول من هو المؤسس لحزب البعث .

كان المنشقون عن حزب البعث عام 1966 هم أصحاب الرأي القائل أن زكي الأرسوزي هو مؤسس البعث ،وهم قليلون، ومنهم : سامي الجندي، وهاني الفكيكي، ومطاع صفدي ، كما أن الأرسوزي لا يشير في كتاباته إلى أنه أسس حزبا بهذا الاسم ؛ لذا كان الباحث يميل لما كتبه جلال السيد ،وصلاح الدين البيطار، وشبلي العيسمي ،و مصطفى دندشلي، والقائل أن عفلق والبيطار هما مؤسسا حزب البعث العربي الاشتراكي.

ويعتبر كتاب شبلي العيسمي عن حزب البعث أقربها للبحث التاريخي الذي بين يدي القارئ والذي يقع في ثلاثة أجزاء، وقد استقى معلوماته من وثائق سلسلة نضال حزب البعث ومن تجربته كعضو في القيادة القومية، وبعض المقابلات التي أجراها مع بعثيين خارج سوريا، ويقدم بعض المعلومات عن نشاط البعث في القطر الأردني.

وتعتبر كتابات علوش، ومنها (المسيرة إلى فلسطين ) من المراجع المهمة حول نهج البعث تجاه القضية الفلسطينية، والتي تتسم بروح نقدية وفهم لسياسات البعث وتطورها.

كانت فائدة بعض كتابات البعثيين لهذه الأطروحة يعتريها النقص ؛ بسبب أن بعضهم انفصلوا من الحزب أو طردوا منه أو تواصلوا فيه، وأن كتاباتهم لا تخلو من حس عاطفي والحديث عن أفكار وتنظير أيديولوجي كما هو الحال في كتابات الياس فرح، وعبدالله الريماوي، وياسين الحافظ.

بحوث ودراسات أخرى:

أفاد الباحث استخدام البحوث والدراسات، والرسائل العلمية المنشورة التي استخدمت في البحث والتي نشرت باللغات المختلفة، ومن أهمها رسالة دكتوراه بعنوان: يقظة العرب، لمؤلفه جورج أنطونيوس، وهي من المراجع الغنية والمبكرة ،التي تناولت الحركة القومية العربية. ورسالة دكتوراه لوجيه كوثراني عن الاتجاهات السياسية والاجتماعية في جبل لبنان، الذي يقدم معلومات مستفيضة حول الحركات السياسية وعلاقتها بالقومية العربية، وأهم ما فيه التحليل الطبقي السياسي للحركة القومية العربية.

ومن المراجع المهمة التي أسهمت في الحديث عن حزب البعث والمترجم عن الفرنسية لمصطفى دندشلي ،وهو رسالة دكتوراه قدمت في جامعة باريس، ويتميز بشموليته وعدم انحيازه إلى أي من أجنحة البعث.

ودرس الباحث بعض مؤلفات عبد الوهاب الكيالي المعروف بجدية بحوثه ورصانتها الذي حرر(مجلة قضايا عربية)، وأخذ عن كتاباته بعض المعلومات حول جبهة التحرير العربية الذي كان يشغل أمين سر اللجنة المركزية للجبهة العربية في عامي 1971 ـ 1972، وقد اغتيل في بيروت عام 1982 م، واعتمد أيضا على كتاب( تاريخ الأردن في القرن العشرين ) ج1 تأليف سليمان الموسى، ومنيب الماضي، والجزء الثاني لمؤلفه سليمان الموسى فقط. ويغطي فترة طويلة من تاريخ الأردن، ويقع في جزأين تقدم معلومات واسعة عن فلسطين والأردن في الفترة التي يتناولها البحث، رغم أنه يحرص على وجهة النظر الرسمية، وُيبدي انحيازا للنظام الأردني في مواقف عديدة.

المذكرات:

وهي التي كتبها أشخاص كانوا قياديين في حزب البعث أمثال: جمال الشاعر، ومحمود المعايطة، وبهجت أبو غربية، وأكرم الحوراني، و هاني الفكيكي، ومنيف الرزاز، ومذكرات رئيس الأركان الأردني علي أبو نوار ومن قادة الحزب الشيوعي أمثال: إبراهيم فتاش، ويعقوب زيادين، وآخرين شغلوا مناصب في الجيش.

ويعتبر ما كتبه جمال الشاعر من أفضل ما تناول حزب البعث من مذكرات، وقد نشرها أولاً في الصحف الأردنية، ثم نشرت لاحقا في كتابه (تجربة سياسي )، وأهم ما فيه تتبعه لنشاط البعثيين ومواقفهم في قطر الأردن حتى عام 1980، وهو من الكتب المهمة التي نقل عنها الباحث.

ويعتبر كتاب (التجربة المرة) لمنيف الرزاز من أفضل ما كتب حول الخلاف بين تيارات البعث التي قادت إلى انقلاب 23 شباط / فبراير 1966 في سوريا ؛ بسبب انتخابه أمينا عاما لحزب البعث في هذه الفترة و يغطي هاني الفكيكي تيارات البعث والخلاف بينها منذ عام 1959، والذي كان طرفا فيها في كتابه (تجربتي في أوكار الهزيمة). رغم ذلك يؤخذ عليهما أنهما كانا ضمن الأطراف المتصارعة والتيارات القائمة.

وتضم مذكرات أكرم الحوراني سيرة أحد أبرز قادة البعث، ومن الشخصيات السورية اللامعة والأهم في مذكراته تناوله الأحداث المهمة التي مرت بها سوريا منذ بداية القرن العشرين وحتى التسعينيات منه، وأفاد الباحث في مقارنة ما كتبه من أحداث مع غيره ثم تناوله سيرة البعث بالتفصيل، مما أعان في فهم الأحداث وجلي صورتها.

الدوريات: المجلات والصحف:

من أبرزها مجلة شؤون فلسطينية، وجريدة الحياة اللبنانية، وجريدة الجهاد، وجريدة فلسطين، ومجلة الثائر العربي المجلة المركزية لجبهة التحرير العربية، التي صدرت متقطعة منذ عام 1969 حتى عام 1985، ومجلة الطلائع المجلة المركزية لمنظمة الصاعقة، التي توفر للباحث قراءة أعداد قليلة منها، مما أضعف المعلومات عن الصاعقة مقارنة بالجبهة العربية، واستخدم الباحث مجلة الأحرار اللبنانية التي أصدرها حزب البعث المؤيد للعراق في لبنان، وهو ما أفاد في تقميش معلومات الفصل الرابع على وجه الخصوص، لكن انقطاع بعض الأعداد وعدم توفر منشورات عن الفترة الممتدة من عام 1978 ـ 1982 غيّب رصد المعلومات الكافية، وجعل المبحث المتعلق بدور منظمات البعث في الاجتياح الإسرائيلي للبنان ضعيفاً ومعدوماً. وهناك مؤلفات ومراجع ومذكرات استفاد الباحث منها، ولكنها أقل أهمية، واكتفى الباحث في تدوينها في فهرس المراجع.

المقابلات الشخصية:

قام الباحث أيضاً بإجراء مقابلات مع مجموعة من الأشخاص الذين كان لهم دور قيادي في حزب البعث، وراعى في اختياره أن تغطي المقابلات مختلف المناطق في فلسطين وأفادت المقابلات في توضيح بعض القضايا التي شابها الغموض واحتاجت تحديد موقف منها، كتحديد موقف من التطورات التي حدثت عام 1957، واتهام البعث بتدبير انقلاب ضد الملك حسين أو تقديم صورة عن نشاطات البعث التي لم تدون.

مشاكل البحث:

ظل البحث يعاني النقص في تغطية نشاط فصائل البعث في فلسطين ولبنان في أوائل الثمانينيات بسبب عدم تمكن الباحث من الوصول إلى العراق وسوريا، وهو ما جعل البحث في نقص خاصة بما يتعلق ببعض المجلات والنشرات والمؤلفات التي لم يتمكن من مطالعتها، و تغطي الفصلين الرابع والخامس ومع أنه سعى إلى سبر غور البحث، و لجأ إلى مكتبات الجامعات الإسرائيلية، متخطيا الحواجز والممنوعات الكثيرة إلا أن البحث ظل بحاجة لزيارات خارج فلسطين. كما أنه يؤخذ على بعض الكتابات البعثية أنها لم تهتم بتدوين الحدث التاريخي إلى جانب تناقض وجهات النظر بين أعضاء في الحزب ومنشقين خرجوا عنه، ولا يخفى على أحد أن ظروف الحكم الأردني والاحتلال الصهيوني حالت دون احتفاظ البعض بوثائق تبرز النشاطات المختلفة.هذا ناهيك عن غياب تدوين أحداث الفترة المعاصرة ودور الحزب فيها خاصة الفترة الواقعة بين عامي 1978 ـ 1982. وهي فترة لم تنضج تاريخيا بعد.

الفصل الأول

الحركة القومية العربية في المشرق العربي قبل نشوء حزب البعث في فلسطين

1 ) نشأة وتطور الحركة القومية العربية قبل ميلاد البعث

2) دور ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار في تأسيس حزب البعث

3) موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من القضية الفلسطينية 1945ـ1948

1)نشأة وتطور حركة القومية العربية قبل ميلاد البعث

مع إطلالة القرن التاسع عشر الميلادي بدأت تعصف بالدولة العثمانية مجموعة مؤثرات خارجية وأخرى داخلية أصابت أقطار الوطن العربي، ومنها أقطار المشرق العربي.

شملت هذه المؤثرات مختلف مناحي الحياة، كما أن مجموعة تطورات أسهمت في ظهور الوعي القومي العربي، و تأسيس الأحزاب والجمعيات والمنتديات، وقيام ثورات قومية عربية واستلام الحكم باسم القومية العربية.

تختلف الآراء حول أسباب وبداية تشكل الوعي القومي العربي بين المؤثرات الخارجية والتعبيرات الذاتية.

يرى عبدالعزيز الدوري أن ظهور الوعي العربي تميز بظهور تيارين: قومي وإسلامي كان بينهما تداخل في كثير من الأحيان، وما تعرض له من خبرات أدى إلى تبلور الوعي القومي العربي الحديث ولم تكن مجرد ردة فعل لتيارات الفكر الغربي. لقد بدأت الخطى تسير إلى النهضة العربية منذ القرن الثامن عشر، بدأ في الدعوة لإصلاح المجتمع الإسلامي وفي القرن التاسع عشر اتجه التيار الإسلامي نحو التجديد. ولهذا لا يصح القول أن حملة نابليون هي بداية النهضة، إذ أن اليقظة العربية سبقت تلك الحملة، وإن بدت ذات تأثيرات مهمة، وقد أظهرت الخطر الجديد، خطر التسلط الغربي وقدمت صورة للحضارة الحديثة فكانت حافزاً للتحدي الذي أكد أهمية الإصلاح([1([.

في حين يذهب ساطع الُحصري إلى أنها فكرة غربية أوروبية، وهي فكرة نشأت في أوائل القرن التاسع عشر في أوروبا وانتشرت بعدئذٍ في العالم.

و قد أخذت بالتغلغل في دول العالم، وفي توجيه سياساتها، حيث اعتبرت أن لكل أمة الحق في الحفاظ على كيانها المعنوي، والحق في الاستقلال بشؤونها، دون الخضوع لمشيئة الأمم الأخرى ومن حقها تأسيس دولة خاصة بها([2([.

ويتفق ساطع الحصري مع أمين سعيد في الاهتمام بالأثر الخارجي ويربطها بالتطورات الأوروبية وكتب سعيد: " هبّت على أوروبا بعد الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر ريح القومية واكتشف البخار في أوائل القرن التاسع عشر، فاقترب الشرق من الغرب، واختصرت المسافات واتصلت الأمم بالأمم و الشعوب بالشعوب، وكانت بضاعة القومية في جملة صادرات الغرب الجديدة إلى الشرق …إلا أن تأثيرها ظل محدودا خلال القرن التاسع عشر بسبب الجهل الذي كان مستحكما وسائدا "([3([.

أما ميشيل عفلق فقد فرق بين القومية العربية والنظرية القومية واعتبر أن القومية العربية أو الفكرة العربية حية وخالدة أي أننا عرب دون البحث عن أسباب عروبتنا قائلا ً: "أن الفكرة العربية هي بديهية خالدة، وهي قدر محبب وأنها حب قبل كل شيء أما النظرية القومية فهي التعبير المتطور عن هذه الفكرة الخالدة حسب الزمان والظروف، وأن هذه النظرية تتمثل اليوم ـ حسب اعتقادنا ـ في الحرية والاشتراكية والوحدة "([4([.

ويرى الباحث أن الشعور أو الإحساس القومي يتكون بفعل مجموعة عوامل تعضده ومنها وحدة الجغرافية السياسية، والتسلسل التاريخي الطويل، واستراتيجية المكان والمصير المشترك، ودور الدين الإسلامي الذي عزز منطلقات العروبة ووحدة الأمة العربية، وأن هناك فرق بين النزوع للعروبة كشعور قائم في التاريخ الإسلامي، وعميق الصلة بدور العرب في الإسلام ونشره، وتختلف مفاهيم الحركات القومية العربية الحديثة في التحرر والتنمية والتحديث والإصلاح السياسي عن المفهوم السابق.

لقد تضافرت جملة متغيرات ذاتية، وأخرى موضوعية في ظهور الوعي القومي العربي ونشوء الحركات القومية العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين.

يعتبر بعض الكتاب أن حكم محمد علي في مصر منذ عام 1805ـ 1847، وما قام به من أعمال نهضوية، وتوسع في بلاد الشام والسودان والجزيرة العربية أول عمل وحدوي عربي في التاريخ الحديث، وكانت حملته إلى بلاد الشام (1840-1931)أول الخطوات العملية لتوحيد أجزاء من المنطقة العربية الخاضعة للحكم التركي، رغم كونه غير عربي.

أثناء حكم محمد علي لبلاد الشام أخذت خططه لإقامة إمبراطورية عربية تلقى تجاوباكن الناس، وهو الذي راوده الحلم بالخلافة. " فقد كان يعرف أن فرنسة قد ترحب بإنشاء مملكة مستقلة ثابتة الأركان: تشمل مصر وبلاد الشام وجزيرة العرب … وتلقى من المسؤولين النمساويين ما يشجعه على ذلك، فقد وفد عليه في القاهرة الكونت بروكش أوستن في مهمة خاصة وعرض عليه اقتراحات واضحة ومحددة "([5([.

لقد أثارت انتصارات إبراهيم باشا إعجاب أهالي بلاد الشام، ونجح الأمير اللبناني بشير الشهابي صاحب العلاقات القوية بمحمد علي في إثارة مشاعر المسلمين والتلويح لهم وإغرائهم في إقامة إمبراطورية عربية بعد طرد الأتراك من بلاد الشام وأشاع في نفوسهم أن الحكم المصري سيتيح لهم الاستقلال والحرية([6([.

لقد اعتبر إبراهيم نفسه عربيا حيث قال: " لقد جئت مصر صبيا فلونت شمس مصر دمي وصيرتني عربيا "([7([.

في الوقت الذي قام فيه محمد علي بحملته على بلاد الشام والجزيرة العربية والسودان سارعت الدول الأوروبية إلى احتلال أجزاء من الوطن العربي. وبينما كان يسعى لاستكمال إمبراطوريته نجحت فرنسا في احتلال الجزائر عام 1830 وسارعت بريطانيا إلى السيطرة على جزيرة سو قطره وعدن عام 1834، ورافق هذا الاحتلال انتزاع أقطار عربية أخرى من الدولة العثمانية ثم تبعه غزو ثقافي وفكري ،وثار سؤال لدى المفكرين والسياسيين عن سر هذا التخلف وأسباب ضعف المواجهة؛ وبذلك تأثروا بالإصلاح والتجديد؛ و بالفكر والثقافة الغربية، في حين ظلت تجربة محمد علي ماثلة في الأذهان إلى يومنا هذا([8([.

تضافرت عوامل أخرى في تشكيل الوعي العربي القومي، ومنها الدور الذي بذلته البعثات التبشيرية الأوروبية والتي أرسلتها أكثر من دولة أوروبية لغرض التمهيد للاستعمار إلا أنها قدمت خدمات عديدة أفادت في نشر التعليم وإحياء الثقافة، وقد استفادت البعثات من التسهيلات التي منحت لها.لقد أدى تسامح ابراهيم باشا الديني، وفتحه الباب أمام البعثات التبشيرية الغربية المختلفة إلى عمل قوتين أساسيتين في لبنان: "إحداهما: فرنسية والأخرى أمريكية واللتان قدر لهما أن تحضنا البعث العربي وترعياه "([9([.

وكان من ثمار النشاط الذي قامت به البعثات التبشيرية الغربية، أن ظهر الاهتمام باللغة العربية وآدابها، ووعي للتاريخ العربي، والبحث في تراث العرب وقامت فئة المتعلمين بنشاطات عديدة في المضمار الثقافي والفكري، وأخذت تؤسس المنتديات والجمعيات والمدارس ومن بين هؤلاء الشباب برز دور ناصيف اليازجي، وبطرس البستاني، وعادل أرسلان، وانعكست نتائج علومهم على بلادهم في تأليف الموسوعات، وإصدار الصحف، وتأليف الكتب.

كان لبطرس البستاني أثر عظيم في تأليف المعاجم، منها "محيط المحيط"، وفي تأليف دائرة معارف عربية، وأفاد من المصادر الأوروبية، وانصرف حبه إلى بلاده، فأصدر صحيفة أسبوعية صغيرة في بيروت عام 1860 دعاها " نفير سوريا " والتي سعت لمحاربة التعصب، وقد وقف معظم جهدها على الدعوى للتوفيق بين العقائد المختلفة والاتحاد والتعاون في طلب المعرفة، ولأن المعرفة تدفع إلى إنارة العقول، التي تقضي على التعصب وتحل محله المثل العليا المشتركة بين الدينين، وهو كلام يشمل بدايات نواة القومية، وأتبع صدور الصحيفة بتأسيس " المدرسة الوطنية " التي تلقى فيها التلاميذ ـ من مختلف العقائد ـ تعليمهم، وتعلموا التسامح الديني([10([.

وفي هذه الفترة أخذت فكرة الوطن والوطنية الأوروبية تلقى تجاوبا عند المفكرين العرب، وخاصة العرب المسلمين كما هو الحال عند الأتراك الذين أخذوا دورا رياديا، وكان رفاعة الطهطاوي من أبرزهم*، الذي زار باريس، ورجع منها، وقد ترجم كلمة الوطن(Patrie) الفرنسية إلى كلمة " وطن" العربية، وأبرز في حديثه عن الوطن والوطنية، وأن مصر وطنه صاحبة كيان منذ عهد الفراعنة،واعتبر الرابطة الوطنية من أعظم الروابط التي تربط الفرد بقوانين بلاده ورأى فيها بمثابة عضوية عضو جسم الإنسان إلى بدنه، وهي من أعظم المزايا عند الأمم المتقدمة وأن الانقياد لها يدفع إلى أن يفديها الإنسان الوطني بأغلى ما يملك من روحه وماله ([11([.

وأبرز الطهطاوي أهمية اللغة والجغرافيا وسيادة الدولة، كأسس مهمة في بناء القومية حيث قال: " أبناء الوطن متحدون دائما في اللسان والدخول تحت استرعاء ملك واحد والانقياد إلى شريعة واحدة وسياسة واحدة "([12([.

وأسهم صحفيون وكُتاب مثل: عبد الرحمن الكواكبي في تنمية الوعي العربي والذي يعتبر أحد رواد القومية العربية، وهو واحد من المسلمين المجددين والذي عمل في الصحافة، ومنها إصدار " صحيفة الشهباء ". تعرض لمضايقة الولاة، وألف كتابي أم القرى وطبائع الاستبداد، وتناول كتابه الأول وقائع مؤتمر إسلامي عالمي تخيل حدوثه، ويجمع مسلمي العالم، الذي يقوم فيه الكواكبي بضبط مفاوضاته ومقرراته، واختار مكة المكرمة مكاناً لانعقاده في سنة 1316 هـ، الذي أُشغل بالتحضير له "أبو الفرات "، وهو اللقب الذي أطلقه على نفسه، و تولى توزيع البطاقات والدعوات الكواكبي للمسلمين في جهات مختلفة من العالم، وتخيل أن المؤتمرين عقدوا سبع جلسات ناقشت أسباب فتور وضعف المسلمين التي عزيت إلى ثلاثة أنواع: أسباب دينية وأسباب سياسية وأسباب أخلاقية([13([.

وتخيل الكواكبي أن المؤتمر خرج بقرار تأسيس جمعية دعاها جمعية "تعليم الموحدين واعتبر أن الجزيرة العربية انسب المواقع لان تكون مركزاً للسياسة الدينية لتوسطها بين أقصي شرق آسيا وأقصى أفريقيا غربا، ولان العرب انسب الأقوام لأن يكونوا مرجعا في الدين، وقدوة المسلمين حيث كان بقية الأقوام قد اتبعوا هديهم ابتداءً فلا ينفون عن اتباعهم أخيرا"([14([.

لقد ربط الكواكبي بين الوحدة الإسلامية والخلافة العربية، وفي دعوته تفضيل للعرب في نشر الإسلام، يقول المستشرق الفرنسي نور بير تابيرو: " لقد كان الكواكبي ذا طابع فكري معتدل ولأنه كان قوي الإيمان بالإسلام ونهضته فلم يكن قط متعصبا، وكان يعتبر الصلة القومية فوق كل صلة أخرى، وكان همه الأساس سلوك طريق التقدم، وهكذا اندمج في الحركة الإصلاحية مع عبده والأفغاني"([15([.

تمثلت ردة فعل النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر في تيارين إصلاحيين كبيرين، ركز التيار الأول على بعث التراث في حين ركز الثاني على مفهوم النهضة العربية، وهما: تيار جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده ،وخير الدين التونسي ،وعبد الرحمن الكواكبي، و يعمل ضمن مفهوم الإصلاح الديني والعقائدي كأساس للإصلاح السياسي والاجتماعي. أمّا التيار الآخر: فيتمثل بمدرسة بطرس البستاني، وإبراهيم اليازجي ،وشبلي الشميل، وأديب اسحق، وسلامة موسى، وهو ينشط حسب المقاييس والمصطلحات الغربية في التحديث والعقلانية، والتطوير والعلمانية والعلمية والتنمية([.16])

لم يقتصر الوعي العربي عند دعوة المثقفين الإصلاحية والتجديدية كما نشروها في مؤلفاتهم وصحفهم بل انتقل الوعي العربي نحو تأسيس جمعيات وأحزاب سرية توجهت نحو مطالب أكثر وضوحا، فقد تأسست في بيروت جمعية سرية في عام 1876 في عهد السلطان عبد الحميد، وهي جمعية تألفت من مجموعة من المثقفين المسيحيين، الذين درسوا في الكلية السورية الإنجليزية (الجامعة الأمريكية في بيروت) ، و كانوا أقرب إلى تشكيل تيار قومي علماني أخذ يطالب باستقلال ولاية بيروت، وينادي بالوحدة السورية والاستقلال عن الأتراك وإقامة صلة بالمحافل الماسونية، وأبرز أعضائها من المفكرين المسيحيين الذين كانوا في موقع طبقي اجتماعي تجاري ومتصل مع أوروبا أمثال: الدكتور فارس نمر ، وإبراهيم اليازجي، وإبراهيم الحوراني، ويعقوب صروف وشاهين مكاريوس([17([.

اختلف بعض من كتبوا في نشوء القومية العربية في تحديد جوهر جمعية بيروت السرية وأهدافها وهل هي ذات أهداف قومية أم ذات نزعة إقليمية ؟

يرجع مصدر الاختلاف إلى روايتين متناقضتين نقلتا عن فارس نمر أحد أعضاء الجمعية في فترتين تاريخيتين متباعدتين، فقد قابله كلا من جورج أنطونيوس وزين نور الدين زين، وروى لهما عن جوهر وأهداف الجمعية وقد اعتبرها أنطونيوس البداية الأولى والمنظمة لبعث الحركة القومية العربية وربط بينها وبين التطورات اللاحقة للحرب العالمية الأولى، بينما اعتبرها زين نور الدين زين ظاهرة مسيحية لبنانية([18([.

كما يقوم رأي كوثراني على اعتبارها معبرة عن تطلعات النشاط الماسوني في لبنان والذي كان شاهين مكاريوس عضو الجمعية، قد شغل منصب كاتب سِّر محفل لبنان عام 1881، هذا إلى جانب تناقض الموقع الاجتماعي الطبقي الذي احتلته العائلات المسيحية المدنية التي عملت بالتجارة ورفض السيطرة التركية الإدارية المباشرة، ولم يكن خطابهما القومي يعبر عن موقف جماهيري وقوى اجتماعية واسعة، وقد التقطتها العيون الفرنسية كقوى ساخطة من أجل تجزئة الدولة العثمانية([19([.

وقد كانت بداية العمل في تكوين الجمعيات في عهد عبد الحميد الثاني إذ أسست جمعيات علنية خارج البلاد وأخرى سرية داخل البلاد، بغية إظهار مساوئ الحكم وحمل الناس على استنكار الحكم المطلق عن طريق إعادة العمل بالقانون الأساس، وبدأ تأليف أول جمعية عام 1889، في ذكرى الثورة الفرنسية واحتفالات الفرنسيين بها([20([.

قام أحمد رضا ـ مدير المعارف في بروسة ـ بعد زيارته لمعرض باريس الدولي ولجوئه إليها بتأسيس فرع علني في فرنسا، بينما تم تأسيس فرع سري في استنبول، و أصدر جريدة رسمية سماها "مشورت "، بالتركية أي "المشورة " ،وانبثق عن اتحادهما جمعية الاتحاد والترقي العثمانية([21([.

وتعددت الجهات التي تعمل في سبيل المشروطية ( الحياة الدستورية )، وصدرت أكثر من 100 صحيفة وصدر ثلثها في القاهرة لوحدها، وقد دعت إلى محاربة الاستبداد، وتحقيق الحرية والإخاء والمساواة، ونجحت جمعية الاتحاد والترقي في توسيع عملها في مقدونيا، ومنستر، وقوصوة وسلانيك([22([.

وفي باريس برز نجيب عازوري، وهو مفكر مسيحي ماروني من لبنان سبق له أن عمل في متصرفيه القدس قبل ذهابه إلى هناك ، والذي اطلع على أحوال الدولة العثمانية بوجه عام وكان ملما بشؤون الطوائف المسيحية، وفي كتابه(يقظة الأمة العربية في آسيا ) دعا لوحدة " الكنائس الكاثوليكية تحت اسم" الكنيسة الكاثوليكية العربية" داعيا إلى انفصال الولايات العربية عن الدولة العثمانية على أن تكون الحجاز مقراً لخلافة إسلامية عربية، وان تتكون من العراق، وسوريا ،ولبنان، وفلسطين دولة عربية وحدة عصرية "([23([.

كان أهم ما في دعوة عازوري انه أول مفكر قومي عربي يتحدث عن خطر الصهيونية على فلسطين، وتصدى لادعاءاتها التاريخية ومقولة أن فلسطين (أرض الميعاد). ويذهب عازوري إلى أن اليهود لم يمتلكوا في تاريخهم القديم أيام يهوشع بن نون سوى الضفة الغربية لنهر الأردن، وانهم اختلطوا بنسب مختلفة بالكنعانيين في هذا الجزء من البلاد. و أن العرب أمة ويرغبون بالانفصال عن الدولة العثمانية التي نخرتها عوامل الضعف([24([.

قبل إعلان المشروطية، وبدء الحياة النيابية الدستورية سنة 1908، كانت قد تبلورت عدة اتجاهات ونزعات عربية بينها ساطع الحصري فيما يلي:

1)العمل لإقامة خلافة عربية تحل بدلا من الخلافة العثمانية كما هو الحال في مسعى عبد الرحمن الكواكبي.

2) المطالبة بإجراء إصلاحات خاصة بالبلاد العربية.

3) الاشتراك مع أحرار الأتراك للمطالبة بإصلاحات عامة تمثل الولايات العثمانية وتفيد الولايات العربية.

4) الدعوة لانفصال البلاد العربية عن السلطنة العثمانية وتأسيس دولة عربية مستقلة .

5) طلب الحماية من دول أجنبية، وهو طلب خاص بالمسيحيين، أما باقي الطلبات فيشترك فيها الجميع([25([.

كان على فكرة القومية العربية أن تتغلب على اتجاهين في وقت واحد، الاتجاه الأول: إبعاد أنظار المسلمين عن الدولة العثمانية، و الاتجاه الثاني: ـ إبعاد أخطار المسيحيين العرب عن الدول الأجنبية لكي تجتمع كلمتهم حول العروبة التي تستمد قوتها من التاريخ واللغة([26([.

نجح الضباط في فرض إعلان المشروطية على السلطان عبد الحميد عام 1908 وقوبل وصولهم للحكم بالفرح في جميع أنحاء الإمبراطورية، ومن مختلف أصحاب الملل والمذاهب ودعي بعهد " الحرية والعدالة والمساواة "، وجرت انتخابات " مجلس المبعوثان "([27([.

بعد مرور عام قام عبد الحميد بعمل انقلاب عام 1909، و لكن ضباط الاتحاد والترقي نجحوا في الإطاحة به، و سيطروا على السلطة مرة ثانية، لكنهم واجهوا ضربات عديدة كان منها انفصال مقاطعات يلغاريا، والاحتلال الإيطالي لليبيا، واتُهمت الدولة بالتقصير، كما دخلت فكرة اللامركزية للمجلس النيابي، وتبنتها المعارضة التي سميت باسم حزب " الحرية والائتلاف "، ونجح بعض أعضائه في الوصول إلى الحكم، وقاموا بقتل وزير الحربية ومرافقه ورئيس الوزراء([28([.

أصبح ضباط الاتحاد والترقي أمام اختبار جديد عند أبناء الولايات المختلفة داخل الدولة العثمانية، والذين يأملون في المساواة بين أبناء القوميات.

تبدلت الأوضاع بعد إعلان الدستور العثماني 23 تموز/ يوليو 1908 ، وانتهى حكم عبد الحميد الذي اهتم بالتقرب من العرب، وإطفاء جذوة العنصرية من نفوسهم،وقبض ضباط الاتحاديون على السلطنة، وهم المغرمون بالمدنية الغربية، وانصرفوا يعملون على إنشاء إمبراطورية تركية طورانية تضطهد القوميات الأخرى، وهو ما قوبل بالحذر من جانب أحرار العرب الذين سبق لهم المشاركة في الانقلاب، ومع ذلك كانت أغلبية من العرب مسرورة من الانقلاب الجديد، وجرت انتخابات مجلس النواب، ونجح فيها70 نائبا من العرب 30 نائباً من الألبان ومثلهم اليونان والبلغار أما العنصر التركي فله 143 نائباً مقابل 130 لأبناء العناصر الأخرى([29([.

وبعد مرور عام ظهر الخلاف بين العرب والأتراك، فقد تخلى الأتراك عن الحكم الدستوري الجديد، وشعار الإخاء والمساواة، وظهر الخلاف في التنسيق والوظائف وفي مقالات الصحف التركية الداعية لتعزيز الطورانية، وتبادل الترك والعرب الألفاظ والجمل ونشأت صحف قومية مختلفة، و أسهم طرد آلاف من العرب والأكراد والألبان، في انكبابهم على طريق القومية، وهكذا تحولت الدولة من دولة عثمانية يتساوى فيها الجميع إلى حكومة طورا نية للأتراك فيها الحظوة والمقام العظيم ، وللغتهم التركية سيادة على لغات القوميات الأخرى، ولشباب الأتراك مكانة عظيمة في الوظائف والمناصب ، وقد غذت دوافع الكراهية والحقد لدى أبناء القوميات الأخرى([30([.

أخذ العرب يبتعدون عن نوادي جمعية الاتحاد والترقي، بعد أن ظهر لهم أن الاتحاديين ينتهجون سياسة قومية تعزز الدعوة للجامعة الطورانية، وكذلك فعل بعض نواب العرب وتكتلوا مع نواب الألبان ، والأكراد ، و الأرمن، وانبثق عنها حزب الائتلاف العثماني ، وتألفت في هذا العهد العديد من الجمعيات العربية* في العاصمة الآستانة، ومدن دمشق ،والقاهرة ،وبغداد وبيروت، والتي أسهمت في تكوين الرأي العام العربي وبالتعاون مع الصحافة أدت إلى يقظة وتنمية الشعور القومي العربي، و أسهم الشعراء في خلق روح وطنية جديدة([31([.

أدت مقاومة الاتحاديين للحركة القومية العربية، وتسلطهم ومتابعتهم لها، إلى نقل مركزها خارج البلاد العربية، كما أن الوقت قد حان لإسماع الأتراك المطالب العربية، فجاءت الفكرة لعقد مؤتمر عربي بدعوة من أعضاء* في حزب اللامركزية في مصر وجمعية العربية "الفتاة"، وتشاوروا مع أعضاء اللجنة العربية المنتخبة في باريس ، وعهد لحزب اللامركزية أن يشرف على جلسات المؤتمر([32([.

تضافرت جهود أعضاء الجمعيات العربية، والجاليات العربية في العديد من البلدان الأجنبية والعاصمة العثمانية إلى عقد مؤتمر عربي في باريس، في 18 حزيران / يونيو 1913 وتمثلت أهم الموضوعات التي بحثت فيه: " الحياة الوطنية ومناهضة الاحتلال. حقوق العرب في المملكة العثمانية. ضرورة الإصلاح على قاعدة اللامركزية. المهاجرة من سورية وإلى سورية. "([33([.

تقرر من خلال المؤتمر العربي تكليف عبد الكريم الخليل الذي يدير المنتدى الأدبي العربي في استنبول بمراجعة الاتحاديين بشأن المطالب العربية، وبعد لقاءات مع طلعت باشا وجمال باشا، تم إقرار بعض المطالب منها: ـ إدخال تعليم اللغة العربية في المدارس الابتدائية والثانوية، وتعيين زعماء عرب في مجلس الأعيان وفي القضاء الأعلى، ووصل وفد عربي إلى استنبول في 15 آب، وأغدقت عليه الوعود من قبل المسؤولين، وعاد الوفد وطال الانتظار وكانت الأوضاع المفككة للإمبراطورية تسير في دوامة من الأزمات الداخلية والخارجية فضلاً عن تأثير الاتجاه الطوراني المؤثر في توجيه السلطة المركزية، وتراوحت ردة فعل الاتحاديين بين العمل على" إحتواء القيادة، و التهديد وبذل الوعود الكلامية" ،واستخدام صيغة الوحدة الإسلامية بهدف إحراج المطالبين باللامركزية، وتعيين زعماء عرب، واعتقال زعماء آخرين مثل عزيز علي المصري([34]) .

جاءت الحرب العالمية الأولى، لتثير مسألة جدوى الاستمرار في التبعية للسلطنة العثمانية وما هي مصلحة العرب في خوض هذه الحرب ؟.

كان العرب يرون في الحرب أنها ليست ذات جدوى بالنسبة لهم، وظلت غالبية منهم على ولاء للخلافة العثمانية، ولكن بعضاً منهم وجدوا فرصتهم في السعي لجلب الاستقلال لأوطانهم

ولو بالتعاون مع الأجنبي، وكانت فرنسا وبريطانيا ترقبان الأوضاع، وكلاهما على إطلاع بأن العرب ناقمون على الأتراك خاصة الشريف حسين أمير مكة([35([.

تسارعت الأحداث، وتفاقمت الظروف العصيبة التي مر بها العرب، وأسهمت سياسة جمال باشا السفاح في إذكاء روح الثورة وقيام الاضطرابات ثم تقرير وجهة الحركة العربية في تحالفها مع البريطانيين والفرنسيين.

بعد فشل جمال السفاح في حملته على قناة السويس في شهر شباط / فبراير 1915 راح يعلق أحرار العرب على أعواد المشانق، متهماً قادتهم بأنهم خونة، وأنهم يبغون من خلال نظام اللامركزية تجزئة الإمبراطورية، وقد أعدمهم على دفعات في بيروت ودمشق، وشملت الإعدامات مسلمين ومسيحيين وحكمت الدولة على بعضهم بالنفي والإعدام غيابيا وحجز الأموال، وقد ازدادت الأحوال سوءً بسبب الحصار الذي فرضه الحلفاء على الطريق البحرية وراح يجمع الحبوب للجيش التركي، وزادت أسراب الجراد الأحوال سوءً في سوريا وفلسطين ولبنان، ودافع جمال باشا عن سياسة إعدامه لهم بنشره مذكرات عام 1916، التي برهن فيها أن هؤلاء الزعماء كانوا خونة يعملون لحساب فرنسا([36([.

أدت مظالم جمال باشا إلى تطوير مطالب الحركات والأحزاب العربية من أسلوب التفاوض والحوار مع الاتحاديين والمطالبة بالإخاء العربي العثماني ونظام اللامركزية إلى التمرد والمطالبة بالاستقلال والانفصال عن الأتراك، ثم نفور العرب من حكمه، وعجلت في إضرام نار الثورة العربية التي قادها الشريف حسين بن علي، وبحكم مركزه الديني وموقع الحجاز الاستراتيجي والبعيد عن مركز حشد الجيوش وطرق المواصلات، ومركزه المهم كشريف لمكة الذي يشرف على الأماكن المقدسة واتصاله بوساطة أبنائه بالمراكز المدنية جعله أفضل مرشح لقيادة الحركة الناشئة.

كان الحسين بن علي يسعى نحو تأكيد مركز الحجاز منذ تعيينه شريفا عام 1908 والذي سبق له أن اصطدم بالوالي العثماني، وكان الإنجليز يرقبون أحوال الدولة العثمانية ونظراً لمعرفتهم بالتذمر الذي أظهره رعاياها العرب، لذا أدركت أهمية دفعها لثورة تحقق تحطيم الوحدة العثمانية وانهيارها داخلياً وخلق حرب أهلية تجبر العثمانيين على تحويل قوتهم نحوها، وقد بدأت علاقة الإنجليز بالحسين منذ ربيع 1912 بعد لقاء تم بين الأمير عبدالله بن الحسين وكتشنرالمعتمد البريطاني في مصر لبحث مدى استعداد بريطانيا لإمداده بالسلاح في حالة تورطه بمصاعب مع الدولة العثمانية([37([.

أسهمت اتصالات الحسين بوساطة ولديه فيصل وعبدالله مع أعضاء الجمعيات السرية والبريطانيين في تسيير دفة الأحداث ، وقيادته للثورة العربية.

التقى فيصل بن الحسين مع أعضاء الجمعيات العربية في دمشق في بيت نسيب البكري سراً ولاسيما أعضاء جمعيتي العربية الفتاة والعهد، والذين تدارسوا معه الموقف من الأتراك بعد أن ظهرت نواياهم في الكيد بالعرب، وتسنى له في أثناء سفره إلى الآستانة ثم رجوعه منها الاتصال مع ياسين الهاشمي أحد كبار الضباط في الجيش العثماني ومع أحمد قدري وغيرهم والذين عبروا له عن استعدادهم لإضرام نار الثورة في سوريا لتحرير البلاد العربية، وسألهم فيصل عن نوع المساعدة التي يطلبون فكان رد ياسين الهاشمي أنهم فقط يحتاجون لأن يكون فيصل في طليعتهم، وبعد عودة فيصل اجتمع واخوته مع والده في الطائف، وبعيدا عن عيون السلطة اتفقوا على الثورة والتعاون مع الإنجليز، وتحرير بلاد العرب من الأتراك([38([.

دارت مراسلات بين الحسين والسير مكماهون، وانتهت بإعلان الثورة العربية في العاشر من حزيران / يونيو 1916، وجاءت الثورة كثمرة تحالف بين البريطانيين والشريف حسين بن علي، وتضمنت وعوداً بريطانية حول استقلال العرب وإقامة مملكة عربية في المشرق العربي تحت زعامة الحسين بن علي.

تم تبادل رسائل عديدة بين الشريف و السير هنري مكماهون سفير بريطانيا في مصر وأهمها الرسالة المؤرخة بتاريخ 24 تشرين الأول / أكتوبر سنة 1915 والتي تقتطع أجزاء خارج المملكة التي وعد بها الحسين، ومما جاء في رسائل مكماهون: "…إن ولايتي مرسين وأجزاء من بلاد الشام الواقعة في الجهة الغربية لولايات دمشق الشام وحمص وحماة وحلب لا يمكن أن يقال أنها عربية ً محضة وعليه يجب أن تستثنى من الحدود المطلوبة "([39([.

في الوقت الذي كان فيه الحسين بن علي يفاوض مكماهون ويستعد لإعلان الثورة كانت بريطانيا تجري اتفاقاً مع فرنسا لاقتسام البلاد العربية، وكان هذا الاتفاق جزءاً من اتفاقية واسعة سميت باتفاقية سايكس بيكو ضمت روسيا وبريطانيا وفرنسا لاقتسام تركة الدولة العثمانية والتي صودق عليها في شهر نيسان / أبريل 1916([40([.

أبانت هذه الاتفاقية التي عقدها الفرنسيون والبريطانيون قبل نهاية الحرب العالمية الأولى في كشف عدم صدق بريطانيا في وعودها التي قطعتها للحسين، وبينت طبيعة التحالفات التي رسمها الاستعمار الغربي مع الحركة الصهيونية التي رسمت معالم جديدة للمشرق العربي، وقدمت بريطانيا لليهود وعد بلفور عام 1917 لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

وانعكست نتائجها في تقسيم الهلال الخصيب وتشكلت سياسية جديدة أضيفت للكيانات التي ولدت بفعل الهجوم الاستعماري البريطاني والفرنسي في القرن التاسع عشر، وأصبحت عوائق في طريق القومية العربية وقد توزعت أهداف الحركات العربية بين هدفي الاستقلال الوطني والوحدة العربية.

توجه الأمير فيصل عام 1919 إلى مؤتمر الصلح بباريس ليمثل والده، وقد رافقه بعض أعضاء جمعية الفتاة، وانتدب معه بتكليف من الحسين كل من عوني عبدالهادي ومحمد رستم وقد قوبل بمعارضة وعرقلة فرنسية ذللته بريطانيا فيما بعد وقد أوعزت فرنسا لوفود عربية من لبنان لحضور المؤتمر للمطالبة بدولة لبنان الكبير ووحدة سوريا وإشراف فرنسا عليها وتمخض عن المؤتمر إرسال لجنة كنج كراين لإجراء استفتاء في سوريا لكن فرنسا قابلتها بعدم الارتياح، وقد ضغطت على بريطانيا لإقامة العثرات والتلكؤ في المسعى بما ينسجم مع التآمر الذي وضعت أسسه في الحرب([.41])

عاد فيصل إلى سوريا عام 1920، ووجد نفسه أمام الرأي العام مرة ً أخرى وحاول إجراء تعديلات إدارية لتوسيع مهمة الحكومة المركزية، وعهد لأخيه زيد بتشكيل الحكومة وأصبح رئيساً للحكومة، وعين علي رضا الركابي مديراً للحربية وحاول فرض النظام بعد أن امتدت الأعمال الحربية في مناطق متقطعة ضد القوات الفرنسية من قبل القوات العربية غير النظامية من كليكيا إلى حدود فلسطين وتعهد فيصل للقائد الفرنسي غورو بتهدئة البلاد والحيلولة دون مهاجمة الفرنسيين وحاول التعامل مع فرنسا بعلاقات ودية وتبادل معها وجهات النظر لتسحب قواتها جزئيا من البقاع([42([.

تبع هذا العمل عقد المؤتمر السوري في 6 آذار / مارس 1920، والذي حضره فيصل وأركان حكومته، وخرج المؤتمر بقرارات منها النص على استقلال سوريا ضمن حدودها الطبيعية ورفض الإدعاء الصهيوني بالوطن القومي في فلسطين، وإعلان استقلال العراق أسوة بسوريا وإيجاد وحدة بين البلدين اللذين تجمعهما الروابط وتقرر بالإجماع تقديم العرش للأمير فيصل وجرت حفلة لتقديم البيعة في دار البلدية وسط حماس كبير، وكان هذا القرار معبراً عن الإرادة الشعبية بعد انتظار دام عام ونصف([43([.

لم تنل هذه التغييرات تأييد فرنسا أو بريطانيا، وهو ما أكدته قرارات مؤتمر سان ريمو في 25 نيسان / أبريل بتقسيم البلاد التي تقرر تقسيمها أثناء الحرب، وبهذا خضعت الأردن والعراق وفلسطين إلى الانتداب البريطاني، في حين تقرر انتداب فرنسا على سوريا ولبنان و تطبيق وعد بلفور في فلسطين([44([.

صممت فرنسا على بسط نفوذها على سورية مستغلة الاتفاقات مع بريطانيا وأرسل غورو مذكرة إلى الأمير فيصل في 14 يوليو / تموز، وعددت سلسلة شكاوى على أعمال الحكومة العربية، وطالبت بإشراف فرنسي على أعمالها واشترطت مجموعة من الشروط لا تقبل التجزئة، وعقد مجلس الوزراء اجتماعا وكان في خلاف حول الموقف من الإنذار بين مطالب بالمقاومة أو القبول بشروطه وانتدب فيصل ساطع الحصري للتوسط مع غورو الذي رفض وقف الجيش عن الزحف، وقدم إنذاراً جديداً وطالب بقبول تام للانتداب الفرنسي وواصل زحفه وانتهت الاشتباكات بدخول الفرنسيين، وسقط يوسف العظمة دفاعا عن شرفه العسكري وشرف سوريا، وكانت نهاية المناورات الفرنسية في ميسلون ، وعندها تلقت الحركة القومية العربية ضربة قوية، وتبعثر دعاتها ورجالاتها في مختلف الأقطار ليجابهوا حياة كفاح جديدة([45([.

بعد خروج فيصل من سوريا عمل المندوب السامي الفرنسي على إقامة أشكال من الحكم دون أن يكون للشعب رأي فيها، وقد قبلت وزارة علاء الدين الدروبي التعاون مع الفرنسيين على أساس الانتداب، وكان قائد الحملة الفرنسية قد جمع أعضاء الوزارة وحمل فيصل مسؤولية الأحداث، وحدد مسؤولية الحكومة وصلاحياتها وأنذرها باستخدام القوة عند عجزها عن إدارة الأحداث، وُصرع الدروبي بعد فترة وأعقبتها حكومة حقي العظم، وجزئت سوريا إلى دول لبنان الكبير وحلب والعلويين ودمشق وجبل الدروز، وسلخ الأردن وفلسطين وكليكيا وبرغم ذلك لم تعدم البلاد وسيلة الاحتجاج، ودبرت مؤامرة للقضاء على غورو وحقي العظم ولم تنجح([46([.

ظلت سورية تحت الحكم العسكري محبوسة الأنفاس ومخنوقة الحريات ويخيم عليها الإرهاب الفرنسي إلى أن عين الجنرال ويغان عام 1924 مفوضاً ساميا وحل القيود وجاء من بعده ساراي والذي خطا خطوة أوسع، وقد ذهبت إليه الوفود مطالبة بتحقيق أماني البلاد ولكنه طالبهم أن يتوحدوا أولا قبل أن يأتوه بمطالب بعدئٍذ تأسس حزب الشعب برئاسة الدكتور عبدالرحمن شهبندر، الذي صادقت عليه المفوضية الفرنسية في أواخر نيسان 1925 ومن برنامجه المطالبة باستقلال سوريا والحصول على حقوقها والحصول على حكومة ديموقراطية، وتوحيد سوريا لتضم كل الأقطار التي تشملها بحدودها و أقام الحزب مواثيق مع ثورة جبل الدروز، وعلى رأسهم سلطان باشا الأطرش، وبمجرد أن أحست فرنسا بهذه الصلة حرمته من العمل ، وضيقت عليه الخناق بالنفي والإبعاد والاعتقال لبعض رجالاته([47([.

وهناك أحزاب سورية نشطت في الخارج منها حزب الاستقلال والذي كان الهيئة السياسية الأولى في العهد الفيصلي، وقد داعبت رجاله فكرة عودة فيصل إلى سوريا ومقاومة الفرنسيين.

وقد نجحوا في تحريك حادث خربة الغزالة* في سوريا وإطلاق النار على غورو ، ولكن ما لبثوا أن اختلفوا مع الأمير عبدالله وانصرفوا عنه ولجأوا إلى مصر. ومن الأحزاب الأخرى حزب الاتحاد السوري واللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الذي نشط في القاهرة ،وسعى لإبراز القضية السورية على الصعيد الدولي بإذاعة البيانات والنشرات ، وكتابة المقالات وإرسال الوفود إلى مقر جمعية الأمم ، والاحتجاج على تجزئة البلاد والتنكيل بسكانها([48])

لم تمنع ظروف التجزئة، رجالات الحركة القومية العربية من اللقاء لبحث أمورهم في المؤتمرات اللاحقة، ومعاودة نشاطهم بتشكيل حركات ذات طابع قومي عربي.

ففي المؤتمر الإسلامي المنعقد في مدينة القدس عام 1931 لبحث القضية الفلسطينية ـ وعلى هامشه ـ تداعى عدد من القوميين العرب الذين حضروا المؤتمر وممن سبق لهم العمل في الحرب العالمية الأولى، وكانوا أعضاء في جمعية العهد ، أو جمعية "الفتاة " للتشاور والبحث بعد افتراق بعضهم عن بعض نحو عقد من الزمن، وقد وجدوا الفرصة سانحة لإعادة نشاط الحركة العربية بعد انشغالها بالقضايا المحلية، وعقد الاجتماع في أواسط كانون الأول/ يناير1931 في بيت عوني عبدالهادي ، وشهده قرابة خمسين شخصاً ،وبعد مداولات تم الاتفاق على وضع ميثاق قومي عربي يجدد نشاط الحركة العربية ، ويحدد أهدافها ودعا لعقد مؤتمر عربي عام، وقد بحث الأمر مع الملك فيصل الذي شجع فكرة عقد المؤتمر في بغداد، وقد وافق فيصل على دعمه، وكذلك عدد من الشخصيات العربية. حالت جملة معوقات دون انعقاده، ومنها النزاع بين الهاشميين والسعوديين، ومعارضه المندوب السامي، ثم عاجل موت فيصل في نهايته([49([.

كانت آمال القوميين العرب معلقة على الملك فيصل، وقد جرت معه لقاءات من قبل قادة حزب الاستقلال في فلسطين، وأعضاء من عصبة العمل القومي، والكتلة الوطنية السورية، وطرح فيصل فكرة توحيد الأردن والعراق، وعندما توفي رأوا فيه خسارةً لفلسطين، وللبلاد العربية، والحركة القومية العربية([50([.

تمخض عن المؤتمر الذي عقد في القدس تأسيس حزب الاستقلال في فلسطين الذي قام عليه عوني عبدالهادي، محمد عزة دروزة، صبحي الخضرا، أكرم زعيتر، رشيد الحاج ابراهيم عجاج نويهض فهمي العبوشي، الدكتور سليم سلامة، وتضمن بيانه الربط بين استقلال البلاد العربية والوحدة العربية التامة غير القابلة للتجزئة ، والتوكيد على عروبة فلسطين ، واعتبارها جزءاً طبيعياً من سوريا ، والعمل على تحقيق الأهداف بالاتفاق مع الهيئات المطالبة بالاستقلال في البلاد العربية([51([.

وفي سوريا تشكلت عصبة العمل القومي، وجاء ميلادها بعد فشل الكتلة الوطنية، وتحولها الفكري عن فكرة الوحدة العربية، والنص على المساعي الإقليمية، وعقدت عصبة العمل القومي مؤتمرها في لبنان في قرنايل سنة 1933، وقد أدى عجز الكتلة الوطنية عن خلق المد العربي إلى ظهور عصبة العمل القومي([52([.

وكان مؤسسو العصبة في غالبيتهم العظمى من المثقفين اللبنانيين والسوريين المنتميين إلى الطبقة البرجوازية الصاعدة في المدن، وقد أنشأت العصبة فروعا لها في دمشق، وحمص والاسكندرونة، وانبثق عنها مجلس تنفيذي ومنصب أمين عام شغله عبدالرازق دندش، وهو شخصية عربية اغتيلت بعد تأسيس العصبة بوقت قصير، وكان من بين قادتها صبري العسلي وفهمي محايري، وفريد زين الدين، وزكي الأرسوزي([53([.

اتسم برنامج العصبة بتحليله الشامل لأوضاع الوطن العربي، وطبيعة الاستعمار الغربي والحركة الصهيونية وأوضاع التجزئة، وحددت لها برنامجاً اقتصادياً، وتطرقت إلى أحوال المرأة، وخصائص الأمة العربية ودعت لمحاربة التعصب والطائفية الإقليمية، واعتبرت أن مجال عملها السياسي هو الوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ونظرت إلى المصلحة الوطنية من زوايا علاقتها بالمصلحة القومية العربية، وربطت النضال من أجل تحقيق الاستقلال في كل قطر عربي بالنضال القومي الوحدوي ، وأصرت على انتهاج خط أخلاقي متصلب سواءً على صعيد سياستها العامة، أوعلى صعيد نهج أفرادها، وهو ما ترك آثاره على حركة البعث في مستهل نشأتها الأولى([54([.

نالت العصبة تأييد الكتلة الوطنية السورية التي كانت دون إطار سياسي واضح ورأت أن بإمكانها الاعتماد عليها، ولكن العصبة أخذت عليها سياسة " خذ وطالب"، وكانت العصبة تمتنع عن أي تعاون مع الانتداب الفرنسي حتى أنهم رفضوا قبول الوظائف. لقد انتهت العصبة وأصيبت بهزات سياسية كبيرة مرة بعد موت أمينها العام عبدالرزاق دندش، وأخرى حين قبل أمينها الثاني صبري العسلي بدخول المجلس النيابي ففصل من العضوية، واستمرت وزادت قوة حتى جاءتها أقسى ضربة بانسحاب زكي الأرسوزي منها الذي منحها القوة خلال المرحلة الممتدة بين 1933- 1939. وفي بداية الحرب العالمية الثانية أوقفت نشاطها([55([.

تبع قيام العصبة ظهور( الحزب القومي العربي)، والذي قام في العراق وسوريا والذي أكد أهمية الخروج على النضال القطري ، وبناء حزب قومي ، وكان من بين أعضائه العراقيين يونس السبعاوي، ومن أعضاء الحزب أعضاء نادي المثنى بالعراق ، والنادي العربي في سوريا([56([.

ويذكر جلال السيد أحد مؤسسي البعث أنه كان عضوا في هذا الحزب الذي وصفه بأنه" حزب سياسي ضخم، ولكنه سري، ضم عددا كبيرا من رجالات العرب، وبرنامج الحزب شبيهاً ببرنامج البعث …وكان أعضاؤه يدخلون في كل المنظمات… من ناحية المحتوى الاشتراكي كان اقل شمولاً من حزب البعث ويمكن القول أن له دورا في الحركات الخطيرة كحركة رشيد عالي الكيلاني.. كان يونس السبعاوي وزير الاقتصاد في حكومة رشيد عالي، وهو في الوقت نفسه حاكم بغداد العسكري… وكذلك درويش المقدادي وسعيد الحاج ثابت وكان الحزب على صلة بالأستاذ ساطع "([57([.

تعتبر قضية فلسطين من القضايا العربية ذات الشأن في نشوء القومية العربية وإثارة الشعور العربي الوحدوي منذ عام 1891، حيث أرسل عدد من زعماء القدس إلى الصدر الأعظم احتجاجا يطالبون فيه منع اليهود من الهجرة إلى فلسطين، وشراء الأراضي، وكان حافظ بك السعيد نائب يافا في " مجلس المبعوثان"، قد أثار تساؤلا فيما إذا كانت حركة الاستيطان اليهودي تنسجم مع مصالح السلطنة العثمانية، وطالب باتخاذ تدابير لازمة تحول دون دخول المهاجرين اليهود للبلاد، وعاد ت المشكلة لتثار من جديد عام 1911 من قبل شكري العسلي مندوب دمشق، وروحي الخالدي مندوب القدس([58([.

ورغم أن الفلسطينيين كانت لهم مساهمات وأعضاء منضوون في الجمعيات العربية العلنية والسرية منها، إلا أن الطابع العام للحركة القومية ظل هو المسيطر كما هو الحال في مؤتمر باريس1913 ،واستغرق المؤتمر في بحث الوسائل الكفيلة باستقلال العرب عن الأتراك ، وأحوالهم في السلطنة العثمانية ،وأهمل البحث في أخطر القضايا ،وهي القضية الفلسطينية التي لم يسهب في دراستها([59([.

وفي عام 1918 ثار جدل حول موقف فيصل من الحركة الصهيونية بعد أن التقى بالزعيم الصهيوني حايم وايزمن وعددا من قادة الحركة الصهيونية في العقبة، ونسب إليه توقيعه باللغة العربية على وثيقة كتبت باللغة الإنجليزية تنطوي على إظهار عطفه مع الحركة الصهيونية، واشترط فيها أن تقوم مملكة عربية من رفح حتى الخليج وجبال طوروس، و تعترف للحركة الصهيونية ببناء وطنها القومي في فلسطين والتعاون مع الحركة القومية العربية، وقد رد فيصل بأن فلسطين جزء من المملكة العربية التي يطمح لها العرب، وناشد اليهود التعاون معه في إنشاء مملكة عربية، حتى إذا زاد عدد اليهود أصبحوا ولاية من الولايات العربية([60([.

الا أن اكثر فترات القضية الفلسطينية شهدت تحريكا للمشاعر الوحدوية كانت في ثورة 1936 ـ 1939 ،إذ شهدت القضية الفلسطينية تحريكا للموقف الشعبي والرسمي العربي ، وقامت المظاهرات في العديد من المدن العربية، وتسرب إلى فلسطين المتطوعون العرب وخاصة من العراق وسوريا يقودهم فوزي القاوقجي* على رأس قوة ضمت خمسمائة متطوع([61([.

وقد أصدرالقاوقجي بيانا قال فيه: " إنه ليغبطني، وقد شرفني إخواني المجاهدون بقيادة الثورة العربية في سورية الجنوبية أن أدعو القادرين من أشبال العرب إلى السلاح أجل إلى السلاح يا أشبال العرب تحقيقا للأماني القومية وإنقاذ فلسطين العزيزة ومن براثن العبودية والغزوة الصهيونية والمطامع البريطانية … "([62([.

كانت المرة الأولى التي تأخذ فيها ثورة فلسطين مداها القومي، بعد أن كانت الثورات العربية لا تخرج عن مداها القطري بفعل التجزئة، وهي التي شارك فيها العراقيون، والسوريون والفلسطينيون([63([.

لم يقتصر وجود الحركات السياسية في هذه الفترة على الجمعيات والأحزاب ذات النزعة لقومية العربية، فقد تصارعت وتمايزت حركات وأحزاب في نزعات فكرية عديدة.

ففي سوريا تأسست الكتلة الوطنية، وهي ذات اتجاه ليبرالي، وفيها انتشرت أحزاب ذات طابع ديني كجماعةالاخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في مصر، ومنظمة الكتائب اللبنانية، وهي طائفية مارونية، ومنظمة النجادة، وهي حركة طائفية سنية، و نشأ الحزب الاتحادي الدستوري في القاهرة على أيدي سوريين كقاعدة للعمل القومي ثم اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني واتجاه اشتراكي وشيوعي مثل: جماعة الأهالي في العراق، والحزب الشيوعي اللبناني، والحزب الشيوعي السوري، والحزب الشيوعي الجزائري، والحزب الشيوعي العراقي([64([.

اتسم موقف الحركة الشيوعية العربية بالعداء تارة وبالغموض تارةً أخرى تجاه قضية الوحدة العربية والقومية العربية، فالحزب الشيوعي الجزائري ظل يعادي فكرة الوحدة العربية والدعوة لاتحاد الجزائر حتى عام 1957، و لم يحدد الحزب الشيوعي العراقي موقفه الرسمي من القومية العربية حتى عام 1944، رغم أن العراق كان في فترة ازدهار قومي عربي ، وتجلت صورته في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941([65([.

ولم تقتصر حركة الوعي القومي على الحركات والأحزاب، فقد أسهم مفكرون عرب ومنهم ساطع الحصري في توضيح وشرح معنى القومية العربية، حيث يعتبر ساطع شخصية مرموقة احتلت منصب وزارة المعارف في حكومة فيصل الأول السورية، وقضى زمنا من حياته مدافعا عنها في وجه الدعوات الإقليمية، ودافع عن عروبة مصر، وقامت فكرته الأساس على أن الأمة العربية موجودة بالفعل، وعمادها الأساس اللغة العربية، ويلي هذه الأهمية التاريخ أما الدين فيقلل من أهميته إلا إذا اتحد الدين مع لغة من اللغات كما حصل في العروبة([66([.

وفي الجامعة الأمريكية في بيروت قام الدكتور قسطنطين زريق في أواخر الثلاثينيات بنشر الفكرة القومية العربية بين الطلاب العرب الذين حضروا ندواته في "جمعية العروة الوثقى "، التي مثلت الملتقى الفكري القومي لعدد من الشباب الذين لعبوا دورا نضاليا وقوميا فيما بعد في كل من سوريا، والعراق ،ولبنان، وفلسطين([67([.

رغم الدعوة للوحدة العربية فإن التجزئة العربية تعمقت في حين عانت الأمة العربية من سلب حرية أقطار عربية لم تتحرر بعد، ومن وجود استغلال طبقي ودوراً اجتماعياً لمصلحة فئة من الشعب، ورسم غياب الربط بين الوحدة العربية والاشتراكية أو الاختلاف في تحليل الظروف التاريخية التي تمر بها الأمة العربية قبيل الحرب العالمية الثانية الطريق لصياغة أيديولوجيا تربط بين قضايا الوحدة والتحرير والاشتراكية ومن هذه النظرة للواقع العربي رشحت أفكار البعث، يقول ميشيل عفلق: "… لقد أعطت حركة البعث للعروبة مفهومها الحديث ومضمونها الإيجابي الثوري بعد أن كانت العروبة لفظة فارغة غامضة… وأصبحت القومية العربية مرادفة لحياة الشعب العربي ومشاكله السياسية والاقتصادية والفكرية وأصبحت تعني في وقت واحد الثورة على التخلف والظلم الاجتماعي، والثورة على التجزئة… لقد قدر لحزب البعث الاشتراكي أن ينقذ الأجيال الصاعدة من الضياع بين العصبية الإقليمية والثورة الأممية ووضعها في صميم العمل التاريخي… "([68([.

لم يكن البعث الوحيد من بين الأحزاب في دعوته للوحدة العربية، فقد ظلت فكرة الوحدة العربية في صلب مبادئ الأحزاب والحركات ومنطلقاتها السياسية وقد أحصى المفكر القومي العربي، ساطع الحصري 16 حركةً وحزباً في بلاد الشام والعراق، كانت قائمة ً عام 1945، التي جعلت مبادئ الوحدة العربية أساسيات عملها ومن بينها حزب البعث الذي وصفه بأنه من أكثرها اهتماماً بقضايا الوحدة العربية([69([.

كان لابد أن تنشأ حركة سياسية جديدة، وقومية الاتجاه، طالما ظلت بلاد الشام مسرحا لحركات قومية تنشأ تباعا، كما أظهرت النصوص السالفة الذكر، ثم أن حاجة العرب للوحدة العربية، والقضاء على التجزئة ستدفع إلى ميلاد حركة جديدة، ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية، وأمام مفصل تاريخي هام، وظهور التكتلات الدولية المختلفة، وظهور الثورات الحررية القومية في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وعلى ضوء ذلك نشأ حزب البعث وغيره من الحركات القومية العربية المعاصرة في سياق هذه التطورات، وكان البعث امتداداً لها إلا أنه يختلف عنها نوعاً وكمًا، كما سيظهر لاحقاً.

2) دور ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار في تأسيس حزب البعث

عرف ميشيل عفلق ،وصديقه صلاح الدين البيطار، كمؤسسين لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، ورغم أن صلاح الدين البيطار أسهم في تأسيس حزب البعث إلا أن ميشيل عفلق طبع حزب البعث بنظرته طيلة ربع قرن، " واثر فيه تأثيرا عميقا " بحيث أنه يصعب فهم مواقف حزب البعث دون معرفة رأي عفلق فيها([70([.

ولد ميشيل عفلق في زقاق الموصلي بحي الميدان في دمشق عام 1909، ويقع جنوب مدينة دمشق في حينه، وهو معروف بوطنية أبنائه ومقاومتهم للفرنسيين. وكان والده تاجر حبوب، وتأثر عفلق بوالده يوسف الذي كان على علاقة حسنة ومتميزة مع المسلمين في حي الميدان، وهوماترك أثره في عفلق وتحليله للإسلام فيما بعد. وفي ذلك الحي ولد رفيقه صلاح الدين البيطار الذي لا يقل عنه ذكاءً وهو سني محافظ، ورغم تشابههما في النشاط والمستوى الاقتصادي إلا أن عفلق درس التاريخ أما صديقه فدرس الطبيعيات([71([.

سافر عفلق والبيطار إلى باريس للالتحاق بالدراسات العليا، وهناك تعرف الشابان على النظريات المختلفة، وأقاما علاقات مع الاشتراكيين الفرنسيين، وتسنى لهما الاتصال بالشباب العربي الإفريقي، والإطلاع على هموم الشعب العربي الرازح آنذاك تحت الاستعمار الفرنسي والاختلاط بطلاب من فلسطين والاطلاع على سياسة الحركة الصهيونية وتأثر عفلق والبيطار بزعيم الاشتراكيين الفرنسيين أندريه جيد، الذي زار الاتحاد السوفيتي ،وعاد إلى بلاده معارضاً السيطرة السوفيتية على الأحزاب الماركسية، وتأثر ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار بهذا الموقف، ورجعا إلى سوريا ساخطين على موقف الشيوعية، وعزز ذلك تجاهلها لقضية الوحدة العربية والخصوصية القومية للأمم الأخرى، وهما أشد تأثراً بالتجربةالوحدوية الإيطالية والألمانية، ووجدا أنها اقرب لتفكيرهما([72([.

كانت معرفة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار بالمشكلة السورية عام 1928 بسيطة، وكانت القضيةالوطنية بالنسبة لهما تطرح مسألة نضال الأمة ضد الاستعمار، ولكن بعد دراستهما في فرنسا توصلا لتحديد مشكلات بلدهما في اثنتين هما: ـ مشكلة قومية ناتجة عن السيطرة الاستعمارية، ومشكلة اجتماعية جاءت من خضوع المجتمع للاستغلال، والجهل والاستبداد ؛ ولذا رجعا يحملان الفكرة الاشتراكية ،ويؤمنان بالنضال الشعبي، ويعتبران الطبقة التي تمثل الحركة الوطنية السورية لا تستطيع أن ترتفع عن مصالحها الاقتصادية الأنانية والعائلية، ولهذا فإن الأمة بحاجة إلى انقلاب فكري وأخلاقي عميق يهز النفوس من الأعماق([73([.

كان عفلق من كتاب القصة، والمسرحية، والشعر قبل أن يؤسس البعث، فقد كتب المقالة القومية والقصة القصيرة، واشتهر بنتاجه المبدع في مجلة الطليعة الأدبية في سوريا، وعلى صفحاتها نشر بواكيرنتاجاته الأدبية، ومن بينها نشر مقال " عهد البطولة " ،ومقال " ثروة الحياة " ومسرحية " موت السندباد"([74([.

لقد شهد شاكر مصطفى على قدرته الأدبية، ومما كتبه حول عفلق: ـ " هو السمفونية التي لم تتم في الأدب العربي الحديث ! إهاب شاعر حالم، وثقافة لا أعمق ولا أصفى، مثالية في الإيمان القومي تحسبها من غير هذا العالم القريب. دخل الجو الأدبي من بابه الأوسع فكان ثورة … لقد التقى فيه الانسجام والوفاق أخصب تيارات الفكر الإنساني… مع أعمق الوعي للتراث العربي، فكان إيمان بالشعب، إيمان بالعمل، إيمان بالبطولة المبدعة …"([75([.

عمل عفلق بعد تخرجه في جامعة باريس، وعودته إلى سوريا في حقل التعليم، وفي مدرسة التجهيزات ( مكتب عنبر سابقا )، وهو ثانوية الحكومة الرئيسة في سوريا، ويقع في منطقة اسمها مئذنة الشحم وسط العاصمة دمشق، وعمل صلاح البيطار في مدارس حمص، وكانت في سوريا يومها مدرستان ثانويتان حكوميتان: واحدة في دمشق وأخرى في حلب لعدد من المواطنين السوريين بلغ تعدادهم 3,5 مليون نسمة، وكانت هذه المدارس تشكل فرصة طيبة للقاء الأساتذة مع الطلاب وبث أفكارهم، وتوصيلها إلى الطلاب القادمين من أنحاء سوريا([76([.

يشكل عام 1940 البداية الأولى لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، وقد بدأت هذه الفكرة بالعمل تحت إسم حركة الإحياء العربي ،التي تحولت إلى حركة البعث العربي لاحقا. وحول هذه البداية ذكر سامي الجندي ـ من الرعيل الأول في حزب البعث ـ أنه مع نهاية عام 1939 وبداية عام 1940 كانت في سوريا مجموعتان تعملان على بعث وإحياء الأمة العربية ونهوضها وهما: مجموعة البعث التي أسسها زكي الأرسوزي، التي تأسست في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1940، التي ضمت يومها ستة أشخاص ،وبلغ عدد أعضاؤها في جامعة دمشق اثني عشر شخصاً، ومجموعة أخرى أسسها ميشيل عفلق والبيطار التي حملت اسم البعث تارةً والإحياء العربي تارةً أخرى والتي وزعت منشورا باسم البعث العربي في عام 1941، وقد انفرط عقد جماعة الأرسوزي، و انضموا تباعا لتنظيم عفلق والبيطار. تواصل دور عفلق سياسيا وتراجع دور الأرسوزي الذي أصبح غير مؤمن بجدوى العمل السياسي وقتئذٍ. أصبح تنظيم البعث المعبر عن القومية العربية في مناخ سياسي يضم تيارات مختلفة([77([.

حول البدايات الأولى لتأسيس حزب البعث يقول صلاح الدين البيطار أحد مؤسسي حزب البعث " في أواخر الثلاثينات كنا نوقع النشرات ضد الأوضاع في سوريا وضد الأوضاع العربية تحت اسم الإحياء العربي، وبعد ذلك أثناء الحرب بدأت كلمة البعث تظهر وتتردد على الألسنة من خلال الأحاديث والندوات التي كانت تنعقد في بيوت بعض الطلبة "([78])

مع بداية الأربعينيات أصدر البعث نشرات تارة باسم حركة الإحياء العربي وتارةً أخرى باسم "حركة نصرة العراق " حتى استقر باسم البعث العربي عام 1943([79([.

كان البعث في سنوات 1940 ـ 1943 أشبه ما يكون بندوة فكرية يلتف فيها طلاب حول معلميهم، وليس لها بناء تنظيمي.

في ربيع عام 1941 توترت العلاقات بين بريطانيا ووزارة رشيد عالي الكيلاني وانتهت بإقالتها وتشكيل وزارة برئاسة طه الهاشمي، وجاء الصدام في نيسان / أبريل 1941 حينما التجأ الوصي على العرش عبد الإله إلى القوات البريطانية وانتخب الشريف شرف وصيا على العرش والذي كلف بدوره الكيلاني بتشكيل الوزارة للمرة الثانية، ولاقت الثورة العراقية الدعم من حكومة فيشي الفرنسية الحامية لسوريا في حين بدأت القوات البريطانية والجيش العربي بالهجوم من جهة الغرب على قاعدة الحبانية فكانت الثورة التي قادها وزير الدفاع الرجل الوطني يونس السبعاوي و"الرباعي الذهبي"* واندفعت الجماهير تغلي في ثورة، وكانت قوات المفتي الحاج أمين الحسيني، وفوزي القاوقجي تنتظم وتجمع المجاهدين وتقوي الآمال بالثورة التحررية القومية الشاملة، وتألفت لجان نصرة العراق في المدن السورية ،وقد أقبل حزب الشباب الذي يقوده أكرم الحوراني في نصرة الثورة وأقبل السوريون على دعمها بسخاء([80([.

وجدت الحركة الوليدة ما يعبر عن احتجاجها على الأوضاع العربية ورفضها للاستعمار من خلال ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، ولم يكتف البعثيون عند حدود التأييد، بل أسسوا " حركة نصرة العراق "، وكان عفلق قد كتب وثائقها([81([.

في هذا الجو الحماسي شكل مؤسسو البعث، وهم: عفلق، والبيطار والسيد حركه ذات تنظيم قائم وأسس ومفاهيم سياسية وقد تناول هذا التنظيم نداءات جرى توجيهها للشعب السوري واسم التنظيم وغاياته والقائمين عليه، ومثلت " حركة نصرة العراق " التربة الفكرية للبعث.

وقد أكدت أهمية الوقوف مع العراق لما في ذلك من فوائد روحيه وسياسية وقومية ومن غايات التنظيم: تعميم فكرة التنظيم العربي والوحدة العربية، وتعجيل سيرها، وإمدادها بروح جديدة من حرب العراق وطالبت الطلاب بأن يشتركوا في حركة نصرة العراق، ويتقاسموا الأعمال ويؤلفوا اللجان ويقوموا بأعمال الدعاية عن طريق الخطابة، والحديث، وتوزيع المنشورات، وبث الشعارات، ومراقبة تطبيق النظام وردع المخالفين، وجمع الإعانات من الطلاب والمعلمين والشباب وتنظيم التطوع للتطبب والتمريض، ودعت لتنظيم الحياة في جوانبها المختلفة لخدمة حرب العراق([82([.

كان تأثير ثورة العراق كبيرا على قادة البعث، وهي من أكبر الحوافز في قيام البعث واعتبروا أن فشلها يقضي على الآمال القومية العربية، وأجمعوا على تعديل الأسلوب المتبع من الرد الإقليمي والقطري إلى الرد القومي الشامل وقد أفادت الثورة في شحذ الهمم والشعور القومي وتعميقه، وإنارة الطريق أمام القيادات والابتعاد عن الارتجال والنزوات الشخصية([83([.

وتابع الرفيقان ميشيل عفلق ،وصلاح الدين البيطار نشاطهما إلى أن جاء قرارهما بتقديم الاستقالة من التدريس في 3 تموز 1942 ؛ بحجة تدخل الإدارة الفرنسية في التعليم، وتحديد المناهج وتوظيف الأشخاص حسب مشيئتها ومما جاء في كتاب الاستقالة " إننا بعد الذي لمسناه في فحص الكفاءة من تشويه للحقائق ،وستر أخطاء المسؤولين من موظفي المعارف واتباع أساليب ملتوية تشبه التآمر، ولما كنا يائسين من أي إصلاح في مصلحة الامتحانات التي تستمر منذ زمن بعيد في أخطائها: ـ رأينا من الآن فصاعداً عدم الاشتراك في مثل هذه الفحوص ونحن واعون لعملنا، نتحمل كل تبعاته " ([84([.

وفي عام 1943، جرت انتخابات نيابية في سوريا ، وكان الهدف منها إجراء انتخابات ليتسنى لرجال الكتلة الوطنية ممارسة الصلاحيات التي مارسها الفرنسيون، وتنشأ عنها حكومة شرعية ومجلس أمة يحق لهما التفاوض باسم الشعب ([85]) ،وقد شارك في هذه الانتخابات ميشيل عفلق مرشحاً في دمشق، واصدر بيانه الانتخابي والذي أفصح عن منهج فكري، وفيه بين عفلق رؤية البعثيين الأوائل تجاه الطائفية، والعائلية والإقليمية والعروبة والشيوعية، والدين وغاية البعث وأسلوب عمله ومنهج تفكيره ورؤيته للعلاقة بين المسيحيين العرب والمسلمين ويعتبر هذا البيان بمثابة البيان الأول في تاريخ حركة البعث وتوضيحاً لأهدافها التي دخل فيه الانتخابات: " ندخل الانتخابات، لا بإسم طائفة، ولا مدينة، ولا مصالحٍ قريبة أو ظروفٍ سياسيةٍ عاجلة، بل باسم فلسفة قومية نريد أن تكون إفصاحا صادقاً عن الحياة العربية في حقيقتها الخالدة نمثل الروح العربية ضد الشيوعية المادية نمثل التاريخ العربي الحي ضد الرجعية الميتة والتقدم

المصطنع نمثل القومية التامة … ضد القومية اللفظية التي لا تتعدى اللسان.. نمثل رسالة العروبة ضد حرفة السياسة نمثل الجيل العربي الجديد. "([86([.

فشل ميشيل عفلق في الانتخابات، ولكنه حصل على 145 صوتاً، بما يفوق عدد أعضاء البعث يومها ([87]) .

واصل عفلق والبيطار لقاءهما مع طلاب مدارس التجهيز الثانوية، ومع طلاب الجامعة السورية في سبيل نشر فكرة البعث العربي، وكانت الفئة الطلابية تجمعها روابط التيار الفكري الذي يلتف حول مجموعة مثقفة. ليس لديها برنامج فكري واضح سوى أفكار مثالية تؤكد أهمية الوحدة العربية والعدالة الاجتماعية، وأخذ الشباب المثقف لزمام القضية بيده، إلا أن الظروف المختلفة التي أحاطت بالحركة والعمل السياسي اليومي، وخوض المعارك المختلفة ضد جميع القوى السياسية الموجودة دون استثناء من قوميين سوريين ومرورا بالكتلة الوطنية والشيوعيين، وقوى الاحتلال، جعل حركة البعث تعمل على صياغة فكرها، وتبلور اتجاهاتها وتعمل على تنظيم تيارها الفكري([88([.

وبحكم التفاعل مع الواقع الموضوعي المعاش كان لا بد أن يهتم البعث بالقضايا المهمة مثل مفهوم الأمة العربية، والوحدة العربية، ثم النظرة إلى الدين الإسلامي والشيوعية تتوافق أو تصطدم مع نظرة الأحزاب الأخرى.

كانت أولى القضايا المهمة التي تصدى لها عفلق في محاضراته على مدرجات جامعة دمشق قضية الدين، إذ ألقى محاضرة بعنوان: " ذكرى الرسول العربي " في الخامس من نيسان/ أبريل عام 1943، والتي تضمنت نظرة توفيقية بين العروبة والإسلام، وبين الثورة والجهاد التي أكدت على رفض الإلحاد، ولقد اعُتبرت هذه المحاضرة من المحاضرات القيمة في تاريخ البعث التي نشرت في كتيب يحمل عنوان " ذكرى الرسول العربي " ويذكر ياسين الحافظ* أنها كانت وسيلة مهمة في استقطابه للحزب وأشار إلى ذلك في قوله: " إن من البيان لسحرا " والواقع أن البلاغة والحرارة والميتا فيزياء الثورية التي طبعت أسلوب هذا الكراس وأفكاره لعبت بلا جدال دورا كبيرا في تحويله إلى "البيان " الحركة القومية "([89([.

ويذكر بعثي من الرعيل الأول في العراق أنه كان حينما يقرأ ها ويصل جملة عفلق المشهورة التي قالها " إذا كان محمد كل العرب فليكن العرب محمداً " تنتابه قشعريرة وتسري في عروقه برودة وكأنه يسمع الوحي من جديد، وكأن غار حراء أصبح الوطن العربي وفيه تتراءى صفات النبوة والكمال في كل بعثي([90([.

وتناول هذا البيان علاقة العروبة والإسلام، واعتبرها كعلاقة الجسد بالروح ونظر للإسلام بمنظور حضاري، وليس مجرد ممارسة شعائري، وربط بين الدين والتراث الحضاري للعرب فهو يمثل أروع صورة للغتهم وآدابهم، واضخم قطعة من تاريخهم والإسلام يمثل تجدد العروبة وتكاملها وكانت رسالة الإسلام مفصحة عن يقظة القومية العربية، ولذا لم يتوسعوا في فتوحاتهم لغرض اقتصادي بل لتأدية واجب ديني أساسه الرحمة والعدل وبذل النفس، وقد حشدت الأمة قوتها فأنجبت محمدا الذي بإمكاننا أن نعيش حياته مادام الفرد ينتمي للأمة التي أنجبته، ولو بصورة جزئية "كنسبة الحصاة إلى الجبل والقطرة إلى البحر"([91([.

مع بداية عام 1943 جرى تسمية الحركة الناشئة باسم " حركة البعث العربي "، وقد أسهمت الاعتداءات الفرنسية على لبنان، ومحاولة السلطة في سوريا جعل ما يجري في لبنان قضية محلية وقد أدركت حركة الأحياء العربي أهمية تأسيس حركة سياسية تأخذ على عاتقها العمل للقضايا العربية مجتمعة ودعت إلى تضافر القوى الشعبية والرسمية في سبيل تحرير سوريا ولبنان([92([.

أخذت حركة البعث العربي تشهد توسعا وامتدادا في ضم الشباب إليها، وكلما شاركت في المعترك السياسي السوري آخذت تتضح معالم فكرها الجديد وبرنامجها السياسي، وفي عام 1946خطت الحركة خطوة مهمة أسهمت في توحيد فكر البعثيين الأوائل، وتمثلت بإصدار صحيفة البعث في عام 1946، والتي عمل البيطار وعفلق محررين فيها، وقد اهتمت بنشر المقالة الفكرية والتحليل السياسي([93([.

تبع ذلك قيام المؤتمر التأسيسي الأول الذي عقد في دمشق في 4-6 نيسان / أبريل 1947 والذي بحث قضايا عديدة، وخرج بتشكيل لجنة تنفيذية للحزب أطلق عليها اللجنة التنفيذية وانتخب عفلق عميدا للحزب وعضوية جلال السيد، وصلاح البيطار، ووهيب الغانم إلى جانب وضع دستور البعث والذي حدد موقفه من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية([94])

وحضر مؤتمر الحزب قرابة مائة عضو، ومن بينهم أفراد قلائل من العراقيين والأردنيين واللبنانيين، واعتبرت المرحلة السابقة مرحلة تأسيسه اقتصرت على توضيح فكرة القومية العربية والوحدة العربية([95([.

[1])انظر :الدوري ، عبد العزيز: الجذور التاريخية للقومية العربية ، الناصرة : مطبعة دانيال ،ط2 ، 1986 ، ص 56 ـ 57و 61 .

[2])انظر :الحصري ، ساطع : أبحاث مختارة في القومية العربية التي كتبها ، ونشرها المؤلف في تواريخ مختلفة 1923ـ 1963، القاهرة : دار المعارف ، ص 60 .

[3]) سعيد، أمين: الثورة العربية الكبرى. النضال بين العرب والترك، القاهرة: مكتبة مد بولي، 1999 ص 10.

[4]) انظر: عفلق، ميشيل: في سبيل البعث، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 1970. ص 111و 179 ـ 180.

[5]) أنطونيوس، جورج: يقظة العرب تاريخ حركة العرب القومية، ترجمة ناصر الدين الأسد وإحسان عباس ط2، بيروت: دار العلم للملايين، 1966، ص 85 ـ 86.

[6]) أنطونيوس، جورج: يقظة العرب ، ص87.

[7])انطونيوس، جورج: المرجع السابق، ص90.

[8])انظر: محافظة، علي: موقف فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الوحدة العربية 1919ـ1945، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1985، ص30.

[9])أنطونيوس، جورج: مرجع سابق، ص97.

[10])انظر: أنطونيوس، جورج: يقظة العرب، ص 114 ـ 115.

*ولد الطهطاوي في مصر عام 1801، والتحق بالأزهر، ثم بالجيش المصري ليصبح واعظاً وإماماً، وبين عامي 1826ـ 1831 كان مسؤول البعثة المصرية إلى فرنسا ، وعمل فيها مرشداً وإماما، وعاد منها يترجم علوم الحضارة الغربية وفنونها داعيا إلى تخطي عصور التخلف والظلام ، ووصف مشاهداته في كتابه(تخليص الإبريز في تلخيص باريز أو الديوان النفيس بإيوان باريس )، واستعرض فيه جوانب مختلفة من حياة الفرنسيين، ممتدحا تجربتهم السياسية، ( انظر: الطهطاوي ، رفاعة: تخليص الابريز في تلخيص باريز، أو الديوان النفيس بإيوان باريس، الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي، دراسة وتحقيق: محمد عمارة، كتاب التمدن والحضارة، ج 1، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973،ص 29ـ 30 ) .

[11]) انظر:الطهطاوي،رفاعة: كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز أو الديوان النفيس بإيوان باريس ،كتاب السياسة الوطنية والتربية ج2 ، ص 433 ـ 434.

وانظر أيضا:علوش، ناجي وآخرون: الحركة العربية القومية في مائة عام 1875 ـ 1982، عمان: دار الشروق، 1997، ص 12.

[12]) الطهطاوى ، رفاعة : مصدر سابق ج2 ، ص433 .

[13]) انظر: الكواكبي، عبد الرحمن: كتاب أم القرى وهو كتاب ضبط مفاوضات مؤتمر النهضة الإسلامية المنعقد في مكة المكرمة سنة 1316، مصر: المكتبة التجارية، 1931، ص3، و137.

[14]) الكواكبي، عبدالرحمن: المصدر السابق، ص 196 ـ 197.

[15]) تابيرو، نوربير: الكواكبي المفكر الثائر إسهام في دراسة الإسلام الحديث، بيروت: دار الآداب، 1968، ص 58.

وأيضا انظر: علوش، ناجي: حوار حول الأمة والقومية والوحدة، ط1، عكا: دار الأسوار، 1998، ص 39.

[16]) انظر: فرح، إلياس: مقدمة في دراسة المجتمع العربي والحضارة العربية، بغداد: دار الحكمة 1990، ص 136 ـ 137.

[17]) انظر: كوثراني، وجيه: الاتجاهات الا جتماعية السياسية في جبل لبنان والمشرق العربي 1860 ـ 1920، التاريخ الاجتماعي للوطن العربي مساهمة في دراسة أصولها و تكونها التاريخي، ط 2، بيروت: معهد الإنماء العربي 1978، 126، و 128.

[18])انظر: كوثراني، وجيه: المرجع السابق، ص 128.

وانظر أيضا: أنطونيوس، جورج: يقظة العرب تاريخ الحركة القومية العربية، ص 152.

وأيضا: زين، نور الدين زين: نشوء القومية العربية مع دراسة تاريخية في العلاقات العربية التركية، عكا: مكتبة السروجي 1978، ص 60.

[19]) انظر: كوثراني، وجيه: المرجع السابق، ص128، و130ـ 131.

[20]) انظر: الحصري، ساطع: البلاد العربية والدولة العثمانية محاضرات ألقاها على طلاب المعهد، القاهرة: جامعة الدول العربية ـ معهد الدراسات العليا 1957، ص90 ـ ص 91.

[21]) انظر: الحصري، ساطع: البلاد العربية والدولة العثمانية، ص 93.

[22]) انظر: الحصري، ساطع:المرجع السابق، ص 93 ـ 94.

[23]) الحصري، ساطع: محاضرات في القومية العربية، ص112 ـ 113.

[24]) انظر: عازوري،نجيب: يقظة الأمة العربية، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، (ب.ط )، ص 48 .

[25])انظر: الحصري، ساطع: محاضرات في القومية العربية، ص111ـ 113.

[26])الحصري، ساطع: المرجع السابق، ص 83.

[27])الحصري، ساطع: المرحع السابق، ص 95 ـ 96.

[28])الحصري، ساطع: المرجع السابق، ص99 ـ 101.

[29]) انظر: سعيد، أمين: الثورة العربية الكبرى، تاريخ مفصل جامع للقضية العربية في ربع قرن النضال بين العرب والترك، مج1، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1999، ص 10 ـ11.

[30]) انظر: سعيد، أمين: الثورة العربية الكبرى، مج 1، ص 12ـ 13.

* من أبرز الجمعيات: جمعية الإخاء العربي العثماني، والمنتدى الأدبي، والجمعية العربية "الفتاة "، والجمعية القحطانية، والعلم الأخضر، وحزب اللا مركزية العثماني، وجمعية بيروت الإصلاحية، وجمعية البصرة الإصلاحية ، والنادي الوطني العلمي في بغداد ( انظر: المرجع السابق، ص 14 ـ 32 ).

[31])انظر: سعيد، أمين: الثورة العربية الكبرى، مج 1، ص 14.

*كانت الفكرة لعقد المؤتمر من قبل عبدالغني أفندي العريسي ، ومحمد أفندي المحمصاني ،وتوفيق أفندي فائد من بيروت ، وجميل مردم من دمشق ، وعوني بك عبدالهادي من نابلس .

[32])انظر: المؤتمر العربي الأول المنعقد في القاعة الكبرى للجمعية الجغرافية بشارع سن جرمن في باريس ، مصر ـ القاهرة : صدر عن اللجنة العليا لحزب اللامركزية 1913، ص4 ـ 5 .

وانظر :الدوري، عبدالعزيز: الجذور التاريخية للقومية العربية، ص 78

[33]) انظر: المؤتمر العربي الأول ، ص 7 .

وانظر : سعيد، أمين: الثورة العربية الكبرى مج1، ص 35.

[34])انظر: وجيه كوثراني: الاتجاهات الا جتماعية السياسية في جبل لبنان والمشرق العربي 1860 ـ 1920، ص 222 ـ 224.

[35])انظر: زين، نور الدين زين: نشوء القومية العربية مع دراسة تاريخية في العلاقات العربية التركية، ص 116.

[36]) انظر: زين، نور الدين زين: المرجع السابق، ص 119 ـ 120.

[37]) انظر: قاسمية، خيرية: الحكومة العربية في دمشق بين 1918 ـ 1920، القاهرة: دار المعارف بمصر، 1971، ص 24 ـ 26.

[38])انظر: سعيد، أمين: النضال بين العرب والترك، تاريخ مفصل جامع للقضية العربية في ربع قرن النضال بين العرب والترك مج 1، ص 111 ـ 113.

[39]) الموسى، سليمان: المراسلات التاريخية 1914 ـ 1918. الثورة العربية الكبرى، عمان 1973م ص39.

[40])انظر: قاسمية، خيرية: الحكومة العربية في دمشق بين 1918 ـ 1920، ص 36 ـ 37.

[41])انظر: دروزة، محمد عزة: الحركة العربية الحديثة ج1، صيدا، لبنان: المكتبة العصرية، ط 1950، ص 92 ـ ص94.

[42]) انظر: قاسمية، خيرية: الحكومة العربية في دمشق بين 1918 ـ 1920، ص 157 ـ 158.

[43])انظر: قاسمية، خيرية: المرجع السابق، ص 164 ـ 165.

[44])انظر: قاسمية، خيرية: المرجع السابق، ص 175 ـ 176.

[45])انظر: قاسمية، خيرية: المرجع السابق، ص 194 ـ 210. (بتصرف)

[46]) انظر: فرزات، محمد حرب: الحياة الحزبية في سوريا، دراسة تاريخية، الأحزاب السياسية وتطورها بين 1908 ـ 1955، دمشق: دار الرواد، 1955، ص 80 ـ 81.

[47]) انظر: قرقوط، ذوقان: ميشيل عفلق الكتابات الأولى مع دراسة جديدة لسيرة حياته، بيروت: مؤسسة الدراسات العربية، ط 1993، ص 27 ـ 28.

* هو الحادث الذي جرى في خربة الغزالة التي تقع على طريق دمشق ـ درعا، وأقرب إلى درعا، وتبعد عنها 25 كم، وفيه أخرج من القطار رئيس وزراء سوريا علاء الدروبي وذبح، وقتل زميله عبدالرحمن يوسف بالرصاص، وقتل ضابط إيطالي، وجنود فرنسيون، وكاهن فرنسي، وهو ما أثار فرنسا. ( انظر: سعيد، أمين: ثورات العرب في القرن العشرين، القاهرة: دار الهلال، ( د.ت )، ص71. )

[48]) انظر: فرزات، حرب: الحياة الحزبية في سوريا، دراسة تاريخية، الأحزاب السياسية وتطورها بين 1908 ـ 1955، ص 84 ـ 85

[49])انظر: دروزة، محمد عزة: حول الحركة العربية الحديثة ج3، لبنان ـ صيدا: المكتبة العصرية 1951، ص83 ـ 84

[50])انظر: زعيتر، أكرم: بواكير النضال: من مذكرات أكرم زعيتر 1909 ـ 1935، بيروت: مؤسسة الدراسات والنشر، ط 1994، ص 515، و 539.

[51]) انظر: دروزة، محمد عزة: حول الحركة العربية الحديثة ج3، ص 99.

وانظر أيضا: زعيتر، أكرم: بواكير النضال: من مذكرات أكرم زعيتر 1909 ـ 1935، ص 412 وص 413.

[52])انظر: قرقوط ، ذوقان : مرجع سابق، ص33.

[53]) انظر: دندشلي، مصطفى: مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي، حزب البعث العربي الاشتراكي 1940ـ 1963، ج1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص12.

[54])انظر: دندشلي، مصطفى: مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي، ص 14 ـ 15.

[55])انظر: الجندي، سامي: البعث، الناصرة: مكتب فؤاد دانيال للطباعة، ط2، (د.ت)، ص20.

[56]) انظر: علوش، ناجي، وآخرون: الحركة القومية العربية في مائة عام، ص 172.

[57])السيد، جلال: حزب البعث العربي، بيروت: دار النهار، ط 1973، ص25ـ 26.

[58])انظر: أبراش، ابراهيم: البعد القومي للقضية الفلسطينية، ص21ـ 22.

[59])انظر: الكيالي، عبدالوهاب: موجز تاريخ فلسطين الحديث، ص57 ـ58.

[60])انظر: سعيد، أمين: الثورة العربية الكبرى، مج 3، ص 50 ـ 54.

وانظر أيضا: المميز،أمين : " عود إلى اتفاقية فيصل ـ وايزمن "، مجلة آفاق عربية، ع5، كانون الثاني 1978، بغداد، 1978، ص18.

*فوزي القاوقجي ( 1890 ـ 1879 ) قائد ومناضل قومي عربي ولد في مدينة طرابلس ـ لبنا ن، تخرج في تعليمه حتى وصل المدرسة الحربية في الآستانة، آثر العمل مع الأتراك ضد الحلفاء، وبعد الحرب العالمية الأولى التحق بحكومة فيصل بناءً على طلبه. أثرت فيه معركة ميسلون فقاد الثورة السورية وكاد أن يستولي على مدينة حماة لولا طائرات الفرنسيين، وفي ثورة فلسطين اتخذ من مثلث الرعب الفلسطيني ساحة لحركاته الثورية. ( انظر: الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، مج 3، 1984، ص480 ـ 481.

[61]) أبراش ،ابراهيم: البعد القومي للقضية الفلسطينية، ص 66.

[62]) الحوراني، أكرم: أكرم الحوراني 1912ـ 1996 مذكرات، ج1، القاهرة: مكتبة مدبولي 1994، ص 162.

[63]) انظر: الحوراني، أكرم: المرجع السابق، ص 165.

[64])انظر: فرح، إلياس: مقدمة في دراسة المجتمع العربي والحضارة العربية، ص 182 ـ 184.

[65])انظر: دروزة، الحكم: الشيوعية المحلية ومعركة العرب القومية، بيروت: دار الحكمة (ب.ط)، (د.ت) ص 109 ـ 110

[66])انظر: الحوراني، ألبرت: الفكر العربي في عصر النهضة 1798- 1939، ترجمة كريم عزقول، بيروت: نوفل 1997، ص300- 301.

[67] )انظر: الحوراني، ألبرت: المرجع السابق، ص319-320.

[68]) عفلق، ميشيل: " الدور التاريخي لحركة البعث "، في سبيل البعث، ص 49

[69])انظر: الحصري، ساطع: الأعمال الكاملة "نظرتي إلى حزب البعث " القسم الثاني. ص193ـ 197.

[70])انظر: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي 1940 ـ1960، ص19 ـ20.

[71]) انظر: قرقوط، ذوقان: ميشيل عفلق الكتابات الأولى مع دراسة جديدة لسيرة حياته، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط أولى 1993، ص36 ـ 38.

[72])انظر: البيطار، صلاح الدين، و الشاعر، جمال: " الفصل الثاني، حول تجربة البعث في الأربعينات والخمسينات "، ندوة القومية العربية في الفكر والممارسة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ط 3، 1984، ص357

[73]) انظر: قرقوط، ذوقان: ميشيل عفلق الكتابات الأولى مع دراسة جديدة لسيرة حياته، ص39.

[74])انظر: إلياس، جوزيف: عفلق والبعث، نصف قرن من النضال، بيروت: دار النضال للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1991، 341 ـ343.

[75]) مصطفى، شاكر: محاضرات عن القصة في سورية حتى الحرب العالمية الثانية ألقاها شاكر مصطفى على طلبة قسم الدراسات الأدبية واللغوية 1957، القاهرة: جامعة الدول العربية: معهد الدراسات العربية العالية، (ب.ط)، ص 301 ـ 302.

[76])انظر: قرقوط، ذوقان: ميشيل عفلق الكتابات الأولى مع دراسة جديدة لسيرة حياته، ص 39.

[77])انظر: الجندي، سامي: البعث، الناصرة: مطبعة دانيال، ( د. ت )، ص 26 ـ 32.

[78])البيطار، صلاح الد ين، والشاعر جمال: ندوة القومية العربية في الفكر والممارسة، ص36.

[79])انظر: علوش، ناجي: الحركة القومية العربية في مائة عام، ص 314.

* الرباعي الذهبي هم: صلاح الدين الصباغ ( سوري )، وفهمي سعيد، ومحمود سلمان، وكامل شبيب.

[80])انظر: الحوراني، أكرم: مذكرات، ص 219 ـ 220.

[81])انظر: قرقوط، ذوقان: ميشيل عفلق الكتابات الأولى مع دراسة جديدة لسيرة حياته، ص 172.

[82]) انظر: قرقوط، ذوقان: المرجع السابق، ص 172 ـ 177.

[83])انظر: السيد، جلال: حزب البعث، ص 38 ـ 39.

[84]) قرقوط، ذوقان: ميشيل عفلق الكتابات الأولى مع دراسة جديدة لسيرة حياته، ص182.

[85]) انظر: قرقوط، ذوقان: المرجع السابق، ص207.

[86]) قرقوط، ذوقان: المرجع السابق، ص 208 ـ 209.

وانظر أيضا: بيان تموز 1943 حول المعركة الانتخابية، سلسلة نضال البعث، ج1، ط4، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، سنة 1976، ص26 ـ 29.

[87])انظر: الجندي، سامي: البعث، ص 31.

[88])انظر: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي1940ـ 1963، ص36- 37.

*ياسين الحافظ: ولد في مدينة دير الزور السورية والتحق بالجامعة السورية عام 1949 ، وفيها تأثر بأفكار البعث وبالماركسية، وفي عام 1963 حضر المؤتمر القومي السادس الذي عقد في دمشق، وطرح مع آخرين تبني النظرية الماركسية، واقترب من الناصرية بعد هجوم أكرم الحوراني على عبدالناصر واتهمه بالقصور في تحرير فلسطين وبعد حرب 1967 أصبح ماركسيا متصالحا مع القومية العربية.

( أنظر: الحافظ، ياسين : الهزيمة والأيدلوجية المهزومة، بيروت: دارالطليعة للطباعة والنشر، ط1 1979، ص 7 ـ 35. بتصرف )

[89]) الحافظ، ياسين: الهزيمة والأيدلوجية المهزومة، ص19.

[90]) الفكيكي، هاني: أوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث، لندن ـ قبرص: رياض الريس للكتب والنشر، ط 1 1993، ص79.

[91])انظر: عفلق، ميشيل: " ذكرى الرسول العربي "، في سبيل البعث، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط17، سنة 1970، ص122ـ126.

[92]) لمحة عن حركة البعث العربي، سلسلة نضال البعث ج1، ص171.

[93])انظر دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي 1940ـ1963، ص48.

[94])انظر: نضال البعث ج4. المؤتمرات القومية السبعة الأولى 1947 ـ 1964، ط 3 بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 1976، ص20.

[95])انظر: علوش، ناجي، وآخرون: الحركة القومية العربية في مائة عام، ص 314.

3) موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من القضية الفلسطينية 1945 ـ 1948م

إهتم حزب البعث العربي الاشتراكي بالقضية الفلسطينية منذ نشأته، وتلك الاهتمامات التي ابتدأت منذ منتصف الأربعينيات تقريبا، و تمثلت أولى اهتماماته في الرسالة التي وجهها في 10 آب /أغسطس 1944 إلى المعتمد السياسي الأميركي في سوريا، وفيها ينتقد البعث قرار الحزب الديمقراطي الأميركي بشأن فتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين واتخاذها وطنا قوميا لليهود، و يرى في هذا الموقف حائلا يقف دون التفاهم والصداقة بين العرب والأمريكان، ولا تقل خطورته عن وعد بلفور([1([.

تكررت رسائل قادة البعث، ففي 23 آذار/ مارس 1945 أرسلت قيادة الحزب رسالة إلى وزير أميركا المفوض في سوريا، وكانت رداً على عزم الرئيس الأميركي روزفلت فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية، وفيها ذكّر البعث بمبادئ ويلسن الأربعة عشر ؛ المبادئ التي أعلنت أميركا الحرب في سبيل تحقيقها، ووجه اللوم للولايات المتحدة على موقفها المعادي للعرب وحقهم الصريح في عروبة البلاد وأكدت الرسالة أنها تنطق باسم العرب القوميين([2([.

وفي بياناته اللاحقة، وسع دائرة اهتماماته و انتقل من الحديث عن سوريا الطبيعية إلى تناول مشاكل العرب عامة.

أصدر قادة البعث في مجلس الحزب المنعقد في 14 كانون الأول / ديسمبر1945 بيانا بعنوان "مشاكل العرب السياسية " أفرد فيه لكل قطر عربي خلاصة عاجلة لأبرز مشاكله وتناول الجامعة العربية، ودعا إلى قيام جامعة شعبية عربية وشدد في بيانه على عروبة فلسطين في إطار وحدة سوريا الطبيعية، وربط مصلحة العرب العليا بقيام حكم دستوري، وأن يسعوا للنظام الجمهوري كغاية، وفي الشأن الفلسطيني فقد رفض مشروع بيفن الذي يقر هجرة اليهود، والذي نادى بحرمان شعب فلسطين من إقامة دولة وتركها تحت وصاية الدول الأجنبية وطالب دولتي بريطانيا والولايات المتحدة أن يؤمنا بحق العرب في فلسطين بنيلهم استقلاليتهم وحريتهم، وفي تحليله لنشوء الجامعة العربية، فهي مصابة بضعف في نقطتين مهمتين، وهما: ـ تأسيسها في ظرف معينة وملابسات خاصة بعد تصريح وزير خارجية بريطانيا، ثم مشاركة حكومات رسمية ترتبط ببريطانيا بمعاهدات والتزامات، ولذلك فان في قيام جامعة شعبية عربية يحمي الشعب من السياسات الأجنبية والخضوع لها([3([.

في يوم الجمعة الثاني من أيار / مايو 1946، دعا الحزب إلى الإضراب بمناسبة قدوم اللجنة الإنجليزية ـ الأميركية*، ووجه البعث بيانه للشعب وتناول مقترحاتها في إباحة الهجرة وبيع الأراضي لليهود، ورفض قيام حكومة عربية وإنكارها للحق العربي القومي في فلسطين ولذا أعرب عن استنكاره بإضراب عام شامل داعياً أن تكون المناسبة "فاتحة لتجديد عهد الجهاد المقدس في سبيل فلسطين"([4([.

جاء صدور صحيفة البعث في سوريا في الثالث من تموز/ يوليو 1946، ليقدم وسيلة إعلامية ناطقة بلسان البعث، وكان مديرها المسؤول البيطار والمدير السياسي عفلق، وهي صحيفة تأخر ترخيصها، وماطلت السلطة في إصدار رخصتها منذ عام 1943([5([.

قدمت الصحيفة تحليلات، ومواقف، وتصريحات لقادة البعث حول فلسطين واتسمت بطابع سياسي فكري وأيديولوجي، كما يظهر من سلسلة نضال البعث في أجزائه المختلفة.

جاء في افتتاحية صحيفة البعث المنشورة بتاريخ 10 تموز/ يوليو 1946 انتقاد لموقف الحكومة السورية من القضية الفلسطينية التي اقتصرت معالجتها للقضية على إرسال المذكرات للحكومة البريطانية والولايات المتحدة الأميركية، وقد تساءلت البعث عن سبب إهمال تطبيق المقاطعة الاقتصادية على الصهاينة، وفي مقالها بينت أن الحكومات العربية لا تمثل هذه الملايين من العرب، ولا تستند على تأييدها([6([.

ظلت المقالات ومواقف قادة البعث تربط بين فضح الحكومة السورية، واتمهمها بتزوير الانتخابات، وضعفها في معالجة القضايا العربية، و يحذر الحزب من خطر الديكتاتورية، و يطالب بإبعاد هذه السلطة عن مركز القرار السياسي، ويذكر بما تتعرض له فلسطين طارحا رده حيال القضية.

أصدر " مجلس الحزب " بيانا بعد اجتماع فروعه خلال يومي 19 و20 أيلول / سبتمبر 1947 وفيه أعلن أنه حزب قومي عربي يؤمن بأن وحدة العرب لا تتجزأ، ويربط بين السياسة السورية ومصالح الأمة العربية العليا، كما تناول أزمة الحكم التي هي بسبب سيطرة فئة على السلطتين التشريعية والتنفيذية، و ينفي عملها الحياة الدستورية، وقد وصلت هذه الفئة للسلطة متذرعة بوجود الأجنبي ،واعتمادها على قانون انتخابي قديم ، ولذا يحذر الحزب من خطر الديكتاتورية الداهم، ويعتبر البعث أن التحرر لن يتحقق بدون تحقيق الحكم الدستوري والنظام الجمهوري،واستعرض مشاكل سوريا الكبرى: وأهمها قضية فلسطين التي تتطلب تنفيذ الحكومات العاجل من تعبئة قواها المسلحة و إزالة العقبات التي تقف دون الشعب و تكتله وتسلحه للجهاد في فلسطين والبعث يضع نفسه في طليعة كتائب الجهاد وهو على استعداد للتعاون المخلص مع الهيئات الشعبية لإنقاذ فلسطين([7([.

انتقد البعث الحكومة السورية التي اقتصرت على إرسال المذكرات، والاحتجاجات، و فضح سياسة الحكومة وتقصيرها، ودعاإلى ممارسة العنف الثوري مع إسرائيل.

وقد وضح عفلق أن للصهيونية عقلية ناضجة، وهي حركة ذات تنظيم شعبي وتمتاز بأن لها عقيدة متينة، وأنها توحي لليهود بالتضحية والإقدام، وإلى زعمائها بالتحرر والصلابة، وتطبع الحركة في مجملها بطابع القوة والإقدام، ولما كان طابع هذه الحركة شعبيا فان مواجهتها من قبل العرب بالضرورة يجب أن تكون شعبية، ففي السادس من آب / أغسطس 1946، صدرت افتتاحية صحيفة البعث بعنوان: "لا ينتظرن العرب ظهور المعجزة، فلسطين لا تحررها الحكومات بل العمل الشعبي"([8([.

ظل طابع النضال البعثي ضد الصهيونية يتراوح بين البيان السياسي، والمقالة الافتتاحية في جريدة البعث، ويطالب الحكومات بصورة متكررة العمل من أجل قضية فلسطين، وينتقد سياساتها ويشرح أخطاءها، ويبين مخاطر تهويد فلسطين على استقلال الدول العربية ووحدتها، وهكذا ظل البعث أسير مشاعره دون أن تمكنه قواه من نقلها إلى دنيا الواقع، وربما يعود ذلك إلى أن عدد منتسبيه كان قليلا كما أن السلطة السياسية نجحت في إلهاء الرأي العام عن قضية فلسطين وصرفه عن ممارسة ضغطه على الحكم([9([.

في الأول من نيسان/ أبريل 1947 عقد المؤتمر القومي الأول لحزب البعث العربي الاشتراكي وفيه صدرت مجموعة مواد أطلق عليها اسم الدستور، التي تتضمن بنودا ومواقف تتعلق بالقضية الفلسطينية.

من أبرزهذه البنود البند القائل ب " النضال ضد الاستعمار الأجنبي لتحرير الوطن العربي تحريرا مطلقا كاملا "([10([.

وفي المادة الحادية عشر: ـ" يجلى عن الوطن العربي كل من دعا أو انضم إلى تكتل عنصري ضد العرب، وكل من هاجر إلى الوطن العربي لغاية استعمارية "([11([.

وجاء عن المعاهدات مع الدول الأجنبية: ـ " لما كان الشعب العربي وحده مصدر كل سلطة لذلك تلغى كل ما عقدته الحكومات من معاهدات واتفاقات وصكوك تخل بسيادة العرب

التامة "([12([.

شكل قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 بمثابة صدمة للشعب السوري، وقد هاجمت الجماهير السفارات الأميركية ، والبلجيكية ، والسوفيتية، ومقر الحزب الشيوعي، واعتبر الشيوعيون عملاء السوفييت لتأييدهم قرار التقسيم([13([.

عارض البعث قرار التقسيم، وصدرت مواقف لصلاح الدين البيطار في صحيفة البعث عبرت عنها مقاله حول مخاطر الصهيونية وأثر التقسيم، الذي جاء فيه " تقطيع أوصال الوطن العربي وتمزيق شمل الوطن العربي وصعوبة بناء الكيان القومي لدرجة الاستحالة… التقسيم سيقضي على حلم الشعب العظيم بالوحدة العربية… فاستقلال البلاد العربية نفسه مهدد بالخطر. لأن فلسطين في برنامج اليهود ليست سوى رقبة جسر ونقطة ارتكاز ينطلقون منها لتأسيس الوطن الصهيوني الذي لا يقف إلا عند حدود الفرات والنيل "([14([.

حَّمل حزب البعث الحكومات النصيب الأكبر في المسؤولية الملقاة على عاتقها للتحرير؛ بعد أن أوضح طبيعة المخاطر المتمثلة بمخاطر استراتيجية واجتماعية واقتصادية ، وبين السبل التي على العرب شعوبا وحكومات أن يتبعوها، وطالب الحكومات العربية وجامعة الدول العربية بمعارضة التقسيم وتعبئة إمكاناتها المادية والمعنوية في الوطن العربي لسحق الصهيونية([15([.

واصل حزب البعث شارحا ومنبها إلى المخاطر المحدقة بفلسطين وشكل مكتب فلسطين الدائم وصدرت له بيانات تحمل العناوين التالية: "من حزب البعث العربي إلى الأمة العربية دقت ساعة الفصل ولن تنقذ فلسطين الا بالحديد والنار "([16([.

وكذلك رد على مشروع تقسيم فلسطين "الشعب العربي لن يكتفي بإلغاء مشروع التقسيم بل يعتزم القضاء الأبدي على الصهيونية في فلسطين "([17([.

وفي سياق الرد على صدور قرار التقسيم ، قرر حزب البعث في مجلسه المنعقد بمدينة حمص في سوريا في يومي الخميس والجمعة الواقعين في 15 و16 كانون الثاني/ ديسمبر1948 تجنيد جميع أعضائه للاشتراك في المجهود الحربي في داخل البلاد العربية أو في الخطوط الأمامية لفلسطين. وشاركت قيادة لجنة الحزب التنفيذية في هذا المجهود([18([.

توجه ميشيل عفلق وصلاح الين البيطار، وفيصل الركابي، وشبلي العيسمي ،ووهيب الغانم وآخرون إلى جبهة الحرب على أنهم مراسلون حربيون لجريدة البعث، فحملوا المسدسات والمناظير المكبرة وآلات التصوير ،وتطوع أغلب الأعضاء في جيش الإنقاذ الذي أشرفت جامعة الدول العربية عليه،الذي كان يقوده فوزي القاوقجي([19([.

أرسل عفلق مقالا من جنين نشرته صحيفة البعث بعنوان "إنقاذ فلسطين " وفيه حذر من الأسلوب الدفاعي المصطنع في الحرب مع العدو، وألمح إلى النواقص والأخطاء التي شاهدها في الجبهة الداخلية ورغم ذلك حاول عفلق أن يصبغ المعركة بطابع التفاؤل، وأن جنود الشباب العربي تخطت المصاعب والعقبات التي تجري([20([.

وفي مقال آخر نشره عفلق في الثامن من أيار/ مايو 1948 بعنوان " فلسطين جزء من مأساة الوطن العربي العامة "، أظهر تشاؤمه من الرد العربي: ـ" ليست هي الفاجعة الأولى ولن تكون الأخيرة "، وقد عزى عوامل النصر إلى: " أن في الجبهة المعادية شعبا منظما على أحدث قواعد العلم، ويستثمر وقته و(أرضه ) بأقصى ما يستطيع فيدر عليه الرزق شعور التفاؤل "([21([.

ويحلل وهيب الغانم الجبهات المتقابلة في المعركة ومستوى تعبئتها الاجتماعية واعتبر أن الأساس فيها هي حرية الفرد التي يمتلكها، وهو ما يدفع العدو للإنتاج والتقدم حيث قال: "في جبهة العدو عدد قليل، ولكنه يحكم ويملك، وهو في سبيل ملكه وحريته يبذل كل ما يستطيع فينتج أقصى الأرقام رغم بنيانه الواهي ونفسيته الضعيفة المستخذية "([22([.

ظل البعث يكافح على جبهتين وهما :النضال من أجل الديمقراطية داخل القطر السوري والتنبيه للخطر الصهيوني، ويُحِّمل الطبقة الإقطاعية الحاكمة مسؤولية الهزيمة، ويطالب بانتخابات حرة نزيهة.

تناول الحزب في بيانه الصادر في 7 أيلول/ سبتمبر 1948 السلطة الحاكمة التي عجزت في ساحة الحرب مع الاحتلال الصهيوني، وبعد أن مر عليها خمس سنوات في الحكم، علق البعث في بيانه " لقد استأثر بالحكم في السنوات الخمس الأخيرة فئة من محترفي السياسة الذين يمثلون مصالح الإقطاعيين وعقليتهم، ويعتبرون الدولة ملكا خاصا لهم ولذويهم وحواشيهم… تركوا الأوضاع الفاسدة على حالها، وأمعنوا في استغلالها… تعدى الفساد نطاق الشؤون الداخلية البحتة، وكانت معركة فلسطين منا سبة لظهور بعض المؤامرات التي كان جيش البلاد أولى ضحاياها "([23([.

وفسر حزب البعث أسباب هزيمة العرب في الحرب العربية ـ الاسرائيلية عام 1948 فعزاها إلى أوضاع العرب، وضعف الوعي السياسي والتنظيمي، وضعف الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية، وتبعيتها للدول المتآمرة على العرب، ثم أوضاع التجزئة، وسيطرة الإقطاعيين، وعملاء الحكم الأجنبي([24([.

الفصل الثاني

نشوء حزب البعث في فلسطين: نموه وتوسعه بين عامي 1948ـ 1958 م

1)تبلور الإطار التنظيمي السياسي للبعث في المملكة الأردنية الهاشمية

2) تأسيس حزب البعث في قطاع غزة.

3) أبرز الأوساط الاجتماعية التي انتشر فيها حزب البعث

أ ) المعلمون والطلاب

ب) القضاة، ورجال القانون وكبار الموظفين

ت) الأندية الرياضية والثقافية والكشافة

ث) العمال والفلاحين

ج) الحركة النسوية

ح) مجلس النواب

خ) قطاع الجيش

د) حكومة سليمان النابلسي

4) عدد أعضاء الحزب و توزيعهم الجغرافي

5) وسائل ومصادر الدعاية و التعبئة

أ) التمويل

ب) المطبوعات

1)المطبوعات الصحفية

2 ) البيانات الحزبية

3) أدبيات فكرية ومواد إعلامية أخرى

ج) تجنيد القوى والتحالفات السياسية لمصلحة البعث

ح) إدارة الانتخابات البرلمانية

6) علاقة القيادة القطرية في المملكة الأردنية بالقيادة القومية لحزب البعث في دمشق

7) تسلسل المراتب التنظيمية في حزب البعث

8) علاقة حزب البعث بحكومتي الأردن ومصر حتى عام 1958

1)تبلور الإطار التنظيمي السياسي للبعث في المملكة الأردنية الهاشمية

شهدت الأردن وفلسطين في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، جملة أحداث مهمة دفعت مجتمعة نحو ظهور أحزاب وحركات وتنظيمات وجماعات شعبية معارضة، نادت بتحرير المحتل من الأرض العربية، وتحقيق الوحدة العربية والتقدم الاجتماعي.

كانت أبرز هذه التطورات المعاهدات التي عقدت بين الأمير عبد الله والبريطانيين، ومنها معاهدة التحالف والصداقة الأردنية ـ البريطانية في 22 آذار/ مارس 1946، وبموجبها ألغيت الاتفاقية الأردنية البريطانية الموقعة في 20 شباط / فبراير 1928 ونصت على وجوب التشاور المشترك والصريح، والتحالف الوثيق بجميع الأمور المتعلقة بالشؤون الخارجية، وإقامة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وفق الأصول المرعية، كما وعدت الحكومة البريطانية بتقديم مساعدة مالية إلى الأمير عبدالله لتسديد تكاليف الأقسام الحربية في قوات الجيش العربي، وقيدت المعونة بشروط منها: أن يتفق الطرفان المتعاقدان في كل سنة على تحديد قوة الأقسام الحربية في القوات المسلحة الأردنية، ويجوز لبريطانيا أن تختار المواقع المناسبة لإقامة قوات بريطانية مسلحة في شرق الأردن، ويقدم أمير شرق الأردن من جانبه جميع التسهيلات الضرورية لإيواء هذه القوات وصيانتها وخزن ذخائرها ومعداتها واستئجار أي أرض تلزم حسب الضرورة، وبالمقابل اعترفت بريطانيا بإمارة شرق الأردن دولة مستقلة وبالأمير عبد الله ملكاً عليها([25([.

قوبلت هذه المعاهدة بمعارضة شعبية داخل البرلمان وخارجه ففي داخل مجلس النواب انتظم عقد المعارضة في” الكتلة المستقلة “التي قدمت بيانا في 24 كانون الأول / ديسمبر 1946،وطالبت فيه: 1)تعديل هذه المعاهدة، باعتبار ذلك مطلباً من المطالب القومية.

2) إلغاء الملحق العسكري منها([26([.

وأهاب الحزب العربي الأردني بالشعب أن يوحد جهوده، ويقدم احتجاجه تجاه المعاهدة، و طالب بجلاء الجيوش الأجنبية عن الوطن العربي والتعاون مع الأقطار العربية الشقيقة داعياً إلى وضع دستور ديموقراطي، و فصل السلطات، واستنكر توقيع المعاهدة من قبل الأمير عبدالله، الذي اعتبره فرداً لا يملك هذا الحق داعيا إلى قيام نظام نيابي دستوري بدلا من نظام الانتداب([27([.

تعرضت هذه المعاهدة إلى الانتقادات المريرة، من قبل الوطنيين الأردنيين و عدد من الساسة العرب، " وهاجمتها الصحافة العربية هجوماً شديداً "، فتضايقت حكومة الأردن، وأعربت لدى حكومة بريطانيا، عن رغبتها في تعديل بعض بنودها. عقدت معاهدة أخرى في عمان في 15 آذار/ مارس 1948، وروعي في هذه المعاهدة أن تنسجم أحكامها مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومواصلة تمتين عرى العلاقة والصداقة بين بريطانيا والأردن ، وتثبيت العلاقات على أسس تلائم الصداقة بينهما وأن يتعاون الطرفان كل حسب جهده مع مراعاة السلم والأمن الدوليين، وما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة([.28])

كانت معاهدة 1948 في مضمونها إعادة صياغة للمعاهدة التي عقدت عام 1946 بما تضمنته من الحفاظ على مصالح بريطانيا، والإبقاء على الوجود العسكري البريطاني في شرق الأردن، وضمنت الدفاع عن المواقع العسكرية البريطانية في قناة السويس، وفي العراق واعتبرت هذه المعاهدة حجر عثرة في طريق الحركة القومية العربية، التي ناصبت بريطانيا العداء منذ حرب فلسطين عام 1948([.29])

وقد واكبت هاتان المعاهدتان اللتان وقعها أمير الأردن مع بريطانيا، الأحداث المتسارعة التي مرت بها القضية الفلسطينية، بحيث أثرت لاحقا في ظهور الحركات الشعبية المعارضة. كما كان لها تأثير على القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي كان أهمها في تلك المرحلة قرار التقسيم الصادر عن هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين ثاني / نوفمبر1947، الذي قوبل برفض عربي. في الوقت الذي استطاعت فيه إسرائيل فرض التقسيم كأمر واقع على الأرض ؛ بهزيمتها للجيوش العربية والحصول على أراض أكثر مما قرر لها قبل الهدنة وبقوة السلاح([30([.

كان تأثير الهزيمة قوياً في نفوس الجماهير العربية، والقيادات الشابة مثل: الضباط في الجيوش العربية، إضافة إلي القيادات الشعبية، وكانت الهزيمة، مدار تحليل وهجوم وانتقاد مختلف القيادات، وبدأ كل طرف يبحث في أسبابها، ويعلل أسباب الهزيمة ونتائجها([31([.

انتهت حرب فلسطين عام 1948 نهاية مفجعة بعد أن خطط لها البريطانيون، وقد تبعها تناقض المواقف والاستراتيجيات بين حكومة عموم فلسطين، وبين الحكومات العربية وقد حرض الأردن شخصيات فلسطينية على عقد مؤتمر أريحا المؤيد لسياسة الملك عبد الله وطالب المؤتمرون بضم فلسطين للأردن، كذلك قامت السلطات بطرد الحاج أمين الحسيني من قطاع غزة، وتحولت قضية فلسطين إلى قضية لاجئين، وتحولت إلى قضية حدود ورغم ذلك ظلت نار الوطنية تتقد في النفوس وفي هذه الأجواء تحرك ضباط الجيش لعمل انقلابات كما صعدت تيارات سياسية جديدة متعددة منها: الشيوعييون، البعثيون والقوميون العرب، والقوميون السوريون، وجماعة الإخوان المسلمون، وحزب التحرير الإسلامي، إلا أن التيارات القومية العربية استقطبت اهتمام الفلسطينيين([32([.

أسهمت هذه التطورات في إيجاد أرضية، وقاعدة مناسبة، ومناخ ملائم في نمو وظهور الأحزاب والحركات السياسية الجديدة، ومنها حزب البعث في فلسطين والأردن، وكذلك تبلور وتعزيز نشاطات الأحزاب المختلفة في أوساط الفلسطينيين التي كانت دافعاً للتغيير.

جرى في 4 نيسان / أبريل 1947عقد مؤتمر قومي تأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا ،و حضره عدد من الطلبة العرب، كان من بينهم طلاب أردنيون عرف منهم أمين شقير، وحمدي الساكت. وبعد رجوعهما إلى الأردن أخذا يؤسسان حلقات البعث في الضفة الشرقية، والتي انضم إليها منيف الرزاز ، وعبدالرحمن شقير، وسليمان الحديدي([33([.

وفي العام الذي تلاه قام عبدالرحمن شقير، وراضي الشخشير، وسليمان الحديدي بزيارة بهجت ابوغربية في القدس، وبعد سلسلة زيارات متكررة عرضوا عليه الانتساب إلى الحزب في تموز/ يوليو 1949، حيث استجاب لطلبهم وكان من أوائل المنتسبين في الضفة الغربية لحزب البعث، رغم أن بعض الشباب الفلسطيني الذين أقاموا في الضفة الشرقية سبقوه إلى ذلك([34([.

إلى جانب الحلقة التي أسسها أبو غربية في القدس، كانت هناك حلقة بعثية تعمل في طولكرم منذ كانون الأول/ ديسمبر 1948، وتضم طلاباً درسوا في الجامعة الأمريكية في بيروت وهؤلاء تعرفوا على فكر حزب البعث بعد اختلاطهم بشعبة بيروت، في لبنان، وهم صبري قندح، ومالك الحاج ابراهيم ومحمود الخواجا، وانتسب إلى حلقتهم خالد درزي([35([.

انتشرت في الضفة الغربية مجموعات مختلفة تحمل اسم البعث: إحداها يرتبط بحزب البعث الأردني والثانية تعمل في رام الله والقدس، وتحمل اسم جماعة البعث في رام الله، وقد عملت هذه المجموعات المختلفة في مجتمع فلسطيني متعطش للتغيير، ويرفض الهزيمة التي سببتها الأنظمة الرجعية العربية . كانت " جماعة البعث " في رام الله والقدس عبارة عن مجموعة أشخاص غير منتسبين آلي أحزاب سياسية، ولكنهم تأثروا بتيار المعارضة الشعبية، وتمّيزوا بالمسستوى الثقافي العالي، وحلقت حول صحيفة "البعث "، التي أصدروها في مدينة القدس في آذار/ مارس 1949([36([.

بعد عقد الهدنة الثانية عام1949 بين الأردن والكيان الصهيوني، تعرف عبدالله الريماوي وعبدالله نعواس ، وكمال ناصر، على الضابط الأردني عبدالله التل ،الذي كان حاكماً عسكريا لمدينة القدس، وحمل روح المعارضة للنظام الأردني، وقد سهل لهم إصدار صحيفة البعث التي حررها الريماوي ، وأتاح لهم الإطلاع على خفايا السياسة الأردنية، وشجعهم على توجيه الانتقادات للحكم الأردني([37([.

ضمت"جماعة البعث " في رام الله ، والقدس أشخاصا عرفوا بنضالاتهم الوطنية فبعضهم عمل في مكاتب الدعاية العربية، أو مثل فلسطين في جامعة الدول العربية، وإنشاء مشاريع صناعية لتطوير أحوال المزارع والفلاح الفلسطيني، مثل موسى العلمي، وبعضهم شارك مع عبدالقادر الحسيني في تنظيم الجهاد المقدس، ومع جيش الإنقاذ، ومن بينهم: عبد الله الريماوي ، وعبدالله نعواس، وكمال ناصر، وأنور الخطيب([38([.

تضامن مع هذه المجموعة عدد آخر من المثقفين الفلسطينيين منهم: أنور الخطيب، وبرهان الدجاني ،ويحيى حمودة([39([.

لاقت صحيفة البعث الدعم والتأييد المالي والمعنوي من الزعيم الفلسطيني موسى العلمي مؤسس المشروع الإنشائي العربي في أريحا([40([.

كان العلمي صاحب "كتاب عبرة فلسطين" من أوائل من تعرضوا لتحليل أسباب الهزيمة والذي تشابهت أفكاره مع أفكار "جماعة البعث "، وكانت عناصر التشابه معها في مطالبته في الوحدة العربية والتغيير الاجتماعي رداً على التجزئة العربية و القضاء على التخلف، وبيّن العلمي في كتابه أن الشعب بحاجة إلى الحصول على حقوقه كاملة([41([.

قدم عبد الله التل المواد الإعلامية للصحيفة، وسرب أخبار الاتصالات الجارية بين الملك عبد الله ، وموسى شاريت أول رئيس وزراء إسرائيلي، و بدوره قام عبدالله الريماوي بفضح سياسة النظام الأردني وكانت واحدة من المسائل التي تعرض لها في صحيفته مسألة تسليم أراضي ( المثلث العربي الفلسطيني) التي تسلمتها الحكومة الأردنية من القوات العراقية بعد انسحابها، وتخلت حكومة الأردن عنها في اتفاقية رودس نيسان 1949، و لمصلحة إسرائيل، وفي هذه المناسبة أصدر الريماوي صحيفته، وبها مقال بعنوان: " إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها"([42([.

وفي أعقاب نشر هذا المقال أصدرت الحكومة الأردنية قراراً بإغلاق صحيفة البعث وأرسلت التعليمات إلىعبدالله التل كي ينفذها لكن التل لم يأبه بالقرار وواصلت الصحيفة نشر مقالاتها اللاذعة ضد الملك عبدالله([43([.

وفي إطار العلاقة بين جماعة البعث وقائد الجيش الأردني عبد الله التل بحثت مسألة إسقاط النظام الأردني، وإجراء انقلاب عسكري، وقد غذى تلك الفكرة نجاح الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم في سوريا يوم 30 آذار/ مارس 1949 وبحثت المسألة بين عبد الله التل، وعبد الله الريماوي وتقي الدين النبهاني، وتوجه الريماوي والنبهاني إلى دمشق بإيعاز من عبدالله التل، وحدثت هذه الجهود قبل أن يفر التل لاجئاً سياسيا إلى مصرفي العاشر من تشرين الأول / اكتوبر 1949([44([.

أغلقت صحيفة البعث في شهري أيار وحزيران 1949، في أعقاب اندلاع التظاهرات الشعبية العنيفة في الضفة الغربية، ثم بسبب كتابة كمال ناصر مقالا في البعث حول تسليم "المثلث العربي الفلسطيني " فسجن 18 يوما([45([.

أطلق سراح عبدالله نعواس في نيسان / أبريل 1949، وبعدها بشهر واحد أطلق سراح عبدالله الريماوي حيث عملت الحكومة الأردنية لاستكمال خطوات ضم الضفتين الشرقية والغربية حيث كان مقررا لها أن تنتهي في هذا الشهر، وذلك بإجراء انتخابات برلمانية مشتركة للضفتين الشرقية والغربية وحرصا على إشراك جميع أطراف المعارضة، ومنها: حزب البعث رغم انه لم يقدر تماما مدى قوتها أو فاعليتها الحقيقية، لاسيما في القدس ورام الله وما حولهما([46([.

أظهرت نتائج الانتخابات القوة التي تمتعت بها جماعة البعث، ومنها المرشحان عبدالله نعواس وعبدالله الريماوي. لقد حظي كلاهما بشعبية كبيرة ليس لكونهما انتميا لهذه الحركة بل لكونهما شخصيتان متميزتان، كما تميز الريماوي بذكائه ونشاطه المكثف ؛ مما أهله لاحقا للصعود في الحزب ، وظل الأكثر تأثيراً حتى عام 1959([47([.

عقدت جماعة البعث اجتماعا تها في القدس ورام الله، ففي القدس عقدت اجتماعاتها في حي باب الساهرة، وهي تلتمس السبل في سبيل إنقاذ فلسطين وعقدت اجتماعاً موسعاً في بيت يحيى حموده* في رام الله لغرض بلورة حزب سياسي من هؤلاء الأشخاص وغيرهم. وقد وصف أحد المشاركين التوجه السائد لديهم " هو إنشاء حزب بعث عربي يعمل لوحدة هذه الأمة، وتجميع قدراتها لإنقاذ فلسطين"([48]) .

اختلف جماعة البعث في تسمية الحزب حيث عرض الريماوي ونعواس وبرهان الدجاني تبّني الاشتراكية، وإدخال كلمة الاشتراكي بعد حزب البعث، وتقرر تقديم طلب ترخيص وتعيين محمدأديب العامري أميناً عاماً للحزب، إلا أن الحكومة رفضت منحهمترخيصاً، وانفرط عقدهم وأعيد تشكيل الحزب بأعضاء جدد([49([.

أما اسم جماعة البعث في منطقة رام الله والقدس فقد جاء بعد أن زار ميشيل عفلق فلسطين في حرب1948، وقام بتوزيع بيانات ومنشورات في رام الله والقدس، والتقى عبدالله الريماوي عفلق الذي أعجب بأفكار البعث بعد أن قرأ دستوره([50([.

سافر عبدالله الريماوي إلى دمشق ليبحث مع مؤسس حزب البعث هناك إقامة حزب مستقل في الضفة الغربية، ودون أن تكون له أية علاقة بتنظيم حزب البعث في الأردن، إلا أن ميشيل عفلق رفض هذا العرض واقتنع عبدالله الريماوي وعبدالله نعواس بالفكرة، وانتسبا لحزب البعث الأردني، ولم يفعل باقي الأصدقاء الشيء نفسه ، وكان ذلك عشية الانتخابات النيابية التي جرت في الأردن عام 1950، التي على أثرها تم توحيد الضفتين([51([.

وقد جاء توحيد حزب البعث في رام الله مع حزب البعث في الضفة الشرقية بعد أن سبق للبعث في سورية أن أصدر في أوائل عام 1950 منشوراً في دمشق يوضحً فيه عدم صلته بحزب البعث في رام الله، الذي أعلنت عن تأسيسه صحيفة فلسطين في شباط / فبراير 1950([52([.

انتظم عقد المجموعات البعثية المختلفة في تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر الأردني، بينما اختار آخرون الاستقلالية السياسية، وهكذا برزت أسماء جديدة في التنظيم أمثال: عبدالله الريماوي، وعبدالله نعواس، وبهجت أبو غربية، وكمال ناصر.ففي مؤتمره القطري الأول عام 1952 أختار المؤتمرون عبدالله الريماوي رئيسا للقيادة القطرية بعد أن كان أمين شقير أمينا عاما لمنظمة البعث قبل هذا التاريخ. وضمت القيادة القطرية لحزب البعث كل من عبدالله نعواس، وبهجت أبو غربية، وعبدالرحمن شقير، وأمين شقير، وحمدي عبدالمجيد، وحسني الخفش، وسليمان الحديدي([53([.

انتشرت فروع حزب البعث في مدن المملكة الأردنية الهاشمية، و عقد الحزب وفي الخامس من شباط/ فبراير1952 تقدم عبدالله الريماوي، وفرح إسحاق، ومنيف الرزاز، وعبدالله نعواس، وبهجت أبوغربية، وأمين شقير، وسليمان الحديدي بطلب ترخيص للحزب، ورفض مجلس الوزراء طلب الترخيص ؛ لأنه يخالف ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 16 من الدستور الأردني بدعوى اعتناقه مبادئ متطرفة وهو فرع للبعث في سوريا. عادوا مرة أخرى لتقديم طلب جديد في 23 حزيران/ يونيو 1953، ورفضته الحكومة في آذار/ مارس 1954، وكرروا طلبهم الجديد، وأضيف لهم حسني الخفش، وحمدي عبدالمجيد، وعلي الجعبري، و راتب دروزة، وعبدالكريم خريس إلا أن طلبهم رفض مرة أخرى من قبل مجلس الوزراء في 28 حزيران / يونيو 1954، لكن محكمة العدل العليا عادت و نقضت رفض الحكومة، مما سمح للحزب في النشاط العلني وفي 28 آب / أغسطس1955 اعتبر الحزب قائما بقرار من محكمة العدل العليا ومارس نشاطه([54([.

بدأ تنظيم حزب البعث في المملكة الأردنية الهاشمية، يعمل على تجنيد العناصرالمتعلمة والشابة، من النخبة المثقفة، مثل المعلمين والطلاب بشكل خاص، وباقي الفئات المتعلمة بصورة عامة، وهي التي تحظى بالمكانة الاجتماعية.

قام الحزب في بداية تأسيسه على كاهل مجموعة من الأشخاص المثقفين والذين سبقت لهم تجارب وطنية وسياسية في الأردن وفلسطين ومنهم: سليمان الحديدي، وأمين شقير، وجمال الشاعر ومنيف الرزاز ( الضفة الشرقية )، و كل من السادة: عبدالله الريماوي، وعبدالله نعواس، وبهجت ابوغربية وحسني الخفش، وبسام الشكعة (الضفة الغربية )، وهؤلاء يضمون خريجين من الجامعة الأمريكية في بيروت، أو ناضلوا في الثورات العربية الفلسطينية مثل:ثورة 1936ـ 1939، والحرب العربية ـ الإسرائيلية عام 1948 أو كانوا أعضاء في عصبة العمل الوطني وتركوها بعد أن أيد الشيوعيون قرار التقسيم الصادر عام 1947([55([.

2) تأسيس حزب البعث في قطاع غزة

تأخر تأسيس حزب البعث في هذه المنطقة من فلسطين عنه في المملكة الأردنية الهاشمية، ويعود سبب ذلك إلى تعرف نخبة من المثقفين الفلسطينيين في الضفة الغربية على أفكار البعث بعد زيارة ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث إلى مدن رام الله ، والقدس ، وتعرف عبدالله نعواس ، وعبدالله الريماوي على مبادىء الحزب كما مرسابقا. جاء امتداد البعث وتأسيسه في قطاع غزة بعد أن تلقى عدد من الطلاب دراستهم في جامعة القاهرة، وتعرفوا على أفكار الحزب من الطلاب السوريين ،والمصريين ، والفلسطينيين ، والأردنيين الذين تلقوا علومهم فيها، واعتنقوا فكر البعث وانتسبوا إليه، ومنهم: شفيق الإفرنجي، و وفا الصايغ، وسعيد الدجني، وبعد رجوع هؤلاء إلى غزة قاموا بتجنيد عدد من المدرسين ومدراءالمدارس إلى عضوية حزب البعث([56([.

وبعد أن ضم البعث نخبة من المثقفين والمتعلمين وإمتدت تشكيلاته إلى عدد من النساء المتعلمات والمدرسات في وكالة الغوث حتى تشكلت فرقة نسائية قادتها مي الصايغ. وتعتبر أعوام 1953 ـ 1956 فترة تأسيس الحزب، رغم مشاركة البعثيين في مظاهرات عام 1955، وفي ظل وجود حركة الإخوان المسلمين المبكرة وكذلك الشيوعيين لم تتوفر للبعث الظروف كي يكون معبرا عن مرحلة المد القومي العربي([57([.

أدى خضوع قطاع غزة للسيطرة المصرية إلى إلحاف تنظيم البعث في غزة بتنظيم البعث في مصر، الذي كان بدوره يخضع مباشرة للقيادة القومية في دمشق، بينما كان تنظيم البعث في الضفة الغربية ضمن حزب البعث الأردني، الذي تشرف عليه قيادة قطرية، ولهذاكانت الصلاحياته المعطاة له في الأردن أكبر منها في قطاع غزة([58([.

3)أبرز الأوساط الاجتماعية التي انتشر فيها حزب البعث

إن أول ما يسترعي الانتباه في نشاط حزب البعث أنه امتد بسرعة في العديد من الأقطار خارج سوريا، بعد فترة وجيزة من انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب في شهر نيسان/ أبريل من عام 1947، وفي مقدمة الأقطار هذه كانت الأردن وفلسطين، وكان للشباب المثقف وطلاب الجامعات الدور الرئيس في في سبيل انتشار الحزب وتغلغله، وشق طريقه السياسي وسيطرته على الشارع في وقت قصير([59([.

وبعد الإطلاع على وثائق المخابرات الأردنية، ثم إجراء مقابلات مع نشيطين في البعث إلى جانب مصادر ومراجع أخرى تبين أن نشاط الحزب شمل مختلف القطاعات الشعبية، ومن أبرزها:ـ

أـ المعلمون والطلاب: ـ

انتشر البعث في أوساط هذه الفئة شأنه في ذلك شأن شقيقه السوري الذي أسسه المعلمون والدارسون، وقد عاد إلى البلاد خريجو الجامعات السورية واللبنانية، الذين التحقوا بسلك التدريس ونشطوا بين صفوف الطلاب، وتعتبر هذه الفئة من أهم فئات الحزب التي قامت بدورً تأسيسي وذلك للأسباب الآتية: ـ

أولاً: شكل المعلمون والطلاب النخبة الحضرية، التي قامت على كاهلها نشاطات الأحزاب، و يعتبر طلاب الثانوية مخزون ثقافي، ورئيس واليه تتوجه الأحزاب وتستمد القوة منه.

ثانياً: المستوى الثقافي العالي لهذه الفئة مقارنة ببقية أبناء الشعب، يدعم الفرضية القائلة: بأنهم بيئة خصبة وممتازة، ومناسبة لحزب عقائدي سياسي، ثم أن المعلمين المثقفين حملوا رغبة جامحة في التغيير السياسي، ويكفي القول أن المدرسين يشكلون ربع مجمع الناشطين في الحزب.

ثالثاً: أن الطلاب يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع، وأن السيطرة عليهم ستؤدي إلى تحويل الحزب إلى حزب جماهيري شعبي([60([.

رابعا ً: رأى البعث في توافق صفة الثقافة والوعي من جهة والشباب من جهة أخرى شرطان من شروط تحقيق فكرة البعث العربي وتوثبه ونهوض الأمة العربية([61([.

لقد تواصل نشاط البعث بين صفوف الطلاب في الخمسينيات، وفي المراحل اللاحقة أسهم المعلمون في تجنيد الأعضاء، وقد سلك مؤسسو البعث طريقهم التعليمي قبل أو بعد التحاقهم بالحزب، ومنهم:

عبد الله الريماوي، ومنيف الرزاز، وبهجت أبو غربية، وفي كل مدرسة وجد فيها معلمون منتسبون إلى حزب البعث، كانوا يهتمون بنشر فكره بين طلابهم. كانت المدرسة الإبراهيمية أولى المدارس التي دّرس فيها بهجت أبو غربية، ونشط فيها والتي مثلت قاعدة لنشر أفكار الحزب والتخطيط لنشاطاته وظل دورها نشطاً حتى شهر نيسان / أبريل 1957([62([.

وفي مدينة بيت لحم نشط الأستاذ ابراهيم الصادق (مجدل الصاد ق ) في مدرسة وكالة الغوث والمعلم موسى عبد الفتاح درويش ( المالحة ـ القدس)، والمعلمة وداد الياس بربارة التي كلفت بمهمات اتصال بين قادة الحزب في بيت لحم، وقادته في دمشق ومنهم المعلم صبحي الناشف من قرية الطيبة بالمثلث([63([.

وفي مدارس الخليل تركزت نشاطات البعث في مدرسة " الحسين بن علي " الذي دّرس فيها، محمود الزيتون، وداود السمور، وهما من قادة البعث في منطقة الخليل، وفي مخيم الدهيشة نشطت " مدرسة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين " القريبة من بيت لحم بفضل دور مديرها " صبحي الناشف " قائد الحزب في بيت لحم. كذلك اعتبر معهد بيت حنينا للمعلمين بمثابة قلعة للبعث بفضل النشاط الذي بذله مديرها ذوقان الهنداوي الذي أعتبر في حينها من قادة البعث البارزين وفي"مدرسة الصلاحية " ،و"مدرسة الجاحظ " بمدينة نابلس، وفي لواء طولكرم كان المعلمون في الصفوف المتقدمة للحزب([64([. وفي قطاع غزة نشط حزب البعث في مدرسة "فلسطين الثانوية "([65([.

وأسهم الطلاب الذين تخرجوا من الجامعات العربية، وخاصة في سوريا ولبنان ومصر بدور بارز في خدمة الحزب، وكلفوا بمهمات مختلفة كنقل التعليمات والبيانات والمنشورات من فلسطين إلى الشام، أو كانوا حلقات وصل بين قيادات البعث القطرية، والقيادة القومية([66])

لكنّ عددًا منهم اضطروا للتوجه للتدريس في دول الخليج العربي، بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والفصل التعسفي، والاعتقالات المتكررة للمعلمين وتوقيعهم على كفالات([67([.

أدت هجرة المتعلمين والسياسات التعسفية الحكومية المتبعة ضد المعلمين خاصةً، والفئات الأخرى عامةً إلى تفريغ البلاد من فئات اجتماعية مهمة للحزب. وللدلالة على أهمية دور الطلاب في الحزب، أدرك الحزب بهذا النقص الذي يصيبه نتيجة للهجرة التعليمية، قام الحزب بتعميم بيان سري على أعضائه في عام 1964 دعاهم إلى عدم الهجرة خارج الأردن، بغرض الالتحاق بجامعات الدول العربية بعد أن أصبحت الدراسة الجامعية متوفرة في الأردن ؛حيث افتتحت الجامعة الأردنية أبوابها آنذاك([68([.

اهتم حزب البعث أيضاً بتشكيل منظمات واتحادات طلابية، ففي سنة 1953 عقد اجتماع طلاب الأردن بتشجيع من الشيوعيين أيضاً رغم معارضة النظام الأردني، وبحثت شؤون الطلاب وخرج المؤتمر بقرارات وتوصيات منها: حق الطلبة بتأسيس اتحاد طلابي والتعليم المجاني للجميع، وتأسيس جامعة وطنية([69([.

وضمن نشاط المعلمين جاء الاهتمام بالطلاب، وتشكيل " منظمات طلائعي البعث "، وهي منظمات ضمت طلابا لا يتجاوزون في أعمارهم 18 ربيعاً وهؤلاء لا يمكن اعتبارهم منظمين في الحزب بل أنصار ومؤيدين في مظاهرات الحزب، تحت مسؤولية " المكتب الطلابي" أحد مكاتب القيادة القطرية ومهمة هذا المكتب، أن يرتب علاقات الطلاب البعثيين عند سفرهم للخارج؛لان تنظيم البعث قومي شمولي، لذا يجري ربطهم بالتنظيم الحزبي عند سفرهم إلى أي قطر عربي أو أوروبي ،مثل: بريطانيا، ومصر حيث نشطت رابطة الطلبة العرب 1956ـ 1958 وكان للبعث تأثير حاسم فيها([70([.

تقدمت أغلبية من أعضاء حزب البعث باقتراح للرئيس جمال عبدالناصر بتأسيس اتحاد طلبة فلسطين الذي بدوره دعم الفكرة، وجعلت القاهرة مقر الاتحاد، الذي عقد مؤتمره الأول في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1959، وحضره ممثلون عن المنظمات الطلابية في دمشق والقاهرة والإسكندرية وأسيوط وبيروت، وقد شكلت أعوام 1958 ـ 1963 فترة صعود للبعث، ونجح البعث في سيطرته على الاتحاد في القاهرة أمام منافسة حركة القوميين العرب([71([.

وحول النقابات ودورها في صفوف المعلمين، فقد تم تأسيس اتحاد معلمي وكالة الغوث في تموز/ يوليو 1954، الذي جعلت القدس مركزه وامتدت فروعه في مدن المملكة وفي 10 نيسان / أبريل 1955. أسس اتحاد المعلمين في المملكة، الذي كان مقره في عمان، وفتحت له فروع في مدن إربد ونابلس والقدس والخليل والكرك ومعان، وقد أغلقت أبوابه بقرار من رئيس الوزراء في 14 كانون الثاني/ يناير 1956 بحجة أن موظفي الحكومة لا يسمح لهم بتشكيل نقابات([72([.

واهتم البعث بهذه النقابة، وشارك في هيئتها الإدارية بأحد أعضاء حزب البعث وهو داود حارث([73([.

ب )القضاة، ورجال القانون وكبارالموظفين

كانت نقابة المحامين من أكثر النقابات التي وقعت تحت تأثير حزب البعث، ومن أكثرها فعالية في سنوات الخمسينيات، وسجل محامو البعث نجاحا في انتخابات النقابة في الأردن في عام 1953 حيث نجح ثلاثة من بين سبعة أعضاء فيها، في حين صعد أربعة من أصدقائه إلى عضوية النقابة([74([. كما أن قوة حزب البعث فاقت قوة الحزب الشيوعي في نقابة المحامين([75])*.

توقف نشاط المحامين البعثيين بعد عام 1957 بسبب إجراءات الحكومة الأردنية بعد الإطاحة بحكومة سليمان النابلسي، وبعد عام 1967عادوا يمارسون نشاطهم، وقد رجع عبدالله الريماوي عام 1970 إلى الأردن، وزاول مهنة المحاماة، وانتخب أميناً عاماً لاتحاد المحامين العرب([76([.

يستدل من القوائم التي أعدتها المخابرات الأردنية منذ عام 1957 بأسماء أشخاص ذوي مناصب حكومية رفيعة، و يشغلون مواقعهم في المحاكم والقضاء وغيرها أن البعث كان ذو فعالية في صفوف هذه الفئات الاجتماعية، وكان المحامون في مركز القيادة من حزب البعث([77([.

يعزى سبب الدور القيادي للمحامين في حزب البعث لوجود إمكانيات مادية، تؤهلهم للصمود في وجه الضغوطات الحكومية، ولوعيهم القانوني والسياسي.

ت) الأندية الرياضية والثقافية والكشافة:ـ

حاول البعث الدخول إلى الأندية والتنافس مع الأحزاب الأخرى لاستقطاب الشباب ونشر الدعاية الحزبية، وبرزت هذه الظاهرة تحديداً في المراكز التالية في “ نادي الخليل الرياضي “ الذي تحول إلى مركز مهم لنشر الأفكار البعثية ، وفي مدينة طولكرم نشط البعثيون في”نادي طولكرم الرياضي “ ،ونشطوافي مدينة نابلس، حيث وجد "النادي العربي"، الذي استخدم كقلعة بارزة، لحركة القوميين العرب نجح حزب البعث في كسب عدد من الأعضاء فيه([78([.

جرى تشكيل سرية كشافة من البعثيين في رام الله والبيرة والقدس، وممن شارك وبرز في سرية القدس عياد المالكي، وكانت فرقة البعث الكشفية تشارك في المهرجانات، وفي واحدة من الاحتفالات حضر حسن الكاتب محافظ مدينة القدس، والسفير السعودي، وقد أثنى الكاتب على نشاط الكشافة البعيد عن السياسة، ففاجئه عياد المالكي بكلمة جاء فيها: ".. لما كان الكشاف هو الشباب الناهض كان عليه لزاماً أن يتدخل في السياسة وأن يلم بكل الأحداث التي تجري في بلده ووطنه وأن لا يستسلم لحفنة خائنة تتآمر على مصيره ومستقبله، ودوى الهتاف بالتهليل وانسحب المحافظ والقنصل السعودي "([79([.

ث ) العمال والفلاحون :ـ

عند مقارنة نشاط حزب البعث في هذا الوسط مع الوسط الطلابي والمعلمين يلاحظ انه قليل باستثناء النشاط الذي حققه البعث في نابلس.

كان حسني الخفش أمينا عاما لنقابة العمال العربية منذ عام 1947، بعد اغتيال سامي طه مسؤول النقابة، التي كان مقرها حيفا، وقد نجح الخفش في تجديد نشاطها، وبذل جهودا كبيرة في مد فروع لها في عمان ، وطولكرم ، ورام الله، وساعده في عمله هذا كل من: عبدالله الريماوي وعبدالله نعواس، وحسان وظائفي،و زياد يونس، و مصطفى عسقلان، واستمرالخفش أمينا عاما لنقابة العمال حتى عام 1952 إلى أن حلت النقابة على أيدي السلطات الأردنية في عهد رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى، ولكن نشاطاتها السرية استمرت ثم عادت تعمل علناً بفعل ضغوط دولية، واحتجاجات نقابية وعملت من جديد عام 1956([80([.

ونشط صادق سنقرط في نقابة عمال الزفته بمدينة الخليل([81([.

بعد الحملة الانتخابية التي قام بها الحزب 1956وقدم لها 16 مرشحا زاد اهتمامه بالقرى وبذل جهودا أكبر لنشر فكره وتنظيمه بين أبناء الريف، وقد رشح في هذه المرة مصطفىعودة من قرية( بديا ـ طولكرم )، وداود حارث من قرية( أم صفا ـ رام الله )، وإبراهيم غنام (جبع ـ جنين )([82([.

نجح البعث في استقطاب أعداد كبيرة من القرى كما نجح بين أبناء المدن، رغم أنه اتخذ طابعا حضريا لأن قاعدته الأوسع بين سكان المدن، بينما كان اللاجئون يشكلون 15 % من قاعدته. لقد كان البعث أنجح ما يكون في رام الله والقدس، ورغم تحقيقه نجاحا في مدينة نابلس أواسط الخمسينيات، إلا أن قياداته ظلت تتمركز في مدينة رام الله، وكذلك نجح هؤلاء في انتخابات مجلس النواب([83([.

ورغم ما يبدو من ميل المجتمع الحضري إلى العمل المؤسساتي والحزبي بصورة تتفوق على مجتمع القرية المشدود إلى علاقات و ارتباطات عشائرية مع ميله للاستقرار، لكن ذلك لم يمنع حزب البعث من إقامة قواعد حزبية في قرى عديدة، منها : كفر مالك، و بير زيت، وبيت ريما، و بديا، وصفا ، واليامون([84([.

والواقع أن الامتداد الحزبي سواءاً أ كان شيوعياً، أو بعثياً، أو دينيا ً، تداخلت فيه التركيبة العشائرية ودور الفرد، حيث برزت قرى ومدن تشتهر بالشيوعية مثل(سلفيت) والتي هي مسقط رأس فهمي السلفيتي، وعربي عواد، وحمزة الزير([85([.

وأخرى قومية (بيت ريما، كفرمالك وبيرزيت)، والتي نشط فيها عبدالله الريماوي، وعياد المالكي وكمال ناصر على الترتيب([86([.

وأخرى اشتهرت بكونها قاعدة لحزب التحرير، مثل: ( عزون)، ويعتبر فرع مدينة قلقيلية من الفروع القوية([87([.

ج)الحركة النسوية: ـ

انطلق البعث في مبادئه العامة في دستوره عام 1947 من النص في المادة 12 على أن المر أه العربية تتمتع بحقوق المواطن كلها، وأن الحزب يناضل في سبيل رفع مستوى المرأة حتى تصبح جديرة بتمتعها بهذه الحقوق، وفي عام 1953 تشكل مكتب للنشاط النسائي في الأردن أنيط به مهمة الإشراف على توسيع الحركة النسائية النضالية وربط كل نشاط نسائي بهذا المكتب([88([.

ويستدل من ملفات المخابرات الأردنية أن الحزب ضم معلمات و موظفات في مكتب التربية والتعليم، وفي بعض الحالات ربات البيوت اللواتي كان أزواجهن ملتحقين بالحزب أ و أقربائهن([89([.

قامت بعض نساء البعث بنقل رسائل قادة البعث في فلسطين إلى قادة البعث في دمشق وأحضرن نشرات سياسية وبيانات، وبعضهن تعرض للإقامة الإجبارية([90([.

ح) مجلس النواب: ـ

رغم معارضة حزب البعث لنظام الملك عبدالله ولحفيده الحسين من بعده، لكنه ظل يرى في النشاط البرلماني أسلوبا مناسباً للتعبير عن أفكاره وفي عام 1950 شارك مرشحو البعث في الانتخابات وكذلك في السنوات اللاحقة، واختلف موقف البعث عن الأحزاب الأخرى كالشيوعي مثلا الذي كان يرفض وحدة الضفتين أو المشاركة في الانتخابات، وحول الأسباب التي يراها نعواس موجبة للمشاركة في الانتخابات الأولى كتب في بدء كانون ثاني/ يناير 1950 في صحيفة البعث ” لماذا نخوض معركة الانتخابات ؟ الانتخابات النيابية حدث جديد في فلسطين لأول مرة منذ عهد بعيد، ولما كانت الانتخابات قد جاءت في أعقاب نكبة فلسطين، ونكبة العرب بفلسطين، فقد وقف الناس في معسكرين يقول إحداهما بمقاطعة الانتخابات وينادي الآخر بالمشاركة فيها … ولكل من المعسكرين حجج ووجهات نظر فللمقاطعة فوائدها ومضارها ،وللاشتراك فوائده ومضاره "([91([.

ومن الأسباب التي دعته لممارسة النشاط البرلماني: "هي أن لا يخلي السبيل للعناصر الهزيلة تعبث في البلاد وتدعي تمثيل الأمة والتعبير عن رغبتها، ولقد قرر نفر كبير من الشباب الواعي من مختلف البلاد إلى خوض معركة الانتخابات قياما بواجب الجهاد رغم وعورة ومشقة الطريق"([92([.

رغم النجاح الذي حققه عبدالله الريماوي ،وعبدالله نعواس في انتخابات 1950 و1951. إلا أن الحكم الأردني أخذ يوصد الأبواب أمام الأشخاص المعروفين بمعارضتهم وتأييدهم للأحزاب. ففي عام 1954 جرت انتخابات وصفت بأنها مزورة من قبل الأحزاب المختلفة، وفيها تقدم كمال ناصر ليخوض الانتخابات مرشحا بشكل سري عن حزب البعث، لأن الأحزاب كانت محظورة، وفشل بسبب تزوير الانتخابات. وسقط أيضا عبدالله الريماوي، وعبدالله نعواس من حزب البعث، وكذلك كتلة سعيد المفتي، وانسحب عبدالرحمن شقير من معركة انتخابات عمان، وفر إلى دمشق وفشل في انتخابات السلط عبدالحليم نمر وتسببت الأحداث في مظاهرات واصطدامات بالجيش، وقتل العديد من الأشخاص([93([.

لم ينجح في تخطي العراقيل التي وضعها المسؤولون سوى ممثل الاتجاه الديني الشيخ أحمد ألداعور وممثل الجبهة الوطنية عبد القادر الصالح عن نابلس([94([.

عرف نواب حزب البعث بنشاطهم في مجلس النواب، وكانوا مثال اهتمام حكومة الأردن وأجهزتها الأمنية.

وفي مقدمة هؤلاء النواب، عبدالله الريماوي الذي تميز بثقافته العالية ومواقفه الجريئة والذي طرح مواقف الحزب بقوة، وناهض سياسة الحكومة، وشملت شعبيته المسلمين والمسيحيين، وقد مثل الاتجاه الوطني في رام الله والقدس، وكان يحصل على أكثرية الأصوات في دائرته الانتخابية، و التف حوله الأطباء والمحامون والمهندسون والوجهاء والمخاتير و جعل من مكتبه في رام الله مكتبا لحزب البعث([95([.

وتحفل وثائق المخابرات الأردنية بتقاريرها عن هذه الشخصية في مناسبات عديدة ومن بين هذه التقارير يتحدث تقرير مكتوم ومرسل لمباحث القدس أن بعض الغرباء يترددون على بيت السيد الريماوي ويعتقد أن البحث دار حول ترخيص الحزب، وتكررت الاجتماعات في اليوم التالي حتى الساعة الرابعة مساءً، وأن الاجتماع دار مرة ً ثانية حول تعديل دستور حزب البعث، وتعيين عمان مقرا للحزب والتقدم بطلب ترخيص الحزب([96([.

كان حزب البعث نشيطاً في البرلمان، رغم أن عدد نوّابه قليل، وربما يعود السبب إلى تعبيرهم عن طموح ورغبة جيل الشباب، كما أنهم نجحوا في إقامة صلات ثقافية، والاطلاع على ثقافة الغرب أثناء دراستهم في الجامعة الأمريكية في لبنان، وينطبق ذلك على عبدالله، وعبدالله نعواس، ومنيف الرزاز، وكمال ناصرناصر.

كذلك معارضتهم للحكومة الأردنية، فعلى سبيل المثال، خرج عبداله الريماوي، وعبدالله نعواس من سجن الجفر عام 1950 إلى قبة مجلس النواب، بعد نجاحهما في الانتخابات، وكان أول بيان لهما " من السجن إلى البرلمان "([97([.

كان عنصر الانتقاد الرئيس يتمثل في الهجوم على سلطة البريطانيين المسيطرة على البلاد، وهي بمثابة السلطة التنفيذية وتوقف البعثيون عند قانون: [الشعب هو مصدر السلطات ]. قام نعواس و الريماوي مع نواب آخرين من الضفة الغربية بتقديم لائحة من الاقتراحات لا صلاح التشريعات وتحديد سلطة الحكومة، وحاولوا مع نواب آخرين إسقاط وزارة توفيق باشا أبو الهدى، وطالبوا تعديل الدستور بحيث يضمن للشعب تقرير مصيره، ثم جعل الثقة الوزارية بالأكثرية العادية، وإلغاء القوانين الاستثنائية وتطهير الجهاز الإداري([98([.

من أبرز مطالب البعثيين داخل المجلس وخارجه بين عامي 1950ـ1955. مايلي:

1ـ عزل الضباط الإنجليز من الجيش الأردني وعلى رأسهم الفريق غلوب باشا.

2ـ إلغاء قوانين الدفاع الأردنية.

3ـ إجراء انتخابات نيابية حرة.

4ـ السماح بتأسيس الأحزاب السياسية.

5ـ إلغاء معاهدة التحالف البريطانية الأردنية لعام 1948([99([.

وناضل البعث على الصعيد الخارجي في الدعوة لتحقيق الوحدة العربية وسياسة الحياد الإيجابي ورفضه للأحلاف الاستعمارية، والتدخلات الخارجية الأجنبية في شؤون الأردن، إلى جانب عدم إغفال نواب البعث الخدمات المجتمعية، وتحسين أوضاع الفلاح في الريف، والعمال، والمرأة.

ومما أسهم به نواب البعث: وضع دستور عام 1952 الذي ينص على توكيد الانتماء القومي للأردن أرضا وشعبا للوطن العربي والأمة العربية، كما جاء في مادتيه الأولى والثانية وقد تجاوب هذا الانتماء مع دعوة البعث، خاصة أن دستور عام 1928، وغيره من دساتير البلاد العربية التي فرضت على البلاد العربية فترة ما بين الحربين لا تؤكد على هذا الانتماء([100([.

ووقف نواب البعث ضد قانون حظر النشاط الشيوعي الذي سنته السلطة، واعتبارها له نشاطاً هداماً([101([.

وقف نواب البعث في أكثر من مناسبة ضد قانون الطوارئ الذي استخدمته حكومات الأردن منذ عهد توفيق باشا أبو الهدى عام 1949، الذي يجيز للحكومة طرد أي مواطن ارتكب إحدى المخالفات، أو سجنه لمدة طويلة وبذريعة " الشيوعية الهدامة "اعترض عبدالله الريماوي على هذا البند، وأكد أن إمكانية اللجوء إلى هذه التشريعات، وُأن قانون الطوارئ ينشر في حالات محددة ، ومنها: التأكيد على حماية الوطن والدفاع عنه، والقانون يكون ساري المفعول عندما ينشر بقرار حكومي ، ويستند على قرارات حكومية([102([.

وطالب الريماوي بإلغاء قانون الانتخابات للسلطة، والمجالس المحلية، واشتراط وزارة الداخلية بأن يكون عمرالناخب 25 عاماً، وطالب أن يكون عمره 18 عاماً، ثم طالب بتوسيع تنظيم المخططات البلدية والقروية، وتحسين مجالات التربية والتعليم والصحة في البلاد، وجملة هذه المطالب تعكس الرغبة في تحسين أحوال أبناء الضفة الغربية([103([.

وأثار البعث موضوع مشاركة المرأة في الانتخابات، بالتصويت، وخاصة المتعلمات والمثقفات لينافسن الرجال في المجالس البلدية والمحلية.

كان النائب كمال ناصر من المطالبين بحصول المرأة على حقوقها في أكثر من مناسبة* في مجلس النواب وخارجه. وشجع نوّاب البعث التعليم الجامعي، وإرسال البعثات إلي بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية، ولا ضير في ذلك**، حتى وإن كانت دولاً استعمارية([104([.

ونالت مشاريع الوحدة العربية، اهتماماً كبيراً، من قبل حزب البعث، وقد قامت مبادئه على الوحدة، ولكنه لم يحدد الوسائل التي يتم بها تطبيق الوحدة وكان مشروع " وحدة الهلال الخصيب " واحداً من المشاريع التي طرحت منذ تأسيس حزب البعث في سوريا، وعادت تطرح من جديد عام 1950. وقامت نواتها في وحدة العراق، وسوريا، وهو ما أطلق عليه المشروع الهاشمي، الذي قابله حزب البعث بغموض وتردد([105([.

وعادت حكومة العراق في عام 1951 تطرح المشروع بقوة وحماس، وأجرت اتصالات مع المرشحين للانتخابات في الأردن ومنهم: عبدالله الريماوي وأنور الخطيب، واقترح تنفيذ الوحدة، إلا أنها فشلت بضغط من الملك طلال وتوفيق باشا أبوالهدى، وبعد عزل الملك طلال، وتولّي ولده الحسين حكم البلاد، عادت وسائل الصحافة والإعلام تطرح الوحدة الهاشمية من جديد، وتسابق أهل الفكر والقلم لإبداء رأيهم فيها، وأيدها الريماوي، والخطيب وخلوص الخيري، ولكن الحكم الهاشمي تراجع بسبب الضغوط البريطانية التي مورست عليه بعد الاعتداءات الحدودية الإسرائيلية المتكررة، والتي بلغت ذروتها عام 1953 في جريمة قبية([106([.

نادى حزب البعث بسياسة الحياد الإيجابي وتعرض ميشيل عفلق لهذه القضية منذ عام 1948 حيث أسست هيئة الأمم المتحدة، وبرزت الكتل الدولية الكبرى. وقد أظهر عفلق ميله للديمقراطية الغربية ومطالبها في الحرية، و لكنه رفض سياساتها تجاه القضية الفلسطينية، وأوضح أنه لا يمكن الوقوف بجانب هذه الكتلة مثلما يرفض الديكتاتورية التي يمارسها المعسكر الشرقي، ونادى أخيراً باتباع سياسة الحياد([107([.

أدى التشابه في الموقف من سياسة الحياد الإيجابي وتبني سياسة عدم الانحياز من قبل البعث وعبدالناصر إلى حدوث تقارب وتوافق.

بعد ظهور كتلة عدم الانحياز ورفض الدخول في أي من المعسكرين الدوليين ومبادرة عبدالناصر وجواهر لال نهرو وأحمد سوكارنو، عقد مؤتمر باندونغ في إندونيسيا ثم كسر عبدالناصر احتكارأوروبا الغربية للسلاح، وعقد صفقة أ سلحة مع تشيكوسلوفاكيا. عندها أخذت تقوى فكرة إقامة علاقة مع الكتلة الشرقية بهدف الحصول على السلاح، وتقوية الكتلة الأفروـ آسيوية، وقد تبنى البعث مبدأ تدعيم هذه الكتلة، وشعارات عدم الانحياز، حتى أنه عقد مؤتمراً كبيراً لعرض البرنامج الانتخابي في السابع من أيلول عام 1956، و عقد المؤتمر في مهرجان كبير في سينما دنيا في رام الله لغرض انتخاب حمدي التاجي الفاروقي وعبدالله الريماوي وكمال ناصر وشعاراته تدعو لتطبيق هذه المبادئ ومما كتب في يافطات البعث آنذاك " 1 – مقاومة الاستعمار بجميع أشكاله و ألوانه ومقاومة الأحلاف الأجنبية مقاومة فعالة. 2ـ إن البعث ينادي بسياسة الحياد الإيجابي كتلة الدول الآسيوية ـ الإفريقية وفي مقدمتها الهند. 3ـ وتدعيم التعاون مع الاتحاد السوفيتي، والصين الشعبية ويوغسلافيا وفقا لمقتضيات المصلحة القومية العربية وقضاياها "([108([.

وفي جلسة مجلس النوّاب، بعد إلغاء المعاهدة البريطانية في آذار/ مارس 1957.، تحدث النائب كمال ناصر في جلسة مجلس النواب الأردني، وأكد في خطابه المطول على منجزات عديدة أرسى دعائمها البعث وهي " 1ـ إنها ء المعاهدة البريطانية ـ الأردنية نهائياً. 2ـ انسحاب اليهود من غزة 3ـ ارتداد المعتدين خائبين عن مصر 4ـ تعاظم حركة التحرير العربية في الجزائر 5ـ ازدياد القوى المناضلة في جميع أنحاء الوطن العربي 6 ـ إنما قاد إلى هذه الأ انتصارات " نضالنا التاريخي المظفر في سبيل الوحدة والحرية والاشتراكية"([109([.

خ) قطاع الجيش: ـ

اهتم دستور حزب البعث بالتغيير الثوري الجذري الذي يصيب مناحي الحياة كافةً وعبرعنه عفلق بالانقلابية، واشترط لتحقيقه، وجود الحركة الانقلابية، وهي تسلك سبيل الانقلاب لا الإصلاح التدريجي([110([.

و لكن فكرة البعث الانقلابية، تم تفسيرها في تاريخ لاحق بأسلوب آخر، ونعني به الانقلاب العسكري.

سعى الحزب إلى الامتداد والتغلغل، في قطاع الجيش، باعتباره قطاعاً مهما وجزءاً من القطاعات الشعبية، وكانت الانقلابات العسكرية التي بدأت منذ عام 1949 في سوريا، بقيادة حسني الزعيم قد كشفت أهمية الجيش أمام الحركات السياسية المختلفة في الوطن العربي، زاد على ذلك ظهور دور حركة الضباط الأحرار في مصر بعد انقلاب 23 تموز/ يوليو1952.

وفي القطر الأردني برز اهتمام حزب البعث بقطاع الجيش مبكراً، حيث عمل الحزب على نشر خلاياه بين ضباط الجيش الصغار، وللتعرف على هذا النشاط كتب أحد المشاركين في إقامة هذه الخلايا: " كان الملازم شاهر أبو شاحوط وقاسم الناصر وتركي الهنداوي وأنا، نعمل معا في سلاح المدفعية، وعايشنا الظروف القاسية، فبد أنا نبحث في إمكانية تشكيل تنظيم سري، و كان ذلك بعد الهدنة الثانية*. توصلنا في غضو ن عام من إقامة تنظيم متواضع من الضباط وسميناه باسم " حركة الضباط الأحرار " كما كتبنا نظاماً داخلياً وهيكلاً للتنظيم وقسماً …أن تسمية الضباط الأحرار بهذا الاسم جاءت تجنبا لحصر الحركة في التنظيم الحزبي، ومن أجل استيعاب العديد من الضباط القوميين ليصبح التنظيم ممثلاً لأكبر قطاع من أبناء الشعب العربي في الأردن "([111([.

لم يقتصر تنظيم الضباط الأحرار على المؤيدين للبعث، بل كان مفتوحاً لأي ضابط قومي وقد امتدت حركة الضباط الأحرار في سيطرتها على سلاح المدفعية و أصبحت لها قوة تنظيمية في سلاح الهندسة، وسلاح الدروع، وزادت قوة الضباط الأحرار بعد ثورة 23 تموز / يوليو 1952 بفترة قصيرة فاتح شاهر أبو شاحوط علي أ بو نوار، بأمرالحركة، وكلف محمود المعايطة وشوكت السبول، بالاتصال مع الرتب العليا في الجيش، مع تدارس الأمر مع لجنة التنظيم([112([.

جاءت فكرة تعريب الجيش من قبل علي أبو نوار، بعد لقاءات مع القادة السياسيين وبعد أن لمس منهم تجاوبا، طرح الفكرة على الملك حسين. وضمن لقاءات أبي نوار مع القوى السياسية دعا إلى منزل والده عبدالله الريماوي، وعبدالله نعواس، وسليمان الحديدي، وحسني الخفش، وتوجه لعبدالله الريماوي بسؤال حول مدى قدرة حزب البعث على تشكيل وزارة وماهي إمكانياته لدفع الجماهير لخوض معركة ضد بريطانيا ؟.

كان رد الريماوي أن البعث لديه القدرة في المشاركة في وزارة ولا يمكنه تشكيلها أما تسيير الجماهير وتحريكها فاإن الحزب لديه الاستعداد على دفع شبابه للتضحية عند أول بادرة وأنه" سيقيم الدنيا ولا يقعدها في كل قرية ومدينة "([113([.

كانت بعض الظروف قد هيأت للفكرة القائلة بتعريب الجيش، وطرد غلوب باشا من قيادة الجيش وطرد القادة الآخرين من الإنجليز، ومنها: حادثة قبية عام 1953 التي أثارت الأحزاب والجماهير الشعبية في تظاهرات([114([.

ثم جاءت انتخابات البرلمان الأردني سنة 1954، التي وصفت بكونها مزيفة والزيارات التي قام بها قادة حلف بغداد، ومنهم: الفيلد مارشال السير جيرالد تمبلر رئيس هيئة أركان الإمبراطورية البريطانية، و رئيس وزراء تركيا جلال بايار التي استمرت من تشرين الأول/ أكتوبر حتى منتصف تشرين الثاني/ أكتوبر 1954، وقتل ضابط بريطاني في هذه الأحداث في مدينة الزرقاء، في حين استشهد أربعين مواطناً نتيجة التظاهرات الجماهيرية([115([.

هاتف الملك حسين أ بو نوّار في 28 شباط/ فبراير 1956، عن إمكانيات التنفيذ وحضر الملك إلى مقر رئاسة الأركان يرافقه الملازم زيد بن شاكر، وبين لعلي أبو نوار خطة تعريب الجيش وقرار الدفاع عنها، وبحثوا في السبل التي تحول دون تدخل إسرائيل وبارك الملك هذا الجهد([116([.

استدعى الملك الضابط أحمد زعرور، والضابط محمود معايطة وبحضور شاهر أبو شاحوط وسألهم عن إمكانياتهم العسكرية لتعريب الجيش، فكانت إجابتهم أن لديهم القدرة على تنفيذها دون صعوبة، وعادوا إلى وحداتهم بعد أن أفهمهم الملك أن علي أبو نوار سيبلغهم بموعد التنفيذ، وشارك بها ضباط آخرون* وقامت الخطة على تخطيط يضمن سير خطة تعريب الجيش، دون تدخل إسرائيل، أو إفشالها من الضباط البريطانيين، وتتم بإحكام السيطرة على وحدات اللواء في خو، ثم على مطار ماركا، ومواقع القطاعات الإنجليزية، وسرب الطائرات، والسيطرة على معسكر الزرقاء، ومنع الإنجليز من الحركة والاتصال. ثم تطويق بيت غلوب باشا، ومنع من الخروج والاتصال مع وحدات الجيش وتم تعزيز قوة حماية القصور الملكية، وحدد موعداً لتنفيذ ها الساعة الثانية ظهراً من يوم الخميس 29 شباط / فبراير 1956([117([.

نجحت خطة تعريب الجيش، التي شاركت بها قطاعات واسعة من الجيش، وتم إبعاد غلوب باشا إلى خارج البلاد، وحتى لا ينعكس تأخير تنفيذ الخطة على اتخاذ اسرائيل لأي ردة فعل، واستقبل الشعب خطاب الملك حسين يوم 2آذار/ مارس 1956 الذي أعلن فيه تعريب الجيش بفرحة غامرة ، وانطلقت الجماهير مبتهجة بهذا اليوم، وابتهج الفلسطينيون، وخرجوا إلى الشوارع تغمرهم مشاعركبيرة من الفرح ([118([.

كان الدور الذي قام به عدد من ضباط الجيش و المؤيدون منهم لحزب البعث ودفعهم لخطة تعريب الجيش كافيا إلى الاعتقاد، بأن حزب البعث تغلغل في الجيش إلى حد كبير، وقد اتهم أبوعلي نواّر رئيس الأركان بأنه من قادة وضباط البعث وأنّ بدايات عمله جاءت منذ عام 49، وعرف بها الملك حسين عام 1953 لكن ّ علي أبو نواّر رفض هذه الاتهامات، ورد عليها بأنه لا ينتمي إلى أحزاب كما جاء في مذكراته([119([.

كانت خطوة تعريب الجيش، خطوة مهمة في تاريخ الأردن، حيث نقلت هذا البلد من التبعية المباشرة لبريطانيا إلى أن تشق طريقها نحوالتحرر والاستقلال، كما أنها رفعت عن كاهل الضباط الأردنيين سيطرة القادة البريطانيون.

ضمت حركة الضباط الأحرار منتسبي الأحزاب الوطنية والقومية ، من: البعثيين، والقوميين، والشيوعيين، وجمع هؤلاء عدم الرضا من النظام الأردني. وقد ظل تأثير الضباط الأحرار في الجيش والذين اتهموا بمحاولات انقلابية في الأعوام اللاحقة، وكان للجيش دور مهم في الأزمة التي حدثت بين الملك حسين، ورئيس حكومته سليمان النابلسي. وكان الضباط غير راضين عن خطوة الملك في عزل سليمان النابلسي، و يلاحظ أن الذين خططوا لتعريب الجيش بالاتفاق مع الملك حسين أصبحوا فيما بعد متهمين بعمل انقلابات مما يحمل على القول أن النظام عرف كيف يمتص نقمتهم في فترة تعريب الجيش ويدير لهم ظهره في فترة لاحقة متهماً إياهم بالتآمر للقيام بانقلابات ضد الحكم.

وقد حاول كلوب باشا استيعاب الفلسطينيين بتجنيدهم في الحرس الوطني والذين يخدمون بدوام جزئي لا جنود نظاميين، وبالمقابل جند عناصر من الضفة الغربية معروفة بولائها للهاشميين، في محاولة لمنع نمو معارضة مسلحة وموحدة في وجه الملك، وفي وجه عائلات الأعيان([120([.

قابل البعث مبادرة الحسين في تعريب الجيش بالترحيب وأوضح في بيانه الذي جاء في هذه المناسبة " أنه سبق أن طالب الحكومة منذ عام 1953 بعد جريمة قبية … وهي نتيجة لوثبة الشعب وإفشاله حلف بغداد.. وإن هذه الخطوة بحاجة أن تكتمل على طريق الوحدة والاستقلال بخطوات أخرى ومنها: 1)طرد بقية الضباط الإنكليز من الجيش. 2) فصل الشرطة عن الجيش. 3) قبول المساعدات العربية. 4) التعاون الوثيق مع الدول العربية المنادية بالحياد الإيجابي، ورفض الأحلاف الأجنبية…"([121([.

د) حكومة سليمان النابلسي: –

يعتبر سليمان النابلسي أحد أبرز الوجوه الأردنية المعارضة لنظام الحكم في الأردن في عهدي الأمارة والنظام الملكي حتى وفاته عام 1976.

في عام 1954 تأسس الحزب الوطني الاشتراكي من مجموعة أشخاص في الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن، وقام الحزب على أسس غير عقائدية أو شعبية وكانت عضوية الحزب غير مفتوحة للجميع وجل تركيزه على أبناء العائلات والبرجوازية الصغيرة.

تسلم أمانة الحزب هزاع المجالي ؛ وغاية الحزب توحيد الأردن والعراق في اتحاد هاشمي نظرا لوجود القواسم المشتركة بين القطرين ؛ ولأن في العراق جيشا ًقويا مرهوب الجانب، ولديه الإمكانيات المالية([122([.

في الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر عام 1955 جرى تأسيس حكومة برئاسة هزاع المجالي بهدف ضم الأردن إلى حلف بغداد وحاول النابلسي أن ُيثني رفيقه عن ذلك، وزاره في بيته، وحاول التأثير عليه من قبل زوجته، التي نصحته أن يقبل نصيحة أخيه سليمان، لكنه أبى([123([.

نتيجة ذلك قامت المظاهرات في أرجاء المملكة كافة، وكانت شاملة وعنيفة، راح ضحيتها عدد من الشهداء، فاضطر هزاع إلى تقديم استقالته بعد 4 ايام من اندلاعها إلى الملك يوم 19 كانون الأول /ديسمبر، واقترح على الملك حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة حتى يتاح للشعب الأردني أن يعطي رأيه في مسألة الانضمام إلى حلف بغداد([124([.

تم تعريب الجيش الأردني في آذار/ مارس 1956، وتقرر إجراء انتخابات نيابية حدد موعدها في 21 تشرين الأول / اكتوبر 1956، وقد سادتها أجواء تامة من الحرية، وشاركت فيها الأحزاب كافةّ سواءً أكانت المحظورة أو العلنية باختلاف ميولها واتجاهاتها، وهي: الحزب الوطني الاشتراكي الذي فاز بثلاثة عشر مقعدا والحزب لشيوعي بثلاثة مقاعد، وحزب البعث بمقعدين*، والجبهة الوطنية بأربعة مقاعد و الاتحاد الدستوري بمقعد واحد. والإخوان المسلمون بأربعة مقاعد، وفاز حزب التحرير بمقعد، أما المستقلون فقد نالوا عشرين مقعدا([125([.

كلف الملك حسين سليمان النابلسي بتشكيل مجلس وزراء بناءً على فوز الحزب الوطني بالأغلبية؛ وبصفته رئيساً للحزب الوطني كلف بالمهمة بعد اعتذار عبدالحليم النمروتجاوبا مع الطموح الوطني والقومي العربي، ومطالبة الجماهير العربية بتحرير الإرادة الوطنية، والمطالبة ببناء مؤسساتها. حينما اشترك الريماوي في حكومة النابلسي " ركز اهتمامه على السيطرة على حزب البعث من خلال موقعه الرسمي لتقوية نفوذه الشخصي في الحكومة والجيش "([126([.

تمتع الوزير البعثي بقوة الشخصية والشكيمة وقد مارس تأثيره القوي ووطد علاقاته بمختلف مراكز التأثير، فيها كنسج الصداقة المتينة مع رئيس الأركان الأردني علي أبو نوار، ومع مجموعة من الضباط العسكريين من الحكومة المصرية، إلى جانب كونه الرئيس القطري لحزب البعث•

ظهر تأثير الوزير البعثي في منعه إدخال فرقة عسكرية عراقية إلى الأردن بعد اعتداء إسرائيل على قطاع غزة وسيناء في تشرين ثاني / نوفمبر 1956، وقد وصل صالح صائب الجبوري رئيس أركان الجيش العراقي منذ عام 1948، وبتكليف من الأمير عبد الإله حاكم العراق لإدخال الفرقة ووضع قوة جوية عراقية لمساعدة الأردن. وفي هذه المفاوضات والاجتماعات مثل الأردن عبد الله الريماوي وعلي أبو نوار، ووزير الدفاع عبد الحليم نمر وفي أثناء محادثات الأطراف المختلفةعمل الريماوي، ونسق مع الأطراف المختلفة على منع دخولها، وقال أنه بناءً على اتفاق سابق يجب بحث الأمر مع القيادة المشتركة المصرية السورية الأردنية مما أغضب الحكومة العراقية ورفض الخضوع لتعليمات هذه الدول([127([.

وكان برنامج البعث والوزير البعثي يضغط باتجاه الحصول على المعونة من مصر وسوريا والسعودية بدلا من المعونة البريطانية وكان علي أبو نوار صديق عبدالله الريماوي قد أجرى محادثات في هذا الصدد مع المسؤولين المصريين، إلى جانب إ قامة علاقات دبلوماسية مع الصين الشعبية والاتحاد السوفييتي([128([.

وهو ما أدى إلى خشية الملك من حلول السوفييت في الفراغ الذي أحدثته بريطانيا، بعد العدوان الثلاثي على مصر. رغم ذلك عقد الحسين اتفاقية التضامن العربي في 19/1/1957 بين الأردن ومصر وسوريا والسعودية والتي تهدف إلي دعم الكيان العربي الأردني واستقلاله، وتقديم مبلغ مالي سنوي من قبل هذه الدول([129([.

لم يكن الملك حسين على ثقة بان هذه الدول ستفي بالتزاماتها، ولذا أبقى خيوط علاقاته مع الغرب مستمرة، وكان حذراً من دخول السوفيت إلى بلاده بسبب المعونة المصرية، ولم يكن راضٍ عن حكومة سليمان النابلسي، التي شملت أكثر من وزير غير مرغوب فيه مثل عبد القادرالصالح المعروف بميله نحو الجبهة الوطنية، التي كانت واجهة سياسية للحزب الشيوعي الأردني المحظور ثم سماح النابلسي بإصدار صحيفة الجماهير، التي يناقض صدورها قانون مكافحة الشيوعية، الذي يحظر نشاط الحزب الشيوعي([130([.

ساد ت أجواء الشك والريبة في العلاقة بين الملك حسين ورئيس وزراء حكومته سليمان النابلسي وكذلك بعض الوزراء، وأصحاب المراتب العليا في الجيش، بسبب التقارير التي أوردتها أجهزة المخابرات والموالين للملك حسين، وقد وصف الحسين بعضهم بالمتآمرين عليه، وأنهم يصفونه بالعميل للإمبريالية، كما أن النابلسي ألقى خطابا يوم 21 كانون الأول/ ديسمبر 1956 في عمان لمدة تزيد عن ثلاثين دقيقة في مديح الرئيس جمال عبدالناصر دون التطرق للملك حسين بتاتا. اعتبر الملك حسين وزير خارجيته عبدالله الريماوي ورئيس أركان جيشه علي أبو نوار في عداد المتآمرين عليه، وأن حزب البعث يميل للشيوعية، وكلاهما يدفعان الأردن للارتباط بالسوفييت ومصر، وأوردت المخابرات الأردنية تقريراً يذكرأن بعض الوزراء أدخلوا أكثر من المائة ألف دينار لأنفسم ولأغراض أخرى، وقد زادت الاتصالات بين عبدالله الريماوي والسوريين إلى حد اعتبرت فيه دمشق مركزاً لوزارة الخارجية الأردنية. أرسل الملك حسين رسالة إلى سليمان يصف فيها الخطر، والتهديد الذي يتعرض له الأردن من الإمبريالية الجديدة في إشارة للشيوعية ومن خطر القوميين العرب في إشارة لحزب البعث([131([.

بدأ الصراع بالظهور بين الملك وحكومته، فهو غير واثق من التزام الدول العربية بتعهداتها للأردن، ونجاحها في سد الفراغ الذي أحدثه انهيار التحالف الأردني ـ البريطاني في الثالث عشر من آذار1957([132([.

ظهر التناقض بين عبدالله الريماوي الذي أعلن معارضته لمبدأ الرئيس الأميركي دويت أيزنهاور صاحب نظرية الفراغ منذ 2 كانون الثاني/ يناير 1957، الذي طرح أمريكا بديلا لتحل في الفراغ الذي أحدثه انسحاب بريطانيا من الشرق الأوسط، وبين الملك حسين الأسباب التي تشجعه على قبول هذه المساعدة طالما لا تتعارض مع سيادة العرب، ورأى فيها فرصة لتخليص بلاده من ضائقة اقتصادية. وكان مبدأ الفراغ بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وبالمقابل حرك سليمان النابلسي الجهود السياسية لإقامة علاقات ديبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي، حيث لم تف الحكومة الأميركية بالتزاماتها الاقتصادية التي عقدتها مع الأردن، وعندها توجه علي أبونواروشفيق الرشيدات بطلب المساعدة من الاتحاد السوفيتي، وأجريا اتصالات مع السفير الروسي في دمشق، وطلبا منه تقديم مساعدات عسكرية للأردن، و أعرب بدوره عن استعداد السوفييت لتقديم صفقات سلاح، وقد أثارت هذه الاتصالات غضب الملك حسُين، وفي 10 نيسان/أبريل 1957 أمر الملك الحسين رئيس حكومته بتقديم استقالته، ووضع سليمان النابلسي تحت الإقامة الجبرية([133([.

بعد استقالة سليمان النابلسي ؛ وقعت حوادث ومصادمات، بين مؤيدي الملك ومؤيدي رئيس الأركان علي أبو نوّار في الثالث عشر من نيسان. وفي مساء ذلك اليوم توجه الملك وعلي أبو نوار إلى معسكر الزرقاء، وقد طوقت القوات الموالية للملك مؤيدي علي وعشرين ضابطاً. وفي اليوم نفسه لجأ أبو نوار إلى سوريا وعُين اللواء علي الحياري خلفاً له بالوكالة. ولكن اللواء الحياري الذي عين في 18نيسان/ أبريل 1957 قائداًً للجيش الأردني، لجأ إلى سوريا، وأبلغ رئيس الوزراء الأردني استقالته من دمشق بعد يومين([134([.

يقول الملك حسين أن التخطيط للانقلاب قد بدأ في 7 نيسان/ابريل 1957 حين أحاطت سرية مصفحات العاصمة عمان في المواقع الإستراتيجية، وهو ما أثار اضطراب الملك حسين وتوجه بسؤال لقائد الجيش أبي نوا ر عن معنى هذه التحركات التي تجري حول العاصمة فأجابه: إنها عملية روتينية، تتعلق بتفتيش السيارات التي تدخل عمان أو تخرج منها([135([.

ويذهب الملك حسين إلى أنّ أبا نوّار كان يدفع النابلسي ووزراءه، لقبول الاستقالة لا لشيء إلا لأن الملك في نظره غير قادر على تشكيل حكومة بدون النابلسي، وقال ":عليكم تقديم استقالتكم، وسأرغمه على استدعا ئكم "، وذكر الملك حسين أن مخابراته كشفت رسالة من الرئيس عبدالناصر تشجعهم على الثبات في أماكنهم ورفض الإذعان لطلب الملك إليهم تقديم استقالتهم([136([.

في ظل التطورات المتسارعة، التي أنذرت بانقلاب الحكم الأردني على حكومة النابلسي الوطنية. أخذ الشيوعيون والبعثيون يهيئون أنفسهم، ويعدون العدة لمعركة الدفاع عن النفس، وبادرت الأحزاب الوطنية والقومية(الشيوعي، البعثي الوطني الاشتراكي، القوميين العرب) والشخصيات الوطنية إلى عقد مؤتمر وطني في مدينة نابلس يوم الثاني والعشرين من نيسان /أبريل 1957 وطالب الحضور الملك حسين برفض مشروع أيزنهاور وتحقيق الاتحاد الفيدرالي بين سوريا ومصر والأردن والتمسك بسياسة عدم الانحياز والحياد الإيجابي والإفراج عن المعتقلين حالا. ودعوا الشعب إلى القيام بإضراب عام ومظاهرات طيلة يوم الأربعاء 24 نيسان1957([137([.

وتشكلت لجان وطنية في مدينة نابلس، وعمًّت سائر مدن الضفة الغربية وقامت مظاهرات فيها واتسمت بالعنف، وتقرر فيها تشكيل جبهة وطنية من الأحزاب وكان يقود المظاهرات في نابلس بسام الشكعة أحد قادة الحزب، وفي تظاهراتهم كان قادة الأحزاب كل يلقي خطابه باسم حزبه، وهم يتبادلون الصعود على المنصات* يوميا وتكرر الوضع على هذا النحو أ كثر من أسبوعين([138([.

مضى الحسين في قراره غير آبه بالاحتجاجات الشعبية، وصدر مرسوم ملكي بتعيين الدكتور حسين فخري الخالدي بعد استقالة النابلسي، وهو شخصية وطنية من قادة الهيئة العربية العليا بزعامة المفتي، إلا أن ظهوره في هذا الوقت بالذات، دفع الأحزاب والوطنيين لمعارضته باستثناء جماعة المفتي لأن فخري الخالدي يعتبر أحد قادتهم، وعين الملك الحسين ابراهيم هاشم خلفاً له، ونادى المرسوم بان جميع الأحزاب خارجة عن القانون، وعادت الأحزاب إلى العمل السري([139([.

فرعبدالله الريماوي ونعواس، وآخرون من قادة البعث اختفوا في الضفة الغربية، ويبقى السؤال الذي اختلف عليه:

ـ هل كان أبو نوار، وحزب البعث يخططون للانقلاب ؟.

يبدو للباحث أن البعث، وعلي أبي نوار لم يمتلكا برنامجاً وتخطيطاً لذلك بل كان الأمر متداخلاً مع الأحداث التي مرت بها البلاد، والتناقض القائم بين الحسين و حكومته في تحديد وجهة السياسة الأردنية، والقوى التي يجب أن تقيم علاقات معها.

إثر هذه الأحداث قامت المظاهرات العارمة على النظام، ولكنه بطش بها بشدة وتشرد الكثيرون من الضفتين الشرقية والغربية، ومن بينهم قيادات الحزب، وشنت حملة اعتقالات شملت المئات من البعثيين والشيوعيين، وغيرهم من المعارضين السياسيين، واعتقل حافظ عبد الهادي مدير الإذاعة الأردنية وهرب قسم كبيرمن شباب الإذاعة الأردنية المنتمي بعضهم للحزب بما فيهم مديرها الشاعر يوسف الخطيب والكاتب يوسف السفري، وابراهيم أبو ناب، وحكمت المحكمة العامة بالسجن لمدة عام على غالبية المشاركين بالتظاهر، وكانوا من الحزبيين البعثيين بينما حوكم آخرون بالاعتقال الإداري لمدة أطول، ومنهم محمد أمين وعيّاد المالكي([140([.

وشكل بعض الفارين إلى سوريا " مجلس الانقلاب الأردني "، وضم الريماوي وسعيد العزة وعلي أبو نوار([141([.

التقى عبدالله الريماوي وعبد المحسن أبو النور قائد الجيش الأول في سوريا مع اللاجئين السياسيين الأردنيين، وكانت لدى مصر أفكار لقلب النظام الأردني، وتم ترتيب تهريب الأسلحة من غزة إلى الضفة الغربية من خلال مخلص عمرو، ومن سوريا إلى إربد من خلال حزب البعث، وكان ياسر عمرو حلقة وصل بين مخلص عمرو في القدس، وعبد المحسن أبو النور، وعبدالله الريماوي في دمشق، ونقلت الأسلحة واكتشفت الخطة واعتقل مخلص عمرو وآخرين من الضفتين الغربية والشرقية، وانتهى تعذيبه الشديد بموته في نيسان/ أبريل 1961([142([.

وعلى أثر الأحداث اختفى بهجت أبوغربية، وسليمان الحديدي، وحسان وظائفي* مشكلين قيادة سرية لحزب البعث، وقد اعتقل بهجت في عام 1960([143([.

عقدت الوحدة المصرية ـ السورية عام 1958، وقابلها العراق والأردن باتحاد هاشمي الذي أسقط بعد ثورة 14 تموز/ يوليو 1958.

وفي هذا العام أجرى محمود الروسان اتصالاته مع ضباط أردنيين، واتفق معهم على إطلاق تسمية ضباط الوحدة الشاملة، واتهم بإجراء اتصالات مع عدد من منتسبي الأحزاب القومية كالبعث والقوميين العرب، وأنهم اتفقوا على قلب النظام الأردني، وفي السابع عشر من تموز قبض على محمود الروسان، وأخيه ماجد وعدد من الضباط الذين اتصل بهم، وتم الاستغناء عن خدمة بعضهم، وشملت الاعتقالات أعضاء ناشطين من حزب البعث والشيوعيين والقوميين العرب ومن الأحزاب الدينية، ونقل هؤلاء إلى سجن الجفر الصحراوي في شرق الأردن([144([.

تكررت الاعتقالات في السنوات اللاحقة في صفوف الضباط الأردنيين من مختلف الرتب كما أن السلطة قامت بسلسلة اعتقالات لقادة ومنتسبي الأحزاب. ففي العشرين من نيسان / أبريل وحتى الرابع عشر من أيار / مايو عام 1959تمت حملة جديدة من الاعتقالات شملت عدد من الضباط، وتم الاستغناء عن خدمات بعضهم على دفعات، و أعتقل صادق الشرع، وأخيه العميد صالح الشرع، وأحد أقربائه الطبيب رفعت عودة من بلدة بديا ـ لواء طولكرم، واتهم مجموعة ضباط من رتب مختلفة بالإعداد لخطة انقلابية تشمل التخطيط لاحتلال قيادة الجيش، وقتل القائد العام، و قصف قصر زهران ليلة 15 / 16 آذار/ مارس 1959 ؛ بهدف الاستيلاء على الحكم، وأصدرت محكمة أمن الدولة يوم 17 تشرين الأول/ اكتوبر 1959 قراراً بإعدام قادة الانقلاب صادق الشرع، ورفعت عوده، وصالح الشرع، بينما حوكم الآخرون بفترات تتراوح بين 7 ـ 15 سنة، ولكن الحكم لم ينفذ، وتم اعتقالهم حتى نيسان/ أبريل 1963، وصدر قرار العفوعنهما([145([.

تولى مهمة الدفاع عن رفعت عودة المحامي وليد صلاح من نابلس، والذي اتهم في مذكراته محكمة أمن الدولة بالتزوير، ويؤكد ذلك من خلال المضايقات التي مورست ضده داخل وخارج المحكمة، مثل منعه الدخول إلى قاعة المحكمة، فقد تعرض لتهديدات مبطنة، كذلك كتبت الصحف خلاف ماكان يجري من محاضر، واتخذت المحكمة طابعاً صوريا، وتعرض بدوره لضرب مبرح من قبل شخصين ومع أن رفعت عودة صرح بمسئوليته التامة، إلا أن الأحكام شملت مجموعة من الأشخاص([146([.

وقد نسب لعبد الحميد السراج رئيس المكتب الثاني في سوريا في سنوات الوحدة المصرية السورية مسؤوليته في التحريض على الانقلابات في الأردن بهدف دعم سياسات الجمهورية العربية المتحدة، كما أن هذه المحاولات كانت معروفة لدى بعض اللاجئين، وتتناقلها الأخبار قبل وقوعها، و منها محاولة صادق الشرع الانقلابية على الحكم الأردني([147([.

أن ما يلاحظ في هذه الانقلابات أن الذين اتهموا بالتخطيط لها من شرق الأردن باستثناء الانقلاب الأخير الذي ظهر فيه اسم رفعت عوده، أحد قادة البعث من قرية بديا والذي عمل طبيبا في الجيش الأردني، كذلك تم اعتقال الضباط الأحرار الذين سبق لهم التخطيط مع الملك لتعريب الجيش، وطرد كلوب باشا، بعد توجيه تهمة الإعداد لقلب النظام الأردني، وأصبحوا هدفا لإعتقالات متكررة من النظام الأردني.

[1])انظر: رسالة 10 آب 1944 كتاب إلى المعتمد السياسي الأميركي في سوريا، سلسلة نضال البعث، ج1، ط4 1976، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ص 33ـ 34.

[2])انظر: رسالة 23 آذار 1945 إلى وزير أميركا المفوض حول قضية فلسطين، سلسلة نضال البعث ج1، ص 49.

[3])انظر: بيان 14 كانون الأول 1945 مشاكل العرب السياسية، سلسلة نضال البعث ج1، ص 83 ـ 89.

*جاءت إلى فلسطين لجنة إنكليزية ـ أميركية، واقترحت إدخال 100 ألف مهاجر صهيوني، ورفضت إقامة حكومة فلسطينية، وردت الأحزاب السورية بالدعوة للإضراب، وكذلك فعل البعث الشيء نفسه.

[4]) انظر: بيان 2 أيار 1946 لتكن نصرة فلسطين أول امتحان لاستقلالنا، سلسلة نضال البعث، ج1، ص 96.

[5]) انظر: الباقوري، عبدالعال: رباعية فلسطينية، بوابة مصر الشرقية، البعث وفلسطين حتى عام 1958. كذبة صهيونية. سقوط القدس، ط أولى. بيروت: دار الفكر الحديث، 1996، ص 96 ـ97

[6]) انظر: افتتاحية 10 تموز 1946 علة الضعف في سياستنا الخارجية، سلسلة نضال البعث ج1، ص 103.

[7])انظر: "بيان مجلس الحزب حول مشاكل سوريا لداخلية ومشاكل الوطن العربي فضح أزمة الحكومة وتعديل الدستور وتزوير الانتخابات ومعالجة مشاكل البلد العربية "، سلسلة نضال البعث ج 1، ص 198 ـ 208. (بتصرف )

[8]) فرزات، حرب: الحياة الحزبية في سوريا، دراسة تاريخية، الأحزاب السياسية وتطورها بين 1908 ـ 1955، ص 240.

[9])انظر: الباقوري، عبدالعال: رباعية فلسطسينية، ص 83.

[10]) دستور حزب البعث، بغداد: دار الحرية للطباعة، 1993، ص 11.

[11])المصدر السابق، ص 12.

[12]) المصدر السابق، ص 17.

[13])انظر: الباقوري، عبدالعال: رباعية فلسطينية، ص 81.

[14])انظر: "إنقاذ فلسطين والتعبئة الإجماعية "، سلسلة نضال البعث، ج 1، ص 217.

[15])انظر: المرجع السابق، ص 218.

[16]) أنظر: المرجع السابق، ص 215.

[17]) أنظر: المرجع السابق، ص 222.

[18])انظر: "الشعب العربي لن يكتفي بإلغاء مشروع التقسيم بل يعتزم القضاء الأبدي على الصهيونية في فلسطين، في سلسلة نضال البعث ج1، ص 223.

[19])الباقوري، عبدالعال: رباعية فلسطينية، ص 83.

[20])انظر: " مقال 8 أيار 1948 إنقاذ فلسطين "، سلسلة نضال البعث ج1، ص 240 ـ 241.

[21])انظر: " مقال 8 أيار 1948 فلسطين جزء من مأساة الوطن العربي العامة، سلسلة نضال البعث ج1، ص 241 ـ 242.

[22])انظر: سلسلة نضال البعث ج1، ص 244.

أستشهد من البعثيين في الحرب كل من: مأمون البيطار ومحمد جديد وفتحي الأناسي ومحمد صقال (المرجع السابق نفسه).

[23])انظر: " بيان 7 أيلول 1948 في سبيل دفع النكبات عن البلاد يجب تبديل الحكومة وإجراء انتخابات جديدة، سلسلة نضال البعث ج1، ص 245.

[24])انظر: النضال من أجل عروبة لبنان وتحرره واشتراكيته حتى تقديم ميثاق الحزب إلى الحكومة، سلسلة نضال البعث، ج8، ط 1، 1972، ص 172.

[25]) انظر: محافظة، علي: العلاقات الأردنية ـ البريطانية من تأسيس الإمارة حتى إلغاء المعاهدة 1921 ـ 1957، بيروت: دار النهار للنشر، 1973، ص130 ـ 133.

[26]) انظر: محافظة، علي: المرجع السابق، ص 139.

[27])" بيان من الحزب العربي الأردني إلى الشعب الأردني الكريم "، مجلة الغد، ع 34 السنة الثانية، 3 كانون الثاني 1946، القدس: دار الأيتام الإسلامية، ص10.

[28])انظر: محافظة، علي: العلاقات الأردنية ـ البريطانية، ص167، و 169.

[29]) انظر: محافظة، علي: المرجع السابق، ص172.

[30]) انظر: العقاد، صلاح: من فصول المشرق العربي المعاصر، مكتبة ألا نجلو ــ المصرية 1983، ص418.

[31])انظر: علوش، ناجي: فكر حركة المقاومة الفلسطينية (1948ــ 1987)، فلسطين: لجنة تراث بيرزيت، 1993، ص14.

[32])أبراش، ابراهيم: البعد القومي للقضية الفلسطينية، ص 83 ـ 85.

[33]) انظر: محادين، موفق: الأحزاب والقوى السياسية في الأردن 1927 ـ 1987 ببلوغرافيا بيروت: دار الصداقة للطباعة والنشر، ط 1988، ص 42

وأيضا: العيسمي، شبلي: حزب البعث العربي الاشتراكي مرحلة النمو والتوسع ج2، 1949 ـ 1958. بيروت: دار الطليعة، 1979، ص 91.

[34]) مقابلة أجريت بتاريخ 14/ 7/ 1998 مع مالك الحاج ابراهيم عضو بلدية طولكرم المنتخب عام 1976، من الرعيل الأول للبعث.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ 14 / 7 / 1998، مع الطبيب خالد درزي من الرعيل الأول لحزب البعث في مدينة طولكرم.

[35]) انظر: أبو غربية، بهجت: رسائل مطبوعة أرسلها للباحث في 27 تموز 1998.

و أيضا: مقابلة أجريت بتاريخ 20/9/1999م مع عياد المالكي من الرعيل الأول في حزب البعث بمدينة رام الله.

[36])انظر: التل، عبد الله: كارثة فلسطين، ط2، فلسطين ـ أم الفحم: دار الهدى 1990، ص 569.

وأيضا: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية تحت الحكم الأردني، القدس: الجامعة العبرية، 1984، ص9. (باللغة العبرية)

[37]) انظر: التل، عبدالله: كارثة فلسطين، ص 569 ـ 570.

[38]) انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 9.

[39])انظر: نسيبة، حازم زكي: تاريخ الأردن السياسي المعاصر، عمان: منشورات لجنة تاريخ الأردن 1990، ص 85 ـ86.

[40])انظر: سليمان ،سهيل: كمال ناصر الشاعر والأ ديب السياسي، بيروت: دار الأصالة 1986 ص 166.

[41]) انظر: العلمي ، موسى: عبرة فلسطين، بيروت: دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع 1949، ص 44و 70 و 80.

وأيضاً: علوش، ناجي: فكر حركة المقاومة الفلسطينية (1948ـ 1987)، ص14ـ 15.

[42])التل، عبدالله: كارثة فلسطين، ص 570 ـ 571.

[43]) انظر: التل، عبد الله: كارثة فلسطين ، ص 572.

[44]) انظر: التل، عبدالله: المرجع السابق ، ص 593.

[45])انظر: سهيل، سليمان: كمال ناصر الشاعر والأديب السياسي، ص 166.

[46])انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 11.

[47]) الشاعر، جمال: سياسي يتذكر تجربة في العمل السياسي، لندن، رياض الريس للكتب والنشر، 1987، ص66 ـ 67.

* يحيى حموده فلسطيني من قرية لفتا أصبح رئيساً ل (.م.ت.ف ) في عام 1968 بعد استقالة أحمد الشقيري.

[48]) نسيبه، حازم زكي: تاريخ الأردن السياسي المعاصر، ص85 ـ 86.

وانظر أيضا: سليمان، سهيل: كمال ناصر الشاعر والأديب السياسي، ص 133.

[49])انظر: نسيبه، حازم زكي : المرجع السابق، ص 86.

[50]) انظر: أبو غربية، بهجت: مذكرات بهجت أبو غربية 1916 ـ 1949، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط 1993، ص 38.

وأيضا مقابلة أجريت بتاريخ15/ 8/ 1998 مع جاد ميخائيل من الرعيل الأول لحزب البعث، الذي عمل في صحيفة البعث، في منزله بمدينة رام الله.

[51]) انظر: العيسمي، شبلي: حزب البعث مرحلة النمو والتوسع، ص 191.

وانظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر تجربة في العمل السياسي، ص 66 ـ67.

[52]) نسيبه، حازم زكي: تاريخ الأردن السياسي، ص 86.

[53])انظر: محادين، موفق:الأحزاب والقوى السياسية في الأردن 1927ــ 1987، بيروت: دار الصداقة للطباعة والنشر، 1988، ص 42ـ 43.

و انظر أيضا: العيسمي، شبلي: مرجع سابق، ص191.

[54])انظر: الموسى، سليمان، ومنيب الماضي: تاريخ الأ ردن في القرن العشرين ج1، عمان: مكتبة المحتسب، ط2 1996، ص 598 ـ 599.

وأيضا: محادين، موفق: الأحزاب والقوى السياسية في الأردن، ص 42.

وأيضا: أوراق مطبوعة أرسلها بهجت أبوغربية للباحث بتاريخ 27 تموز 1998.

[55]) كان سليمان الحديدي عضو الحزب العربي الأردني ومن المحتجين على معاهدة 1946 مع بريطانيا (انظر: بيان الحزب العربي الأردني، مجلة الغد سنة 1947، ع 34، ص 13 ).

– وكان أمين شقير عضو حركة الإحياء العربي. ( انظر: شبلي ، العيسمي: مرجع سابق، ص 191).

– وكان الريماوي مسؤول مكتب التوجيه الوطني لدى اللجنة التنفيذية (انظر: أحمد مرعشلي وآخرون: الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، مج 3، ط 1، بيروت: إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية 1984، ص 176 ).

– واشترك بسام الشكعة في الجهاد المقدس ( انظر: ابراهيم الفتاش: الحركة الوطنية، ص 125)

– وكان بهجت أبوغربية ممن خاضوا معارك الكفاح ضد الإنجليز وجرح عدة مرات في حرب 1948 ( انظر: أبوغربية بهجت: مذكرات، فلسطين في خضم النضال، ص 242 و 385 ).

– وعمل حسني الخفش في العمل النقابي ومسؤول لجنة الأمن وسكرتير اللجنة القومية في نابلس سنة 1947. ( انظر: حسني الخفش: مذكرات، ص 57 ).

– أما منيف الرزاز بدأ حياته السياسية بالانتماء لعصبة العمل القومي أثناء دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت (انظر: الرزاز، منيف: رسائل إلى أولادي أوراق غير منشورة، سلسلة إحياء الذاكرة التاريخية عمان: دار سندباد، 1995، ص 104 ـ 105).

– أما مخلص عمرو فقد كان محررا بارزا في مجلة الغد التي صدرت باسم رابطة المثقفين الفلسطينيين، واتسمت بطابعها القومي التقدمي الذي كان قياديا بارزا في عصبة التحرر الوطني، والذي تحول من الشيوعية إلى البعث بعد اعتراف الحزب الشيوعي الفلسطيني بقرار التقسيم الصادر عام 1947 بشأن فلسطين. ( عن أوراق مطبوعة قدمها ياسر عمرو عن عمه مخلص عمرو للباحث )

[56]) انظر: أبو عمرو، زياد:الحركات السياسية في قطاع غزة، عكا: دارألأسوار، ص114.

وأيضاً: مقابلة أجريت مع وفا الصايغ من الرعيل الأول لحزب البعث والمؤسسين له في قطاع غزة، في رام الله29 /3/1999.

[57])انظر: أبو عمرو، زياد: المرجع السابق، ص 115.

[58]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ.

وأيضا:مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع خالد الدرزي.

[59]) انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفلة الغربية تحت الحكم الأردني، ص 91.

[60])انظر: سيلع، أبرهام: المرجع السابق، ص 92.

وأيضا: كوهين، أمنون: الأحزاب السياسية في الضفة الغربية في ظل النظام الأردني 1949 ـ 1967، ص 334.

[61])انظر: عفلق، ميشيل: "خبرة الشيوخ واندفاعات الشباب"، في سبيل البعث، ص 21.

[62])انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 91.

[63]) انظر: ملفات المخابرات الأردنية، أرشيف إسرائيل. ( القدس، رقم ق/20/أ / 128 بتاريخ 26/ 8/1958 الموضوع وداد الياس بربارة، من بيت لحم 3 صفحات من القطع الكبير.

[64]) انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 91 ـ 92

[65])انظر: أبو عمرو، زياد: الحركات السياسية في قطاع غزة، ص 114.

[66]) مقابلة أجريت بتاريخ 9/ 7/ 1998 مع ياسر عمرو، وزير التعليم في السلطة الوطنية، ومن الرعيل الأول لحزب البعث، في مكتبه بمدينة رام الله، الذي نقل تعليمات من عبدالله الريماوي في دمشق إلى مخلص عمرو في الخليل

[67])انظر: ملفات المخابرات الأردنية، تقرير سري " كشف بأسماء الموظفين المنتمين للأحزاب المنحلة "، ومنهم أسامة الكرمي ( مدرس في كفرثلث )، سامي العطاري (مدرس في طولكرم ) صبحي الناشف (مدرس في بيت لحم ) وغيرهم.

[68])انظر: ملفات المخابرات الأردنية، بيان حزب البعث الصادر عن المكتب الطلابي في الأردن بعنوان، نشرة داخلية للأعضاء، الرقم ع1 /64، (د.م )، سنة 1964.

[69]) انظر: براند، أ. لوري: الفلسطينيون في العالم العربي بناء المؤسسات والبحث عن الدولة، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص 208.

[70])انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 94.

[71])انظر: براند، أ. لوري: المرجع السابق، ص74 ـ 75.

[72]) انظر: براند، أ. لوري: المرجع السابق ، ص 203.

[73]) مقابلة أجريت بتاريخ 5/4/2000 مع الباحث عبدالعزيز أبو هدبا في منزله بمدينة البيرة بتاريخ، الذي حضر الاجتماعات المتعلقة بها في رام الله.

[74])انظر: العيسمي، شبلي: حزب البعث العربي الاشتراكي مرحلة النمو والتوسع ج2، ص 191 ـ 192.

[75]) انظر: الفتاش، إبراهيم: أوراق خاصة في الحركة الوطنية، (ب.م )، (د.ت )، ( د.م )، ص 182.

* يذكر أحدهم أنه حينما كا ن يسجن البعثيون كان يسارع العديد من المحامين البعثيين للدفاع عنهم بينما كان أعضاء الحزب الشيوعي تنقصهم هذه العناية بسبب ضعف قوتهم في نقابة المحامين.

[76]) انظر: هيئة الموسوعة الفلسطينية: الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، مج 3، 1984، ص 178.

[77])انظر: ملفات المخابرات الأردنية: كشوفات بأسماء البعثيين سنوات 1960 و1962 و1963 وحصل الباحث على نسخة منها، ومنهم: عبدالله الريماوي، وكمال بطرس ناصر، وعبدالله حنا نعواس، وجريس الخوري، و مصباح حسن أبوغربية، وأحمد صالح عبدالحميد، و ياسر عمرو، و عبدالمحسن أبوميزر، وجبر النقر، و مصطفى عودة، و حمدي عبدالمجيد وراتب دروزة وآخرون.

[78]) انظر: سيلع أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 95.وأيضاً: مقابلة أجريت بتاريخ 17 تموز 1998 مع بسام أحمد الشكعة رئيس بلدية نابلس المنتخب عام 1976، ومن الرعيل الأول في حزب البعث في منزله بمدينة نابلس.

[79])المالكي، عياد: الفراغ السياسي، ص 30 ـ 31.

[80]) انظر: الخفش، حسني صالح: مذكرات حول تاريخ الحركة العمالية العربية الفلسطينية ص64-ـ 66.

[81])انظر: كوهين، أمنون: الأحزاب السياسية في الضفة الغربية تحت الحكم الأردني، ص 336.

[82])انظر: حزب البعث العربي الاشتراكي البرنامج الانتخابي لمرشحي البعث عام 1956 ص2.

[83])انظر: كوهين، أمنون: الأحزاب السياسية في الضفة الغربية، ص 336 و 338.

[84])انظر: ملفات المخابرات الأردنية، كشف بأسماء المنتسبين لحزب البعث لمنطقة القدس وتصنيفهم 30/4/1960. أيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع بسام الشكعة.

[85]) انظر: كوهين، آمنون: الأحزاب السياسية في الضفة الغربية، ص 92.

[86]) انظر: كشف بأسماء البعثيين عام 1960، التي يستدل منها تفوق العدد في هذه القرى عن غيرها.

وأيضا: مقابلات أجريت بتاريخ سابق مع عياد المالكي، و إبراهيم فرح، ومنور الريماوي.

[87]) انظر: كوهين، أمنون: الأحزاب السياسية في الضفة الغربية، ص 291 ـ292.

[88]) انظر: فرح، الياس: من قضايا الثورة والإنسان العربي: بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1978، ص71، و 76.

[89]) انظر: ملفات المخابرات الأردنية، كشف بأسماء المنتسبين لحزب البعث لمنطقة القدس وتصنيفهم 30 / 4 / 1960.

[90]) انظر: ملفات المخابرات الأردنية، الرقم ق / 20 / 1 / أ / 128 / 12616، 26 / 8 / 958 " الموضوع المعلمة وداد الياس بربارة من بيت لحم " صفحتان.

[91]) عبد الهادي، مهدي: المسألة الفلسطينية ومشاريع الحلول السلمية، لبنان ـ صيدا: المكتبة العصرية، ط1، 1975. ص 581.

[92]) المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها.

[93])انظر:، الموسى، سليمان، ومنيب الماضي: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ج1، ص 603.

وانظر أيضا: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 177.

[94])انظر: جبر، يحيى: عبدالقادر الصالح (1908- 1992)، الموسوعة التربوية الفلسطينية، نابلس: منشورات الدار الوطنية للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع 1996، ص28.

[95]) انظر: الفتاش، إبراهيم: أوراق خاصة في الحركة الوطنية، ص 179.

[96])انظر: ملفات المخابرات الأردنية، في: (أرشيف دولة إسرائيل )، تقرير مكتوم رقم 9/ 86 22س/ 2286، 1954، صفحتان.

[97]) انظر: هيئة الموسوعة الفلسطينية: الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، مج3، 1984، ص 77.

[98])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 163.

[99]) محافظة، علي: العلاقات الأردنية – البريطانية، ص 194 ـ 195.

[100]) انظر: الحوراني ،هاني ، وآخرون: حكومة سليمان النابلسي ( 1956 ـ 1957 )، عمان: دار سندباد للنشر، 1998 ،ص 106.

وانظر أيضا: حزب البعث العربي الاشتراكي البرنامج الانتخابي لعام 1956، ص 6.

[101])انظر: الفتاش، إبراهيم: أوراق في الحركة الوطنية، ص 95.

[102]) انظر: أبرهام، سيلع: حزب البعث في الضفة الغربية تحت الحكم الأردني، ص 121.

[103]) انظر: أبرهام، سيلع: المرجع السابق، ص 123.

* عرض ناصر أمام مجلس النواب مطالبته بسن تشريعات لصالح المرأة، فوقف حمد جازي، ملوحاً بسيفه قائلاً: "أنّ النساء قبورهنّ بيوتهن، وانّ الذي يطلب حقوقاً للمرأة يكون مثلها وسأقطع رأسه بهذا السيف، فلم يكن الرجل إلا جاداً في حديثه، وسقط الاقتراح". (انظر: سليمان، سهيل: كمال ناصر الشاعر والأديب السياسي، ص 142).

** و طرح النائب عبد القادر العمري، نائب إ ربد برفض إرسال طلاّ ب البعثات إلى بريطانيا بحجة أنها دولاً معادية لحقوق العرب، فردّ عليه ناصر أنّ الذين دوّخوا الاستعمار درسوا في بلاده، وأنّ مختلف التخصصات متوفرة هناك (انظر: سليمان، سهيل: المرجع السابق، الصفحة نفسها. ).

[104]) سليمان، سهيل: كمال ناصر الشاعر والأديب السياسي، ص 141 ـ 142.

[105]) انظر: العباسي، محمد: حزب البعث التاريخ، الفكر، التطبيق، الزهراء للإعلام العربي ط 1992، ص 71.

[106])انظر: المجالي، هزاع: مذكراتي، ( د. م )، 1959، ص 122 ـ 123.

[107])انظر: فرزات، حرب: الحياة السياسية في سوريا، ص240.

[108]) ملفات المباحث الأردنية، في أرشيف إسرائيل، وثيقة رقم 4/4/ 24552، بتاريخ 9/ 9/ 1956. ص1.

[109]) سليمان، سهيل: كمال ناصرالشاعر والأديب السياسي، ص 143.

[110])انظر: دستور حزب البعث العربي الاشتراكي، ص10 ـ11.

*الهدنة الثانية: أي عام 1949، أي في السنة الأولى من تكون خلايا البعث في الأردن وفلسطين.

[111]) الحوراني، هاني ، وآخرون: حكومة سليمان النابلسي ( 1956ـ 1957 )، ص 54.

[112]) انظر: الحوراني، هاني، وآخرون: المرجع السابق ،ص55.

[113]) انظر: أبو نوار، علي: حين تلاشت العرب ـ مذكرات في السياسة العربية، لندن: دار الساقي، 1990، ص 165.

[114]) انظر: بيان حزب البعث العربي الاشتراكي حول تحرير الجيش آذار 1956، منشور وزع آنذاك وحصل الباحث عليه، صفحة واحدة.

[115]) انظر: الحوراني، هاني، وأخرون: حكومة سليمان النابلسي، ص 55، و56.

[116]) انظر: أبو نوار، علي: حين تلاشت العرب ـ مذكرات في السياسة العربية، ص 171.

*أمثال: تركي الهنداوي، وتوفيق الحيارى. ( أبو نوار، علي: المصدر السابق نفسه).

[117])انظر: الحوراني، هاني: حكومة سليمان النابلسي، ص56 ـ 57.

وانظر أيضا: أبو نوار، علي: حين تلاشت العرب، ص 171 ـ 183.

[118]) انظر: لنت ، جيمس ( مترجم): الحسين سيرة حياة، عمان: الدار العربية للنشر والتوزيع ط 1990، ص 77.

[119])انظر: أبو نوار، علي: حين تلاشت العرب، ص 180.

[120])انظر: براند، أ. لوري: الفلسطينيون في العالم العربي، ص 153 ـ 154.

[121])بيان حزب البعث العربي الاشتراكي حول تحرير الجيش العربي، آذار 1956، في منشور وزع آنذاك وحصل الباحث على نسخة عنه، صفحة واحدة.

[122]) انظر: المجالي، هزاع: مذكراتي، ص 143.

[123]) انظر: محافظة، علي: أبحاث وأراء في تاريخ الأردن الحديث، ص 224.

[124]) انظر: محافظة، علي: المرجع السابق، ص 238.

*فاز فيهما عبدالله، الريماوي، وكمال ناصر.

[125])انظر: محافظة، علي: المرجع السابق، ص 253.

وأيضا:العبيدي، جدوع عوني: حزب التحرير الإسلامي ط1، عمان: دار اللواء للصحافة والنشر 1993 ص 74.

[126]) انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 191 ـ192.

[127]) انظر: أبرهام، سيلع: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 28.

وانظر أيضا: أبو نوار، علي: حين تلاشت العرب، ص 274.

[128])انظر: محافظة، علي: العلاقات الأردنية البريطانية، ص 266.

[129] )انظر: التلهوني، بهجت: الحسين بن طلال، ط 1، ( د.م ) 1957، ص 119.

[130] )انظر: التلهوني، بهجت: الحسين، 174.

[131] ) انظر: فريدون ، جم صاحب: الحسين مهنتي كملك أحاديث ملكية، عمان: الدار العربية للطباعة والنشر، ص106ـ 113 (بتصرف) وأيضا: التلهوني، بهجت:، المرجع السابق. ص 171 ـ 173.

[132] )انظر: محافظة، علي: العلاقات الأردنية البريطانية، ص171.

[133]) انظر: محافظة، علي: المرجع السابق، ص 271، و ص 274.

[134]) انظر: حمدان، حمدان: أكرم الحوراني رجل للتاريخ، ص212.

[135])انظر: فريدون، جم صاحب: الحسين مهنتي كملك، ص 114 ـ 115.

[136]) انظر: فريدون،جم صاحب: الحسين مهنتي كملك ، ص115، و 118.

[137]) انظر: " بيان المؤتمر الوطني في مدينة نابلس 22/ 4 / 57 "، وزع آنذاك وحصل الباحث نسخة منه. حضره 22 نائباً من 44 شخصا ً وبلغ حضور البعثيين في المؤتمر 12 شخصاً.

*كان يصعد تارة إلى المنصة بسام الشكعة، ويلقي خطابا باسم البعث وتارة ً أخرى يصعد عربي عواد من سلفيت، ويخطب باسم الحزب الشيوعي ويتحدث عن أهداف المظاهرة، ويدعو إلى عودة حكومة النابلسي.

[138]) انظر: الفتاش، ابراهيم: أوراق خاصة في الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 125 ـ 126.

[139])انظر: الفتاش، ابراهيم: المرجع السابق، ص 124 ـ 125.

[140])انظر: المالكي، عيّاد: الفراغ السياسي، ص30ـ 31.

وأيضاً مقابلة أجريت بتاريخ 10/7 /98 مع محمد أمين في رام الله.

[141]) انظر: سعد، أحمد صادق، وياسين ، عبدالقادر: الحركة الوطنية الفلسطينية 1948ـ 1970، القدس: منشورات صلاح الدين 1978، ص 98.

[142])أوراق مطبوعة كتبها ياسر عمرو للباحث في 1/ 10 / 1999.

*حسان وظائفي: أحد أعضاء حزب البعث من مدينة السلط بلغ مرتبة عضو قيادة قطرية في حزب البعث وهو أحد الذين حضروا المؤتمر القومي الثالث عام 1959.

[143]) رسائل مطبوعة أرسلت من بهجت أبوغربية للباحث في تموز 1998.

وانظر: من ملفات المخابرات الأردنية، كشف بأسماء البعثيين لمنطقة القدس 30 / 4 / 63 تقع في 11 صفحة (من بين الفارين: عبدالله الريماوي، و عبدالله نعواس، و يوسف الخطيب، وعبد المحسن أبو ميزر، وأحمد ذيب شاور ومحمد محمود علي الريماوي، و سامي حسين عاطف درويش، و فؤاد محمد الزغيّر، ويعقوب حسن الريماوي، و زهير أحمد الخطيب، وكمال ناصر. وانظر: سليمان، سهيل: كمال ناصر الشاعر والأديب السياسي، ص 144، وقد تغيّب عن جلسة مجلس النوّاب التي حضرها الملك حسين يوم 1 تشرين الأول 1957 النواب، شفيق الرشيدات، ويعقو ب ز يادين، ويوسف البندك، و سعيد العزة، وعبد الخالق يغمور، و عبدالله الريماوي، و كمال ناصر، وفائق ورّاد.

[144])انظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن، ج2، عمان: مكتبة المحتسب، 1996، ص 22 ـ 24

[145])انظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن، ج2، ص 31 ـ 33

[146]) انظر: صلاح، وليد: رحلتي في العمر مذكرات، عمان: الدار الوطنية، 1990، ص 128 ـ 131.

[147])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 144 ـ 145.

4) عدد أعضاء الحزب، وتوزيعهم الجغرافي

لا يوجد تقدير دقيق لعدد عناصر حزب البعث في الضفة الغربية وقطاع غزة بل توجد هناك تقديرات حكومية تختلف عن تقديرات الحزبيين وهي لا تصح الا بمعيار نسبي، و ينقص هذا البحث التقدير الدقيق، و يرتبط ذلك بما يلي:

1ـ توجد وثائق وتقارير للمخابرات الأردنية لم نتمكن من الحصول عليها، بسبب عدم السماح بالكشف عنها لأسباب يجهلها الباحث.

2ـ قلة الوثائق والمصادر التي تناولت حزب البعث في قطاع غزة التي تمكن الباحث من الحصول عليها والتي لا تتجاوز بضعة مراجع.

3ـ إن الأسماء التي سجلت في كشوفات البعثيين، و التي أعدتها المخابرات الأردنية لم تذكر، هل كان الشخص عضواً أو نصيراً أو قائداً.

4ـ ُسجل أشخاص في كشوفات البعثيين على أنهم أعضاء في حزب البعث وبعدالتحقق عنهم ومنهم ثبت عدم صحة الملفات المسجلة إذ كانوا أعضاء في حركة القوميين العرب أو الأحزاب الأخرى وبعضهم أنكر أي علاقة بحزب البعث، ونسب ذلك إلى صداقات لم يقدرها رجال المخابرات والمباحث.

5ـ قسمت كشوفات البعثيين التي أعدتها المخابرات الأردنية إلى درجات بحسب خطورتهم وهي الدرجة العليا ويرمز لها بالدرجة ( أ) والدرجة المتوسطة ويرمز لها بالدرجة (ب) والدرجة الدنيا ويرمز لها بالدرجة (ج).

6ـ كانت القوائم المسجلة عام 1963، اكثر توضيحا لسجل الأفراد فقد بينت درجات خطورتهم، ومكان إقامتهم، وطبيعة عملهم، ويلاحظ أن الذين فروا إلى الخارج الحقوا بآخر مكان لسكناهم، وسجل اللاجئون بحسب القرى التي أخرجوا منها([1([.

ولكن كم كان عدد عناصر حزب البعث عام 1956ـ 1957، وهي سنة الذروة في نشاط حزب البعث في الضفة الغربية، وقطاع غزة؟.

تختلف الإحصائيات في تحديد عددهم ما بين حديث الرواة من قادة البعث ووثائق المخابرات الأردنية، وفي هذا السياق قدر أمنون كوهين الذي أن عددهم لا يتجاوز 700 شخص قي عام 1957([2([. بينما ذكر أ برمهم سيلع الذي قام بدراسة عن حزب البعث في الضفة الغربية أن عدد أعضاء حزب البعث فيها بلغ 765 وهي سنة الذروة في النشاط القومي([3([.

أما في قطاع غزة فإن عدد أعضاء حزب البعث، وحسب قول مسؤول الفرع في حينه بلغ في هذا العام بين ( 400 ـ 600) شخص، ويزيد الرقم أو يتناقص حسب عودة الموظفين من دول الخليج في الصيف، لكن هذا الرأي لا يوجد ما يؤكده من مراجع مطبوعة ([4([.

و يلاحظ أن عدد أعضاء البعث في الضفة الغربية يفوق عددهم في قطاع غزة ويذهب عدد ممن انتسبوا لحزب البعث في أوائل الخمسينيات إلى أنه كان بمستوى التيار الجماهيري، وخاصة في رام الله والقدس ـ وأنه تفوق على غيره من الأحزاب مثل: الحزب الشيوعي كما أنه بلغ مستوى قيادة قطرية في المملكة الأردنية منذ عام 1952. أ ما في قطاع غزة، فلم يرتق إلى هذا المستوى، حيث لم يتجاوز مرتبة قيادة الفرع* ([5([.

ومن حيث العدد والهيكلية المتبعة تتفوق القيادة القطرية على قيادة الفرع، كما أنه لا يمكن اعتماد ملفات المخابرات كحقيقة مسلم بها التي اعتمد عليها أبرهام سيلع وأمنون كوهين، التي تتناقض مع أقوال و أعضاء وقيادات في الحزب.

ويميل بعض البعثيين الذين قابلتهم في الضفة الغربية للقول أن هذه الإحصائيات غير دقيقة وأن عدد أعضاء البعث لايقل عن ضعف هذا العدد، ويفسرون سبب ذلك إلى أن المباحث الأردنية لم تسجل جميع أعضاء البعث لأن بعضهم كان على علاقة حسنة بالمسؤولين الذين غضوا الطرف عنهم، وأن مجموعات من حزب البعث لم تعتقل في مناسبات عديدة، فهناك مجموعة كان يديرها أسعد عكة لم يعتقل أفرادها عام 1966 رغم الهجمةالاعتقالية([6]) .

ويذهب بعض قادة البعث إلى أن رام الله والقدس كانتا تستأثران بعدد يفوق ما ذكره الباحث أبرهام سيلع، وأن عد د عناصر البعث في بيرزيت لوحدها بلغ 128 منتسباً عام 1957، في حين يرى بعض قادة البعث في مدينة الخليل أنه كانت تجري اجتماعات الخلايا الحزبية في المقاهي نظراً للشعبية التي تمتع بها البعث في عامي 1956 و1957 وليس صحيحاً ما أورده أبرهام سيلع من أرقام([7([.

وهذا قائم بعد أعضاء حزب البعث في الضفة الغربية، وتوزيعهم الجغرافي عام 1957حسبما أوردته المخابرات الأردنية في كشوفاتها، التي نقل عنها بعض الباحثين.

نلحظ من الجدول السابق أن رام الله تعتبر في صدارة أعداد البعثيين، بينما يقل عدد أعضاء الحزب في الخليل و أريحا، علما بأن مدينة الخليل وقراها، من المدن الكبرى.

ربما يعود السبب في ذلك إلى أن قوة التركيب الحمائلي وسيادة الثقافة الإسلامية في منطقة الخليل قد أسهمت في كبح توجهات الشباب اليسارية، فقد وجد في مدينة الخليل أيضاً قادة بارزون من حزب التحرير الإسلامي: ـ أمثال عبد القديم زلوم. وهذا يبرر استئثار القدس بنصيب الأسد من أعضاء الحزب وقتئذ، وتتميز بانفتاح ثقافي على الغرب عبر السياحة وغيرها، مما جعلها اقرب لفهم وتبني الفكر اليساري من بعثي وشيوعي وقومي عربي مقارنة بغيرها من المدن الفلسطينية كما كان للأشخاص دور مهم في نشر الأفكار البعثية حيث أدت بعض الشخصيات دوراً مهما في جعل الحزب يتمتع بشعبية كبيرة خاصة في رام الله والقدس.

وهذه معطيات أخرى، تبين الفئات المنتسبة للحزب وعددها، التي صنفها الباحث حسب كشف لرجال المخابرات الأردنية عام 1960. ويتناول محافظة القدس، التي تضم مدن رام الله، والقدس، وأريحا، كما تظهر في الجدول الآتي:

من الجدول السابق يلاحظ كثرة الفئات المتعلمة في الحزب، وكذلك عدم دقة المباحث الأردنية في تحديد عمل الأشخاص، وقلة عدد العمال والنساء، ووجود عدد لا بأس به من المحامين قياساً بالعمال وغيرهم.

ولدى تصنيف الباحث للفلاحين في الجدول المذكور آنفاً، وجد أن 283 شخصاً من أصول فلاحية، وإن بعضهم هاجر للمدينة بعد طردهم من قراهم الفلسطينية المدمرة عام 1948 وآخرون يقيمون في قراهم، ومن أبرز القرى التي أنتشر فيها البعث: بيت ريما، وكفر مالك، وبيرزيت، وجفنا، ودير غسانة، وعارورة، والسواحره، وصفا، وكفرعين، ودير أبومشعل، و دير عمار. ومن القرى والمدن المدمرة: العباسية ويازور، و كفرعانة، و المالحة، وسلمة، و لفتا، والمزيرعة، ومدينتي يافا واللد([10([.

وفي قائمة أخرى تضم القدس، وأريحا، وبيت لحم، التي طبعت على الآلة الكاتبة عام 1962، فقد بلغ عدد البعثيين 193 شخصا، ولم تدرج منطقة رام الله في هذه السجلات، وفي سجلات تضم القدس ورام الله وأريحا وبيت لحم، والتي دونت في 21آذار/ مارس 1963 بلغ عددهم 263، وهذا يعني أن عدد البعثيين تناقص عن عام 1960، رغم أن البعث نجح في الوصول إلى السلطة في العراق وسوريا([11([.

ويشير تقرير أرسله المقدم سعاده الجلاد قائد مقاطعة القدس عن نشاط البعث في هذه المنطقة بتاريخ 27 تموز / يوليو 1963 " لا نلحظ أي نشاط ملموس، الا أنه من المؤكد بالنسبة لتطورات الأحداث في سوريا والعراق فان فروع الحزب لا بد أن يكون لها نشاط منظم، ولكن بصورة مكتومة وتحفظ شديدين "([12([.

وعن الأسباب التي أدت إلى تراجعه يذكر الجلاد أن قتل الفئات القومية الأخرى ومنها الناصرية في سوريا، جعل البعثيين ينقسمون على أنفسهم بين مؤيد يرى في ذلك توطيداً لأركان النظام البعثي السوري ومعارض يرى فيه إساءة للبعث ولأسهم تأييده في الوطن العربي، وقد حضرت في أذهان الجماهير جرائم الحزب الشيوعي العراقي كما أن الحزب عزل تماما في علاقته مع الأحزاب الأخرى([13([.

وقد لاحظ الباحث في مطالعته أن أسماء كشوف البعثيين تتكرر وقليلة التي شطبت منها، ورغم سفر بعضهم للخارج إلا أن الأسماء بقيت مدرجة في القوائم من سنة لأخرى.

5 ) وسائل ومصادر الدعاية والتعبئة

أ)التمويل:

جاءت مصادر تمويل نشاطات الحزب من مصدرين داخلي وخارجي وكان للاخيرتأثير في زيادة التدخل في شؤون الحزب وتمثلت المساعدات الخارجية في تقديم الدعم السياسي والمعنوي والمالي، وشملت جهتين: الأولى حزب البعث في سوريا، والثانية: من قبل النظام المصري، فقد قدمت الحكومة المصرية الدعم الإعلامي المتمثل بصوت العرب، والذي كان يغذي عنصر التحريض لإشعال المظاهرات في الأردن ويثير حماس الجماهير الأردنية([14([.

ولقد ذهبت بعض المصادر الأردنية إلى أن البعث قد حصل على أموال من السعودية، ومصر حيث أدخل عبدالله الريماوي على حسابه بوساطة البنك العربي 5000 دينار، ثم أن القيادة القومية حينما اختلفت معه عام 1959 اتهمته بقبض 60000 دينار من الحكم المصري لغرض تغطية انتخابات عام 1956 وليحصل على نصر مؤزر في الانتخابات([15([.

يؤيد بعض البعثيين أن الريماوي حصل على دعم مالي من جمال عبدالناصر ولكنهم يشككون بهذه المبالغ، ويذهب جمال الشاعر إلى أن عبدالله الريماوي كان على علاقة بأجهزة الحكم المصرية من ناحية السياسات في الأردن، والأموال التي تنفق، وقد بحث الأمر مع ميشيل عفلق([16])، ويذكر أحد قادة البعث في غزة، أن حزب البعث حصل على دعم مالي من كمال رفعت، وزير الشؤون العربية في النظام المصري عام 1957؛بهدف تغذية نشاط" جبهة المقاومة الشعبية " لطرد الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وحينما قام النظام الأردني بحملة اعتقالات عام 1957 جرى صرف مبالغ مالية لذوي المعتقلين، وإيصال دفعات شهرية لهم([17([.

وعلى صعيد آخر أقر النظام الداخلي لحزب البعث أن يجري تغطية نفقات الحزب من مصادر ذاتية، ومنها الاشتراكات الشهرية، ومبيعات ومنشورات الحزب ويختلف المبلغ المفروض على المشتركين بحسب مستوى الدخل وعمر الشخص. ففي حين يدفع طلاب المدارس والمعاهد، مبالغ شهرية بسيطة كان الرجال الأكبر سنا يقتطع من رواتبهم نسبة5 بالمائة. وحينما كان حزب البعث يحتاج نفقات أكثر لتغطية احتياجات أكبر كانت تجري حملة تبرعات بين المؤيدين، والأنصار، وأعضاء الحزب([18([.

وأدرك البعث والأحزاب الأخرى أهمية الدور الذي يقوم به الأطباء والمحامون، وأصحاب الأعمال المهنية ؛ إذ هم أقوى على تحمل الأعباء المالية، ومضايقات السلطة من الموظفين الذين تتأثر أوضاعهم بتعسف السلطة وضغوطها، ولقد احتل الأطباء دوراً مهماً في أحزاب الحركة الوطنية، مثل: البعث ( منيف الرزاز، وأمين شقير ) ، وحركة القوميين العرب ( جورج حبش، ووديع حداد ) والحزب الشيوعي ( يعقوب زيادين )، وهكذا كانوا في الصف القيادي الأول([19([.

وفي سياق الدعم الخارجي، حصل زعماء حزب البعث الفارين الريماوي ونعواس والقيادات الحزبية الأردنية والضباط الأردنيون، الذين لجأوا إلى سوريا بعد إقالة حكومة النابلسي على الدعم المالي، والرواتب الشهرية حيث عومل هؤلاء كلاجئين سياسيين في سوريا([20([.

وحصل حسني الخفش على مرتب شهري من الجمهورية العربية المتحدة بعد أن توجه إليها لاجئاً سياسياً قادماً من مصر في عام 1961([21([.

ب ) المطبوعات:

أن المواد المطبوعة أظهرت لنا جملة نشاطات الحزب في مختلف مراحله سواء أكانت فترات قوة أو ضعف، أو إبراز مواقفه حيال القضايا الوطنية والقومية، ويمكننا حصرها بمايلي:

1)المطبوعات الصحفية

صحيفة البعث: أسسها عبد الله الريماوي وكمال ناصر، و أسهم في تحريرها عبدالله نعواس وراجي صهيون. صدر العدد الأول في آذار/مارس عام 1949، وقامت بجهد مؤسسيها، ومولت من جيوبهم. كان مقرها في مدينة القدس، وقد لاقت المؤازرة والتأييد من قبل حاكم القدس عبدالله التل و أسهم الزعيم موسى العلمي بالمال. صدرت إسبوعيا في أول عهدها، وغدا أمين شقير محررها المسؤول اعتبارا من آذار/ مارس 1950. وصدر أمر بإغلاقها* لمدة شهر ونصف من نيسان/ابريل 1949([22([.

الجيل الجديد: أصدرها كمال ناصر، وهشام النشا شيبي، وعصام حماد عام 1949 يشبه خطها ونهجها صحيفة البعث، صدرت في رام الله وتميزت بهجومها على حكومة الأردن ومفاوضاتها مع اليهود، وكتب فيها " كيف سلمنا المثلث" وافتتاحية بعنوان: "من دخل البلاد بغير حرب يهون عليه تسليم البلاد" وصدر منها23 عددا وتعرضت للتوقيف والاحتجاب عدة مرات و لضغوطات وعراقيل المسؤولين. أغلقت بسبب الضغط الحكومي وصعوبة الحصول على التمويل لدى صاحبها([23([.

اليقظة: صدرت في عمان عام 1948، وكان رئيس تحريرها سليمان الحديدي أحد قادة حزب البعث([24([. تعرضت لسلسلة من الاغلاقات حسب المقالات والانتقادات والمواقف من الحكومات الأردنية، فأغلقت عام 1954 بعد طلب حزب البعث الترخيص له في ظل أنظمة الطوارئ التي أطلقها توفيق باشا أبو الهدى ومعها سائر صحف الأحزاب المعارضة، التي مثلت الأحزاب المختلفة([25([.

صوت الجماهير: هي إحدى نشرات البعث السرية التي أصدرها الحزب في الأردن عام 1964، و كانت تحوي سبع صفحات، ويشبه خطها السياسي موقف النظام الحاكم في سوريا، وتناولت في صدر صفحاتها القضايا القومية والقضية الفلسطينية وهاجمت سياسة عبد الناصر وإيران الشاة([26([.

الوحدة: نشرة حزبية أصدرها التنظيم البعثي في غزة في الستينيات أ شرف على تحريرها جهاز مكون من وفا الصايغ، وجمال الريس، وماجد العلمي.

المستقبل: جريدة يومية سياسية أشرف على إصدارها محمد جلال عناية ووفا الصايغ([27([.

كذلك جرى توزيع صحيفة البعث الصادرة في سوريا، وبيعت لمصلحة البعث في فلسطين([28([. ونشرت الصحف الوطنية مقالات البعثيين على صدر صفحاتها، ومنها: صحف فلسطين والدفاع وصحيفة الأحرار اللبنانية التي صدرت عام 1966 كمنبر لحزب البعث لعدة سنوات.

2) البيانات الحزبية:

تعتبر البيانات من الأهمية بمكان؛ بسبب سهولة توزيعها ورخصها مقارنةً بتكلفة المطبوعات الأخرى مثل: الصحافة والإعلام، ثم الحاجة للتعبير عن موقف ساخن وسريع وكذلك إمكانيات التوزيع السريع للمنشورات، وإطلاع الجمهور على آخر ما استجد من مواقف، وقد نشط البعث في إظهار مواقفه عبرنشر ها تجاه مختلف القضايا الدولية والعربية التي ظهرت بصورة علنية عام 1956؛ أي في ظل حكومة سليمان النابلسي.

حصل حزب البعث على الترخيص وطبعت بياناته في مطبعة دارالطباعة العربية في القدس ودار النشر والطباعة عمان، ومن البيانات ما صدر خارج فلسطين أي من القيادة القومية لحزب البعث، وكانت نشرات سرية يطلع عليها الأعضاء فقط، ومنها على سبيل المثال بيان صدر في شباط / فبراير 1955 بشان حلف بغداد([29([.

واصدر البعث بيانا ردا على كتاب رئيس وزراء الأردن، هزاع المجالي الذي نشر كتابه بعنوان "هذا بيان للناس" الذي أيد فيه حلف بغداد([30([.

وقد وزعت هذه البيانات أما بالبريد أو باليد على أن ترجع لنفس الشخص الذي سلمها وتحرق([31]) .

كما استخدمت طرق أخرى لإيصال المواد المطبوعة للحزب، والممنوع وصولها من الخارج آنذاك مثل البيانات والمنشورات التي أحضرت من سوريا إلى فلسطين، أو نقل الأموال لتغذية النشاطات الحزبية، وقد كلفت قيادة حزب البعث النساء بنقلها([32([.

3) أدبيات فكرية ومواد إعلامية أخرى

أصدر الحزب إضافة إلى ماتقدم ذكره، مواد إعلامية أخرى، منها الكتب والكراسات المتنوعة فهناك الكتب الثقافية والفكرية تقع على مسؤولية المكتب الثقافي في القيادة القومية كما أن أعضاء وأمين عام القيادة القطرية كان بإمكانهم نشر كتب فكرية وثقافية لتعليم فكر البعث وتوضيحه، وكانت أولى المصادر الإعلامية كتاب في سبيل البعث لمؤسس الحزب ميشيل عفلق، وكتابه معركة المصير الواحد وغيرها من المؤلفات والخطب والمقالات، التي نشرها في صحيفة البعث الدمشقية منذ عام 1946ـ 1966([33([.

وشكلت مؤلفات منيف الرزاز مرجعية للبعثيين، واتسمت مؤلفاته بالوضوح في التعبير عن رأي الحزب، و نشرتها دار الطليعة في بيروت وغيرها من دور النشر، ومنها: تطور معنى القومية وكتاب معالم الحياة العربية الجديدة، الذي صدرعام 1952 ونال جائزة جامعة الدول العربية([34([.

وكان كتاب دستور حزب البعث الصادرعام 1947، من أهم المواد التي يبدأ بمطالعتها أعضاء البعث وأنصاره، ثم اللوائح الداخلية وغيرها.

ج) تجنيد القوى والتحالفات السياسية لمصلحة البعث

كان حزب البعث حريصا على دوام العلاقة واستمرارها مع الأحزاب الأخرى، وتجنيد القوى السياسية لمصلحته رغم وجود خلافات مبدئية وفكرية، وكان هناك فترات من التعاون والخلافات وعلى فترات متناوبة ولقد قررت هذه العلاقات مستوى المنافسة على أصوات المواطنين، وعدد المرشحين والناخبين، والفائزين، أو تشكيل الجبهات الوطنية والأطر المشتركة والموقف من الحكومات.

حكم توجه البعث تجاه الأحزاب والقضايا: الموقف المبدئي والفكري للبعث من الأحزاب الأخرى، وفي هذا الإطار كانت الأحزاب الشيوعية في الأردن وفلسطين وسوريا والعراق من اشد المنافسين لحزب البعث، وهي منافسة قديمة بدأت في سوريا، وكان البعث يركز في محاربته للشيوعية ومنافسته و مهاجمتها في الأمور التالية:

1)الشيوعية غريبة ومن مصادر غير عربية، ولا تلبي طموحات، وأماني القومية العربية وأهدافها.

2) سلبية الاشتراكيين الماركسيين، وتأثرهم بالخط الستاليني، الذين يستظلون بظلال موسكو.

3) قال البعث أن اشتراكيته من صميم القومية العربية، ومبادئه مقتبسة من المجتمع العربي وواقعه وشدد البعث على أن فكرة الشيوعية جاءت من الظروف الأوروبية([35([.

كانت حركة القوميين العرب حليفا طبيعيا لحزب البعث، وقد كانت حركة صغيرة نشأت بعد البعث بسنوات، وتجمعهما المبادئ المشركة في مبادئ الوحدة وتحرير فلسطين ورفض التصالح والتفاوض مع اليهود، ولم يكن من خلاف بينهما سوى أن البعث كان يتبنى الاشتراكية بينما كانت شعارات حركة القوميين العرب تجمع الوحدة والتحرير، ولا تتبنى الاشتراكية.

وقد مرت علاقة بعض قادة البعث والقوميين العرب بفترات تقارب وصلات عميقة فقد جمعتهم "جمعية العروة الوثقى " في الجامعة الأميركية في بيروت ومنهم: جورج حبش وجمال الشاعر وسعدون حمادي في أنشطة الجمعية الثقافية والتي أشرف عليها قسطنطين زريق([36([.

وعندما تأسست الحركة عام 1952، كانت هناك مباحثات لتوحيدها مع البعث و اشترط القوميون العرب أن يبدأوا ممارسة الكفاح المسلح والتدريب على السلاح قبل ممارسة النضال الشعبي، واعتماد تنظيم حديدي، الا أن البعث كان يرى أن يبدأ بالنضال الجماهيري السياسي أولاً([37([.

جرى في عام 1958 تقارب كبير بسبب إيمان الطرفين بأهمية الوحدة السورية- المصرية، وبعد مرور عام من تحقيق الوحدة، صدر بيان مشترك في شهر شباط/ فبراير 1959 باسم "الكتلة القومية الاشتراكية"، الذي أكد أهمية الوحدة العربية بين البلدين وضرورة لحاق الأردن بها([38([.

ولكن علاقتهم توترت وتنافرت بعد استقالة وزراء البعث في حكومة الجمهورية العربية المتحدة وقد حاول جورج حبش أ ن يمنع هذه الاستقالة، ولكن دون جدوى فساءت العلاقة بينهما([39([.

رغم التعارض بين النظام الأردني من جهة، وسائر الأحزاب الأردنية، الا أن أحزاب الحركة الوطنية لم تتغلب على صراعاتها وتناقضاتها، وكانت تستغلها الحكومة الأردنية لمصلحتها. رغم ذلك شهدت العلاقة بين حزب البعث وحركة القوميين العرب تعاونا بارزا وتشكلت الجبهة الشعبية القومية منهما. في حين واصل الشيوعيون والإخوان المسلمون عملهما المنفصل، حتى بعد إنشاء الجبهة التي كان عليها مهمة توحيد جهودهم جميعاً، ولقد ساءت علاقات القوميين والشيوعيين بعدانقلاب تموز/ يوليو 1958 في العراق، بعد أن توطدت علاقات الشيوعيين مع نظام عبدالكريم قاسم على حساب القوى القومية، وسرت إشاعات وأقوال تتحدث عن تعاون وتخطيط القوميين والبعثيين لعمل انقلاب والتخطيط لاغتيال شخصيات أردنية، ولكن بوصول البعثيين للسلطة في آذار/ مارس 1963 انتهى هذا التعاون، وساءت علاقاتهما([40([.

كانت الأحزاب الأردنية كالحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الاشتراكي الوطني، والقوميين العرب، تتوحد في القضايا الكبرى ومنها الموقف تجاه حلف بغداد، أو ضد تزوير الحكومة للانتخابات، و دعم حركات التحرر العربية، وهذه بعض الأمثلة على هذا التحالف: ـ

1)في شهرتشرين الأول / أكتوبر 1954تحالفت الأحزاب ضد تدخل الحكومة في انتخابات البرلمان والتي اتهمت بتزويرها، لذا جرت بتاريخ 17 تشرين الأول / اكتوبر مظاهرات شعبية عنيفة شملت البعثيين والشيوعيين وحركة القوميين العرب، وكان أعنفها في عمان ونابلس([41([.

2) في كانون الثاني/ يناير 1955 تحالفت الأحزاب ضد قرار حكومة هزاع المجالي بالانضمام لحلف بغداد.

3) تحالفت أحزاب الحركة الوطنية في شهر نيسان / أبريل 1957، وعقدت مؤتمرها وقد تشكلت لجنة وطنية في نابلس وعمت المظاهرات في مدن المملكة. و في عام 1956 تعاون حزب البعث مع حركة الإخوان المسلمين، وعدد من المستقلين في بناء " جبهة المقاومة الشعبية "للاحتلال الإسرائيلي في غزة عام 1956.

بينما رفض البعث الدخول مع الحزب الشيوعي في جبهة وطنية بسبب اعتراف الأخير بقيام دولة إسرائيل، وبقرار التقسيم الصادر عام 1947([42([.

ولكن مظاهر التنافس والتناحر بين البعث والشيوعيين، كانت لا تقل عن الأولى وتظهر على النحو آلاتي: ـ

1)ظل البعث حذرا من إقامة جبهة وطنية مع الحزب الشيوعي، وكان يتنافس معه رغم أن البعث دعا إلى تشكيل جبهة اشتراكية تضم الأحزاب الاشتراكية في الوطن العربي وقارة آسيا، الا أنه قابل دعوة الحزب الشيوعي لإقامة جبهة وطنية بالرفض لأنه اعتبرها عملية خاصة بالحزب الشيوعي هدفها حل مشاكله ورفع العزلة عنه، وتستهدف مقاومة قيادة البعث للجماهير الشعبية، كما أن حزب البعث لا يثق بمسلكهم التاريخي والتنظيمي([43([.

2) أدت المذابح التي قام بها الشيوعيون في شهر آذار/ مارس 1959 بمدينة الموصل العراقية* وقيام عبد الكريم قاسم بإعدام الضباط القوميين المتهمين بانقلاب على نظامه إلى صراعات وخلافات بين حزب البعث وسائر المؤمنين بالقومية العربية من جهة والأحزاب الشيوعية في الوطن العربي من جهة أخرى([44([.

انتقلت الخلافات إلى فلسطين حتى أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي تعرض إلى انقسام في صفوفه وحلت الجبهة العربية، وولدت حركة قومية عربية باسم " جماعة الأرض "([45([.

د) إدارة الانتخابات البرلمانية

نظر حزب البعث للانتخابات البرلمانية بأهمية بالغة، واعتبرها وسيلة للوصول إلى أهدافه وقد خاض البعث انتخابات البرلمان منذ أن توحدت الضفتين الشرقية والغربية، وخاض أربع دورات انتخابية حتى عام 1967، ومنها انتخابات نيسان 1950 وانتخابات 1951، 1954، 1956 وفي الدورتين الانتخابيتين الأولى والثانية نجح عبدالله نعواس وعبدالله الريماوي.

رغم أن البعثيين والشيوعيين كانوا من ضحايا الانتخابات المزورة في الدورة الثالثة التي سبق أن تحدثنا عنها، التي انسحب منها المرشح سعيد المفتي رئيس الحكومة يومئذٍ وعلى خطاه سار الريماوي والأحزاب الأخرى واندلعت المظاهرات والصدامات في رام الله ونابلس والقدس، وقد جاءت بتحريض ممن اتهموا الحكومة بالتزوير، وهم ضحايا الانتخابات أمثال: الشيوعيين والبعثيين([46([.

رفض الأمين القطري لحزب البعث الأردني عبدالله الريماوي الدخول في جبهة وطنية تضم الأحزاب، وفضل دخول الانتخابات دون التكتل مع أي منها. رغم أن الأحزاب الأخرى عرضت على البعث الدخول في قائمة موحدة والحصول على خمسة مقاعد الا أن عبدالله الريماوي أصر على النزول بقائمة بعثية مستقلة، وكان متشددا في مسألة التحالف مع الحزب الوطني. وقد حاول أكرم الحوراني تبصيره بالأثر السلبي لذلك مثلما اتفق ميشيل عفلق، وصلاح الدين البيطار، وكمال رفعت على هذا الرأي، ولكن دون جدوى. ودخل حزب البعث الانتخابات هذه المرة ب16 مرشحا موزعين على مختلف المنا طق في المملكة الأردنية الهاشمية. الا أن نصيب البعث من النجاح كان محدودا وبعيدا عن تقديراته التي نجح فيها كمال ناصر وعبدالله الريماوي، وكانت نتائجها هزيلة بالنسبة للبعث([47([.

وكان لنتائج الانتخابات الهزيلة بالنسبة لحزب البعث، وفشل مرشح البعث حنا نعواس في الانتخابات عن القدس انعكاسا سلبياً على قاعدة الحزب، مما أدى إلى انفصال بعض القيادات عن الحزب، ومنهم عبد الرحمن شقير وابراهيم حباشنة، ويرجع فشل نعواس في هذه الانتخابات للصدى القوي للجبهة الوطنية* في القدس، حيث أدت وحدة صفوف الوطنيين إلى استمالة سكان المدينة الذين يرون في هذه الوحدة الطريق الأقرب والأنسب لمقاومة الصهيونية الغازية، كما أسهمت الخدمات الجليلة التي قدمها يعقوب زيادين لفقراء المدينة في دعم الجبهة الوطنية ومرشحها([48([.

كان تنافس مرشحي البعث شديدا مع غيرهم، حتى أن بعض أقارب المرشحين البعثيين كانوا مرشحين في قوائم أ خرى، وترك حزب البعث الحرية للأعضاء أن ينتخبوا أ يّا من المرشحين، ولكنهم اختاروا حزبهم السياسي كما هو الحال في تجربة كمال ناصر والذي رشحه الحزب، في وقت قرر خاله موسى ناصرأن يرشح نفسه عن منطقة رام الله، وترشح عادل الشكعة عن نابلس الا أن أخيه بسام الشكعة نشط في دعايته لمصلحة البعث، ورغم أن البعث كان يدرك أنّ بعض مرشحيه ليسوا بمستوى الشعبية، التي يتمتع بها مرشحو الأحزاب الأخرى في لواء نابلس، إلا أنه كما يظهر كان يفضل ترشيحهم حتى يشتد عوده في التجارب البرلمانية([49([.

نشط البعث أثناء الانتخابات في حشد تجمعات جماهيرية كبيرة، وخرج عن الطابع السري في الاستقطاب هذه المرة. سيّر الباصات لنقل أبناء القرى في منطقة رام الله والمناطق الأخرى إلى صناديق الاقتراع، كما أن أعضاءه ركبوا سياراتهم حاملين مكبرات الصوت داعين الجماهير لحضور" المهرجان الدعائي الانتخابي الكبير والحاشد في رام الله "([50([.

وضع البعث تصوراته في برنامجه الانتخابي، الذي ضم مختلف القضايا التعليمية والثقافية والاقتصادية والأمن والجيش والسياسة الخارجية والموقف من القضية الفلسطينية([51([.

وتعتبر انتخابات تشرين أول / أكتوبر 1956، من أكثر الانتخابات التي تحمس لها البعث ومن الشعارات البعثية وقتئذًٍ" الجيش والحرس الوطني درع الوطن، وأملنا لليوم المنشود ويعملان على: ـ

1)تحرير الجيش والحرس الوطني من الحاجة للمال البريطاني، ومن قيود المعاهدة البريطانية، وقبول المعونة العربية بديلا عنها.

2) تسليح الجيش والحرس الوطني تسليحاً كاملاً من الكتلة الشرقية.

3) تحقيق وحدة الجيوش العربية، لكي تطوق إسرائيل بجيشٍ واحدٍ وقيادةٍ واحدةٍ([52([.

وينقل سيلع عن ناجي علوش أن أسباب فشل البعث في انتخابات عام 1956 تعود إلى الأسباب آلاتيه: ـ

1 ) ضعف الإطار التنظيمي، إذ أن أعضاء البعث كانوا أعضاءّ جدد ولم تكن لديهم الخبرة الحزبية وكثيرون منهم كانوا طلاباّ.

2)غياب البرنامج العملي استعداداّ للانتخابات وقبل بدئها.

3)غياب التعاون مع الأحزاب، والتيارات السياسية الأخرى، ومخاوف الأحزاب الأخرى من البعث([53([.

ويضاف إلى الأسباب المذكورة أن الريماوي فتح باب العضوية على مصراعيه في محاولة لمواجهة الزعامات المعتدلة التي كانت تؤيدها الفئات غير الملتزمة عند الانتخابات وقد ورثت هذه الزعامات النفوذ المحلي والزعامة الموروثة، أو العلاقات الشعبية التي كسبتها من العمل المهني أو وظائف الدولة وينطبق الحال على البعث والشيوعيين والقوميين العرب الذين فاز منهم أصحاب الأوضاع المذكورة([54([.

6) علاقة القيادة القطرية في المملكة الأردنية بالقيادة القومية لحزب البعث في دمشق

نبعت العلاقة بين البعث في الأردن وفلسطين وقيادته القومية، من القاعدة الفكرية المشتركة ومن طبيعة تسلسل المراتب الحزبية، والتي تقوم على أساس اعتبار القيادة القومية، أعلى سلطة تنفيذية. وتعمل القيادة القومية على توجيه ومراقبة منظمات وفروع الحزب، في جميع الأقطار تقبل أو ترفض الاندماج مع تكتلات سياسية أخرى، أو التعاون مع الأحزاب الأخرى، أوالاشتراك في الحكم أو الدخول في الانتخابات النيابية، أو المشاركة في المؤتمرات العربية والدولية. أ ما صلاحيات الأمين العام فهي أيضا كبيرة أنها نفس صلاحيات القيادة القومية([55([.

تضم القيادة القومية لحزب البعث أعضاء يتم انتخابهم في مؤتمرات البعث القومية التي تعقد بعد أن توجه القيادة القومية دعوات إلى أعضاء القيادات القطرية ويراعى في اختيارهم أن لا يزيد عدد ممثلي كل قطر عن ثلاثة أشخاص، وبموجب المؤتمر القومي يتقرر انتخاب الأمين العام وانتخاب أعضاء القيادة القومية، ويشترط توافر جملة شروط في عضو القيادة القومية ومنها أن يكون قد مضى على عضويته في حزب البعث عشر سنوات متتالية، وان يتفرغ للعمل في القيادة القومية([56([.

تتولى القيادة القومية في حال غياب المؤتمر القومي مهمة رسم استراتيجية النضال للبعث بتعميم مواقفها، وتنسيق جهودها مع القيادات القطرية نحو توحيد الأمة العربية وتنظيم ارتباط الحزبيين خارج الوطن العربي ومن مهمات القيادتين القومية والقيادات القطرية العمل على تنسيق الإطار التنظيمي ويقوم على طاعة المراتب الدنيا للمراتب العليا حسب المركزية الديمقراطية التي عمل بها الحزب، ومن حق القيادة القومية حل القيادات القطرية في حالة خروجها على مبادئ البعث، وتعيين قيادات قطرية مؤقتة لحين إجراء انتخابات([57([.

لم يكن أعضاء القيادة القومية في وحدة فكرية تامة، وكثيراً ما جرى إبعاد بعضهم بسبب خلافاتهم مع القيادة القومية وعلى رأسها طرد الأمين القطري الأردني عبدالله الريماوي ومجموعته، كما حدث في المؤتمر القومي الثالث 1959، وفي المؤتمر القومي الرابع 1960، طرد فؤاد الركابي أمين عام القيادة القطرية في العراق وفي المؤتمر القومي الخامس 1962 صدر قرار بشطب القيادة القطرية السورية وطرد أكرم الحوراني ومجموعته وتم تعيين لجنة ثلاثية عراقية لإعادة تنظيم حزب البعث في سوريا([58([.

في ضوء ما تقدم فإن على القيادة القطرية في الأردن وفلسطين ومنها فرع غزة أن تنسق سياستها الاستراتيجية مع القيادة القومية في دمشق، وينبع هذا من النظرة القومية الشمولية التي يتميز بها البعث في نظريته وبناءه التنظيمي.

7) تسلسل المراتب التنظيمية في حزب البعث

يتدرج التنظيم الحزبي البعثي في فلسطين، حسب النظام الداخلي للحزب، و تعتبر الخلية الحزبية أدناها مرتبةً في سلم الهيكل التنظيمي والمراتبي للحزب في مختلف الأقطار التي يتواجد فيها حزب البعث وتعتبر أعلاها مرتبةً القيادة القومية، وعبر هذه المراتب وتسلسلها يبدأ تجنيد الأشخاص للحزب.

تتدرج هيكلية الحزب، وتنظيمه من الأدنى إلى الأعلى في تنظيم هرمي ويضم الخلايا وكل خلية تضم (3ـ7 )أشخاص، وللخلية مسؤول، وهي أدنى وحد ة تنظيمية، ومهمتها نشر أفكار الحزب ومبادئه، وتعقد اجتماعات دورية، وتشترك عدة خلايا من بين (3ـ7خلايا ) لتكون فرقة حزبية، وتعلوها مرتبة الشعبة، والتي تتكون من 2ـ9 فرق ويعلوها في المرتبة فرع الحزب، وهو عبارة عن اشتراك فرقتين أو أكثر. ومن مجموع فروع الحزب التي لا تقل عن فرعين تتكون القيادة القطرية. تتألف القيادة القطرية من واحد وعشرين عضوا، كحد أقصى في القطر الذي يحكمه الحزب ومن بين 13 عضوا، كحد أقصى في ظروف العمل السري. وهذه هيكلية التنظيم الحزبي في فلسطين والأردن في عام 1957 كما تحددها اللوائح الداخلية، وسير العمل الحزبي في حينه، وقد وصل تنظيم حزب البعث في المملكة الأردنية الهاشمية إلى مستوى قيادة قطرية، يمثلها عبدالله الريماوي في عضوية القيادة القومية، بينما وصل البعث في غزة إلى مستوى قيادة فرع، وهي أقل مستوى من القيادة القطرية، وترتبط بالقيادة القومية مباشرة في سوريا، ويشاركها فرع الطلاب في مصر، ولا ترتبط قيادات البعث في قطاع غزة والضفة الغربية برباط هيكلي في حينه، وهذه صورة لما قام عليه التسلسل الهرمي آنذاك كما يوضحه الشكل الآتي([59]):

تسلسل الهيكل التنظيمي في حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين والأردن

ملاحظة: الفرق والخلايا المنبثقة عن شعبة نابلس والخلايا مجرد مثال، وينطبق هذاالمثال على جميع الشعب المدونة أعلاه.

لقد بلغ حزب البعث في الضفتين الغربية والشرقية، من القوة بحيث كانت له قيادة فرع سنة 1952. وعقد مؤتمرًا حزبيا عام 1953([60])، أما في قطاع غزة فهو لم يتعد " قيادة الفرع" حتى عام 1967، ولم يعقد مؤتمرات قطرية([61([.

ظ الريماوي في منصب الأمين القطري لحزب البعث في المملكة الأردنية منذ عام 1952 وحتى عام 1959، كما ذكر سابقا.

طرد الريماوي بسبب انحيازه لجمال عبد الناصر، وحل محله الرزاز أمينا عاما حتى عام 1965. حيث شغل منصب أمين عام حزب البعث بدلا من ميشيل عفلق([62([.

أما في قطاع غزة ومصر فقد تكونت قيادة فرع، وكان أمين السر علي مختار المسؤول عن الطلاب، بينما كان مسؤولاً عن شعبة غزة عضو قيادة الفرع وفا الصايغ، وهو مسؤول القطاع بأكمله وأعطيت قيادة المنطقة الوسطى. وقيادة خان يونس، لمصطفى أبو مدين، وتكون فرع غزة من شعبتين إحداهما في غزة، والأخرى في خان يونس([63([.

وفي عام 1959، أصبح صدام حسين مسؤول قيادة تنظيم غزة، وتنظيم الحزب في دول شمال أفريقيا العربية، وتنظيم الحزب في السودان ومصر([64([.

8)علاقة حزب البعث بحكومتي الأردن ومصر حتى عام 1958

سلك حزب البعث في علاقته مع النظام الأردني منهج المعارضة الذي انتقد تصرفات الحكومة، وهاجم نهج ملك البلاد.

بدأت المعارضة في عهد الملك عبد الله، وتمثلت بانتقاد سياسته عبر " صحيفة البعث" التي حررها الريماوي وضمت نعواس، وكمال ناصر([65([.

وفي شرق الأردن صدرت صحيفة الميثاق في عام 1948، كصحيفة أسبوعية على يد بعض عناصر المعارضة الفلسطينية والأردنية، وشنت كلاهما حملات عنيفة على السياسة البريطانية في الشرق الأوسط([66([.

كانت صحافة البعث صريحة في معارضة النظام سواء أكانت البعث أوالجيل الجديد، وهي تهاجم* ملك البلاد في مناسبات عديدة([67([.

بعد اغتيال الملك عبد الله في 20 تموز 1951، شهد الأردن فترة انتقالية في الحكم، وفي السادس من أيلول، تسلم الأمير طلال السلطة في البلاد، خلفا لوالده، وقوبل بترحاب مجلس النواب والشعب وعهد إلى توفيق أبي الهدى بتشكيل وزارته التاسعة([68([.

وقد صرح أبو الهدى بأنه لن يمس التكتلات السياسية، وسيعيد النظر في سياسته ولن يشتط في تطبيق أحكام قانون الدفاع الأردني، وأن لا يبالغ فيالاعتقالات وأن يقوم بتطهير الجهاز الإداري([69([.

ولكنه نقض وعده، وتصرف بديكتاتورية، وعندئذ اتفقت المعارضة من مختلف التيارات السياسية على إسقاط حكومته، وإخراجه من مركز القدرة السياسية. قامت معارضة قوية داخل البرلمان وخارجه، وعقدت جلسة لمجلس النواب وقد تصدى النائب البعثي عبد الله نعواس لتوفيق أبي الهدى بانتقادات قاسية. ففي جلسة مجلس النواب التي عقدت في 11 تشرين الثاني/ اكتوبر 1952 هاجم عبدالله نعواس و مؤيديه من النواب رئيس الوزراء، وأنقسم المجلس النيابي، وتشكلت كتلة معارضة، وأنسحب من الجلسة 17 نائبا من بين 40 نائبا([70([.

وتبلورت أفكار المعارضة بتقديم مطالب وهي:

إقالة السيد توفيق أبي الهدى و تعديل الدستور، وجعل الثقة الوزارية بالأكثرية العادية والمطالبة بإلغاء القوانين الاستثنائية، وتعديل قانون الدفاع وإخراج المعتقلين من السجون وإحالتهم للقضاء ومحاربة الغلاء والبطالة، و المحافظة على حقوق اللاجئين، وحمايتهم من استبداد، وكالة الغوث، و المطالبة بتطهير الجهاز الإداري. وقررت المعارضة البرلمانية تبني المطالب الشعبية، وتقرير مبادئ ثابتة تلتف حولها، و تكوين مكتب يتألف من السادة: ـ عبد القادر الصالح،و هزاع المجالي، وأنور الخطيب،ويوسف عباس عمرو،وعبد الله الريماوي ،وعبد الفتاح درويش([71([.

واستمرت المظاهرات في مدن المملكة مطالبة باستقالة الحكومة، فعمد إلى اعتقال وسجن المتظاهرين وتهديد النواب، وحاول أبو الهدى سن قانون للتطهير الإداري ولم ينفذه([72([.

وأدى مرض الملك إلى غياب دوره، وإلى إعفائه من ممارسة سلطاته الدستورية التي انتهت في 11 آب / أغسطس 1952، وتسلم الملك الشاب الحسين بن طلال مقاليد الحكم والذي أتم الثامنة عشرة من عمره في الثاني من أيار/ مايو 1953 وأدى اليمين الدستورية، وكلف السيد فوزي الملقي تشكيل حكومة جديدة([73([.

وفي السنة الأولى من حكم الحسين قامت اسرائيل باعتداء حدودي كبير خارقة اتفاقية الهدنة بهجومها على قرية قبية* من قرى محافظة رام الله، مما شكل سببا ً في النقمة الشعبية الىالحكومة الأردنية والضباط الإنجليز، وغذى المعارضة بمطالب محددة وواضحة، كالمطالبة بتسليح الحرس الوطني، وطرد الضباط الإنجليز.

بسبب هذه الجريمة أنفجر الغضب الشعبي والرسمي، وقامت المظاهرات في القدس، عمان نابلس، و رام الله، واربد، وهوجم المجلس الثقافي البريطاني، ومكاتب النقطة الرابعة في عمان. وقوبل قادة الجيش البريطاني بهجوم لاذع، وانتقاد لدور قيادتهم البريطانية المسيطرة على الجيش الأردني، وطالبوا بإسقاط سيطرتهم، وعلى رأسها الفريق كلوب باشا([74([.

اهتم حزب البعث بجريمة قبية التي ارتكبها العدو الصهيوني، وكشف التقصير الشديد في تأمين الدفاع عن الحدود، وحرك التظاهرات الداعمة لشعاراته المرحلية، ومنها تحرير الجيش وطرد كلوب باشا، ثم رفضه لزيارة تمبلر ومحاولته ربط الأردن بالأحلاف الأجنبية([75([.

تبع هذه الأحداث رفض مجلس النواب منح الثقة بوزارة توفيق باشا أبو الهدى والذي اصدر سلسلة قرارات تقيد وتمنع صدور الصحف ولمدة ستة شهور، ومنها اليقظة (صحيفة البعث ) والكفاح( يحيى حمودة وإبراهيم بكر) والميثاق (صحيفة الحزب الاشتراكي )، والعهد الجديد وصوت الشعب([76([.

ظل البعث في جبهة المعارضة ضد النظام الأردني، وكانت مجمل مواقفه تحارب تزوير الانتخابات، واندفع الحزب في اتجاه المعارضة العلنية كما أن مواقف قادته تميزت بالجرأة والصراحة والوضوح في نقد الحكومة وسياساتها وقد أوضح البعث مطالبه في برنامجه، والتي جسدها مؤتمره القطري في أيار/ مايو1954 على النحو الآتي:

1ـ تعديل قانون الدفاع، وإطلاق الحريات إطلاقا كاملا.

2ـ وضع قانون انتخابي تقدمي.

3ـ فصل الشرطة والدرك عن الجيش.

4ـ مهاجمة المعاهدة الا نجليزية الأردنية، كخطوة فعالة في سبيل العمل على إلغائها.

5ـ إبراز الوحدة العربية كضرورة قومية، وكحل للخلاص من المعاهدة البريطانية الأردنية وتحرير الأردن.

6ـ مقاومة تصفية القضية الفلسطينية أو التفاوض مع اليهود ومقاومةالاستيطان ورفض الصلح مهما كانت الصور والأشكال([77([.

أما موقف البعث في فلسطين و رؤيته وتحليله لنظام عبد الناصر فقد نبع من تحليل القيادة القومية للبعث ونظرتها في بداية الأمر، التي كانت تؤمن بالثورة والنضال الشعبي في الوصول إلى الحكم وعدم جدوى الانقلابات العسكرية، لما حملته من مخاطر ديكتاتورية، وتسلط نظام الفرد وكان لتجربة حزب البعث وترحيبه بانقلاب حسني الزعيم وثبات عدم صحة رأيه أثر في حذره من انقلابات العسكريين التي تتناقض مع العمل الشعبي.

ففي الثلاثين من آذار/ مارس1949، قام حسني الزعيم بانقلاب عسكري باركه الشعب وتوسم فيه خيرا، وكذلك كان موقف البعث الذي راح يتقرب من الزعيم ويعرض عليه برنامجه الإصلاحي، ويرفع له مذكرات، أكدت على ضرورة تشكيل جبهة سياسية تمنع قائد الانقلاب من التفرد في السلطة([78([.

ورفع البعث بيانا يشرح فيه مطالب البلاد والأوضاع الراهنة وانحرافات العهد الجديد وأوكلت إلى عضو في حزب البعث صياغته، ومن ثم تسليمه إلى حسني الزعيم قائد الانقلاب وتوزيعه كمنشور ووقع عليه قادة البعث يومئذ*، فاعتقلهم الزعيم ومعهم عدد كبير من الحزبيين، وعوملوا بشتى الإهانات وتعرضوا لشتى وسائل التعذيب([79([.

وقام سامي الحناوي بانقلاب آخر على الزعيم في 14 آب/ أغسطس 1949 ثم تلاه انقلاب أديب الشيشكلي الذي أمسك بالسلطة، وحل الأحزاب ومنع الصحف من الصدور، و أطلق العنان لحركة التحرير العربية لأن تعمل بإسمه([80([.

إزاء هذه التطورات، وقف البعث من انقلاب 23تموز/ يوليو 1952 في مصر موقف الحذر. وبعد أن وقّع عبد الناصر اتفاقية الجلاء مع بريطانيا عام 1954، والتي تنص على تأمين قواعد في قناة السويس لبريطانيا في حالة تعرض بريطانيا للخطر في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا علقت القيادة القومية في نشرتها السرية لفروع الحزب في الوطن العربي "النضال ضد الإقطاعية لا يمكن أن يتم بدون دعم القوى السياسية المنظمة في إطار نظام ديمقراطي، ودعا البعث الحكم في مصر بعد الإطاحة بالملكية إلى إقامة نظام دستوري ديمقراطي، ودعا أنصاره وأعضاءه لتعبئة الرأي العام العربي ضد الدكتاتورية والتي نكلت بالقوى الشعبية"([81([.

جرى في عام 1954 تبادل الزيارات بين المسؤولين المصريين ورجال الحكم في العراق فانتقد البعث إقامة علاقات مع الحكم العراقي، ووصف النظام المصري بالدكتاتوري، وأنه نظام يتعارض مع الشعب، وبين البعث أهمية إطلاق الحريات، وإفساح المجال للهيئات والمنظمات الشعبية، وأوضح أن من لا يؤمن بالشعب لا بد أن يلجأ للأعداء وأن الولايات المتحدة تسند وجوده كنظام ديكتاتوري وشككت في الهالة التي تظلل النظام من قبل الاستعمار الذي "مهما حاول إظهار هؤلاء الضباط الأغرار بمظهر الأبطال الأحرار الا أن زيف الحكم يظهر زيف بطولته"([82([.

لكن هذا الموقف العدائي والحذر في التقرب من عبد الناصر تحول نحو مطالبة حكومة الأردن بالدخول في وحدة مصرية سورية أردنية، ودون شروط، وأخذ يطالب حكومة الأردن بالحصول على المعونة العربية بدلاً من المعونة البريطانية، وكان ذلك التوجه قد ظهر مع بداية نيسان عام 1955، حيث قام النظام المصري بتوقيع اتفاق تجاري مع الاتحاد السوفيتي، وعقد صفقة أسلحة مع تشيكوسلو فاكيا، ثم اتفاقية تعاون متبادل مع سوريا والسعودية في أواخر تشرين أول/ نوفمبر لمواجهة الضغوط الغربية الناجمة عن حلف بغداد([83([.

هذه التطورات جعلتهم يصفون نظام عبد الناصر نظاما قوميا تحرريا وتقدميا ودعا على أثر ذلك حزب البعث، والحزب الوطني الاشتراكي إلى جمع التبرعات لتسليح الجيش المصري. ولأن مصر ستحقق إرادة الأمة العربية، وهو ما دفع تقارب البعث مع عبد الناصر، ومعارضة الطرفين لحلف بغداد، حيث زار الرئيس التركي الأردن والعراق عام 1955، وسعى إلى ضم الأردن إلى حلف بغداد، وفي كانون الثاني وصلت بعثة الجنرال البريطاني تمبلر على رأس وفد كبير، واقترح أن يكون الانضمام إلى حلف بغداد على حساب الاتفاقية الموقعة بين بريطانيا والأردن عندها أخذت الأجهزة المصرية الإعلامية بمهاجمة الحلف معبرة أنه مكيدة في حين رفع البعثيون توقيعات وعرائض وقدموها للملك حسين، وتظاهروا ضد الزيارة في مدن المملكة الأردنية الهاشمية([84([.

وقام جمال عبد الناصر بسلسلة خطوات على رأسها قرار تأميم قناة السويس، الذي بعث الحماس في نفوس الجماهير العربية، وفي فلسطين والأردن نشر البعث بياناً بهذه المناسبة معلناً احتفاله بالحدث التاريخي، وقام برفع صور الرئيس جمال عبد الناصر، وتقدم قادة البعث الجماهير بمسيرات، وجرت تظاهرات شعبية في القدس ضمت المئات معلنة تضامنها مع الحكم المصري بقيادة عبد الناصر، وفي طليعة صفوفهم كل من بهجت أبو غربية، وعبد المحسن أبو ميزر، وعّمت مدن الخليل، ورام الله وطولكرم، ورددت شعارات تطالب بإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية، وهتفت الجماهير بعبارات مناوئة للإمبريالية وفيها كان التعاون واضحا بين البعث والحزب الشيوعي رغم أن لكل منهما شعارات خاصة به([85([.

وفي أوائل أيلول / سبتمبر 1956 وقبيل انتخابات البرلمان، عبّر قادة حزب البعث عن إعجابهم بخطوة التأميم، التي قامت بها مصر وخطوة الحسين في تعريب الجيش، وطرده كلوب باشا. ألقى حمدي التاجي الفاروقي وعبد الله الريماوي، خطابين أمام الجماهير المحتشدة وقد امتدح الفاروقي الحسين لقيامه بخطوته الجبارة في تعريب الجيش الأردني، وطرد كلوب باشا، و انسجاما مع رغبات الشباب، وامتدح جمال عبد الناصر على تأميمه القناة وطالب الملك بإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية وقبول المعونة العربية. و في خطابه عبر عن لسان الجماهير العربية المؤيدة لجمال عبد الناصر لما قام به من تأميم لقناة السويس والتي هي ملكية خاصة بمصر، ومما قاله أن " قناة السويس مصرية حفرت بأيدي عربية، وماؤها عربي، وشواطئها عربية، وسمكها وترابها، وأن العرب يؤيدون مصر من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب "([86([.

أما عبدالله الريماوي فقد ألقى خطابا أشار فيه إلى التآمر على قضية فلسطين وطرد "الطاغية الملك فاروق" وأوضح أن الاستعمار يحيك الدسائس، والمؤامرات ليس لحكومة مصر التي أممت قناة السويس وحدها، وإنما لدول عربية أخرى، وأوضح الريماوي أن قادة البعث يحبون جمال عبد الناصر، لأنه يكره الزعيم البريطاني ايدن، وحذر حكومة الأردن، و أي شخص مسؤول فيها إذا استعملت القواعد العسكرية البريطانية في عمان والمفرق في خدمة بريطانيا([87([.

لم يقتصر التعاون وتقارب الأفكار بين البعث وعبدالناصر في الضفة الغربية ففي غزة التي خضعت للحكم المصري عام 1948حيث أدار الضابط المصري مصطفى حافظ عمليات التسلل الفدائي ضد اسرائيل منذ آذار / مارس 1954، والتي شارك فيها الشباب البعثي([88([.

ونال البعث في غزة حرية العمل التي منحتها له أجهزة الحكم المصري، وكان أقرب الأحزاب إلى النظام المصري إلى الحد الذي لم يميز فيه البعثيون مواقفهم عن مواقف النظام المصري القومية([89([.

حقق البعث نجاحا بفعل الدعم الذي قدمته مصر، وساعدت الحرية المنوحة له في قطاع غزة على توسيع قواعده بين عامي 1958 ـ 1961، و تم التعاون بين قادة البعث والقيادة المصرية، و تأسست "جبهة المقاومة الشعبية " أيام الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والتي ضمت إلى جانب البعثيين والأخوان المسلمين، وكانت هناك جبهة أخرى من الشيوعيين وأصدقائهم دعيت باسم "الجبهة الوطنية "، وتمت اتصالات بين الجبهتين لتوحيد جهودهما وانتهت بالفشل بسبب خلافهما حول الموقف من العلاقة مع الشيوعيين في إسرائيل([90([.

ويذكر أحد قادة البعث أن كمال رفعت وزير الدولة للشؤون العربية قدم لقيادة فرع حزب البعث أموالاً ومواد مطبوعة، وعملات اسرائيلية مزيفة، وجرى عمل مشترك لتفعيل دور المقاومة وديمومة عملها، ونظرا لعدم معرفة البعض بأسباب هذه العلاقة اتهم وفا الصايغ بالعمالة للمخابرات المصرية([91([.

ومن صور التعاون الأخرى أن فرع البعث في غزة كان بمثابة حلقه الوصل بين نظام الحكم المصري، وحزب البعث في الضفة الغربية بقيادة الريماوي،وسبب قرب قطاع غزة من مدينة ؛ لذا تم إدخال كميات من الأسلحة عبر منطقة خط الهدنة غربي الخليل الخليل، وتعاون في ذلك قادة البعث ، ومنهم : مخلص عمرو ،وعبدالله الريماوي، ووزير الشؤون العربية في الحكم المصري كمال رفعت، ومرت الأسلحة من بيارة وفا الصايغ مسؤول قيادة فرع غزة([92([.

وعلى أثر ذلك تم اعتقال مخلص عمرو في 3 آب/ أغسطس 1958، و استشهد من آثار التعذيب بعد عامين([93([.

ولقد اتهم عدد من قادة وأعضاء حزب البعث في المملكة الأردنية الهاشمية بمحاولة إسقاط الحكم الأردني، وجمع السلاح لهذا الغرض، وتعرض عدد منهم للتعذيب الشديد*([94([.

كانت مواقف مصر في كفاحها ضد الاستعمار تدفع باتجاه قيادة مصر للعالم العربي ؛ لكونها أصبحت عموداً فقرياً للنضال القومي العربي، وقد شجع البعث هذا التوجه ايماناً منه أن مصر تحتل دورا خطيرا في المنطقة، وقد أسهمت الهبات الشعبية العربية، وتظاهرات الجماهير المؤيدة للحكم المصري في فلسطين وسورية والأردن؛ في أن تمضي الثورة المصرية في حماسها للاتجاه القومي([95([.

كان من نتائج المواقف الثورية للنظام المصري والتي تكشفت يوما بعد يوم أن زاد الحاح البعث في سوريا على الاتحاد مع مصر. ففي هذا السياق نشر عفلق ما يزيد عن 15 مقالة تطالب مصر بالوحدة مع سوريا، التي اعتبرت مصر محوراً مهما للوحدة العربية فضلاً عن استهداف الغرب لمصر عبد الناصر([96([.

هكذا أصبح المناخ مهيئاً للوحدة المصرية السورية، التي سيبذل البعث دوراً مهما في تحقيقها، وسيضحي حزب البعث بحل نفسه في سوريا ومصر من أجلها.

الفصل الثالث

أوضاع حزب البعث بين عامي 1958ـ 1967

1)موقف حزب البعث في فلسطين تجاه الوحدة المصرية ـ السورية 1958 ـ 1961

2) تأثير خلاف الريماوي مع عفلق على حزب البعث في فلسطين

أـ تأسيس القيادة القومية والقطرية الثورية

ب ـ دعوة الريماوي لتكوين الحركة العربية الواحدة

3) علاقة حزب البعث بنظام الحكم الأردني بين عامي 1960ـ 1967

أ ـ علاقة البعث بالنظام الأردني بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة

ب ـ نشوء الكيان الفلسطيني ومنظماته وتأثيرها في علاقة حزب البعث بالنظام الأردني .

ج ـ موقف البعث في فلسطين من الحكومة الأردنية ُبعيد أحداث السموع

د ـ الأوضاع التي قادت إلى انقلاب23 شباط 1966 في سوريا، وتأثيرها على حزب البعث في فلسطين

1)موقف حزب البعث في فلسطين تجاه الوحدة المصرية السورية 1958-1961

شهدت سوريا ومصر بين عامي 1958 – 1961، قيام أول وحدة عربية في القرن العشرين، التي جاءت بعد سلسلة تطورات داخلية وخارجية مرت بالقطرين العربيين مصر وسوريا، وكذلك توثيق عرى العلاقات بينهما، التي تعزى إلى مجموعة عوامل، وكان أبرزها: ـ أولاً: صعود التيار القومي الوحدوي العربي الاشتراكي في القطر السوري، الذي كان ثمرة الوحدة بين حزب البعث العربي بقيادة عفلق وصلاح البيطار، والحزب العربي الاشتراكي بقيادة الحوراني، وقد عزز من وحدة الحزبين الاضطهاد السياسي الذي مارسه أديب الشيشكلي ضدهما، و هكذا تشابهت أوضاعهما مما مهد الطريق لوحدتهما فيما بعد، والتي تجاوبت إلى حد كبير مع مواقف البعث، كما أن شعبية الحوراني في ريف حماة شجعت البعث على استقطاب هذه القاعدة الشعبية([97([.

وبعد أن نجح البعث بإسقاط الحكم العسكري في سوريا، وفي يوم 25 شباط 1954 بادر الضابط البعثي مصطفى حمدون إلى توجيه بيانه، وطلب فيه من الشعب الدفاع عن شرفه وحمل السلاح وأثمر التململ الشعبي في نجاح الانقلاب([98([.

أدت هذه التطورات إلى نجاح البعث في الانتخابات الشعبية، وسجلت نتائجها نجاحا لحزب البعث الذي فاز ب16 مقعدا في البرلمان من بين 140 مقعدا، وكان من بين الفائزين أكرم الحوراني الذي تمتع بشعبية في مدينة حماة([99]) إلا أنها سجلت تراجعا في شعبية الأحزاب التقليدية المؤيدة للعراق الهاشمي ومنها: الحزب الوطني، وحزب الشعب، ونجح أكرم الحوراني في استلام منصب رئيس مجلس النواب ونجح شكري القوتلي في استلام منصب رئيس الجمهورية، وسقط منافسه خالد العظم في18 آب / أغسطس 1954([100([.

ثانيا: أسهمت شعبية جمال عبدالناصر وصعودها على المستوى القومي العربي في جذب اهتمام البعث في سوريا بخطواته السياسية، وظهر بطلاً ورمزاً قوميا للأمة، وذلك بسبب قرار التأميم التاريخي لقناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر ثم أن الشعب منحه ثقته وإرادته بعد منجزاته في ضرب الإقطاع وجشع المستغلين و تجسيد التيار العربي الثوري([101([.

ثالثاً: لقاء البلدين مصر وسوريا ،بعد زوال الاستعمار وتطهير البلدين منهما، ناهيك عن أصالة القومية العربية وجذورها العميقة في نفوس العرب،ونضوج الوعي القومي العربي وتفهمه للأحداث التي تمر بها الأمة العربية تفهما صحيحا، وسياسة الحياد الإيجابي التي سار عليها البلدان في السياسة الخارجية، وابتعادهما عن سياسة المعسكرات العربية التابعة للعائلات المالكة، وشعورهما بالخطر الصهيوني المشترك للبلدين، والتآمر الاستعماري المتمثل بالأحلاف، ومنها: حلف بغداد ومبدأ أيزنهاورالاستعماري([102([.

أمام صعود شعبية عبدالناصر، وبروز دور مصر القومي العربي، أخذ ميشيل عفلق يكتب المقالات، ويلقي التصريحات التي تثني على موقف عبدالناصر، وتشدد على أهمية اتحاد مصر وسوريا بعد لقائهما السياسي والثوري، وتغيرت نظرة البعث لنظام عبدالناصر الذي كان يوصف بأنه نظام عسكري ديكتاتوري فردي، وقد بين عفلق أسباب التغير وهي: ـ

أن النظام المصري كانت تشده القوى الانعزالية في مصر، و أسهم منطق الانقلاب الثوري العربي في تحويل نظرته، فقضية فلسطين تشد مصر دوما إلى الجسم العربي، والإصلاح الداخلي أعطى مزيدا من الثقة والجرأة في مكافحة الاستعمار في الإطار العربي والعالمي و أسهم مؤتمر باندونغ في استكمال التوجه الذي سارت عليه سوريا قبل سنوات، ثم أنه لو لا ضغط الجماهير، والهبات الشعبية في الأردن وسوريا لأمكن أن تتخذ الثورة مساراً آخر([103([.

رابعاً: أدى غياب الانسجام والوحدة الفكرية التامة بين قادة البعث إلى تحليقهم حول عبدالناصر فرغم صعود جماهيرية حزب البعث بفعل الوحدة الاندماجية التي حققها اندماج الحزب العربي الاشتراكي في البعث، إلا أن المواقف، والرؤى، والتحليلات السياسية كانت مختلفة، ومثلها التصريحات الصحفية والإعلامية، حتى أن عفلق أظهر استياءه من السلوك السياسي لأ كرم الحوراني في أكثر من مناسبة وكان مصدر الاختلاف نابعا من اختلاف التفكير بين عفلق " المثالي " الرافض لقذارة السياسة ومغرياتها، و اكرم الحوراني السياسي" العملي " الذي يوصف سلوكه بالنفعي وبالمناور، ويضاف إلى ذلك إفلاس السياسيين، وفشل العسكريين في تسيير دفة الحكم، وتنافر الأحزاب، وتباعد النظريات([104([.

خامساً: ساد شعور مشترك لدى ضباط البعث وعبدالناصر أن خطرين يحيطان بسوريا، وهما خطر خارجي يتمثل في حلف بغداد، و الخطر الشيوعي الداخلي المحدق بسوريا والفوضى السياسية الداخلية، وما يخطط له عفيف البز ري، وخالد بكداش من مؤامرة انقلابية لاستلام الحكم وأن تحقيق الوحدة بزعامة جمال عبدالناصر تفويت لهذه المؤامرة([105([.

تبادل المسؤولون في القطرين المصري والسوري الزيارات بينهما، وزار محمد أنور السادات رئيس البرلمان المصري في 17 تشرين الأول / أكتوبر 1957 سوريا وجرت محادثات مشتركة حول توحيد القطرين، وقد قابل السوريون مشروع الوحدة بحماس منقطع النظير، ويفوق اندفاعية المصريين الذين اظهروا التريث([106([.

وحرص الحوراني على إبراز مظاهر حفاوة وترحيب الشعب السوري الذين خرجوا بالآلاف وحمل رجال المقاومة الشعبية سلاحهم وقاموا بعرض عسكري أمام الوفد المصري وحمل المتظاهرون أنور السادات على الأعناق ورفع البعث شعاراته مثل: (عاشت وحدة مصر وسورية)، ( لا حياة للعرب الا بوحدتهم)، وكذلك فعلت حركة القوميين العرب في شعار (عاش نضال الشعب العربي في سبيل الوحدة والتحرر والثأر)([107([.

في يوم 21 كانون ثاني / يناير 1958 أقلعت طائرة تقل وفدا عسكريا من سوريا مكون من أربعة عشر ضابطاً من رؤساء القوات المسلحة من بين 24 عسكريا يشكلون المجلس العسكري في سوريا وتبعهم صلاح الدين البيطار، وفوجئ عبدالناصر بقدومهم، جاءوا يطلبون الوحدة الفورية واستغرب عبدالناصر استعجالهم وكان له رأي في الوحدة وأن مصر بحاجة إلى خمس سنوات لتحقيق الوحدة فشرحوا له المخاطر التي تمر بها سوريا ومنها تربص قادة وحدات الجيش بعضهم ببعض والأسلحة التي يهربها حلف بغداد إلى سوريا، وعن نشاط خالد بكداش الذي حول حي الأكراد إلى ثكنة مسلحة والتحركات التركية على الحدود السورية([108([.

كان السوريون والبعثيون منهم خاصة يستعجلون الوحدة مع مصر، وكأنه لا وقت لديهم لدراسة شكل وطبيعة الوحدة، وربما رأوا فيها الفرصة الذهبية لتطبيق مبادئهم.

توج السوريون جهودهم، بعقد اجتماع مجلس النواب بحضور الأكثرية فيه وعقد مجلس النواب السوري يوم الأربعاء 5 شباط / فبراير1958 برئاسة أكرم الحوراني، وألقى شكري القوتلي كلمة تاريخية ربط فيها بين نضال الحركة القومية العربية في سوريا منذ أوائل القرن في سبيل الوحدة ونضال الحرية، وبين أن الشعب السوري أعلن الجهاد باسم الله والعروبة، وأن الثورة السورية التقت بروافد الثورة العربية وكان لا بد لمصر أن تدخل معركة الحرية، وتلتقي مع سوريا التي تفيئا بظلالها القطرين وكانت الحرية سبيلا لربط مصير البلدين العربيين برباط الوحدة العربية الجامعة ثم بمبادئ الحياد، وعدم الانحياز([109([.

وأعرب في نهاية خطابه عن استعداده التخلي عن منصبه، والتضحية من أجل الوحدة وأنه يتشرف بتسليم الراية للرئيس جمال عبدالناصر، واصفا إياه بالرجل المؤمن وأنه سيكون يوم 21 من شباط / فبراير أول المقترعين على الوحدة وانتخاب الرئيس القائد([110([.

قرر الرئيس السوري شكري القوتلي عن طيب خاطر تسليم اراية للرئيس جمال عبدالناصر وأن يكون يوم 21 شباط 1958 يوما للاستفتاء على الوحدة في القطرين العربيين مصر وسوريا وقد نالت الوحدة في الاستفتاء الشعبي في سوريا أعلى الأصوات وبعد يومين وصل ناصر إلى سوريا التي استقبلته بحفاوة بالغة، وهتافات شعبية لا نظير لها، وخطب في الجماهير، ووصف عبدالناصر سوريا بأنها قلب العروبة النابض، وهي حاملة لراية القومية العربية التي تنادي دائما بها([.111])

هتفت الجماهير السورية للوحدة العربية، ورددت شعارات(فلسطين عربية ) و( وحدناها وحدناها أرضا وسماها ) و(عاش بطل القومية العربية مؤمم القناة وقاهر العدوان )([112([.

اشترط عبدالناصر في محادثاته مع قادة البعث، حل الأحزاب السياسية في القطرين المصري والسوري، وقد أيد البعث ذلك، ورفض الحزب الشيوعي حل الأحزاب واتفق عبدالناصر والبعث على تكوين قيادة سياسية موحدة، وإبعاد الجيش عن السياسة نهائيا وشكلت وزارة كبرى من القطرين بلغت خمسين وزيرا، وأسس تنظيم الاتحاد* القومي([113([.

قابل حزب البعث في فلسطين والأردن الوحدة المصرية ـ السورية بالتأييد، وطالب بتحقيق الوحدة الاندماجية بين البلدين، وقد دعا حكومة الأردن إلى التعاون والارتباط الوثيق بالدول العربية التي تنادي بسياسة الحياد الإيجابي والتخلص من الاستعمار وعدم الارتباط بالأحلاف الأجنبية منذ عام 1956([114([.

واصدر حزب البعث، وحركة القوميين العرب في شباط 1959 بيانا باسم الكتلةالقوميةالاشتراكية حول الوحدة السورية ـ المصرية طالب فيه انضمام الأردن للوحدة معللاً أهمية الوحدة وهي: أن لها نتائج قومية ودولية بعيدة الأثر على مستقبل العرب جميعا وأن بقاء الأردن على أوضاعه الفاسدة الحالية يسيء إلى الحركة القومية ويعرقل سيرها([115([.

كان قادة البعث في فلسطين والأردن متحمسين للوحدة المصرية السورية والذين بدأت علاقاتهم الرسمية مع الحكومة المصرية منذ شهر آذار/ مارس 1955، حيث أدارت السفارة المصرية في الأردن في هذه الفترة العديد من العمليات، مثل أعمال التسلل داخل إسرائيل بهدف القيام بأعمال فدائية ضد أهداف إسرائيلية، وإنشاء علاقة مع زعماء المعارضة وعلى رأس هؤلاء عبدالله الريماوي حيث استخدمت هذه العلاقات فيما بعد لتجنيد خلايا من المتسللين، وخصوصا من أوساط اللاجئين([116([.

2) تأثير خلاف الريماوي مع عفلق على حزب البعث في فلسطين:

مرحزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1959، بظروف سيئة وصعبة عانى منها الحزب وهي مصاعب ألقت بظلالها على مسيرة الحزب إلى يومنا هذا.

كان من أبرز أزمات الحزب خروج عدد من قياداته من الحزب وعملها لصالح أجهزة الجمهورية العربية المتحدة كما هوالحال في خروج عبدالله الريماوي في الأردن وفؤاد الركابي في العراق، وكذلك حل تنظيمه في سوريا وظهور بوادر فشل الوحدة المصرية ـ السورية ونجاح المخابرات المصرية في تكوين أجنحة ناصرية في الحزب دون رغبة الأمين العام ميشيل عفلق، ثم تعرض البعث في العراق لاضطهاد سياسي ظهرت آثاره في مجازر ارتكبها نظام عبدالكريم قاسم في مدينة الموصل في الثالث عشر من آذار/ مارس 1959، وترحيل عدد من ضباط البعث في سوريا إلى مصر([117([.

بعد أن تسلم عبدالناصر رئاسة الجمهورية العربية المتحدة، قام بتسليم عبدالحميد السراج وزارة الداخلية، الذي راح يحكم قبضته على الحكم في سوريا، ويعمل على إضعاف حزب البعث، ويقرب فئات أخرى من موقع النفوذالسياسي والعسكري والاقتصادي([118([.

كان قادة البعث وعلى رأسهم عفلق، قد وافقوا على حل حزب البعث في القطرين السوري و المصري، معتقدين أن الاتحاد القومي سيكون الإطار المناسب لتجميع القوى السياسية في البلدين، وكانوا يأملون أن يكون البعث عموده الفقري الا أن شيئا من ذلك لم يتحقق، بل مارس الريماوي تأثيره وبادر إلى الاتصال بجميع البعثيين خارج الجمهورية العربية المتحدة، ونجح في كسب ثقة القيادات القطرية ومنها: قيادة العراق برئاسة فؤاد الركابي والقيادة اللبنانية برئاسة علي جابر. وقد ضايقت هذه الأعمال رفاق الريماوي ومنهم: كمال ناصر، وعبد المحسن أبو ميزر واحتار نعواس فيما يفعله مع صديق العمر([119([.

كانت نتائج انتخابات الاتحاد القومي في سوريا عام 1959 غير مرضية لقادة البعث فقد حصل مؤيدوه على 100 مقعد من بين 9445 مرشح، كما أن الحكومة شجعت الأحزاب التقليدية على مناهضة البعث، واحتجزت أكرم الحوراني، وصلاح البيطار في مصر بحجة تدارس الأوضاع، ومد السراج يد العون للأحزاب التقليدية، وسحبت الإذاعة من وزارة الإرشاد التي يديرها رياض المالكي([120([.

جاءت نتائج انتخابات الاتحاد القومي مخيبة لتطلعات البعثيين، حيث كانت خليطا من أشخاص ليس لديهم اتجاهات سياسية، مما جعل الاتحاد القومي عاجزا عن فعل شيء في سوريا، لأنه كان تجمعا للقوى والعناصر الطائفية والتجارية وملاك الأراضي. وزعماء العشائر، وكان خليطا ًمن عناصر يمينية ويسارية، وفشل بسبب ذلك([121([.

في هذه الأجواء شعر قادة البعث، وعلى رأسهم ميشيل عفلق، أن حزب البعث ضحى بنفسه وأنهى عمله كتنظيم شعبي لمصلحة الوحدة، إلى أن جاء الاتحاد القومي ليقذف دعاة الوحدة، وهذا ما دفع لإعادة التفكير في مسألة جدوى حل الحزب و العمل على تصحيح مسار الوحدة.

أخذ الريماوي يكثف جهوده و نشاطاته، للسيطرة على البعث خارج الجمهورية العربية المتحدة وقد لاقى الدعم من عبد الحميد السراج، و وضع الريماوي صيغة ثورية للتعامل مع عبدالناصر كقائد للحركة القومية العربية، وبينما كان الحوراني والبيطار يكتفيان بنقد الأوضاع، راح عفلق يستقبل البعثيين السابقين من خارج الجمهورية العربية المتحدة مبديا مخاوفه وتذمره مما يجري، والتقى به سعدون حمادي وجمال الشاعر اللذان بين لهما مخاطر مسلك الريماوي على البعث وعليه شخصيا، وبعد مداولات، خرج جمال الشاعر بقناعة أن قرار تأليف القيادة القومية خارج الجمهورية العربية أصبح جاهزاً للتوقيع بقيادة الريماوي وتضم الدكتور علي جابر، والأستاذ جبران المجدلاني من لبنان، و المهندس فؤاد الركابي من العراق، وبهجت أبوغربية، بالإضافة للمحامي عبدالله الريماوي من الأردن([.122])

عندها وجهوا دعوة لعقد اجتماع لتشكيل لجنة تحضيرية، كي تناط بها مهمة عقد مؤتمر قومي للحزب ووزعت الدعوة من قبل ميشيل عفلق، بصفته الأمين العام الوحيد لحزب البعث والغرض منها: ـ انتخاب قيادة قومية جديدة يستطيع ميشيل عفلق أن يسلمها أمانة البعث بعد عقد مؤتمر قومي شرعي، وهي صياغة تمنع عبدالله الريماوي من توجيه تهمة تراجع الحزب عن حل نفسه وتخريب الوحدة المصرية ـ السورية([.123])

بدأ التحضير لعقد المؤتمر القومي الثالث في بيروت، بعد لقاءات ومباحثات جرت بين ميشيل عفلق، وجمال الشاعر، وسعدون حمادي، وفي هذه اللقاءات نوقشت كيفية عقد لجنة تحضيرية للمؤتمر القومي الثالث على الأسس التالية: ـ

أولا: ـ على ميشيل عفلق أن يدعو إلى عقد اجتماع، بوصفه الأمين العام، ليسلم المسؤولية لمن يراه الحزب مناسبا.

ثانيا: ـ التباحث في وضع حزب البعث العربي الاشتراكي خارج الجمهورية العربية المتحدة([124([.

عقدت اللجنة التحضيرية المكونة من جمال الشاعر( الأردن)، جبران مجد لاني (لبنان) سعدون حمادي العراق، أحمد مطر(السعودية )، وغيرهم اجتماعها في شهر شباط/ فبراير 1959 في دمشق لمدة ثلاثة أيام، وكانت القيادات الرئيسة تمثل الأقطار التي حضرت منها. وتم بالإجماع الاتفاق على عقد مؤتمر قومي يناقش موضوع حل الحزب في مصر وسوريا، وعلاقة الحزب بالجمهورية العربية المتحدة ونظام عبدالناصر، وما يمكن أن يقوم من تنظيمات شعبية في الدولة الجديدة، وبرر عفلق قبوله بحل حزب البعث بأنه فوجئ أثناء اجتماعه بجمال عبدالناصر بطلبه حل حزب البعث، واشتراطه تحقيق الوحدة بين القطرين على هذا الأساس، وكانت مباحثات الوحدة في نهايتها، وهو ما لم يترك له مجالا للعودة إلى القيادة القومية أو المؤتمر القومي عملا بالنظام الداخلي للحزب، و اضطر أن يعطي الجواب في الجلسة نفسها([125([.

بين عفلق سبب موافقته السريعة على شروط عبدالناصر في تحقيق الوحدة بين مصر وسوريا بأنه فوجئ بهذه الشروط، ولم يكن بالإمكان الرجوع للقاعدة الشعبية للحزب بعد أن لاحت فرصة لمشروع وحدوي، وعلى البعث أن يثبت صدق إيمانه بالوحدة وتضحيته في سبيلها. كما أن الشيوعيين سيطروا على الشارع ومؤسساته وكان لابد من إيقاف المد الشيوعي في اقامة دولة الوحدة مع جمال عبدالناصر([126([.

عقد المؤتمر القومي الثالث سراً في بيروت في 27آب/ أغسطس ــ الأول من أيلول/ سبتمبر 1959 وحضر المؤتمر ممثلون عن التنظيمات الحزبية في الأردن، والعراق، وفلسطين، ولبنان، والخليج العربي، واليمن والمغرب، وتونس، وبعض الجامعات العربية والأجنبية، وكا ن أكثر المشاركين عددا من الأردن ولبنان، وبلغ عدد أعضاء المؤتمر مايزيد على واحدا و تسعين عضوا([127([.

كان الانقسام واضحا في هذا المؤتمر بين مؤيد ومعارض، وتخلل المؤتمر تشنج واضح ظهر بين عفلق والريماوي، وفيه تعرض عفلق لأوضاع الجمهورية العربية المتحدة، وحل حزب البعث، وانتقد أوضاع الوحدة وأ خطاء ها، بينما وقف الريماوي محذرا من إعادة تنظيم الأوضاع كما كانت عليه قبل قيام الوحدة، كما أنه عارض وجود عفلق في المؤتمر كأمين عام لحزب البعث، واعتبر وجوده تعديا صارخا على الوحدة، وحذرأبو غربية قبل انعقاد المؤتمر من محاولات إعادة نشاط حزب البعث في دولة الوحدة، والهجوم على الجمهورية العربية المتحدة ووقفت قيادة الحزب ضد هذا التيار الذي وصفته ب" الانتهازي والانحرافي والإقليمي "، والذي حاول استغلال غياب الحزب وزرع أقدامه ليدفع باتجاه استقلال التنظيمات القومية وجعلها تابعة لحكومة الجمهورية العربية المتحدة ومجرد صدى لها([128([.

ظل الريماوي يدافع عن فكرته القائلة: أن الوحدة قامت على مبدأ التنظيم الواحد ممثلا بالاتحاد القومي، وحل الأحزاب والارتفاع عن الأنانية([129([.

انسحب عبد الله الريماوي ومعه أكثر من ثلاثين أردنيا، ونجح ممثلو البعث اللبناني التحكم في انتخابات المؤتمر القومي، ورغم تعيين منيف الرزاز أمينا عاما للقطر الأردني الذي قبل الأمر على مضض، وقادت الأمور إلى تفتيت الحزب في الأردن([130([.

دار الخطاب والحديث في المؤتمر القومي الثالث في مسألتين مهمتين:ـ

الأولى: ـ تعديل النظام الداخلي لحزب البعث، بحيث يتقرر عدد أعضاء القيادة القومية الممثلين للأقطار العربية، بحسب حضورهم المؤتمر، وليس بحسب ترشيحهم من القيادات القطرية.

الثانية: ـ بحث العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة، وحل الحزب فيها([131([.

صدرت عن المؤتمر مجموعة قرارات، وأهم ما في المؤتمر أنه كرس الخلافات ووسع من شقة التكتلات، و أظهر عدم وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية، وخرج المؤتمر القومي الثالث بتكريس زعامة مؤسس الحزب ميشيل عفلق، و فصل الريماوي بسبب ممارساته ووصف سلوكه بأنه: " مغامر وفردي ويعمل لحساب مخابرات عربية، وفشل في تصريف السياسة الحزبية في الأردن، وأنغمس في مغامرات ومؤامرات عسكرية فاشلة، واهمل العمل العقائدي الشعبي مما قضى على سمعته وسمعة الآخرين داخل الحزب "([132([.

عكس طرد الريماوي آثاراً سلبيةً على مسيرة الحزب، حيث خرجت معه مجموعة من الأردنيين والفلسطينيين، وتأثر بموقفه بهجت أبوغربية، الذي قام بجولات عديدة استهدفت شرح الموقف للقيادات المختلفة، وليطلعهم على أسباب خروج الريماوي، ووصفت القيادة القومية هذه المحاولة بأنها تهدف إلى تحطيم الحزب، وجره خلف الريماوي ،وأن محاولة التخريب الواسعة شملت شُعب دمشق، والكويت ،وفرع الطلاب في القاهرة، وقيادات الحزب في قطر الأردن، وطرابلس في لبنان، وبينت أن مجموعة الريماوي حصلت على الدعم من جهات خارجية ومتمولة، وبينت أن من صور المؤامرة إعطائها صفة الخلاف الفكري، وأن أطراف المؤامرة تحاول " شراء ضعاف النفوس "([133([.

كما أن المؤتمر خرج بتشكيل قيادة قومية جديدة* مكونة من عشرة أعضاء على رأسها عفلق وصدر بيان يؤكد فيه على وحدة الحزب القومية، وترسيخ بنيته الداخلية، ويعلن مصادقته على حل حزب البعث في الجمهورية العربية المتحدة وعن رغبته في توثيق التعاون مع قادة الجمهورية، وقادة الثورة الجزائرية والحركات الشعبية في الوطن العربي([134([.

وخرج المؤتمر بالدعوة إلى وجود وحدات تنظيمية بعثية خاصة بالفلسطينيين في أماكن تواجدهم في سوريا ومصر، وقطاع غزة، وترتبط بالقيادة القومية مباشرة، وظهرت بوادر قيام مشروع الكيان الفلسطيني في هذا المؤتمر([135([.

قابل الريماوي فصله من الحزب بأن نشر بياناً في جريدة الحياة اللبنانية في 5أيلول / سبتمبر 1959 هاجم فيه القيادة القومية لحزب البعث ، وقال بعدم شرعية قرارات المؤتمر القومي الثالث، ولا تلزم قراراته ممثلي القطر الأردني ومنظمات الحزب، واعتباره " غير شرعي وتخريبي " على المستويين الحزبي والقومي ووقع البيان مجموعة من قادة البعث المؤيدين له، وفسر مؤيدو الريماوي عدم شرعيته ؛ لأن القيادة القومية المذكورة غير شرعية، وأعلنت المجموعة التي وقعته أن عبدالله الريماوي هو أمين سر القطر الأردني والقائم بجميع صلاحياته، بهذه الصفة، وأن جميع الدعايات بحق الأمين العام عبدالله الريماوي كاذبة([136([.

كان خروج الريماوي قد سبب الهزة الأولى والعميقة في حزب البعث، وتبعه تصدع سياسي في حزب البعث، وتأثرت أوضاعه إلى حد كبير، وكانت أولى تأثيرات الخلاف في ظهور تنظيمات سياسية جديدة، ودعوات فكرية سياسية منسجمة مع أجهزة الجمهورية العربية المتحدة، وخارجة عن برامج الحزب وتتمثل في: – تأسيس القيادة القومية، والقطرية الثورية ثم الحركة العربية الواحدة.

[1])انظر: سيلع، أبرهام: حزب العث في الضفة الغربية، ص 103 ـ 105.

وا نظر: ملفات المخابرات الأردنية: كشف بأسماء المنتسبين لحزب البعث عام 1963.

[2]) كوهين، أمنون: الأحزاب السياسية في الضفة الغربية، ص 339.

[3]) سيلع، أبرهام: حزب العث في الضفة الغربية، ص103.

[4]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ.

* لقد كان عدد الفروع في الضفة الغربية فرعان، بينما وجد فرع واحد في غزة، وهذا يعني وجود عدد أكبر من الخلايا و العناصر منتسبة للحزب. ومقابلات أخرى أجريت بتاريخ سابق مع عياد المالكي، وبسام الشكعة.

[5])مقابلة أجريت مع فرحان أنيس الذي كان في هذه المجموعة. ومقابلة أجريت بتاريخ سابق مع محمد أمين في مدينة رام الله.

[6])مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع عياد المالكي. ومقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ابراهيم فرح من بيرزيت.

[7]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ياسر عمرو. ويؤيد ماذهب اليه هؤلاء كل من وليد ربيع، وزكي الدرزي، وعياد المالكي، وبسام الشكعة.

[8]) انظر: سيلع، أبرهام: حزب العث في الضفة الغربية، ص 103.

[9]) تصنيف الباحث لوثيقة من ملفات المخابرات الأردنية مكونة من 12 صفحة بعنوان: كشف بأسماء البعثيين عام 1960.

[10])المصدر السابق نفسه.

[11]) انظر: وثيقة من ملفات المخابرات الأردنية، كشف بأسماء البعثيين عام 1960، مرجع سابق.

[12]) ملفات المخابرات الأردنية في أرشيف إسرائيل، وثيقة 6ـ 413 بتاريخ 27 / 7 / 1963. ص1.

[13]) انظر: ملفات المخابرات الأردنية في أرشيف إسرائيل، وثيقة 6ـ 413 بتاريخ 27 / 7 / 1963. ص1..

[14])الفتاش، ابراهيم: أوراق في الحركة الوطنية، ص108.

وأيضا مقابلة: أجريت بتاريخ سابق مع ياسر عمرو.

[15]) الموسى، سليمان، ومنيب الماضي: تاريخ الأردن في القرن العشرين ج1، ص662.

وانظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 65.

[16]) انظر: الشاعر، جمال: خمسون عاماً ونيف، الحلقة الثانية عشر، صحيفة النهار المقدسية، الثلاثاء، 11/10/1994، ص 18.

[17]) مقابلة: أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ في مدينة رام الله. و أيضا مقابلة: أجريت بتاريخ سابق مع ياسر عمرو.

[18]) انظر: حزب البعث العربي الاشتراكي. القيادة القومية: النظام الداخلي للحزب، كانون الثاني 1993. (د.م )، ص99ـ 106.

[19]) انظر: الرزاز، منيف: رسائل إلى أولادي أوراق غير منشورة، عمان: دار سندباد للنشر سنة 1990. ص 52 ـ 53

[20])الحوراني، أكرم: مذكرات ج3، ص 2308.

[21])انظر: براند. أ، لوري: الفلسطينيون في العالم العربي بناء المؤسسات والبحث عن الدولة، ص 87.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ 17تموز 1998 مع بسام احمد الشكعة بمنزله في نابلس.

*خلال جولة الملك عبدالله الذي زار رام الله كتب الريماوي مقالا في الصحيفة حول تسليم" المثلث " وسجنه الملك ثمانية عشر يوما ً، وضيق عليها واضطرت الصحيفة نقل مقرها من القدس إلى رام الله لمواصلة الصدور.

[22]) انظر: سهيل، سليمان: الشاعر كمال ناصر، ص 164 ـ 166.

وانظر أيضا: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص67، حيث صدر منها 174 عددا منها 162 على شكل مجلات والباقي يومية.

[23])انظر: سليمان، سهيل: كمال ناصر الشاعر والأديب والسياسي، ص168ـ 176، (بتصرف ).

[24]) العيسمي، شبلي: حزب البعث مرحلة النمو والتوسع، ص 191.

[25])انظر: الموسى، سليمان، ومنيب الماضي: تاريخ الأردن في القرن العشرين ج1، ص597.

[26]) ملفات المخابرات الأردنية في (أرشيف دولة اسرائيل ): حزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن: نشرة صوت الجماهير، ع22، تشرين الثاني 1965، ملف رقم 59 ـ 686.

[27]) عمرو، زياد: الحركات السياسية في قطاع غزة، ص 120.

وايضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ.

[28]) مقابلة أجريت مع فرحان أنيس الذي كان يبيع الصحيفة في رام الله.

[29])أنظر: ملفات المخابرات الأردنية في (أرشيف دولة اسرائيل ) بيان أصدره حزب البعث العربي الاشتراكي في المملكة الأردنية بمناسبة تأميم القنال في عام 1956، صفحتان، ملف رقم 6 ـ 443.

وانظر أيضا: بيان حزب البعث العربي الاشتراكي بمناسبة المعاهدة الأردنية الإنجليزية 1957، ملف 3 ـ 443.

[30]) أنظر: حزب البعث العربي الاشتراكي: بيان حزب البعث رداًً على دعاة الأحلاف، ( د.م )، سنة 1956، . يقع في 54 صفحة من الحجم الصغير.

وانظر أيضا: حزب البعث أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة النشرة الدورية، شباط 1955 الاتفاق التركي العراقي 5 صفحات حجم كبير.

[31]) مقابلات أجريت مع بسام الشكعة، وعياد المالكي، وياسر عمرو، وغير هم في تاريخ سابق.

[32]) انظر: ملفات المخابرات الأردنية، في (أرشيف دولة إسرائيل) بتاريخ ق / 20 / 1 / أ / 128 تاريخ 26 / 8 / 58 "مكتوم ومستعجل موضوع المعلمة وداد إلياس بربا رة من بيت لحم ".

و نجح البعث في تجنيد رجال أمن وجنود، مما حمى بعضهم من الاعتقال أو الفرار، وقد أسهمت العلاقات العائلية والصداقات أحيانا في ذلك ؛ مما سهل مهمات الحزبيين* المختلفة. يذكر محمد سهيل النبالي أنه نجا من الاعتقال ذات مرة رغم أنه كان يحمل منشورات وقد أنزل ومعه طلاب آخرين من الباص بين رام الله ومخيم الجلزون لغرض تفتيشهم من قبل قوات الأمن الأردنية واقترب أحدهم لتفتيشه؛ فأسر له بأن لديه منشورات، لكن رجل الأمن تركه دون أن يقبض عليه؛ بسبب وجود صداقة مع والده. وفي مرة أخرى نجا كمال ناصر من القبض عليه بسبب وجود جندي على علاقة بحزب البعث الذي ساعده على التخفي، وقدم معلومات مضللة لمرءوسيه. (مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع محمد طه النبالي في رام الله.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ 1/ 10 / 1999، مع ابراهيم فرح في رام الله. ).

[33]) طبعت مؤلفات البعث مرات عديدة، وقامت جبهة التحرير العربية بتوزيعها على الأعضاء و الأنصار كما جرى عام 1988 في فلسطين.

[34]) يذكر الذين قابلتهم أن هذه المؤلفات كانت بمثابة دليل نظري لعملهم، وقد استمر معتقلو الجبهة العربية والصاعقة يطالعونها وينسخوها وينقلوها من معتقل لاّخر حسبما شاهدت في السجون الإسرائيلية، وقد أعادت الجبهة العربية طبع العديد منها في سنوات الانتفاضة بين عامي 1987 و1994.

[35])انظر: عفلق، ميشيل: في سبيل البعث، ص210.

وانظر أيضاً: انظر: نشرة حزبية صادرة عن المكتب الثقافي التوجيه الحزبي بعنوان " بين اشتراكيتنا.. والشيوعية.. والاشتراكية الوطنية ".

[36])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 42.

ويذكر مالك الحاج ابراهيم أنه كان عضوا في جمعية العروة الوثقى، وكان يحضر هذه الجلسات المشتركة والتي أدارها قسطنطين زريق. ( مقابلة أجريت معه في طولكرم بتاريخ 18 ـ 8ـ 1999م. )

[37]) مطر، فؤاد: الحكيم قصة حياة الدكتور جورج حبش، لندن: منشورات هاي لايت، سنة 1984 ص 32 و 33.

[38])انظر: ملفات المخابرات الأردنية في أرشيف اسرائيل: بيان أصدره حزب البعث وحركة القوميين العرب بعنوان: بيان الكتلة القومية الاشتراكية في الأ ردن شباط 1959.ملف رقم 6 ـ 653.

[39])انظر، كوهين، أمنون: الأحزاب السياسية في الصفة الغربية، ص143ـ144.

وأيضا:الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص90.

[40])انظر: كوهين، أمنون: الأحزاب السياسية في الصفة الغربية، ص 144 ـ 145.

[41])انظر: الفتاش، ابراهيم: أوراق خاصة في الحركة الوطنية، ص 98 ـ 99.

[42])انظر: أبو عمرو، زياد: الحركات اسياسية في قطاع غزة، ص 119.

[43])انظر: التقرير الصادر عن المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي الأردني أيار 1954، ص 2 ـ 3.

* حدثت مذبحة الموصل بعد أن سّير الشيوعيون قطار السلام، من بغداد إلى الموصل للاحتفال بمهرجان السلم الكبير يوم 6 آذار 1959، وكانت الموصل مركزا للقوميين العرب والبعثيين، وحاول عبدالوهاب الشواف منع قيام المهرجان الشيوعي خوفا من الاستفزازات، وقابل عبدالكريم قاسم لهذا الغرض، و لم يكترث، و خرج الجميع في تظاهرات، وحدثت تحرشات، وحرقت مكتبات، واعدم عبد الوهاب الشواف، ورفعت الحاج سري، وناظم طبقجلي وغيرهم.

[44] ) انظر: اسكندر، أمير: صدام حسين مناضلا ومفكرا وانسانا، القدس: منشورات البيادر السياسي تشرين أول 1990، ص73ـ 74.

[45] )انظر: قهوجي، حبيب: القصة الكاملة لحركة الأرض، ط أولى، القدس: منشورات العربي، 1978، ص 18و 20.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ 1/ 3/ 1998 مع صالح برانسي أحد مؤسسي حركة الأرض، في مدينة الطيبة بالمثلث .وأيضاً: سعد احمد صادق: الحركة الوطنية الفلسطينية1948-1970، ص 82.

[46])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص177.

[47])انظر: الحوراني، أكرم: مذكرات، ج2، ص2132 ـ 2137 .

كما أن الريماوي رفض قبول المحامي ابراهيم بكر مرشحا عن البعث، والذي لم يكن عضواّ في البعث، وهو ما دفعه لتأييد الشيوعيين ومؤازرتهم. ( مقابلة أجريت مع عياد المالكي بتاريخ سابق. )

*الجبهة الوطنية هي القائمة الانتخابية التي أعدها الحزب الشيوعي، وضمت عدداً من قياداتهم، و شخصيات وفعاليات من خارج الحزب، وقد اختيرت بسبب حظر النشاط الشيوعي، وفاز من مرشحيها كل من فائق وراد عن لواء رام الله، وعبدالقادر الصالح عن نابلس، ويعقوب زيادين عن القدس.

[48])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 69.

[49]) انظر: المالكي، عياد: الفراغ السياسي، ص 33.

وأيضا مقابلة: أجريت بتاريخ سابق مع بسام أحمد الشكعة في نابلس.

وأيضا مقابلة: أجريت بتاريخ 1/ 4/ 1999 مع عبد الجواد صالح رئيس بلدية البيرة المبعد في منزله بمدينة البيرة.

[50])انظر: ملفات المخابرات الأردنية تقرير رقم 4 / 4/ 24028 تاريخ 5/ 9/ 56، ص 1.

[51]) انظر: البرنامج الانتخابي لحزب البعث عام 1956 .

[52])انظر: أرشيف وثائق جمعية الدراسات العربية في القدس: بيان حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي وزع آنذاك بعنوان: بيان مرشحا البعث العربي الاشتراكي، ملف رقم 251.

[53])انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 76.

وانظر أيضا: علوش، ناجي: الثورة والجماهير. بيروت: دار الطليعة، 1962، ص 47.

ومقابلات أجريت بتاريخ سابق مع عياد المالكي، وعبد الجواد صالح ، وبسام الشكعة وياسر عمرو.

[54])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 70.

[55]) انظر: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي 1940ـ 1960، ص200.

وانظر أيضا: القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي: النظام الداخلي، موضوع بنية الحزب المادة 43، ص73ـ 89. (بتصرف )

[56])انظر: حزب البعث العربي الاشتراكي القيادة القومية: النظام الداخلي، ص 67، و 72، و74.

[57])انظر: المرجع السابق، ص 75، و 80 ـ 81.

[58])انظر: الفكيكي، هاني: أوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث العراقي، ص 102 ـ 103.

[59])انظر: القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي: النظام الداخلي للحزب، ص13 ـ 16.

[60])انظر: العيسمي، شبلي: حزب البعث مرحلة النمو والتوسع، ص 194.

[61]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ.

[62]) انظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ج2، ص 89.

[63]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ في رام الله. وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع خالد الدرزي في طولكرم.

[64])انظر: اسكندر، أمير: صدام حسين، ص348.

[65])انظر: التل، عبدالله: كارثة فلسطين، ص 569.

[66])انظر: محافظة، علي: العلاقات الأردنية ـ البريطانية، ص 193.

*هاجمت كلوب باشا، والقادة الإنجليز، ومما جاء فيها " أن القيادة والسلاح، هي في أيدي ألد أعداء العرب، والد أعداء الجيش العربي الذي ننشد".

[67])التل، عبدالله: مرجع سابق، ص 574.

[68])انظر: الموسى، سليمان، ومنيب الماضي: تاريخ الأردن، ج1، ص 555، و 561 ـ562.

[69])انظر: المجالي، هزاع: مذكراتي، ص 124.

[70]) انظر: المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.

[71])انظر: المجالي، هزاع: مذكراتي، ص 126 ـ 127.

وأيضا: الموسى، سليمان، ومنيب الماضي: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ج 1، ص 572.

[72]) انظر: المجالي، هزاع: المرجع السابق، ص 129.

[73])انظر: المجالي، هزاع: المرجع السابق، ص124.

* بدأ عدوان اليهود على قرية قبية مساء يوم 14 / 10 / 1953، وقد لا حظ الحرس الوطني حركتهم بعد أن شاهد اليهود جنديين من الحرس الوطني وشدوا وثاقهما، ولكن أحدهما نجح في الهرب، واستنفر الحرس الوطني وحدثت اشتباكات بين الطرفين، وبعد منتصف الليل دخلوا إلى القرية، وأخذوا ينسفون بيوتها على رؤوس ساكنيها، وفي صباح اليوم التالي، ذاع خبر الجريمة التي كانت حصيلتها نسف 42 منزلا ً وقتل 66 شخصا ً أكثرهم من النساء والأطفال، وقتلت الحيوانات داخل الزرائب ونسفت مدرسة القرية وكانت القوة المهاجمة لا تقل عن كتيبة مساندة، أما المدافعون بلغوا 440 من رجال الحرس الوطني. (انظر: الموسى، سليمان، ومنيب الماضي: المرجع السابق ج1، ص586 و 587 ).

[74])انظر: محافظة، علي: العلاقات الأردنية ـ البريطانية، ص 205 ـ 206.

[75]) انظر: العيسمي، شبلي: حزب البعث مرحلة النمو والتوسع، ص 192.

[76])انظر: الموسى، سليمان، ومنيب الماضي: تاريخ الأردن ج1، ص 597.

[77]) أرشيف ملفات المخابرات الأردنية في( المكتبة الوطنية في دولة إسرائيل ): المؤتمر القطري، أيار 1954، ، ص 3.

[78])الياس، جوزيف: عفلق والبعث، نصف قرن من النضال، ص 43 ـ 44.

* وهم: ميشيل عفلق، وجلال السيد، وصلاح الدين البيطار، و وهيب الغانم.

[79])السيد، جلال: حزب البعث، بيروت: دار النهار، سنة 1974، ص 59، و 60.

[80]) بيان الديكتاتوريةالعسكرية لا تؤمن بالشعب، سلسلة نضال البعث ج5، ص 37.

[81]) نشرة سرية بعنوان: الاتفاق التركي ـ العراقي، صدرت في شباط عام 1955، ووزعت آنذاك وحصل الباحث على نسخة منها، ص3.

[82]) انظر: الدكتاتورية العسكرية لا تؤمن بالشعب، سلسلة نضال البعث ج 5، ص 37.

[83]) انظر: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي1940ـ 1960، ص 210 ـ 211.

[84]) انظر: العيسمي، شبلي: حزب البعث مرحلة النمو والتوسع، ص 193

وأيضا: رسالة مطبوعة من بهجت أبو غربية، مرجع سابق.

[85]) أنظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 27.

[86]) ملفات المخابرات الأردنية في أرشيف( دولة إسرائيل ) تقرير المباحث المرسل لقيادة منطقة القدس رقم ق2/4/4/24028، بتاريخ 5/ 9 / 56، صفحتان.

[87]) انظر: ملفات المخابرات الأردنية في أرشيف( دولة إسرائيل ) تقرير المباحث المرسل لقيادة منطقة القدس رقم ق2/4/4/24028، بتاريخ 5/ 9 / 56، الصفحة الأولى.

[88]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ.

[89])انظر: الأزعر، محمد خالد: " محاولة تأريخ التجربة "، شؤون فلسطينية، ع 192 آذار 1989، ص 97.

[90])انظر: أبو عمرو، زياد: الحركات السياسية في قطاع غزة، ص 19 1.

[91]) انظر: أبوعمرو، زياد: المرجع السابق، ص 119ـ 120.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ.

[92])انظر: أبو عمرو، زيا د: المرجع السابق، ص 117.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع وفا الصايغ.

[93])انظر: خطاب ياسر عمرو في مجلس النواب الأردني، ملحق الجريدة الرسمية المجلد 7 الأحد الموافق 21. نيسان 1963، ص 1061 ـ 1062. وأيضا: مقابلة أجريت مع ياسر عمرو في مكتبه بمدينة رام الله.

*اتهم المعلم سامي العطاري من مدينة طولكرم بحيازته كميات أسلحة، وبمحاولته قلب نظام الحكم الأردني وحكم عليه بالمؤبد، وكاد سامي العطاري أن يهلك بسبب التعذيب، ومحاولة حرقه بالسبيرتو، بينما إحدودب ظهر يوسف الناطور من طولكرم بفعل آثار التعذيب، وكان صمود العطاري، قد حمى عشرات البعثيين من الاعتقال، وحوكم بالمؤبد.

[94]) مقابلة أجريت بتاريخ 20 / 8 / 1999، مع يوسف الناطو ر من الرعيل الأول في حزب البعث في مدينة طولكرم.

وأيضا مقابلة: أجريت بتاريخ سابق مع بسام الشكعة، وأكد سامي العطاري صحة ذلك أثناء اتصالي الهاتفي به حيث يقيم في دمشق.

وانظر: تقرير مباحث طولكرم منسوخ بخط اليد بعنوان: "كشف بأسماء الموظفين المنتمين للأحزاب المنحلة البعث ". ملف رقم 22 ـ 1541.) ، ويذكر أنه نقل الرسائل بين عمه مخلص عمرو، وعبد المحسن أبو النور قائد الجيش المصري، وعبد الله الريماوي.

[95])انظر: عفلق، ميشيل: معركة المصير الواحد، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص79 و 88.

[96])انظر: عفلق، ميشيل: المصدرالسابق، ص 25 ـ 26.

[97])انظر: العيسمي، شبلي: حزب البعث مرحلة النمو والتوسع، ص 289.

[98]) حمدان حمدان: أكرم الحوراني، ص 132.

[99] ) KAMEL .S. ABU JABER: The Arab Ba’th Socialist Party and Organization, Syracuse University press1966, p. 35

[100]) حمدان، حمدان: مرجع سابق، ص215.

[101]) دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي1940ـ 1960، ص213 ـ 214.

[102]) انظر: " النشرة الداخلية لحزب البعث بتاريخ كانون الثاني / شباط 1958، تحت عنوان: حول الجمهورية العربية المتحدة، وماذا يعني حل الأحزاب في سوريا بالنسبة لنا، سلسلة نضال البعث، ج8، القطر اللبناني (1951- 1961)، ص98.

[103]) انظر: عفلق، ميشيل: معركة المصير الواحد، ص80 ـ 81.

[104])انظر: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي 1940 ـ 1963، ص169ــ 171.

[105])انظر: د ند شلي، مصطفى: المرجع السابق، ص 215.

وانظر ايضا: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص79.

[106])انظر: دند شلي، مصطفى: مرجع سابق، ص 214ـ215.

[107])الحوراني، أكرم: مذكرات، مج 4، ص 2454.

[108]) انظر: حسنين، محمد هيكل: سنوات الغليان ج 1، القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، سنة 1988، ص 273 ـ 275.

[109])انظر: حمدان، حمدان: أكرم الحوراني رجل للتاريخ، ص 231ـ 235.

[110]) حمدان، حمدان: أكرم الحوراني رجل للتاريخ، ص 238.

[111]) انظر: حمدان، حمدان: المرجع السابق، ص 261 ـ 262.

[112])انظر: حمدان، حمدان: المرجع السابق، ص 238.

*الاتحاد القومي: هو التنظيم السياسي الذي جاء تأسيسه بعد حل هيئة التحريرفي مصر، الذي نشأ في مصر وسوريا أيام الوحدة بين البلدين، كما أنه جاء بديلا لحل حزب البعث والأحزاب الأخرى، كما اشترط عبدالناصر على قادة حزب البعث في سوريا، و قبل قيام الجمهورية العربية المتحدة.

[113])انظر: حمدان، حمدان: مرجع سابق، ص273.

وانظر أيضا: حسنين، محمد هيكل: مرجع سابق، ص 280.

[114]) انظر: بيان حزب البعث العربي الاشتراكي آذار 1956، بعنوان: " تحرير الجيش "، مرجع سابق.

[115]) انظر: ملفات المخابرات الأردنية في ( أرشيف دولة إسرائيل): بيان الكتلة القومية الاشتراكية، 1959.

[116]) انظر: سيلع ، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص26.

[117]) قارن: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي1940 ـ 1960، ص230.

والفكيكي، هاني: أوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث، ص 100ـ 101.

[118]) أنظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص90.

[119]) انظر: الشاعر، جمال: المرجع السابق، ص 75.

[120])انظر وقارن: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي، ص 230.

وأيضا: حمدان، حمدان: أكرم الحوراني رجل للتاريخ، ص 336.

[121]) انظر: دياب، محمد عبدالكريم: الثورة العربية المعاصرة، الأبعاد الفكرية والتنظيمية، بيروت: دار المسيرة، ط 1978، ص280 ـ 281.

[122])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 75 و 77.

[123]) انظر: الشاعر، جمال: "مذكرات جمال الشاعر خمسون عاما ونيف، أوراق وخواطر وذكريات في العمل القومي والنشاط الحزبي "، جريدة النهار، القدس، ع2714، الأحد 23 / 10 / 1994، ص 15.

[124])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص78.

[125]) انظر: الشاعر، جمال: مذكرات جمال الشاعر خمسون عاما ونيف، أوراق وخواطر وذكريات في العمل القومي والنشاط الحزبي "، جريدة النهار. القدس، ع2714، المرجع نفسه، ص 15. وأيضا: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص79.

[126])الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص79.

[127])انظر: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي 1940ـ 1960، ص 230.

[128])انظر: دندشلي، مصطفى: المرجع السابق ، ص231 ـ 232.

وانظر ايضا: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص86.

وأيضا: سلسلة نضال البعث ج4: المؤتمرات القومية السبعة الأولى 1947 ـ 1964، ص80.

[129])انظر: الريماوي، عبدالله: الحركة العربية الواحدة، ص365.

[130])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 86.

ومقابلات مع من حضروا المؤتمر القومي الثالث ومنهم: بسام الشكعة (نابلس )في تاريخ سابق.

ومقابلة أجريت بتاريخ سابق مع مالك الحاج ابراهيم.

ويذكر أبوغربية في رسالته للباحث أن عدد المنسحبين بلغ 38 وأن عدد الباقين 42 عضوا.

[131])انظر: الشاعر، جمال: مرجع سابق، ص 88.

[132] ) سلسلة نضال البعث: " بيان القيادة القومية عن الزمرة الانتهازية المفصولة من الحزب"، في كتاب القيادة القومية 1955ــ 1962، ج6، من تشكيل القيادة القومية حتى نهاية الانفصال، ص115.

[133])المرجع السابق نفسه، ص 118 ـ 119.

* ضمت القيادة القومية: منيف الرزاز، وفؤاد الركابي، و طالب شبيب، و غسان شرارة، ومدحت جمعة، و عبدالوهاب شميطي، وخالد يشرطي، ومجيد جشي.

[134])انظر: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي، ص 232.

[135])علوش، ناجي: فكر حركة المقاومة الفلسطينية 1948 ـ 1987 نظرة عامة، بيرزيت: لجنة تراث بيرزيت، 1993 ص 19.

[136]) ملفات المخابرات الأردنية في (أرشيف إسرائيل، القدس )، قيادة مقاطعة نابلس، رقم م. ن.ن ــ 2/1/ب تاريخ 15/9/1959، ملف رقم. ملف 6 ـ 613.

أ‌) تأسيس القيادة القومية والقطرية الثورية: ـ

بعد طرد الريماوي في المؤتمر القومي الثالث، قام بتأسيس حركة جديدة، رد فيها على القرارات التي اتخذت في ذاك المؤتمر، وقد سماها (القيادة القومية الثورية والقيادة القطرية الثورية) ونشطت في الأردن وفلسطين، وقامت بتوزيع منشورات، وبيانات تحمل هذا الاسم([1([.

كما أن الريماوي مارس تأثيره في القيادات القطرية*، و انحاز إليه عدد من أعضاء حزب البعث وقادته، منهم: ـ عبدالوهاب الشميطلي في لبنان، و فؤاد الركابي في القطر العراقي، وفي الأردن كان تأثيره قد شمل عددا من قادة فروع** الحزب والشُعب([2([.

وفشل الريماوي في تحويلها إلى حركة شعبية عامة، وزاد من فشلها نجاح المخابرات في القبض على بهجت أبو غربية متخفياً سنة 1960([3([.

ومما زاد في فشل القيادة القطرية الثورية، وعدم قدرتها على الامتداد واستقطاب أعضاء حزب البعث، فشل الانقلابات العسكرية التي غامرت بها في الأردن، والتي اتهمت بتدبيرها أجهزة الجمهورية العربية المتحدة، كما وأدت اعترافات جلال العباسي، و قاسم ناصر وغيرهم عن مشاركتهم في انقلابات ضد الحكومة الأردنية، إلى تشويه سمعتها، ولكن خروجه أضعف الحزب([4([.

بذل الريماوي جهوده لتكتيل قادة حزب البعث في الأردن حوله، إلاّ أن حزب البعث في الأردن أيّد تعيين، منيف الرزاز، أميناً عاماً لحزب البعث بناءً على قرار المؤتمر القومي الثالث وضمت القيادة القطرية الجديدة: أمين شقير، وجمال الشاعر، وأحمد خريس، وأنور العابد، ووليد البطاينة. واصل الريماوي تحركاته المضادة للقيادة القومية، وظل يجمع حوله المزيد من المؤيدين والأنصار، بينما عملت القيادة القومية من جهتها على توجيه نقد شديد ولاذع لسلوكه، وتم تعميم بيانات على أبناء الضفة الغربية والشرقية بهذا الخصوص، وأرسلت ملحقاً خاصاً بأخطائه واصفة ً سلوكه بالمنحرف منذ بداية طريقه السياسي([5([.

وفي المؤتمر القومي الرابع الذي عقد في أواسط عام 1960هاجمت القيادة القومية الريماوي واتباعه بعنف بسبب انحرافهم عن الخط الشعبي واستخدامهم الانقلابات العسكرية لتحقيق أهداف الحزب واتهمهم بالعمل لحساب قيادة الجمهورية العربية المتحدة والانتفاع منها والعمل لحساب عبدالناصر وفقدان الحزب عدداً من القياديين والعناصر الذين أصبحوا غير مؤمنين بجدوى العمل في صفوف الحزب([6([.

ويظهر أن قيادة الريماوي تأثرت إلى حد كبير من انفصال الوحدة السورية المصرية، والذي أدى إلى تغيير مقر ها من دمشق إلى القاهرة، ولذا أضعف هذه الحركة وفي 27/8/1962 أقيمت قمة للجناح الناصري في حزب البعث من ممثلي الدول العربية، وبمنتهى الصراحة أعلنت تأييدها لعبد الناصر واتهمت القيادة الأرثوذكسية للبعث بتخريب الوحدة العربية([7([.

وكان صدى نشاط الريماوي محدودا، وتجلى في بعض المنشورات التي نشرت في الذكرى العاشرة لقيام ثورة الضباط الأحرار في 23 تموز/ يوليو1963([8([.

ب‌) دعوة الريماوي لتكوين الحركة العربية الواحدة: ـ

دعا الرئيس جمال عبدالناصر في خطابه يوم 23 تموز/ يوليو 1963 إلى إلغاء وجود الحركات المختلفة، ودمجها جميعا في حركة عربية واحدة، وأن يقودها النظام المصري؛ حتى يتحقق الهدف القومي الأكبرفي الحرية والوحدة والاشتراكية، وبدورها دعت إلى قيام "الحركة العربية الواحدة "، داعيةً إلى مباركة جمال عبدالناصر كزعيم لهذه الحركة([9([.

وقد أبدت حركة القوميين العرب ترحيبها بهذه الفكرة، وأبدت اسفها لخيبة أمل العرب في فشل الوحدة وانسحاب سورية من الجمهورية العربية المتحدة وتعثرها، وتعاطف مع هذه الفكرة الكاتب والمفكر الفلسطيني ناجي علوش، الذي دعا حزب البعث والاتحاد الاشتراكي، وجبهة التحرير الجزائري إلى الاتحاد في تنظيم واحد بقيادة عبدالناصر في سبيل قيادة الحركة العربية الواحدة، وتحقيق اتحاد اشتراكي عربي شامل([10([.

وألف عبدالله الريماوي كتابه( حول الحركة العربية الواحدة ) عام 1964، ولم يخرج في إطاره الفكري والسياسي والعقائدي عن فكر حزب البعث في الوحدة والحرية الاشتراكية.

ليس في مبادئ الحركة العربية الواحدة ما يختلف عن مبادئ البعث سوى في تأكيده على الطبيعة الديناميكية للمسيرة العربية، والتي تعتمد الحركة الشعبية في عملها وليست الطبقية وتمثل شباب الأمة بدلا من الحزب الواحد كماهو الحال في البعث وهي مسيرة تاريخية أنتجتها قوى تاريخية، وقد لاقت تأييداً من منشقين عن البعث ومن جماعات تؤمن بالاشتراكية([11([.

انتقد عبدالله الريماوي حزب البعث الذي وصفه بالتحول نحو "الإقليمية العقائدية"، وتميز كتابه بالاستطراد والإسهاب والإطالة، ولم يحدد الأدوات العملية بصورة دقيقة ودافع عن نظام جمال عبدالناصر، ووجد فيه النظام المؤهل لقيادة الحركة العربية الواحدة([12([.

أرسل عبدالله الريماوي رفيقه بسام عبدالحميد السائح نائبا عنه حاملا الفكرة متجها إلى رام الله وُعقد فيها اجتماعاً ضم 20 بعثيا، وكان رأي عياد المالكي أن هذه الحركة لا تختلف في مبادئها عن مبادئ حزب البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية، وكتب ردا عليها مبينا أنها جاءت لتزيد الانقسامات، و تقع على البعث مهمة إنشاء مثل هذه الجبهة للوقوف في وجه دعاة المد القطري على حساب المد القومي، وكان الرأي السائد في رام الله أن الجميع يؤيد الحركة العربية الواحدة، إذا جاءت لتوحيد الحركات السياسية، وصدرت عن إرادة حزب البعث وموافقته أما إذا كانت دعوة انفصالية، فاإنهم يرفضون السير في التنظيم الناصري، وشكك بعضهم بدور حزب البعث في الوحدة المصرية السورية وقد إرفض الاجتماع دون نتيجة، وبدأت حملة مركزة ضد عفلق([13([.

شهد عام 1964 تحسنا في علاقات عبدالناصر مع الملك حسين، بينما شهدت سورية تأزما في علاقاتها مع الأردن ومصر، وظهر أن القيادة القومية الثورية لم تعمر طويلا، وكان الظاهر للعيان أنها توقفت، ولم تعد تجري محاولات انقلابية جديدة، والتي كانت تجري بتخطيط من اللاجئين الفلسطينيين والأرد نيين في الجمهورية العربية المتحدة.

وسار الريماوي في مسار معاكس للتيار السياسي الجديد، ولتأسيس (م. ت.ف ) والتوجهات القطرية، وانتقدها بشدة، ورأى فيها صنيع الأنظمة العربية وعجزها عن تحرير فلسطين، وعاد ليؤكد أهمية المنطلقات القومية العربية الوحدوية في تحرير ها، وهو يعتبرالوحده العربية شرطا ضروريا لذلك، ونبّه إلى خطورة الشعارات القطرية والإقليمية وهي التي لا يمكن لها أن ترتفع إلى مستوى قضية فلسطين، وكتب الريماوي: " أنه ليس أخطر على القضية في غدها، وليس أكثر تحديا للعبر التي أكدتها المعركة في أمسها، وليس أكثر استهتارا بالمنطق العلمي الثوري في حلها من شعارات فلسطينية أو غير فلسطينية ترتفع بين الحين والآخر لتقول: لا يحل قضية فلسطين الا الفلسطينيون متجاهلة أن الفلسطينيين لوحدهم غير قادرين على حل المشكلة بعد أن وصلت إلى ماهي عليه "([.14])

وينقل بطرس عوده عن الريماوي أنه قال له " مصيبة م.ت. ف أنها أصبحت بأيدي أناس ليسوا بمستوى التحديات المتمثلة في القضية الفلسطينية، وهذه الشعارات التي أوصلتهم إليها تخفي مصائب وكوارث "([15([.

3) علاقة حزب البعث بنظام الحكم الأردني بين عامي 1960 ـ 1967

أ ) علاقة البعث بالنظام الأردني بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة

كانت العلاقة بين حزب البعث والحكم الأردني، طيلة هذه الفترة متأثرة إلى حد كبير بما يجري من تطورات داخلية في الأقطار العربية مصر، وسوريا، والعراق، و اليمن، وتميزت العلاقة بأنها سارت في خطوط غير ثابتة ومتذبذبة، وهي تتراوح بين حرية نسبية محدودة في فترات قصيرة واعتقالات واضطهاد في غالب الأحيان، ولذا يمكن القول أن حدود العلاقة مرسومة سلفا، حسبما يشاء النظام الهاشمي.

تسلم منيق الرزاز أمانة القطر الأردني، والحزب يعاني من آثار الانقسام، ومن اضطهاد السلطة له، ولكنه سار باتجاه منسجم مع مبادئ البعث وسلوكياته([16([.

تعرض الأردن في عام 1960 إلى حادث خطير، حيث جرى تفجير مقر رئيس الوزراء هزاع المجالي، والذي راح ضحية الحادث، ومعه عشرة من معاونيه. ألصق هذا الحادث الذي جرى يوم 29/8/1960 بأجهزة الحكم في الجمهورية العربية المتحدة، وبحزب البعث العربي الاشتراكي، وتقدمت الأردن إلى حكومة الوحدة بمذكرة تطالب فيها أن يسلم لها عدد من المتهمين في قضية التفجير([17([.

في هذه الأثناء اقترح الحسين إشراك بعثيين، وعقائديين في المؤسسات والحياة العامة، وكان ذلك في اجتما ع حضره وصفي التل وجمال الشاعر. عارض الرزاز هذه المشاركة، وطالب بعودة سليمان النابلسي ومعه وزرائه المدنيين والعسكريين، الذين شاركوه في الوزارة كشرط لهذه المشاركة وعودة الثقة([18([.

تابع الملك حسين محاولاته السياسية لكسب البيئة السياسية التي ترعرع فيها البعث، والشيوعيون، والقوميون العرب، وكلف وصفي التل، بتشكيل حكومة من الشباب المثقف([19([.

درس حزب البعث في عام 1962 مسألة المشاركة في الانتخابات النيابية، وسادت البعثيين وجهتا نظر مختلفتان، واحدة مع المشاركة في الانتخابات باعتبارها وسيلة لنشر أفكار الحزب والأخرى ضد الانتخابات، وكان من المنتظر أن تجري الانتخابات في أواخر العام نفسه، وبعد فترة من النقاش عادت القيادة القطرية لحزب البعث في الأردن للاجتماع، واتفق الأمين القطري لحزب البعث الأردني وآخرين على عدم خوض الانتخابات، وحسم قادة البعث رأيهم لصالح عدم المشاركة فيها([20([.

ورغم ذلك شارك عضوان من قادة البعث في الانتخابات التي جرت يوم 24 تشرين الثاني/ اكتوبر 1962وهما: ياسر عمرو ( الخليل )*، وأحمد خريس( اربد )، وثارت حول مشاركتهما ملابسات في صفوف البعث.

وبناءً عليه، أصدر منيف الرزاز الأمين القطري لحزب البعث قراراً بفصلهما من الحزب. وعندما قوي المد الوحدوي، وأظهر النائبين مواقف مؤيدة لحكومتي البعث في العراق وسوريا، ولمشروع الوحدة الثلاثية عام 1963 ؛ ولهذا طلب منهما الأمين العام لحزب البعث الأردني إلقاء خطابين يوافق عليهما الحزب، وقد استجاب ياسرو عمرو، وصوت غالبية أعضاء البرلمان على حجب الثقة عن الحكومة ومنهم النائبان المذكوران([21([.

قام وصفي التل بعد تشكيل الحكومة بعدد من الإجراءات منها: سن قانون التطهير في الجهاز الإداري، والعودة للحديث عن قانون الخدمة المدنية، وأصدر الملك قانون العفو العام الذي شمل الأفراد من معتقلين سياسيين في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير 1962، حيث أفرج عن 120 شيوعيا، وبقي منهم مائة في السجون، وشملت الإفراجات اللاجئين السياسيين، ومعتقلين سياسيين، منهم: محمود الروسان المتهم بمؤامرة انقلابية ضد الملك حسين، وبعلاقته مع علي أبو نوار بعد أن حكم عليه عام 1957 بالسجن لمدة 10 سنوات. وعاد من سوريا عبدالرحمن فرعون عضو الحزب الوطني الاشتراكي، والدكتور حمدي التاجي الفاروقي عضو حزب البعث([22([.

وقع في 26أيلول / سبتمبر 1962 انقلاب عبدالله السلال في اليمن، الذي رفع وتيرة ونفس المعارضة الأردنية وغيّر من تكتيكاتها، التي تتغذى من التطورات الخارجية المحيطة بالقطر الأردني ونظرا لطبيعة العلاقة الجدلية القائمة بين البعد الوطني والبعد القومي أخذت العديد من الشخصيات التي دخلت مجلس النواب تعد العدة للتكتل داخل المجلس تتصيد أخطاء الحكومة، وحّركت السخط ضد الحكومة لتأييدها أنصار الملكية في اليمن، وقد انضم عمرو وخريس إلى كتلة المعارضة تلك([23([.

عقدت جلسة لمجلس النواب يوم 20 نيسان/ أبريل 1963، وهي الجلسة السابعة عشرة من الدورة العادية وفيها ألقى ثلاثون نائباً كلماتهم، وكان منهم المؤيد والمعارض للحكومة، وكان جل انتقاد المعارضين للحكومة بسبب تأييدها للملكيين في اليمن والموقف العدائي الذي تقفه الحكومة من نظام عبد الناصر([24([.

كان من بين الذين القوا كلماتهم ياسر عمرو عضو البعث، و كانت محاور حديثه حول ميثاق الوحدة الثلاثية. ففي سياق حديثه عن الحرية الفردية بين أن من ينكر حرية الفرد لايمكن أن يكون أمينا عليها في أي من الظروف والأوضاع، واتهم حكومة الأردن بسلب حرية المواطن في فترة عصيبة يمر بها الأردن، حيث هددت كرامته، وكُمّت أفواه أبنائه، وسلبت حريته، كما حصل في قصة استشهاد مخلص عمرو، الذي خرج ملفوفا بكفن أبيض بعد أن زج به في المعتقل في13 آب / أغسطس 1958([25([.

و قد طالبت كتلة المعارضة في مجلس النواب أثناء محادثات الوحدة الثلاثية بين مصر، والعراق وسوريا بأن يلتحق الأردن بها، وعبر عن هذا الموقف ياسر عمرو في حديثه في المجلس حيث قال: " أن قضية الوحدة لم تعد قضية تقارب تفرضه مرحلة معينة أو مصلحة سياسية آنية في ظرف محدد من الظروف ولكنها عملية بناء مصير… و شعبنا يتجرع الغصص، لأنه لم يجد مكانه بعد في هذه الوحدة، ولم يلتق بعد من نفسه واتجاهه ونزعاته وأشواقه "([26([.

لم يكن الملك سعيدا، بهذه المعارضة، وأعرب عن ترحيبه بمعارضة بناءه تساعد الحكم وحذر من عدم الاستقرار الذي تستغله لمصلحتها، ويدفع لاحتلال الضفة الغربية([27([.

حركت كتلة المعارضة في مجلس النواب الشعب في الضفتين، وخرجت المظاهرات والمسيرات الشعبية، التي كانت على أشدها في مدن المملكة، وكانت أكبرها حشودا في مدينة رام الله([28([.

أمام تلك التطورات، ووجود كتلة معارضة في مجلس النواب، قامت السلطات الأردنية باعتقال عدد من أعضاء الكتلة الوطنية، وكانت أغلبيتهم من الضفة الغربية، لم تستمر حكومة سمير الرفاعي سوى شهر واحد بعد حجب الثقة عنها، وطلب منه تقديم الاستقالة وقامت المظاهرات المؤيدة لجمال عبدالناصر، وطالبت بالوحدة الفورية معه. استمرت هذه الدورة 142 يوما، وتسلم حسين بن ناصر وزارته الأولى في 21 نيسان 1963، وتعرض عشرة نواب للاعتقال، كما أن عدد من قادة حزب البعث تعرضوا للاعتقال*، وشملت الاعتقالات السياسيين منهم و العسكريين، وتم التحقيق معهم والتحوط منهم لمدة تسعة شهور([29([.

أسهم حزب البعث بتشكيل جبهة الاتحاد الوطني في القطر العراقي، التي ضمت خمسة أحزاب وهي: البعث، والشيوعي، والاستقلال، والوطني الديمقراطي والديمقراطي الكردستاني، التي نجحت بإسقاط النظام الهاشمي في ثورة 14 تموز/ يوليو1958([30([.

وتسلم اللواء عبدالكريم قاسم رئاسة الجمهورية، وراح يسلك طريقاً معادياً للحركة القومية العربية ومؤيداً للشيوعية، ووقف في خط المعاداة لنظام جمال عبد الناصر وللجمهورية العربية المتحدة، وشن حملة اعتقالا ت واسعة في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي، واستقال الوزراء القوميون، وبدى ملمح السيطرة الشيوعية بارزاً([31([.

عاد البعث لممارسة العمل السري واستعداداً لمرحلة جديدة من العمل ضد نظام قاسم ووقف حزب البعث العراقي في طليعة المعارضين لنظام قاسم.

كانت أولى محاولات البعث محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم في شارع الرشيد وهي عملية كلف بها الشاب صدام حسين، الذي كادت مجموعته أن تجهز على عبدالكريم قاسم الذي كان غارقا بالدم واقتربوا منه لكنه اصطنع الموت فتركوه واختفوا([32([.

نجح حزب البعث العراقي بالتحالف مع أحد أركان ثورة 14 تموز/ يوليو 1958 اللواء عبد السلام عارف في الإطاحة بالحكم القاسمي في ثورة 8 شباط / فبراير 1963، ورغم أن الحزب الشيوعي حاول جاهدا الدفاع عن نظام قاسم داعيا الشعب والمؤيدين لحمل السلاح، لكن خطوته باءت بالفشل وقبض على عبدالكريم قاسم، واعدم انتقاما منه لإعدامه رفعت الحاج سري، وناظم الطبقجلي، وعزيز شهاب، وهم من خيرة الضباط القوميين العرب([33([.

بعد مرور شهر من الثورة العراقية حدثت ثورة 8 آذار/ مارس 1963 القومية في سوريا التي جاءت كتحالف ضم البعثيين والناصريين، والقوميين العرب، والوحدويين الاشتراكيين، وقد قضت على عهد الانفصال بعد مرور عامين، حكم فيها الانفصاليون بالتكالب على المنافع الشخصية وكره الشعب حكمهم وكان حكمهم ضعيفا لفقدان الشرعية، مما سهل طريق إزاحته من الحكم. بعد أيام من تسلم المجلس الوطني الحكم في سوريا توجه وفد سوري ـ عراقي للتفاوض مع النظام المصري لتحقيق الوحدة الثلاثية، وبدأت المحادثات يوم 14 آذار/ مارس 1963، وانضم إليها في اليوم التالي: ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، لؤي الاتاسي رئيس مجلس الثورة([34([.

قوبلت محادثات الوحدة بمظاهر الابتهاج والسرور في فلسطين ولكنها لم تستمر أو تنجح في تحقيق الوحدة، إذ سيطرت الشكوك و عدم الثقة بين قيادة حزب البعث وعبدالناصر، وتأزمت العلاقة بينهما خاصةً بعد المحاولة الانقلابية ،التي قام بها الضباط الناصريون في سوريا يوم 18تموز/ يوليو 1963([35([.

كان لثورتي البعث في العراق وسوريا تأثيراً قوياً في نفوس البعثيين في فلسطين والأردن كما دلت الأحداث اللاحقة، فقد طلب الحسين من منيف الرزاز الأمين القطري لحزب البعث أن يكون وسيطا بينه وبين مصر، وسوريا، و العراق؛ ليدخل في محادثات الوحدة ثم ليعمل على تحسين أجواء العلاقات بين العراق والأردن. سافر الرزاز إلى بغداد، وبعد حديثه واجتماعه مع قادة البعث في العراق ومنهم: صالح مهدي عماش، رجع يحمل عرضا من صالح مهدي عماش إلى الملك حسين ويتضمن عرضاً مالياً مقابل الخروج من الأردن، وأن يطلب اللجوء السياسي من أحد الأقطار، وأن ينضم إلى الإمام بدر([36([.

وكان حزب البعث في العراق يأمل أن يصل تأثيره إلى الأردن، لذا أرسل طالب شبيب عضو القيادة القطرية العراقية برقية إلى قادة البعث، طالبا منهم تقييم الأوضاع في الأردن وتحديد موقف البعث الأردني تجاه النظام الأردني، والإسمهم في إعادة الحياة السياسية الصحيحة وتنشيط البرلمان وتحسين مختلف الأجهزة الإدارية([37([.

أقر الملك حسين، وبناءً على تنسيب من مجلس الوزراء الأردني، وانسجاماً مع التطورات الجارية في المحيط العربي، إصدار عفو عام عن جميع المعتقلين والموقوفين، ومن بين هؤلاء اللواء صادق الشرع، والدكتور رفعت عودة وفي محاولة من الملك للتقرب من مصر قدم وصفي التل استقالته في 27 آذار/ مارس، لأن مصر كانت تعتبره خصما لها([38([.

بعد فشل محادثات الوحدة الثلاثية، شنت حرب إعلامية متبادلة بين سوريا ومصر، وتأزمت علاقات البلدين.وفي ظل التطورات العربية، ومراقبة الأردن لها، سارعت السلطات الأردنية إلى شن حملة اعتقالات في صفوف البعثيين شملت قيادته المدنية ومؤيديه داخل الجيش، وحتى الذين أفرج عنهم عقب انعقاد مؤتمر القمة العربي الأول في كانون الثاني/ يناير 1964.

جاء قرار اعتقال البعثيين عقب اجتماع ما سمي ب" مجلس الأمن القومي " في الحكم الأردني والذي استعرض الأسماء، ووقع اختيارهم على اثني عشر اسما مدنيا اعتقلوا في 28 تموز / يوليو1963. واثني عشر عسكريا كان بينهم الدكتور رفعت عودة، وصلوا إلى الجفر بعد ثلاثة أيام من اعتقال رفاقهم من المدنيين، وقد اتهموا بالتحضير للقيام بانقلاب عسكري في شهر أيار / مايو من ذلك العام([39([.

ضم المعتقلون الاثنا عشر* من المدنيين: محامون، وأطباء، وصيادلة، وموظفون، وتبعهم في شهر تشرين الثاني/ اكتوبر مائة شخص معظمهم من البعثيين، وجيء بعدد قليل من الضفة الغربية، وفي أوائل شهر كانون الثاني / يناير1964، وصل البعثيون إلى سجن المحطة، وارسل قادة البعث مثل جمال الشاعر ومنيف الرزاز، وأمين شقير إلى دائرة المخابرات العامة([40([.

كان من بين الذين اعتقلوا في الضفة الغربية: نديم الزرو، وعبدالجواد صالح، وعياد المالكي، واتهم هؤلاء بإثارة الاضطرابات، والقدح في المقامات السامية([41([.

ب) نشوء الكيان الفلسطيني ومنظماته وتأثيرها في علاقة حزب البعث بالنظام الأردني

رغم جماهيرية التيار القومي العربي وانتشاره في الوطن العربي في سنوات الخمسينيات وانخراط عرب فلسطين في صفوف الحركات القومية والوطنية والأممية وأهمها :حزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب وغيرها ، إلا أن تجربة الشعب الفلسطيني الكفاحية ظلت تعبر عن نفسها بدور طليعي للشخصية الفلسطينية بسلسلة هبات وانتفاضات شعبية متواصلة منذ الهبة الأولى في ثورة 1920 حتى بعثت الشخصية الفلسطينية من جديدعام 1959، إذ يشكل هذا التاريخ بداية الدعوة من جهات عديدة لبعث وإبراز الكيان الفلسطيني، وتعتبرحركة فتح من أبرز التنظيمات الداعية إلى إظهار الكيان الفلسطيني، وقد عبرت عنه في مجلة " فلسطيننا نداء الحياة "([42([.

أكد حزب البعث أهمية إبراز الكيان الفلسطيني، وهويته النضالية، وأكد في مؤتمره القومي الثالث المنعقد في بيروت أهمية إنشاء كيان سياسي ثوري لأبناء فلسطين، و قيام جبهة تحرير فلسطين وليمارس الشعب الفلسطيني دوره الطليعي في التحرير، ودعت إلى تجنيب شعب فلسطين الخوض في الخلافات العربية وتبديد جهوده فيها([43([.

وقد أوصى حزب البعث في المؤتمر القومي الرابع المنعقد عام 1960 ‘إلى تكوين جبهة شعبية تضم مختلف القوى الفلسطينية لرفع وتيرة النضال مع العدو الصهيوني، وأوصى في مؤتمره الخامس عام 1962 بإنشاء منظمة فدائية يقودها البعثيون، التي أشرف عليها خالد اليشرطي وأعدت مجموعات مقاتلة، ونفذت أعمال استطلاعية، و بعض الأعمال القتالية، الا أنها لم تستمر بعد استلام البعث للسلطة في العراق وسوريا عام 1963([44([.

وقد تكررت دعوة البعث إلى قيام جبهة تحرير فلسطين في مناسبات عديدة ومنها المؤتمر القومي السادس عام 1963، الذي جاء بعد استلام البعث للسلطة في سوريا والعراق، حيث دعت قرارات المؤتمر إلى قيام الجبهة بدعم عربي خاصة من القطرين السوري والعراقي، وأن تكون لها القيادات المؤمنة والثورية، وأن تكون بمنأى عن الخلافات بين الدول العربية([45([.

جاءت دعوة البعث منسجمة مع دعوات أخرى أطلقتها جهات عربية مختلفة مثل: الدعوة التي أطلقها عبد الكريم قاسم رئيس الجمهورية العراقية داعيا إلى اقامة جمهورية فلسطين وهاجم في خطابه يوم الخميس السابع من كانون الثاني / يناير1960 ضم الأردن ومصر للأجزاء الباقية من فلسطين، ووصف اسرائيل بالسارق الكبير ومثلها فعل أبناء العمومة من العرب الذين قطعوها([46([.

كذلك كانت جامعة الدول العربية قد دعت هي الأخرى في الدورة الحادية والثلاثين عام 1959. إلى إبراز كيان شعب فلسطين في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وابرازه كشعب موحد ليس مجرد لاجئين ؛ليسمع العالم صوته، واختيار ممثليه الذين يحددهم بنفسه([47([.

اهتم جمال عبد الناصر هو الآخر بإبراز الكيان الفلسطيني، وتأسيس منظمات فلسطينية لهذه الغاية. وفي خطابه بمقر المجلس التشريعي في مدينة غزة يوم 22 حزيران / يونيو/1962 اعترف بغياب الخطط لديه من أجل تحرير فلسطين ووصفها بأنها: "اعقد مشكلة في العالم "([48([.

و انتقد الذين اتهموه بالتقصير، منبها إلى خديعة البعض وادعائهم أنهم وضعوا خططا للتحرير داعيا أبناء شعب فلسطين أن يأخذوا زمام قضيتهم بأيديهم، وأن يتصلوا ببعض للعمل في سبيلها، وأن يقضوا على الخلافات من أجل مصلحة فلسطين([49([.

وأسهم انفصال الوحدة المصرية ـ السورية في أيلول/ سبتمبر 1961، وسوء علاقات البعث مع جمال عبد الناصر في تراجع تيار الوحدة العربية لمصلحة التيارات القطرية والإقليمية، وبعد يأس الفلسطينيين من تحقيق الوحدة كثر عدد التنظيمات الفلسطينية التي تصبو إلى أن يأخذ شعب فلسطين قضيته بيده وقد زاد عددها على 36 تنظيماً، وكان قوام بعضها يصل إلى عنصرين وآلة كاتبة فقط، وإلى مئات الأشخاص لبعضها الآخر، كما أن الأحزاب القومية العربية، مثل: البعث والقوميين العرب أسست بدورها الأجهزة القطرية الفلسطينية، وأبرزت الدور المستقل لعناصرها من الشعب الفلسطيني([50([.

جاءت ظروف جديدة عام 1963 غذّت نزعة الشعور بأهمية الكيان الفلسطيني، فبعد وفاة أحمد حلمي عبد الباقي ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية، و عقدت الدورة الأربعون لمجلس الجامعة العربية، واختير أحمد الشقيري الذي عمل سفيرا لدى السعودية في هيئة الأمم ليتولى مهمة إعداد الخطط الكفيلة بإنجاز مؤسسات الكيان الفلسطيني وفي 13 كانون الثاني/ يناير 1964 عقد أول مؤتمر عربي لجامعة الدول العربية، وفيه جرى بحث مسألة تحويل مياه نهرالأردن، وإقامة كيان فلسطيني مستقل([51([.

بذل الشقيري جهودا مستفيضة وتوسع في تطبيق فكرة الكيان، مدفوعا بتأييد من الرئيس جمال عبد الناصر، وتم بناء هياكل لهذا الغرض، مثل: جيش التحرير الفلسطيني الذي هو التعبير العسكري عن الكيان الفلسطيني، وفتح أول معسكر للتدريب في غزة وشاركت وحدة رمزية في احتفالات (ج.ع.م ) بُعيد احتفالات الثورة في 23 تموز / يوليو 1964، وفي المؤتمر القومي الثاني أقرت إنشاء جيش التحرير الفلسطيني، الذي ضم قوات عين جالوت في غزة، وقوات حطين في سوريا، وقوات القادسية في العراق، وافتتحت إذاعة صوت فلسطين في القاهرة، وأنشأت مركز أبحاث فلسطيني في بيروت، والمنظمات الشعبية والتنظيمات المالية، مثل:المجلس القومي الفلسطيني([52([.

في الوقت الذي خرج فيه مشروع الكيان الفلسطيني للنور كان البعث في سوريا في عداء وحرب إعلامية مع عبد الناصر، وأخذ الرئيس السوري أمين الحافظ يطرح أفكارا في التحرير كالقول: بأن اسرائيل هي أساس ما يحدث للعرب من مشاكل، وأنه إذا توفر له أربعين لواءً من القوات المسلحة فأنه يكفل ساعتئٍذ تحرير فلسطين في غضون أربعة أيام وكان موقف سوريا معزولا في هذا المؤتمر، ولم يلق استحسان المؤتمرين([53([.

أيد حزب البعث قيام الكيان الفلسطيني الثوري، وليس مجرد صفة تمثيلية، بينما قوبلت فكرة الكيان الفلسطيني منذ البدء برفض أردني. ففي حين أصرحزب البعث في القطرالسوري على ضرورة وجود كيان فلسطيني مستقل كان الشقيري يحاول استرضاء الحسين؛ حيث طالبه بافتتاح المؤتمر وذهب للعقبة ليقنعه بذلك. اشترط الملك حسين علىأحمد الشقيري أن تصرف

(م. ت. ف) النظر عن تسليح الفلسطينيين، وأن يتضمن خطاب الشقيري نصاً صريحاً بأن المنظمة ليست لها أهداف في الضفة والقطاع ؛ وعلى ضوء ذلك منعت السلطات الأردنية عدد من البعثيين الفلسطينيين حضور المؤتمر القومي الفلسطيني الذي حضره اثنا عشر منهم، لقد اتخذ البعثيون موقفا متحفظا من أحمد الشقيري ودارت حول الكيان الفلسطيني نقاشات مستفيضة، وعشية انعقاد المؤتمر القومي الأول لتأسيس منظمة التحرير نشرت صحيفة البعث السورية مشروع الكيان الفلسطيني الذي بادرت لصياغته لجنة حزبية ترأسها خالد اليشرطي عضو القيادة القومية للحزب، وعضوية عبد المحسن أبوميزر رئيس تحرير صحيفة البعث وقد عكس مشروع البعث الشكوك في قيادة الشقيري، وقبل أربعة أيام أصدر المكتب السياسي للقوى الثورية للعمل الفلسطيني الموحد بيانا نشر في بيروت أكد فيه أهمية قيام كيان ثوري يضم المنظمات الثورية الفلسطينية، وليس كيان يقوم على الجهد الفردي([54([.

قام حزب البعث بدراسة أوضاع منظمات حركة المقاومة الفلسطينية في المؤتمر القومي الثامن الذي عقد في نيسان /أبريل 1965، و قدمت شعبة فلسطين في لبنان تصورها عن هذه المنظمات وشمل تقريرها أوضاع عدد من المنظمات الفلسطينية كان أبرزها: الهيئة العربية العليا، وحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، واقترحت في تقريرها، على المؤتمر القومي الثامن أن يدرس بمشاركة الخبراء العسكريين، إمكانية قيام حرب تحريرية شعبية أي حرب العصابات في المناطق الوعرة والجبلية من فلسطين، و إمكانيات التدريب الفدائي ومشاركة الحزبين الفلسطينيين في ذلك، وتهيئة الرأي العام الفلسطيني والعربي للمشاركة المعنوية والمادية في ذلك العمل، وأبدى حزب البعث تحفظاته تجاه منظمة التحرير، وأكد وجوب الحفاظ على شخصية التنظيمات البعثية، وإعادة نشاط تنظيم حزب البعث في غزة وتشكيل قيادة فلسطينية تكون على صلة بالقيادة القومية([55([.

وقدم المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث توصياته إلى القيادة القومية، للعمل بها وأهمها:

1ـ اعتبار القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، و قضية الحزب الرئيسة ورفض الحلول التصفوية كالتوطين والتقسيم.

2ـ أبدى البعث استعداده لدعم كل عمل كفاحي مسلح تقوم به المنظمات الفلسطينية التي لا تقوم حولها شبهات، وأن ينسجم مع خطط الحزب عند وضعها ومقتضيات السلامة القومية.

وقررالعمل على تدريب شعب فلسطين بصورة ملائمة لظروف معركة التحرير وتهيئته من أجلها وقد أوصى المؤتمر القومي الثامن بتوحيد موقف الحزب ونظام الحكم في سوريا وأوصى المؤتمرون بأن يبحث الحزب في إزالة التناقض القائم مع منظمة الهيئة العربية العليا، ودرس إمكانية التعاون مع حركة فتح([56([.

وبعد أن قام الجناح العسكري لحركة فتح " قوات العاصفة " بعملية تفجير نفق عيلبون في 31 كانون أول / ديسمبر 1964 رداً على قيام الكيان الصهيوني بتحويل روافد نهر الأردن لري منطقة النقب، وقد اتخذ البعث موقفه الداعم لأعمالها، ورأى فيه ما ينسجم ووجهة نظره في تحويل روافد نهر الأردن بالقوة، وبين أن مكان العمل الفلسطيني هو أرض فلسطين وأن الاجتماعات والمؤتمرات التي تعقدها دول الجامعة العربية لن تحقق تحرير فلسطين، وأثنى على دور العاصفة حيث قال: "خطة العاصفة هي التي يجب أن يأخذ بها كل العرب في عملهم من اجل فلسطين، وهي العمل المسلح بكل ما في الكلمة من معنى "([57([.

وعندما انطلقت حركة فتح آمن البعث بتحويلها إلى جبهة ثورية تضم الفئات المختلفة للنضال في سبيل قضية فلسطين، ولقد عبر" تنظيم البعث الفلسطيني" في لبنان عن ترحيبه بمشاركة فتح في نضالها المسلح، وقاتلوا في صفوفها، وفرز عددا من أعضائه لهذه الغاية، وكان منهم جلال كعوش أحد شهداء الثورة الفلسطينية في الفاتح من كانون الثاني / يناير1965، ولم تمنع الخلافات في المنطلقات الفكرية والسياسية من هذه المساهمة([58([.

ومن الذين تم فرزهم لينخرطوا في حركة فتح، عضو القيادة القومية خالد اليشرطي، والذي كان عضوا فيها بين عامي 1959 ـ 1966([59([.

أسهم البعثيون بدور مهم في م.ت.ف والحركات الأخرى، فقد شاركوا في تأسيس جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، ومن أبرزهم بهجت أبو غربية، ورفعت عوده([60([.

التحق كمال ناصر ب ( م. ت. ف)، الذي عمل محرراّ لمجلة فلسطين الثورة وناطقا باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس دائرة الإعلام والتوجيه القومي فيها([61([.

و انضم ناجي علوش إلى حركة فتح بعد أن كان مسؤولا بارزا ً في حزب البعث، وسبق له أن حضر المؤتمر القومي الثالث([62([.

لقد غلب حزب البعث شعار الوحدة طريقاً لتحرير فلسطين على غيره من الشعارات الأخرى وكان يرى حل قضية فلسطين، وسائر القضايا الأخرى من خلال نظريته القومية الشمولية، لقد أظهر البعث قصوراً وضعفاً في تطبيق شعار حرب التحرير الشعبية رغم إيمانه بها، وتأخر في تطبق شعار اقامة جبهة تحرير فلسطين، رغم طرحه لها منذ عام 1959. ومع أن حزب البعث عاد يدرس بعناية المشكلة العربية في فلسطين في المؤتمر القومي السادس المنعقد في أيلول بدمشق عام 1963 داعياً الدول العربية بصورة عامة والسلطتين الثوريتين في سوريا والعراق بصورة خاصة إلى تنفيذ واقرارجبهة تحرير فلسطين، وأن تكون بمنأى عن الخلافات العربية وانتهى إلى اعتماد عرب فلسطين كطليعة لتحرير فلسطين([63([.

يظهر أن كلا السلطتين العراقية والسورية لم تسلكا الطريق الذي أسهم في تغيير واقع الشعب الفلسطيني، وظل البعث يرفع شعارمنع تحويل إسرائيل لمياه نهر الأردن بالقوة العسكرية، ولكنه لم يمارس فعليا القوة، وظل يتهم الرئيس جمال عبدالناصر بأنه لايملك خطة تحرير، ويصفه بأنه يتذرع " بوجود القوات الدولية في قطاع غزة وسيناء ويقيم تنظيما ت فلسطينية متضاربة، هو مرجعها الأساس"([64([.

لقد غلّب حزب البعث الحاكم في سوريا الشعارات على العمل في موضوع تحرير فلسطين ولم يكن عمله بمستوى طرح شعاراته في سنوات 1963 ـ 1967، ولعل انشغال قيادات الحزب القطرية والقومية، في سوريا في خلافات عميقة، وتيارات متضاربة منع من تطبيق شعار الكفاح المسلح الذي نادت به مؤتمرات البعث القومية. رغم ذلك اهتمت قيادة البعث في سوريا بتطوير العلاقة مع حركة فتح، وأمرت عدد من عناصرها بالانخراط في حركة فتح، و كان من بينهم يوسف العرابي، ومحمد حشمت، وهما فلسطينيان ذوي نزعةٍ بعثية وإعدادٍ عسكريٍ، تطوعا في صفوف العاصفة، وقتلا في نهاية شهر شباط / فبراير 1966 برصاصات مسدسٍ مجهول، ولم يتضح كيف قتلا ؟

وما لبثت أن ارتابت السلطات البعثية في دمشق، أن يكون قادة فتح وراء تصفيتهما، وهكذا تم توقيف القادة: ياسر عرفات، و خليل الوزير أبو جهاد، و أبو علي إياد، وأبو صبري صيدم، وسبعة أعضاء آخرين، أقل أهميةً، وجرموا بالاغتيال. وتم الإفراج عنهم، بعد نقاش وجدال بين قادة فتح ووزير الدفاع حافظ الأسد ، ولم يبق في السجن، سوى عنصرٍ بسيطٍ([65([.

مع ذلك كان للبعث الدور الكبير في إتاحة الفرصة لحركات فدائية أن تنشط في نشاطاتها التنظيمية والسياسية في دمشق، ومن بينها حركة فتح، وشباب الثأر، وجبهة التحرير الفلسطينية، وقد وظفت حركة فتح تحالفها مع بعض قادة حزب البعث في سوريا الذين رأوا في كفاحها المسلح ما ينسجم مع نظرة البعث القومية، ومدوها بالخبرات والدعم العسكري الذي أوصلها لتنفيذ أول عملية عسكرية في الأول من كانون الثاني / يناير 1965([66([.

كانت أهداف منظمة التحرير في السيطرة على الفلسطينيين ومرابطة جيش التحرير في الضفة الغربية تحمل في طياتها تهديدا خطيرا للأردن، وكان واضحا للملك أن الأمور ستقود عاجلا أم آجلا للصدام بين الطرفين بسبب تعارض الجانبين، فبينما ترغب المنظمة في تنظيم الفلسطينيين فإن الأردن يرغب في السيادة على المملكة ومواطنيها([67([.

تم توقيع اتفاق بين المنظمة بقيادة أحمد الشقيري، والحسين بن طلال في عام 1966، الذي ينظم طرق جباية ضريبة التحرير، والبرنامج الإذاعي، وإنشاء المعسكرات الصيفية والإرشاد القومي، وبعد فترة علم مصدر للمنظمة أن مجلس الأمن القومي الأردني قرر ضرب القواعد المؤيدة ل م ت ف وبالمقابل جرت اتصالات مختلفة بين جبهة المعارضة لإقامة جبهة بينها التي شملت الأحزاب المحظورة في الأردن وتمت لقاءات بين البعث والقوميين العرب والشقيري لتنسيق العمل الفلسطيني،وفي نهاية آذار ونيسان تفاقمت الأزمة بين الجانبين،ووجهت الحكومة ضربة اعتقالية واسعة ضد المتعاطفين مع حركة القوميين العرب وحزب البعث، والحزب الشيوعي وأعضاء النقابات المهنية المقربين من المنظمة والمتعاونين معها([68([.

ج) موقف البعث في فلسطين من الحكومة الأردنية بُعيد أحداث السموع

تعرضت قرية السموع وهي من قرى الخليل الحدودية في صباح يوم الأحد 13تشرين الثاني/ نوفمبر1966 م، لاعتداء إسرائيلي كبير، الذي قام به العدو الإسرائيلي في الساعة الخامسة والنصف صباحا، وقد تم التحضير له بعد أن احتشدت قوات للعدو مكونة من لواء مشاة منقولاً بناقلات نصف مجزرة، ومساندة كتيبة دبابات وكتيبة مدفعية وسرية هندسة، ويغطيها سربان من طائرات الميراج، وبدأ الهجوم علىمحورين هما محور رجم المدفع ـ رافات ـ السموع، ومحور الاصيفرـ يطا، وبدأ الهجوم الصهيوني بقصف مدفعي شديد على جميع هذه الأهداف([69([.

قدم الجيش الأردني كتيبة مشاة ناقصة التجهيز للدفاع عنها، و حظيرة مشاة كانت موجودة في رافات وأخرى موجودة في مخفر الاصيفر، وكذلك رجال الشرطة في مخفر رجم المدفع وتعطل الهجوم قليلا، واندفع الطيار الشهيد الملازم موفق السلطي يقتحم سرباً من طائرات العدو، وخر شهيدًا بعد أن أصاب إحداها، وتقدمت طلائع النجدة الاردنية بعد ها إلى مشارف قرية السموع واستشهد الرائد الشهيد محمد ضيف الله الشوبكي، وجرح قائد اللواء العقيد بهجت المحيسن أثناء تقدمه لقتال العدو وبقي القتال حتى الساعة التاسعة صباحاً([70([.

هبّت المظاهرات العنيفة في الضفة الغربية والتي أخذت تطالب بتأمين الحدود والدفاع عنها وهي مظاهرات اختلفت عن غيرها في مطالبها، و تعرضت حكومة الأردن إلى حملة عنيفة من منظمة التحرير الفلسطينية وأحزاب الحركة الوطنية التي اهتمت هذه المرة بالمطلب الفلسطيني ؛مما يعكس بروز وظهور الكيان الفلسطيني بينما كانت مطالب الحركة الوطنية في المرات السابقة ندعو إلى غير ذلك، ففي مظاهرات 1956/1957 طالبت بتحقيق الحكم الوطني، وكان هدف مظاهرات 1963 مطالبة حكومة الأردن بالانضمام إلى محادثات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق([71([.

تعرضت حكومة الأردن لانتقادات عنيفة من قبل مصر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية وتسابقت في كيل التهم ضد الملك حسين، ورئيس وزرائه وصفي التل، وقد أفرزت الأحداث انتفاضة شعبية وطالب الفلسطينيون حكومة الأردن بالثأر وأحرجت وضع الحسين، وقد شجع البعثيون في سوريا رئيس م. ت. ف أحمد الشقيري على رفع وتيرة انتقاداته، وردت حكومة الأردن على ذلك بطرده إلى غزة، وقد تعرضت إذاعة دمشق للموقف الأردني بالشتائم، ووصفت الهجوم بأنه مؤامرة خطط لها الحلف الاستعماري الهاشمي الصهيوني، والهدف في رأي البعث إظهار حكمه بمظهر المقرر، وإتاحة الفرصة للملك حسين كي ُيمعن في إضطهاد الأردنيين([72([.

وفي خطاب الشقيري في الجلسة الثانية لمجلس الدفاع العربي في القاهرة تعرض لموقف الملك حسين، واتهمه بخيانة قضية فلسطين، وعدم تنفيذه مطالب (م. ت.ف) والقيادة العربية الموحدة في تبني خطة عسكرية دفاعية والإعداد لمعركة التحرير ووصف موقف الأردن بالتقصير؛ بعد أن دخلت القوات الإسرائيلية إلى السموع، وقامت بنسف بيوتها، وهي مطمئنة طيلة ثلاث ساعات وقبل أن تتمكن قوات النجدة من الدفاع وقد وصلت قبيل انتهاء الغارة بدقائق، ولم تكن هناك دبابات أو مدرعات ومصفحات سوى سيارات وأسلحة خفيفة، وعاد المغيرون الإسرائيليون، وهم ينشدون ويرقصون ،وقد أخذوا معهم بعض الجرحىالفلسطينيين([73([.

وذكر الشقيري أن البلاغ بشأن الاعتداء الصهيوني وصل متأخرا بعد 5 ساعات وان الملك حسين رفض عمل القاعدة الجوية، التي تأخرت عامين، وكان من المفترض أن يبدأ العمل فيها في الأول من تموز / يوليو 1964م، ولكن العمل بدأ في حزيران / يونيو 1966 واتهم الشقيري التل بأنه أفشى أسرارا عسكرية للعدو([74([.

واجه الطيارون الأردنيون الهجوم الإسرائيلي بعمل أشبه مايكون بالعمل الانتحاري ؛ إذ لا يعقل أن تقف طائرتي هوكرهنتر أمام الميراج الإسرائيلي، ورغم أن القيادة العربية العليا المشتركة طلبت قبل حدوث الهجوم بفترة أن يقوم بتقوية سلاح الجو، ولوحت إسرائيل بأنها ستوجه ضربة للأردن، بدعوى قيام هجمات فدائية عليها، وخرقها خط الهدنة معها ؛ ولهذا اتخذت اسرائيل مختلف المسوغات للدفاع عن أسباب غارتها الإرهابية، فقد جاء على لسان أبا ايبان وزير خارجيتها الذي قال في مؤتمر صحفي بعد الغارة: " أن هذه الغارة لا تقصد منها أن تكون موجهة ضد الملك ولا ضد الحكومة، وانما هي موجهة ضد الشعب، ضد القرى الأمامية التي تأوي الفدائيين، والتي ينطلق منها الفدائيون"([75([.

شهد الأردن مظاهرات شعبية في أعقاب أحداث السموع في 21 تشرين الثاني، ووصفت القيادة القطرية لحزب البعث العربي في الأردن الحكم الأردني بالمتآمر منذ عهد الملك عبدالله، الذي سبق له أن سلم مناطق كانت تحت حراسته وأن انطلاقة الفدائيين جاءت بسبب انطلاقة طلائع شعب فلسطين في حرب التحرير الشعبية، وقد شن النظام أسلوب البطش بالحديد والنار ويمارس أوسع حملة اعتقالات في مدن المملكة، كما أن عشرات القتلى سقطوا وأغرقت الشوارع بالدماء في مظاهرات السموع وختم البيان بالدعوة إلى وحدة القوى التقدمية والتمسك بقرارات مؤتمر نابلس المعبرة عن أهداف الجماهير الثائرة([76([.

و يطالب بيان القيادة القطرية الأقطار العربية بتسليح الشعب الفلسطيني، وقلب النظام الأردني لتدافع جماهير الشهب، وعن بيوتها وممتلكا تها وأطفالها من أجل الانضمام لقافلة الدول العربية المتحررة: " أن ثورتكم الهادرة لا بد وان تستمر حتى يتحقق للأردن بضفتيه حكم تقدمي يهيئ الفرصة اللازمة لتنظيم الجماهير وتسليحها وتدريبها من أجل خوض حرب التحرير الشعبية طريق العودة الوحيدة والحتمية "( [77([.

تلا هذا الحادث حملة اعتقالات كبيرة للحركة الوطنية الفلسطينية والتي سبق لها أن تعرضت في نيسان من العام نفسه إلى حملة مماثلة، التي جرت ضد البعث والقوميين العرب والحزب الشيوعي وأعضاء م. ت. ف، وبهذه الحملة الاعتقالية أصبحت الحركة الوطنية في المملكة الأردنية مكسورة الجناح، وما أن شنت حرب حزيران/ يونيو 1967 حتى كانت تعاني من ضعف شديد، لم يمكنها من تنظيم مقاومة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، و كان هذا نذير شؤم للأوضاع القادمة([78([.

د) الأوضاع التي قادت إلى انقلاب 23 شباط 1966 في سوريا، وتأثيرها على حزب البعث في فلسطين

أدّى حل حزب البعث في سوريا، أثناء الوحدة المصرية ـ السورية، إلى أزمة عميقة لاحقا في مسيرة حزب البعث ووحدته التنظيمية كما سبق ذكره، والتي أفسحت مجالا لعمل فئات مختلفة باسم الحزب ومنها اللجنة العسكرية التي نشأت بعد إبعاد عدد من الضباط السوريين من سوريا إلى مصر، حيث أسست بعد نقل ضباط موالين للبعث من الإقليم الشمالي (سوريا) إلى الإقليم الجنوبي (مصر) في عهد الجمهورية العربية المتحدة، وهناك كلفوا بأعمال روتينية غير مهمة عسكرياً، وقد تداعى هؤلاء لتشكيل لجنة عسكرية، وكان من أبرز وجوهها: صلاح جديد، وحافظ الأسد، وسليم حاطوم، ومحمد عمران، ويوسف زعين، وعبدالكريم الجندي، وأحمد المير. وهؤلاء كانوا يسعون لتعديل مسار الوحدة، وتوحيد مواقف الضباط البعثيين بإقامة الصلة فيما بينهم([79([.

وكانت هناك مجموعة عرفت ب" مجموعة القطريين"، ومن شخصياتها: نور الدين الأتاسي، و إبراهيم ماخوس، و مرجعية هؤلاء: وهيب الغانم، وزكي الأرسوزي، ويتبنى هؤلاء الفكر الماركسي ويتهمون جمال عبد الناصر، وميشيل عفلق بتصفية الحركة الشعبية. وبالمقابل كانت القيادة القومية التي يتزعمها ميشيل عفلق، وصلاح البيطار، يتعاطف معها الياس فرح، و شبلي العيسمي، و جمال الأتاسي، وعبدالله عبد الدائم، وعبد البرعيون السود، وغيرهم. ووجدت كتلة أكرم الحوراني، ومنهم: عبد الفتاح زلط في حلب، ورياض المالكي في دمشق، وخليل كلاس، ومصطفى حمدون، وجمعها مع كتلة القطريين موقف واحد من جمال عبدالناصر والوحدة بين مصر وسوريا([80([.

نجحت القيادة القومية بقيادة عفلق في التغلب على حلفاء عبدالناصر في حزب البعث، وسجل عفلق انتصاراً للحزب وله في مؤتمرات البعث القومية الثالث عام 1959 ؛ حيث طرد عبدالله الريماوي وتياره، وفي الرابع طرد فؤاد الركابي، وفي الخامس أطاح بأكرم الحوراني وفي السادس هزم، وفي السابع انتقم من علي صالح السعدي، وحمود الشوفي، وياسين الحافظ، وهاني الفكيكي بطردهم، وفي الثامن فشل مسعاه لضرب اللجنة العسكرية، واستلم منيف الرزاز أمانة الحزب القومية([81([.

كانت اللجنة العسكرية تعمل بصمت في السر ووراء الكواليس، وهي تراقب عمليات الطرد التي تجري في حزب البعث، و كان آخرها طرد الحوراني*، ووقفت اللجنة العسكرية منها موقف المتفرج وهي تراقب صراع القيادتين القومية والقطرية في سوريا ؛ وهم يطمحون أن يكونوا محور السلطة ويرقبون بغبطة وسرور هجوم القيادة القطرية على ميشيل عفلق وصلاح البيطار([82([.

نجحت اللجنة العسكرية في قيامها بانقلاب8 آذار/ مارس 1963 دون أن يشترك قادة البعث في التخطيط له أو التنفيذ، ولكنهم نسبوا انقلابهم إلى حزب البعث استناداً إلى تراث البعث في الجيش وفي الشعب، كما أن ثورة الثامن من شباط العراقية 1963 دفعتهم لاختيار البعث بملء إرادتهم، ووجهو ا الدعوة لصلاح الدين البيطار لتأليف حكومة جبهة قومية ليرأسها، وبدورها أشركت القيادة القومية لحزب البعث قيادة التنظيم العسكري في قيادة الحزب المدنية، بينما ظل التنظيم العسكري مغلقا على قيادة البعث، ولا يحق للأمين العام ميشيل عفلق التدخل فيه([83([.

جاء المؤتمر القومي السادس، المنعقد في دمشق عام 1963، ليظهر إلى السطح التكتلات التي عملت بصمت منذ سنوات، وفي المؤتمر نجحت الفئة الماركسية في طرح التقرير العقائدي*، ونيله التأييد. حقق الخط اليساري الماركسي نجاحا في تثبيت ما سمي ب "المنطلقات النظرية"، وتحول حزب البعث إلى حزب شبيه بالحزب الماركسي، وبرزت لديه مقولات: الحزب القائد، وحزب الطبقة العاملة وتبنى الاشتراكية العلمية بديلا للاشتراكية العربية، وأدان المؤتمر تقديس الحزب للملكية الفردية، وقدموا الديمقراطية الشعبية بديلا عن التجربة البرلمانية التي وصفت بأنها مفهوم برجوازي وفي هذا المؤتمر ظهرت مقولات: "يمين بعثي " و" يسار بعثي "، وسقطت هيبة القيادة القومية التاريخية، وقد ألغى المؤتمر دستور حزب البعث، ولم يعد يؤمن بميشيل عفلق كملهم وقائد، ومع أن القطريين السوريين كانوا راغبين في إضعاف عفلق الا أن العسكريين منهم كانوا يشعرون أن الثكنات العسكرية هي المكان الذي تحسم فيه المعارك([84([.

ويلاحظ في هذا المؤتمر، أن نصيب سوريا والعراق** في القيادة القومية جاء أكثر من المرات السابقة، ويفوق القطرين اللبناني والفلسطيني حيث خضع للموازين العسكرية والسيطرة على السلطة في البلدين([85([.

توالى ضغط وتكتيل القطريين والعسكريين داخل حزب البعث، وفي مؤتمراته القطرية والقومية وغرقت القيادة القومية في البحث عن آلية عمل يتم فيها تحديد نسبة العسكريين واسترجاع سيطرة المدنيين على الحزب، ولكن دون فا ئدة ترجى حتى اضطر ميشيل عفلق إلى تقديم الاستقالة في المؤتمر القومي الثامن عام 1965.

ورشح بدلا منه منيف الرزاز الذي نال ثقة أغلبية المقترعين واكتفى عفلق بمنصب القائد العام المؤسس لحزب البعث([86([.

كانت مهمة منيف الرزاز عسيرة ومعقدة، فقد دخل لجة ً من الصراعات والخلافات بين تيارات البعث المختلفة التي ضمت ثلاثة أطراف متصارعة على زعامة البعث وهي: القيادة القومية، والقيادة القطرية، واللجنة العسكرية، وجميعها يحاول الإمساك برقاب السلطة والتفرد بها، فهل ينجح الرزاز في مسعاه ؟!

قام الرزاز بخطوات حثيثة لبعث الحيوية والنشاط والحركة في القيادة القومية ومواجهة عزلتها الخانقة عن قواعد الحزب ؛فأجرى لقاءاته واتصالاته بمنظمات الحزب في سورية وخارجها وفتح الباب للصحافة واتصل بعدد من الأحزاب الشيوعية والاشتراكية، وزاد من وسائل التثقيف، و التوعية الفكرية والحزبية، وأعاد الذين فصلتهم اللجنة العسكرية بسبب الشك في ولائهم، وعمل على تقوية سلطة القيادة القوميه، ودفع الحكم للإفراج عن المعتقلين والمحكومين سياسيا، ورفع الإقامة الجبرية والاهتمام بالشكاوى الموجهة ضد سوء استخدام السلطة([87([.

بقي أمام الرزاز حل المعضلة المهمة، وهي: تضيق الخناق على اللجنة العسكرية واطلاق يد القيادة القومية وتحديد عدد ودور العسكريين في القيادة القطرية السورية.

الا أن طارئا دخل إلى ساحة الصراع، فبعد أن كان محور الخلاف بين اللجنة العسكرية والقيادة القومية، أصبح الخلاف داخل اللجنة العسكرية.وهو خلاف ظهر بين اللواء صلاح جديد والفريق أمين الحافظ، ومحوره نقل المقدم أحمد سويداني من منصب مدير مخابرات إلى منصب شؤون الضباط، وهو ما أثار صلاح جديد، وأخذ يهاجم الفريقأمين الحافظ متهما إياه بحصر السلطات بين يديه وسدد له ضربة بالإيقاع بينه وبين المتعاونين معه في السلطة، وكانت تكتيكات صلاح جديد هي الأقوى في هجومه المتتابع على القيادة القومية ومؤيديها، وقد نجح في عزل أمين الحافظ عن العسكريين وتكتيلهم حوله، ثم أصبح الأمين القطري للقيادة القطرية للبعث. حاول منيف الرزاز أن يعيد تركيب القيادة القطرية السورية بأن تضم عددا من المدنيين والمؤيدين للقيادة القومية في مسعى يهدف إلى أخذ زمام القيادة بيد المدنيين كما حاولت القيادة القوميه إبعاد أهم شخصيتين عسكريتين عن الحزب وهما: صلاح جديد وأمين الحافظ، ولكن خلافا جديداً نشب بينهما حول من يتولى وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، ولكن غياب سلطة القيادة القومية ظلت قائمة، وأمرت القيادة القومية القيادة القطرية السورية بالاستقالة وأدخلت دما جديدا، وتوسعت من 11 عضواً إلى 16 عضوا ً([88([.

يلاحظ أن القيادة القومية ظلت عاجزة عن ضبط الأمور والسيطرة على السلطة في سوريا، بسبب السيطرة التي حظيت بها اللجنة العسكرية المسيطرة على الجيش، وبالتالي فرضت سلطتها على الحزب.

لقد نجحت اللجنة العسكرية في الدخول إلى القيادة القطرية السورية بعد أن جرت انتخابات حزبية بعد أيام من ثورة الثامن من آذار/ مارس1963 ، وبلغ عدد العسكريين 4 أشخاص مقابل 5 أشخاص. وحمل ذلك صعودا للقيادة القطرية، التي تعادي ميشيل عفلق، وصلاح البيطار، وجمال عبدالناصر، ويلتقي معها تيارمناوىْ لميشيل عفلق يتمثل في تيارعلي السعدي في العراق([89([.

كان عفلق والبيطار يؤمنان بأن حل الخلاف بينهما وبين القيادات الشابة لا يمكن له أن ينتهي إلا بتفجير الأزمة، وعدم الصمت أو الاكتفاء بالمداراة، وأن أسلوب العلاج الوحيد هو المجابهة، وكان رأي البيطار أن تتبع القيادة القومية سياسة التأزم مع العسكريين، حتى يخضع العهد الجديد لما تمليه إرادة القاعدة الحزبية([90([.

ألقى عفلق حديثا طويلا في مؤتمر الأطراف " المنعقد بدمشق، بتاريخ 18 كانون الأول / ديسمبر 1965 وشن أوسع هجوم على " القطريين والعسكريين "، و تناولته الصحف، ولم يعود الخلاف مستوراً كما كان من قبل و كرس فيه هجومه وانتقاده للقيادة القطرية السورية، ويتلخص في مايلي: ـ

أولا: إن الحزب تحول إلى تكتلات وشلل، و إلى عمليات دس وتخريب تقوم بها القيادة القطرية السورية، كالفصل بين القيادة القومية، والقاعدة الحزبية.

ثانيا: انتقد عفلق القيادة القطرية التي أغرتها السلطة واتمهمها للقيادة القومية باليمينية وهي تهاجم تاريخ الحزب وتتهمه باليمينية، مع أن البعث يساري النزعة أصيل، وأن اليسارية هي: تحليل علمي موضوعي.

ثالثا: دعا ميشيل عفلق للفصل بين الجيش والسياسة، وعدم جمع الحزبيين بين وظيفتين، وأن لا يقود العسكريون العاملون في قطاعا تهم العسكرية حزب البعث.

رابعا: دعا إلى ضرورة احترام القيادة القومية، لأن بيدها سلطة الحزب طيلة 25 عاما.

خامسا: وجه اتهاما صريحا للجنة العسكرية والقيادة القطرية، التي جاءت بعد ثورة 8 آذار/ مارس 1963، واتهمها في التسبب في العزلة التي يعانيها البعث عن محيطه العربي وعن الشعب وأن هناك أياد مشبوهة* قد دست في صفوف حزب البعث لتخريبه، ولا يستبعد أن يكون لأعداء الأمة العربية دور فيها([91([.

بعد نجاح القطريين والعسكريين السوريين في سحب البساط من تحت أرجل القيادة القومية منذ انقلابهم في آذار/ مارس 1963، راحوا يطالبون القيادة القومية ببحث مسألتي " الاعتدال واليسارية " في مؤتمر قطري لحزب البعث، الا أن القيادة القومية رفضت هذا الطلب ووقفت ضده([92([.

تمثلت شرارة الانقلاب على القيادة القومية، بعد أن أصدرت القيادة القومية أمرا بنقل سليم حاطوم وعزت جديد أصحاب قوة عسكرية مرابطة حول دمشق، وكانا يهددان القيادة القومية، ويعتبران أن قواتهما ملك خاص بهما وقد تمردا على القرار وأوامر النقل، وعادت القيادة القومية لتقرر نقل ثلاثة من أنصار القيادة القطرية، واثنين من أنصار أمين الحافظ، وعقدت جلسة لهذا الغرض مساء يوم 21 شباط/ فبراير واستغرقت حتى صباح يوم 22 شباط ووقف اللواء حافظ الأسد في الجلسة و قال: " يا إخوان أبلغكم من الآن، أنا مع هؤلاء الضباط أن سكتوا سكت معهم، وأن اعتصموا اعتصمت معهم، وأن قاتلوا قاتلت معهم "([93([.

في صبيحة يوم الأربعاء الساعة الخامسة الموافق 23 شباط / فبراير 1966 تحركت دبابات يقودها عزت جديد، انطلقت من القابون على بعد ثلاث كيلومترات من دمشق واتجهت إلى أبي رمانة حيث يسكن الحافظ، ثم خرجت سيارات تحمل المغاوير من حرستا على بعد سبع كيلومترات، التي يقودها سليم حاطوم، وصوبت ألأسلحة إلى مقر القيادة القومية، ومقر الرئيس السوري أمين الحافظ، ودامت المعركة ساعة حول قصره وأعلنت سوريا نبأ الانقلاب الذي قامت به القيادة القطرية المؤقتة، وانقطعت أخبار سوريا عن العالم سوى ما تذيعه إذاعة دمشق، التي أعلنت نبأ القبض على القيادة القومية وتحويل القادة التاريخيين إلى محاكم حزبية، وقد أسهم الطيران السوري بقيادة اللواء حافظ الأسد في إسناد الحركة([94([.

نشر منيف الرزاز من مخبأه السري في دمشق بيانا في 8 آذار/ مارس 1966، وفيه كتب عن الانقلابيين الذين داسوا على شرعية الحزب تدفعهم شهوة الحكم مستعينين بقوة العسكر لفرض إرادتهم، وأنه أريق به من الدماء مالم يرق في غيره، ووصفهم بالمرتدين عن مبادئ البعث، وأن القيادة القومية حاولت أن تحل الخلاف بمنطق الحزب لا بمنطق القوة والتكتل العسكري، وأن تحل الولاء للحزب وأخلاقه وعقيدته ومبادئه، وتحملت كثيرا ً في سبيل ذلك فوق كل ولاء، واتمهمها بالخيانة وممالأة الاستعمار([95([.

وأعلن( القبض)* على العديد من قادة البعث منهم: الفريق أمين الحافظ، ميشيل عفلق منيف الرزاز، خرج ا نقلابيو 23 شباط على الشعب السوري بثلاثة بيانات، وقد جاء فيها فرض قرار حظر التجوال في القطر العربي السوري في صباح يوم الأربعاء بتاريخ 23/ 2 / 1966 وحتى إشعار آخر وإغلاق المطارات والحدود، محمد عمران، ومنصور الأطرش، و صلاح البيطار، و شبلي العيسمي، وأعلن أنهم سيقدمون لمحكمة حزبية جزاء ما اقترفت أيديهم بحق الحزب والثورة، وأعلنت عملها بالدستور المؤقت، وحل المجلس الوطني للثورة، وتعيين اللواء حافظ الأسد وزيراً للدفاع([96([.

كشف انقلاب شباط السوري عن ضعف البنى والخيوط التنظيمية ومراتبها، والولاء للقيادة القومية، وللجناح المدني من البعث، وأظهر هشاشة الانضباط الحزبي وكان فاتحة لفرض قوة العسكريين وتصارعهم المستمر للسيطرة على الحزب والدولة بعد أن كان المثقفون يقررون سياسة البعث، ومنذ ذلك التاريخ انقسمت قيادة البعث رأسيا وأفقيا، و تكونت قيادتان قوميتان، وتبلور جناحان متخاصمان في سورية والعراق، وسائر الأقطار العربية التي يتواجد فيها حزب البعث، أحدهما يدعم القيادة التاريخية القومية برئاسة ميشيل عفلق، وآخر يؤيد الانقلابيون السوريون.

أصدرت القيادة القومية بيانا من بيروت أوضحت فيه أن انقلاب شباط لن يكون آخر إلا نقلابات بل سيتبعه انقلابات أخرى*، وقد جاء في بيانها توكيدا لخطاب عفلق في "مؤتمر الأطراف " أن العقيدة والمبد أ ستبقى والنضال لا الحكم والمادة وأن الانقلاب يفصح عن طبيعة النظام الذي يؤمن بالسلاح والقوة، وأنه لن يبقى حزب البعث ولا ثورة تمت للحزب طالما فقدت القيادة القومية شرعيتها، وهي التي تمثل منظمات البعث في الوطن العربي، ووصفت الانقلاب بأن ليس له صلة بحزب البعث([97([.

ووصفت الانقلاب أنه قام على التكتل منذ أن اتفقوا على القيام بانقلاب 8 آذار/ مارس 1963 في سوريا وهي لا تأسف على حكم صنعته القوة الغاشمة، وأردفت قائلة: " إذا كانت الدبابات والمدافع هي التي صنعت ثورة الثامن من ا ذار، وهي التي أتت على حزب البعث إلى الحكم، فليذهب هذا الحكم لأنه قام على أساس فاسد… ولأنه فقد روحه الثورية، ولم يبق فيه الأ القوة الغاشمة التي تصنع في كل يوم انقلابا. "([98([.

عبرت القيادة القطرية الأردنية عن تأييدها للقيادة القومية التاريخية في بيان نشرته مجلة الأحرار اللبنانية في 26 آذار / مارس 1966 وفيه أعلنت عن تمسكها بالشرعية الحزبية ممثلة بالقيادة القومية. و زعت بيانها على الصحف والإذاعات، ووصفت الانقلابيين بالمرتدين، واعتبرت أن استخدام القوة والعنف عمل غير حزبي، وطالبت أن يكون الاتصال مع القيادة القومية من خلال مكتب الاتصال في بيروت، ورفضت إجراء أي اتصال على انفراد مع الانقلابيين في سوريا، مشددة على أهمية الاعتماد على النفس، وجمع التبرعات من الحزبيين([99([.

بعد فترة تشكلت قيادة قطرية جديدة في المملكة الأردنية كان من بين أعضائها محمود معايطة وضافي جمعاني، و عبدالرحمن العرموطي، وهاجم الهنداوي، واعتبروا حركة 23 شباط حركة شرعية تمثل الحزب، وأعلنوا ولائهم لها، ومال آخرون للتعاون مع العهد الجديد، بينما امتنع جمال الشاعر** عن المشاركة فيها، وفضل آخرون التريث والانتظار([100([.

كان من تداعيات انقلاب 23 شباط السوري أن عددا من الدول العربية اغتنمت فرصة الخلاف بين رفاق الأمس، وراحت تشن حملة اعتقالات في العراق، والأردن، ولبنان([101([.

حيث بلغ عدد المعتقلين في الأردن ما يزيد عن 400 شخص إضافة إلى اعتقالات شملت حركة القوميين العرب، وحركة فتح([102([.

شملت الاعتقالات أعضاء القيادة القطرية الأردنية للبعث، وأعضاء فرع عمان وُشعب إربد، و نابلس، و القدس، وقد أحال عبدالوهاب المجالي وزير الداخلية الأردني آنذاك أعضاء القيادة القطرية للقضاء بتهمة الانتساب إلى حزب غير مشروع والقيام بنشاط مخل بأمن الدولة، واستلام أموال من سفارة أجنبية والمتهمون هم: الطبيب البيطري عبد الغني موسى النهار أمين سر القيادة القطرية. وأعضاء القيادة القطرية وهم: عايد حنا البقاعين، وفهد الفانك، وعدنان خليل شقير، و فايز محمد سحيمات، و واصف يعقوب عازر([103([.

وطالت الاعتقالات مدن الضفة الغربية والضفة الشرقية وأشرف على التعذيب ضابط ألماني برتبة رائد، وتعرضوا لتعذيب جسدي ونفسي شديد ين.

تواصلت الاعتقالات لمدة تزيد عن ستة شهور، واعترف بعض المعتقلين من المدنيين عن ضباط في الجيش بأنهم خططوا لعمل انقلاب، ولكن رفاقهم ضغطوا عليهم باتجاه عدم الاعتراف وعانى من التعذيب الشديد: عياد المالكي، وأحمد سمحان، وألصقت بهما المباحث الأردنية، تهمة الأعداد لنشاط عسكري، والتخطيط لتشكيل تنظيم فلسطيني مسلح. شملت الاعتقالات مدينة نابلس اعتقل هارون رشيد وتيسير لبادة، وخالد الطاهر، ومن قلقيلية حسين جبارة، ومن رام الله سمحان زهران، وعياد المالكي، ومنير المالكي، ونمر مرثا، وهرب يوسف البرجي إلى سوريا، ومن بيت لحم موسى درويش وإبراهيم طريف، وغيرهم من الضفة الشرقية. ومن حركة القوميين العرب، اعتقل سمير غوشة ، وصبحي غوشة، وحمد ربيع([104([.

أدت الاعتقالات المتكررة سنويا إلى إنهاك حزب البعث بعد حصاد قادته التي اتبعتها السلطة، وخسارته للعديد من قياداته التي دب في نفوسها الإحباط والإحساس بالوهن، و لقد زادها انقلاب 23/ شباط السوري زيادة في التصدع، ولم تعد بعض قياداته وعناصره تجد فيه حزبا طليعيا، بينما وجد بعضهم في منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها بديلا عنه.

عاد كمال ناصر إلى الأردن يائسا مما قام به انقلابيو23 شباط / فبراير في سوريا* وبعد أن نجح انبرى يهاجمهم في الشوارع سجنوه حتى فر من سجنه، وفر إلى لبنان ثم لجأ إلى باريس، وعاد إلى بلده بيرزيت ـ فلسطين في أواخر عام 1966، وبعد عام 1967 شارك في" لجنة انقاذ القدس "، التي نشطت عربيا وعالمياً في فضح الإجراءات الصهيونية، وفي يوم الثالث والعشرين من كانون الأول /ديسمبر أعلن راديو العدوالصهيوني عن نفيه وإبعاده وصديقه ابراهيم بكرمن قبل السلطات الصهيونية إلى خارج فلسطين، وبعد خروجه ضم عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسؤولاً للتوجيه والإعلام، وفي عام 1970 أصبح متحدثاً رسميا باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير االفلسطينية**([105([.

[1])انظر: منشور باسم (القيادة القطرية الثورية )، يتناول الحركة وأهدافها نشر عام 1962.

*أيد الريماوي في الأردن كل من: بهجت أبوغربية، سليمان الحديدي، بسام أحمد الشكعة، حسني صالح الخفش بسام عبدالحميد السائح، محمد العارف، تركي حدادين.

**أيد عفلق: سعدون حمادي (العراق )، و جمال الشاعر (الأردن )، و وفا الصايغ (فلسطين ـ غزة )، ومالك الحاج إبراهيم (فلسطين ـــ طولكرم)

[2]) " نشرة داخلية سرية للأعضاء "، سلسلة نضال البعث: كتاب ( القيادة القومية 1963ــ 1966) ج10، ص105.

و أيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع بسام احمد الشكعة، الذي حضر المؤتمر القومي الثالث.

[3]) رسائل مطبوعة من بهجت أبو غربية، مرجع سابق.

وأيضا مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع مالك الحاج إبراهيم. ومقابلة أجريت بتاريخ سابق مع بسّام الشكعة.

[4]) انظر: "التعميم الشهري رقم 2 منتصف كانون الثاني 1961 سري وخاص بالقيادات "، سلسلة نضال البعث: كتاب القيادة القومية 1955ـ 1962، من تشكيل القيادة القومية حتى نهاية الانفصال، ج6، ص 140 ـ 141

[5]) انظر: جمال، الشاعر: خمسون عاما ونيف، جريدة النهارالمقدسية ع 2707، بتاريخ 16 / 10 / 1994، مرجع سابق، ص 14

[6]) انظر: " تقرير عن أسلوب العمل الحزبي قدمته القيادة القومية إلى المؤتمر القومي الرابع، وأقره المؤتمر "، سلسلة نضال البعث، ج4: المؤتمرات القومية السبعة الأولى 1947 ـ 1964.ص 109.

[7]) انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث في الضفة الغربية، ص 45.

[8]) بيان حزب البعث العربي الاشتراكي الثوري، القيادة القطرية الثورية في الأردن، بمناسبة ثورة 23 يوليو، الذي وزع عام 1962 وحصل الباحث على نسخة منه.

[9])انظر: خدوري، مجيد: الاتجاهات السياسية في الوطن العربي. الولايات المتحدة الأميركية: مطبعة جون هوبكنز، ط أولى، 1970 م ص184.

[10]) خدوري، مجيد: المرجع السابق، ص185.

[11])انظر: خدوري، مجيد: المرجع السابق، الصفحة نفسها.

[12]) انظر: الريماوي، عبدالله: الحركة العربية الواحدة: دار النشر للجامعيين، طبعة 1، كانون الثاني 1964، ص387-388.

[13])انظر: المالكي عياد: الفراغ السياسي، 36 ـ 38.

[14]) الريماوي، عبدالله: البيان القومي الثوري مشروع ميثاق مقترح للحركة العربية الواحد ة 1966، ط 1966، القاهرة: النهضة المصرية، ص741 – 742.

[15] ) عوده، بطرس عوده: الاستسلام في الواقع العربي، الأردن: المكتبة الوطنية وكالة التوزيع والنشر 1996. ص120.

وفي مقابلة أجراها الباحث مع المحامي منور الريماوي الذي عمل في مكتبه، وكان صديقا له، و ذكر أن عبدالله الريماوي اختلف مع جمال عبدالناصر بشأن تأسيس (م. ت. ف) ، ورأى في ذلك تخلي مصر عن دورها القومي العربي وحصرها في الدور القطري وصولاً بها للتفاوض مع الكيان الصهيوني، و حينئذ انتهى إعجابه بالرئيس جمال عبدالناصر.

[16]) انظر: العيسمي، شبلي: حزب العث مرحلة النمو والتوسع، ص 197.

[17])انظر: جريدة الجهاد ( يومية سياسية )، الثلاثاء، 30 / 8/1960 السنة الأولى، ع272، تحقيق محمد السعدي، ص1.

[18])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص94 ـ 95.

[19])انظر: سسر، آشر: الخط الأخضر بين الأردن وفلسطين، سيرة وصفي التل السياسية، (ترجمة جودت السعيد )، عمان: دار الشروق، ط1994ـ، ص40.

[20]) انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص93.

*ذكرياسر عمرو أن قرار القيادة بالعدول عن دخول الانتخابات حمله أحمد عقل أحد أعضاء حزب البعث، والذي أوصله إلى خريس، في حين لم ُيبلغ عمرو بهذا القرار، بعد أن ذهل لعدد الناخبين الذين حضروا لانتخابه.

فاز عمرو على منافسيه، وكان نصيبه الأول من بين الأصوات في لواء الخليل، وحاز على (5354) صوتاً، في حين حصل المرشح الثاني إسماعيل حجازي على (4700) صوتاً أما خريس فكان ترتيبه الرابع، حيث حصل على (5384). صوتاً في دائرته الانتخابية، بينما حصل الفائز الأول، وهو إدريس التل على 8916 صوتاً. (انظر: الجريدة الرسمية الأردنية (ملحق ) سنة 1962، عمان: مطبعة القوات المسلحة، ص. 1431).

[21])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص 96.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق، مع ياسر عمرو في رام الله.

[22])انظر: سسر، آشر: الخط الأخضر بين الأردن وفلسطين سيرة وصقي التل، ص 42 ـ 43.

[23]) انظر: سسر، آشر:المرجع السابق، ص54.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ياسر عمرو.

[24]) انظر: ملحق الجريدة الرسمية الأردنية. عمان: مطبعة القوات المسلحة عام 1962، ص 1063.

[25])انظر: ملحق الجريدة الرسمية الأردنية. عمان: مطبعة القوات المسلحة عام 1962 ،ص1063

[26]) المصدر السابق، ص 1063ـ 1064.

[27]) انظر: سسر، اشر: الخط الأخضر بين الأردن وفلسطين، ص58.

[28]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع عياد المالكي.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع جاد ميخائيل.

*من بينهم: داود الحسيني، وخليل السلواني، وإسحاق الدزدار، أنطوان البينا، يوسف عبده، ياسر عمرو، عواد محمود عواد، حاتم أبو غزالة، أحمد خريس، يوسف التكروري وأيضا مقابلة أجريت بتاريخ سابق، مع ياسر عمرو.

[29]) انظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن في القرن العشرين (1958ــ 1995): ج2، ص57ـ 59

[30]) انظر: اسكندر، أمير: صدام حسين مناضلا ومفكرا وانسانا، ص 29.

[31])انظر: هيكل، محمد حسنين: سنوات الغليان ج1، ص 421 ـ 422.

[32]) انظر: أبو نوار، علي: حين تلاشت العرب، ص354.

وقارن ايضا: اسكندر، أمير: مرجع سابق، ص45ـ 46.

[33])انظر وقارن: الفكيكي، هاني: أوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث العراقي، ص244 و248.

وانظر ايضا:هيكل، محمد حسنين: سنوات الغليان، ج 1، ص675 ـ 682.

[34])انظر: هيكل، محمد حسنين: سنوات الغليان، ج 1، ص685 ـ 686.

[35]) انظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ج2، ص59.

[36])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص96.

[37]) انظر: الشاعر، جمال: المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.

[38])انظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن في القرن العشرين ج2، ص56.

[39])انظر: الموسى، سليمان: المرجع السابق، ، ج2، ص59 ــ 60.

*كان من بين المعتقلين: أنيس المعشر، و أمين شقير، وحمدي الساكت، و صبحي القطب، وفايز المبيضين، ومنيف الرزاز، وجمال الشاعر، واسماعيل محادين، ومحمد الدباس، و يعقوب هلسة، ومن العسكريين الذين وصلوا بعد يومين وهم : رفعت عودة، و طارق الشرع، وجعفر الشامي، وشاهر ابوشاحوت، و محمود المعايطة، وعبدالرحمن العرموطي، و أديب القاسم، وتركي حسين، و وشوكت السبول، و اللواء أحمد زعرور، وأنور حدادين، وسمير جبجي.

[40])انظر: الشاعر، جمال: سياسي يتذ كر، ص 98.

وأيضا: انظر: صحيفة النهار، ع 2719، السنة الثامنة، الجمعة 28/10/94، خمسون عاما ونيف " ، ص16.

[41])انظر: سيلع، أبرهام: حزب البعث قي الضفة الغربية، ص48.

[42])انظر: نمر سرحان: " بدايات آباء ثورة 1965 حلقة أولى "، جريدة الأيام 23 /10/1999 عدد 1380، السنة الرابعة، ص1

وانظر: ايضا: سخنيني، عصام: " الكيان الفلسطيني 1964 ـ 1974 " مجلة شؤون فلسطينية، ع 41 / 42 كانون الثاني/ شباط 1975، ص50.

[43]) انظر: علوش، ناجي: فكر حركة المقاومة الفلسطينية 1948 ـ 1987، ص 19.

[44]) هيئة الموسوعة الفلسطينية " جبهة التحرير العربية": الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، مج 1، ص 514 ـ 515.

[45])انظر: مقررات المؤتمر القومي السادس "القيادة القومية "، دمشق 27 /10 /1963 ص23.

[46])انظر: الجمهورية الفلسطينية "خطاب قاسم "1960 "، بغداد: مطبعة الرابطة، ص9.

[47]) انظر: سخنيني، عصام: الكيان الفلسطيني 1964 ـ 1974، شؤون فلسطينية ع 41 / 42، ص 50.

[48]) علوش، ناجي: فكر حركة المقاومة الفلسطينية، ص 25.

[49]) انظر: مطر، فؤاد: حكيم الثورة جورج حبش، ص114.

[50])انظر: مطر، فؤاد: المرجع السابق، ص 52.

[51])انظر: ابو حسنة، نافذ: "خالد الفاهوم يتذكر"، حلقة 7 (حوار )، صحيفة الحياة الجديدة، رام الله، 1998 ص13.

[52])انظر: الأيوبي، الهيثم، " عشرة أعوام من عمر الكفاح المسلح الفلسطيني " شؤون فلسطينية، ع 41/42، ص58 ـ 59.

[53])انظر: هيكل، محمد حسنين: سنوات الغليان، ج1، ص767.

[54])احمد، ظافر: ست وثلاثون عاما على تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، (ب.م)، ( د. م ) 1983، ص 45 ـ 46.

[55])انظر: تقرير حول فلسطين أعدته شعبة فلسطين في لبنان، سلسلة نضال البعث ج8، 139 ـ 147. وأيضا:عبدالقادر ياسين، " الحركات القومية العربية والكفاح المسلح الفلسطيني"، مجلة شؤون فلسطينية ع 98، كانون الثاني 1980، ص51.

[56])انظر: سلسلة نضال البعث ج8، ص 147 ـ 148.

[57]) "درس من العاصفة لمحترفي المؤتمرات العربية "، سلسلة نضال البعث: القطر اللبناني 1961 ـ 1968. النضال من أجل وضع حزبي سليم ومن أجل لبنان وطني وديمقراطي، ج11، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط2 1976، ص183.

[58]) انظر: الكيالي، عبدالوهاب: دراسات ومطالعات فلسطينية ( 1974 ـ 1977 ) المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ص 57 ـ 58

[59])انظر: مجلة الثائر العربي، ع 19، 31 كانون الثاني، 1970، ص2.

[60]) انظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ج 2، ص 64.

و أيضا: أبوغربية، بهجت: رسالة مطبوعة أرسلها للباحث، تموز 1998.

[61])انظر: سهيل، سليمان: كمال ناصر، ص 189.

[62]) مقابلة أجريت بتاريخ 15 حزيران 1998 مع أخيه الباحث موسى ناصر في بيرزيت.

وأخرى أجريت بتاريخ سابق مع ابراهيم فرح في رام الله.

ويستدل من قراءة كشف بأسماء البعثيين عام 1960، و1963، ومقابلات الباحث في تواريخ مختلفة مع ياسر عمرو وصخر حبش وبسام الشكعة وغيرهم أن عدداً من القادة الوطنيين نشأوا سياسيا في صفوف البعث وانخرطوا في منظمة فتح و(م. ت. ف ) ومن بينهم: فاروق القدومي، ومحمد زهدي النشاشيبي، وعبد المحسن أبو ميزر، وعبد المحسن قطان، و مصطفى المالكي، وعبدالله الحوراني، وياسر عمرو، وعبد الجواد صالح، و صخر حبش، وقد شغلوا مواقع مهمة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهيئاتها القيادية.

[63]) انظر: القيادة القومية لحزب البعث: مقررات المؤتمر القومي السادس:، دمشق: القيادة القومية نشر بتاريخ 27/10 /1963، ص 13.

*يذكر مصطفى المالكي محافظ مدينة قلقيلية للباحث في مقابلة أجريت بتاريخ 18 / 1 / 2001 أن مجموعة من البعثيين عملت على تبني الكفاح الفلسطيني المسلح، ودون أن تأخذ إذنا من القيادة القومية، وعملت في عامي 1962 و1963 على القيام بسلسلة عمليات عسكرية انطلقت من رام الله وطولكرم مستفيدة من تجربة الفدائيين المصرين عام 1955، وكان من بينهم إحسان سمارة، ومنير المالكي، ومصطفى المالكي وخالد الدرزي وأن المخابرات الأردنية وجهت لها ضربة حيث قبض محمد رسول الكيلاني على ثلاثة منهم، بعد تأدية واحدة من العمليات واعترفوا على منير المالكي الذي تعرض لتعذيب شديد انتهى إلى هجرته خارج البلاد.

[64])انظر: علوش، ناجي: المسيرة إلى فلسطين، ص124 ـ 125.

[65])انظر: رولو، أريك: أبو إياد، صلاح خلف – فلسطيني بلا هوية، ص84 ـ 86.

وذكر بسام أحمد الشكعة للباحث أن الحادث كان مصدر حساسية، واحتكاك بين حركة فتح، والنظام السوري لسنوات، وأن اغتيالهما جاء بعد نجاح عرابي في الوصول إلى مسؤول مركز تدريب وتجهيز في حركة فتح.

[66])انظر: سميح، شبيب، " منظمة التحرير الفلسطينية التطور، وصراع الإرادات " مجلة شؤون فلسطينية، ع 152 ـ 153، تشرين الثاني / كانون الأول 1985، ص 31.

[67]) سسر، أشر: الخط الأخضر بين الأردن وفلسطين سيرة وصفي التل، ص 73.

[68])انظر: المرجع السابق، ص 85 ـ 86.

[69]) انظر: أبو نوار، معن: في سبيل القدس، عمان: مطبعة القوات المسلحة الأردنية، ص 18.

[70]) أبو نوار، معن: المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها

قدر الأردنيون خسائر العدوالاسرائيلي بخمسين إصابة بين قتيل وجريح، وتدمير سبع عربات مدرعة ، وأصيبت ست طائرات، واستشهد ضابطان أردنيان واستشهد 13 ضابط صف وجندي أردني وجرح 23 آخرين، واصيب من المدنيين من أبناء السموع خمسة شهداء وستة جرحى. وقد خسرت القرية أكثر من مائة منزل نسفت وقصفت من بين بيوتها المائتين، وركزت واحدة من دبابات العدو سلاحها على مئذنة مسجد القرية، وتعرضت شركة باصات الخليل ــ السموع إلى إطلاق صاروخ على الباص وبيت السائق، فتناثرت حجارته على جانب السيارة ( انظر: " العدوان على السموع كان هجوما حربيا مدبرا اشترك فيه لواء كامل، وحوالي 50 دبابة و77 طائرة ولولا استبسال الجيش الأردني لوقعت مجزرة رهيبة" ( جريدة الحياة اللبنانية، الأربعاء في 16 تشرين الثاني 1966، ص 1. )

[71])انظر: سخنيني، عصام: " الكيان الفلسطيني 1964ــ 1974"، مجلة شؤون فلسطينية، كانون الثاني، وشباط 1975، ص62.

[72]) انظر: لنت، جيمس: الحسين سيرة حياة، ص147 و 150

وانظر: جريدة الحياة، اللبنانية، الأربعاء 16 تشرين الثاني 1966، ص 1.

[73])انظر: الشقيري، أحمد: الملك حسين أمام قفص الاتهام خفايا معركة السموع أمام مجلس الدفاع

العربي، منظمة التحرير الفلسطينية، ما قاله أحمد الشقيري في الجلسات المغلقة 1966. ص15 ـ 16.

[74])انظر: الشقيري، أحمد: المصدر السابق، ص 18 ـ 21.

[75])انظر: المصدر السابق ، ص 18.

[76]) انظر: " البيان الذي أصدرته القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن حول الاضطرابات التي تلت الاعتداء الإسرائيلي على قرية السموع "، سلسلة الوثائق العربية 1966، وثيقة رقم 405، عمان في 24 / 11/ 1966، ص 831 ـ 832.

[77]) المصدر السابق نفسه، ص 832.

[78])انظر: الفايز، عصام أحمد: النظام الهاشمي والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، (ب.ط)، (د.م)، (د.ن)، (د.ت ) ص 64.

[79])انظر: الفكيكي، هاني: أوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث العراقي، ص145 ـ 146.

[80])انظر: الفكيكي، هاني: المرجع السابق، ص144 ـ 148.

[81])انظر: الفكيكي، هاني: المرجع السابق، ص 102 ـ 103.

*راح أكرم الحوراني يهاجم عبدالناصر و يشكك في عروبة مصر، ويحرج قيادة البعث القومية، بما طرحه من دعوة لقيام "قوميات إقليمية " كالدعوة لوحدة الهلال الخصيب، ووحدة المغرب العربي و هلم جرا، ورأى فيها عفلق والبيطار ما يتعارض مع مفهوم البعث الوحدوي الشامل. (انظر: كلمة الأمين العام ميشيل عفلق في المؤتمر القومي الخامس، سلسلة نضال البعث: كتاب المؤتمرات القومية السبعة الأولى 1947 ـ 1964 ج4، ص 149).

[82])انظر: دندشلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي 1940 ـ 1960، ص 351.

[83])انظر: الرزاز، منيف: الأعمال الفكرية والسياسية ج2، كتاب التجربة المرة، ص 91 ـ 93.

*التقرير العقائدي هو صياغة فكرية حول تطبيق فكر حزب البعث، وأخذت نهجا ماركسيا، وممن طرحه ياسين الحافظ، وهاني الفكيكي، وحمود الشوفي، وعلي السعدي.

[84])انظر: الفكيكي، هاني: أوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث العراقي، ص 328 ـ 334.

**نال العراق خمسة أعضاء، وسوريا أربعة أعضاء، ولبنان اثنين، واثنين من الأردن هما: أسعد عكة (القدس)، ومنيف الرزاز (عمان).

[85])انظر: د ند شلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي، ص335.

[86]) انظر: سلسلة نضال البعث: كتاب المؤتمر القومي الثامن ج 9، نيسان 1965، ص 18.

[87])انظر: الرزاز، منيف: الأعمال الفكرية والسياسية ج2، كتاب التجربة المرة، ص 123 ـ 129 ( بتصرف ).

[88])انظر: الرزاز، منيف: المرجع السابق، ص 135 ـ 143.

انظر وقارن أيضا: الجندي، سامي: البعث، ص 138.

[89])انظر: دند شلي، مصطفى: حزب البعث العربي الاشتراكي 1940ـ 1960، ص 345 ـ 346.

[90])انظر: منيف، الرزاز: الأعمال الفكرية والسياسية ج2، كتاب التجربة المرة، ص 146 ـ 147.

* يذكر أنه في هذا العام قبض على الصهيوني إبلي كوهين في سوريا.

[91])انظر: عفلق، ميشيل: نقطة البداية أحاديث بعد الخامس من حزيران، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1971، ص201ــ 204، ( بتصرف ).

وأيضا: " الحديث الذي فجر أزمة البعث في سورية، ميشال عفلق يروي كيف ديست شرعية الحزب " جريدة الحياة اللبنانية، ع7000، الجمعة، 25شباط 1966، ص7 ـ 8.

[92]) انظر: " صراع الأجيال في البعث وحركة 23 شباط 1966 "، مجلة الأسبوع العربي، ع 351 السنة السابعة، الاثنين 28 شباط 1966م، ص15.

[93])انظر: الرزاز، منيف: الأعمال الفكرية والسياسية، ج2، ص 193 ـ 195.

[94])انظر: مجلة الأسبوع العربي، ع 351، ص 1 و 13.

[95])انظر: " بيان الدكتور منيف الرزاز، الأمين العام السابق لحزب البعث العربي الاشتراكي من مخبأه في دمشق "، سلسلة الوثائق العربية، سنة 1966، وثيقة رقم 73، ص 146.

* البيان غير صادق فقد نجح عفلق على سبيل المثال لا الحصر باللجوء إلى بيروت (الشاعر جمال: سياسي يتذكر، ص 65 ).

[96])انظر: " البلاغات رقم 1 و2 و3 والقرار رقم 1 الصادرة عن القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي اثر وقوع الانقلاب في سورية "، سلسلة الوثائق العربية، 1966، ص 117.

*في يوم الخميس 8 أيلول 1966 قام انقلاب عسكري على يد سليم حاطوم، وعبد عسلي وكان نصيبه الفشل، وهرب إلى الأردن، واتهم بأن له صلة بصلاح الدين البيطار. ( انظر: رفيق الخوري ( تحقيق ) " الدكتور ابراهيم ماخوس يروي للأحد تفاصيل المؤامرتين الفاشلتين ماهي العلاقة بين تنظيم البيطار وسليم حاطوم "، مجلة الأحد، 18 أيلول 1966، ع 802، السنة السادسة عشر ،ص 4 و 88 ).

[97]) انظر: الخالدي، وليد، وأيبش، يوسف: "بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي لشجب حركة 23 / 2 / 1966، وثيقة رقم 6 "، سلسلةالوثائق العربية 1966، ص 158 ـ 160

[98]) الخالدي، وليد: لمصدر السابق، ص 159.

[99])انظر: "بيان القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن تأييدا لقيادة الحزب القومية "سلسلة الوثائق العربية 1966، ص 193، و 194.

**أيد ميشيل عفلق كل من: أمين شقير (عمان )، و شاهر الطالب ( السلط )، وشاهر أبو شاحوط ( السلط )، واسماعيل محادين (الكرك )، ووليد عبدالهادي ( نابلس) وغيره. (انظر:محادين، موفق: مرجع سابق، ص 49).

[100])انظر: الشاعر، جمال، "خمسون عاما ونيف "جريدة النهار، القدس، ع 2722، الأحد 30 ـ 10 ـ 1994، ص 17.

[101])انظر: "5 آذار 1966 القيادة القطرية تشجب الاعتقالات وتطالب بالإفراج عن المعتقلين "، سلسلة نضال البعث: القطر اللبناني، ج 11، ص 219.

[102])انظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن، ج2، ص 89.

وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع عياد المالكي.

ومقابلة أجريت بتاريخ 1/ 11/ 1999 مع تيسير لبادة في نابلس، وقد شملتهما الاعتقالات.

[103])انظر: " أسماء الحزبيين الذين أحيلوا للمحاكمة "، صحيفة فلسطين، 15 / 6 / 1966، ص 1.

[104])المالكي، عياد: الفراغ السياسي، ص 40 ـ 42.

* ومما قاله من شعر يُعبر عن هذه المناسبة:

وعصبة أضمرت للبعث طعنتها *** فأرخصت واستباحت من سجاياه

ما كان بها أحرى لو سلكت *** للعز دربا طويلا قد سلكناه

قل للغيارى على أمجاد أمتنا *** المجد يعرف من منا غياراه

وحبذا من وهبناهم طلائعنا في *** الحالك الجهم صانوا ما وهبناه. (سليمان، سهيل: كمال ناصر، ص 289. )

** استشهد كمال ناصر في بيروت على يد وحدة مظليين إسرائيلية بتكليف من الاستخبارات الإسرائيلية ( الشاباك) في العاشر من نيسان 1973، وقد شارك أيهود باراك في اغتياله، ومعه رفيقيه كمال عدوان، وأبويوسف النجار.

[105])انظر: سليمان، سهيل: كمال ناصر، ص 91 ـ 93، و 136.

الفصل الرابع

تنظيمات البعث في فلسطين بين عامي 1967 – 1982

1)انطلاقة وتأسيس منظمات البعث
أ ـ تأسيس منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية ( قوات الصاعقة)
ب ـ تأسيس جبهة التحرير العربية
2)مستويات النضال، وأشكال الكفاح لمنظمات البعث في ساحة فلسطين
أ ) النشاط العسكري لمنظمة الصاعقة
ب) أداء وممارسة جبهة التحرير العربية
ج) وضع حزب البعث في الضفة الغربية وقطاع غزة

3)علاقة تنظيمات البعث بـ(م .ت . ف) والفصائل المنضوية تحت لوائها
1 ـ علاقة منظمة الصاعقة مع الفصائل الأخرى
2 ـ علاقة جبهة التحرير العربية بالفصائل الفلسطينية

4)موقف منظمات البعث تجاه النظام الأردني وأحداث حرب أيلول 1970
5)موقف منظمات البعث من النظام اللبناني والحرب الأهلية عام 1976
6)أثر أبرز الأحداث على الساحة العربية في تنظيمات البعث
أ ) الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1980
ب) الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982

1)انطلاقة وتأسيس منظمات البعث

أ) تأسيس منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية قوات الصاعقة
جاء تأسيس منظمة الصاعقة، كتجسيد لموقف البعث، الذي سبق ذكره، تجاه قضية فلسطين والذي بدأت الدعوة له منذ المؤتمر القومي الثالث عام 1959، ونما وتطور هذا الموقف عبر مؤتمرات البعث القومية حتى المؤتمر القومي الاستثنائي التاسع عام 1966 .
لقد أسهم اهتمام البعث المتزايد بتقديم أولوية شعار تحرير فلسطين على شعار تحقيق الوحدة العربية أولا، إلى الاهتمام ببناء التنظيم الفلسطيني على غيره من الاهتمامات الأخرى، وكانت بدايات هذا التوجه قد اتخذت في المؤتمر القومي الخامس الذي عقد في بيروت عام 1962، وتبع ذلك خطوات عملية مثل تشكيل فرقة خاصة بالطلبة الفلسطينيين ضمن شعبة الطلبة العرب في دمشق وتطورت حتى بلغت مستوى فرع ضم البعثيين الفلسطينيين في سوريا وشكل هؤلاء مع منظمة حزب البعث في الأردن "التنظيم الفلسطيني الموحد " بمستوى قيادة قطرية، في أعقاب " المؤتمر القومي التاسع الاستثنائي " لحزب البعث الذي عقد في دمشق في شهر أيلول / سبتمبر في دمشق 1966([1([.
ففي هذا المؤتم أكد حزب البعث على أهمية قضية فلسطين كقضية قومية استراتيجية، وربط بين الأهداف التكتيكية والاستراتيجية للحزب، ورأى أن الطرح العلمي الموضوعي يقوم على ربط النضال الوحدوي الاشتراكي بقيام حرب تحرير شعبية عربية شاملة تسهم فيها الجماهير العربية الكادحة والقوى التقدمية، وهدفها الأول هو تحرير فلسطين بحيث يؤدي إلى الإسراع في تحرير الوطن العربي بأسره([2]) .
وأولى مؤتمر البعث أهمية للدور الطليعي الذي يجب أن يحمل مسئوليته البعثيون في منظمات تحشد طاقات الجماهير، ولقاء يضم القوى التقدمية العربية ويدعو إلى قيام جبهة تقدمية في الأردن تضم الفئات والمنظمات الشعبية الفلسطينية المناضلة وطالب المؤتمر أن يجري إعداد جيد ودراسات للإمكانات وتطبيق شعار حرب التحرير الشعبية في أقرب وقت ممكن([3]) .
أثمرت جهود المؤتمرات القومية والحزبية في سوريا على تأسيس منظمة الصاعقة قبل حرب حزيران / يونيو1967 بقليل، وتلقت فكرة تأسيسها العون والتشجيع من تنظيم البعث الفلسطيني لكن المنظمة انطلقت رسمياً في أيار / مايو 1968 بقرار من حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا. وعادت أصولها إلى عدة تنظيمات* أو أطراف منفصلة انصهرت خلال عام 1968([4]) .
تم دعوة البعثيين في فلسطين والأردن والكويت والقطر السوري لعقد مؤتمر تحضيري سمي ب "المؤتمر التحضيري الفلسطيني "، الذي عقد في شهر أيار/ مايو 1968 وانبثق عنه " التنظيم الفلسطيني الموحد" للحزب والذي تقرر من خلاله أن يكون العمود الفقري لمنظمة الصاعقة، وتكون القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد هي ذاتها هي قيادة الصاعقة([5]) .
اختير ضافي الجمعاني قائداً لمنظمة الصاعقة، كما كان أمين سر " التنظيم الفلسطيني الموحد "، الذي حل تشكيله محل قيادة حزب البعث الأردني، وكانت الفكرة أن العمل الفدائي، وفلسطينية العمل الحزبي هما الوسيلة لتقوية التنظيم الحزبي([6]) .
اعتبرت منظمة الصاعقة ذراعاً تنفيذياً لحزب البعث الحاكم في سوريا وفي هذه الخطوة أراد النظام السوري أن ُيقلد حركة فتح في تأسيسه ( جناح العاصفة) وقامت سوريا بدعم المنظمة ماليا وعسكرياً دون اللجوء لجمع التبرعات المالية من جهات أخرى، واختير لها عدد من ضباط الجيش السوري وقد حظيت باهتمام سوري بالغ من قبل الجناح المدني في حزب البعث بزعامة صلاح جديد، و تدخلت في الأحداث الداخلية لسوريا، وفي عام 1969 اعترفت بها باقي المنظمات الفلسطينية كمنظمة سريعة التطور، وبعد الثورة التصحيحية التي قام بها حافظ الأسد في 16 تشرين/ أكتوبر 1970 استبدل العديد من قادتها بقادة مؤيدين للأسد، ووضعت تحت إشراف ضباط من الجيش السوري([7([.
جاءت هذه التغيرات بعد أن تعرض رئيس الجمهورية السورية نور الدين الأتاسي واللواء صلاح جديد، ويوسف زعين للاعتقال، وشملت أيضا ضافي الجمعاني، ويوسف البرجي، وحكم الفايز*، وقد أمضى هؤلاء (عشرون عاما) في الاعتقال([8]) .
أحرزت منظمة الصاعقة نمواً وامتداد اً بين فصائل حركة المقاومة الفلسطينية وانطلاقاً من دعوة حزب البعث لأهمية تعزيز لقاء القوى التقدمية، والوطنية العربية، والثورية العالمية، وما أشارت إليه مؤتمرات حزب البعث، وتراثه النضالي . كما أن منظمة الصاعقة أجرت حواراً واتصالاً مع عدد من فصائل المقاومة، ومنها حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لغرض المشاركة والدخول في مؤسسات( م. ت. ف) أثمر في عام 1968 في انعقاد الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني، ولأول مرة شاركت فيه منظمتان فدائيتان هما الصاعقة و حركة فتح.
حددت منظمة الصاعقة صراعها وتناقضها مع الأعداء على النحو الأتي :ـ
أولا : التناقض بين حركة التحرير الوطني الفلسطينية والعربية من جهة، وما بين قوى الاستعمار والإمبريالية العالمية والرجعية من جهة أخرى .
ثانيا : طبيعة الصهيونية العنصرية والرجعية ونزعتها التوسعية وارتباطاتها مع الإمبريالية تجعل تكوينها موجها لكلا الحركتين حركة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني العربية .
ثالثا : أن الطبيعة الوطنية المتذبذبة للبرجوازية الفلسطينية ـ الأردنية يجعلها حليفة للاستعمار والإمبريالية و الحركة الصهيونية في بعض الأوقات .على ضوء ذلك ترى منظمة الصاعقة أن معركة التحرير وطبيعة التناقض مع الاحتلال الصهيوني تجعل مسألة تحرير فلسطين مهمة تتجاوز طاقات الشعب الفلسطيني وتربط النضال التحرري الفلسطيني بالنضال التحرري العربي حيث يصعب الفصل بينهما ([9]) .
تناول المؤتمر التحضيري لتنظيم حزب البعث الفلسطيني، الذي عقد في شباط/ فبراير 1968 قضية فلسطين على أنها قضية مستقبل حركة التحرر العربية، وأبرز أهمية الدور الطليعي للشعب الفلسطيني في ممارسة حرب التحرير الشعبية، وان فلسطين والضفة الشرقية أصبحتا لهما ساحة معركة واحدة، هي معركة التحرير الشعبية الفلسطينية وشددت الصاعقة على أن الكيان الفلسطيني المنشود ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو خلق ا لأداة النضالية لتحرير الأرض المغتصبة وهو ما تقتضيه الظروف النضالية وتعبئة الجهود الفلسطينية والعربية وأكد تنظيم حزب البعث الفلسطيني على أنه لا زال مقتنعاً بضرورة الاستمرار في نهجه وبرنامجه القومي واستمرارية عمل فروعه مع التأكيد على نظرة الحزب القائلة بالمحافظة على كيان وشخصية الشعب الفلسطيني([10]) .

ب ـ تأسيس جبهة التحرير العربية
جاءت مبادرة إنشاء هذا الفصيل من قبل القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في30 كانون الثاني/ يناير1968، وكان المؤتمر القومي التاسع* للحزب الذي عقد في بيروت قد قرر في شباط/ فبراير 1968 إنشاء منظمة فدائية باسم جبهة التحرير العربية، وهي منظمة تأتمر بأوامر القيادة القومية في بغداد([11]) .
كان تأسيس جبهة التحرير العربية يحمل طابع تعريب القضية الفلسطينية، أي تشكيل جبهة تضم المناضلين من مختلف الأقطار العربية، وتضم الفصائل العربية التي تعمل لتحرير فلسطين وقد وصف رياض الريس خطوة إنشاء الجبهة بأنها " لاقت ترحيبا في العالم العربي على اعتبارها نعمة لحركة المقاومة، والمحاولة الجدية الأولى لتعريب القضية الفلسطينية، ويؤكد اسم الجبهة الطبعة العربية بدلا من الطبعة الفلسطينية لحرب التحرير "([12([.
ترى بعض المصادر العبرية والعربية التي تناولت منظمات حركة المقاومة الفلسطينية أن (ج.ت.ع) أسست رداً على منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية " قوات الصاعقة " وفي إطار الخلاف بين القطرين البعثيين سوريا والعراق وأنها ضعيفة الفعاليات العسكرية وظلت مجرد تنظيم اسمي([13([.
يرى الباحث أن تأسيس الجبهة العربية جاء في إطار التطور الذي سار به حزب البعث في أجنحته المختلفة، الذي أكد أهمية المشاركة في تبني حرب التحرير الشعبية لفلسطين والتطور تجاه استيعاب المتغيرات الجديدة التي فرضت تغيرات في المفاهيم والمستجدات والانتقال من شعار الوحدة قبل العودة إلى شعارات جديدة تؤكد أهمية شعار العودة أولا، وقد فسر ميشيل عفلق مبادرة البعث لتأسيس (ج. ت. ع ) أنها تهدف إلى " التخلص من أمراضه التي أصابته يريد أن يتجدد كليا يريد أن يولد ولادة جديدة سليمة، ولادة فكرية ولادة عملية، ولادة نضالية. .. الجبهة بالنسبة إلى الحزب ليست جزءاً من عمله، ليست الجزء العسكري ولا الجزء القتالي، ولا الجزء الفلسطيني وإنما هي الحزب بإرادته في الانبعاث من جديد وفي إرادة التصحيح الشامل والعميق في أوضاعه ."([14]) .
أبرزت جبهة التحرير العربية في بيانها السياسي، الذي جاء بمناسبة تأسيسها الصادر في 31 آب / أغسطس1969 أهمية ما يلي :ـ
1)نبذ أجواء التنابذ والعنف والتعصب الفئوي، وهو الجو الملائم للعمل الفدائي والصمود في وجه الاستعمار العالمي والصهيونية كطريق للخلاص.
2) أوضحت أن مرور عامين على هزيمة حزيران/ يونيو 1969 كشف عن محاولات تطويق الثورة وحصرها في نطاق قطري ضيق يقطع عنها شريان الحياة الذي يصلها بمنابع القوة والقدرة وهي الجماهير العربية([15]) .
3) انتقدت محاولات القوى المعادية التي تتظاهر بتأييد الخصوصية وإبراز الشخصية الفلسطينية والتي تدفع في نهاية المطاف إلى تخلي الفلسطينيين عن القتال والصمود بذريعة عدم القدرة وحدهم على تحقيقه، وهو ما ينقل الشعب الفلسطيني من أمل غير صادق و إلى يأس غير مبرر، وقد استفادت القوى المعادية من قصور الحركات الثورية العربية في ممارسة العمل الشعبي المسلح، لتقول أن المرحلة السابقة شهدت تفريطاً من قبل حركة الثورة العربية([16]) .
وقد صاغت رؤيتها وبرنامجها السياسي في الدعوة إلى التركيز على ما يلي:
1)تبني شعار الكفاح الشعبي المسلح صعوداً به ليصل إلى حرب التحرير الشعبية العربية وممارسة المقاومة الفلسطينية حرب التحرير الشعبية العربية مقابل تفوق الثقافة الاستعمارية والصهيونية وتهتدي بالفكر القومي العربي الوحدوي الاشتراكي.
2) ربط أهداف البعث ومبادئه النضالية بالقضية الفلسطينية لأن كفاح الجبهة العربية يتصف بالطابع القومي والاشتراكي، والربط بين مبدأ الوحدة كطريق لتحرير فلسطين وفلسطين كطريق للوحدة، وان الفصل بين الشعارين إضعاف للقضية العربية ولمعركة التحرير وإساءة لها وتعتبر جبهة التحرير العربية تنظيم جبهوي مفتوح لجميع القوى والفئات الثورية العربية العاملة في سبيل تحرير فلسطين، وهي تنظيم قومي عربي يضم مقاتلين من جميع البلاد العربية، وتقاتل تحت راية مبادئ البعث في(الوحدة والحرية والاشتراكية )، وهي مفتوحة لكل من يؤمن بالكفاح الشعبي المسلح كطريق وحيد لتحرير الأرض والإنسان([17([.
وانطلاقا من أهمية حشد الجماهير العربية في معركة تحرير فلسطين أمام الصهيوني، الذي تواجهه الأمة العربية ؛فقد تشكلت الجبهة العربية من عرب ثوريين، وضمت قواعدها الفدائي السوري، والعراقي، والفلسطيني، والسوداني، والجزائري، والعربستاني، والأرتيري([18([.

2) مستويات النضال وأشكال الكفاح لمنظمات البعث في ساحة فلسطين
أ ـ النشاط العسكري لمنظمة الصاعقة
واجهت الأنظمة العربية ومنها النظام السوري والمصري هزة سياسية بعد حرب حزيران 1967، وقد عبرت التظاهرات الطلابية في مصر عن رفض الهزيمة كما أن النظام السوري وجد نفسه محرجا بعد هزيمته في حرب حزيران / يونيو1967، وهو النظام الذي رفع شعارات حرب التحرير الشعبية([19]) .
قامت منظمة الصاعقة بشن سلسلة عمليات عسكرية في محاولة منها لأخذ زمام القيادة السياسية والعسكرية من أكبر المنظمات الفلسطينية، وهي حركة فتح واعتبرت نفسها أنها تقع على يسار فتح، وهي بذلك تظهر طبيعة التفكير السوري تجاه الثورة الفلسطينية، بدعم وتأييد القيادة المدنية لحزب البعث السوري، ولعبت المنظمة دورا رئيسا في حياة الجماهير السورية، حيث طلب الحزب من المنظمات الالتحـاق في دورات تدريبية عسكرية منذ عام 1968([20]) .
قامت منظمة الصاعقة بالتنسيق والمشاركة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، ومنها حركة فتح، والجبهة الشعبية الديمقراطية، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني بسلسلة عمليات مسلحة عبرت الجولان والأغوار، وقد نشـرتها صحيفة البعث السـورية معنونة على صفحاتها الرئيسـة([21]) .
نشرت الصاعقة عام 1968 سلسلة من البلاغات العسكرية عن نشاطها الفدائي والعمليات التي قامت بها مجموعاتها المسلحة التي عبرت إلى فلسطين المحتلة، و شملت عمليات قنص واشتباكات مسلحة مع دوريات العدو، و يلاحظ أن من أبرزها فاعلية العملية التي قامت بها المجموعة رقم 56 .
يذكر البلاغ رقم 17 مثلاً أن المجموعة رقم 56 من قوات الصاعقة تحركت ليلة 1 حزيران / يونيو 1968، ونصبت كمينا لدورية إسرائيلية في منطقة ميمان السمان في وادي الحولة، وقد ضمت الدورية الإسرائيلية سيارتين عسكريتين، وناقلة جنود نصف مجنزرة، وعلى مسافة قريبة منها كمن الفدائيون، وترقبوها وكانت حصيلة الاشتباك قتل 35 جنديا صهيونيا ً واستشهد من الفدائيين عبد الغفور محمد جمعة من الجمهورية اليمنية، ومحمد تيم دعاس، ومحمد عبد القادر([22]) .
وتظهر قراءة الباحث لمجموعة أعداد من جريدة البعث الدمشقية أن الصاعقة مارست العديد من العمليات الخاصة والنوعية خاصة عبر هضبة الجولان، وتشارك فصائل أخرى في عملياتها. ففي واحدة من هذه المعارك دخلت مجموعات الصاعقة إلى مدينة القنيطرة واشتبكت مع قوات العدو الصهيوني لأكثر من ساعتين، أصيب العدو بخسائر فادحة، وقد اشتبكت الصاعقة مع إحدى نقاط تمركز العدو الصهيوني شرق معسكر الهندسة سابقا بالقنيطرة على بعد 100 متر واستخدم الثوار في المعركة القذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية، مما أدى إلى تدمير آلية العدو ورجع الثوار بأحد الجرحى، وفي أثناء عودتهم دمروا آلية أخرى جاءت لنجدة الأولى([23]) .
توزعت عمليات الصاعقة بين عمليات خاصة عبرت في الجولان والأغوار وأخرى تمت من خلال المجموعات العاملة في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تجاوز عدد بلاغاتها عام 1968 أكثر من 39 بلاغا([24]) .
ويلاحظ كذلك عبر قراءة العناوين البارزة في صحيفة البعث الدمشقية في أعوام 1968 ـ 1972 أن الصاعقة استمرت في تأدية عمليات عسكرية نشيطة سواءً من أراضي الجولان أو الأراضي الأردنية حتى عام 1971([25([.
ظلت الصاعقة تنشط في ممارسة عمليات عسكرية، إلى أن تعرضت إلى ضربات في مركزها الأساس تمثلت في خلاف القيادات الرأسية في سوريا، وبحكم ارتباطاتها بالنظام السوري تقلصت نشاطاتها، وتراجعت شعبيتها في فلسطين ومواقع الشتات الفلسطيني . تمثلت الهزة السياسية الأولى في انعكاس الخلاف بين أجنحة البعث في سوريا على منظمة الصاعقة بعد أن ظهر إلى السطح في أحداث أيلول /سبتمبر 1970. ففي هذا الوقت ضغط الجناح المدني برئاسة صلاح جديد على الجناح العسكري بقيادة الأسد لإرسال مدرعات إلى الأردن لكنه رفض تقديم غطاء جوي، وقاد الخلاف الناشب إلى نزاع مرير أدى إلى قيام بالثورة الأسد التصحيحية، الذي أرسل بدوره وحدات من الجيش لتطويق قواعد الصاعقة في سوريا المؤيدة لصلاح جديد، في محاولة لتغيير الأوضاع لصالحه وأتبعها بمحاولة عقد مؤتمر للفرع الفلسطيني حتى ينال تأييده لكنه لم يؤد إلى نتيجة عندها قام الأسد باعتقال زعمائها، وتعيين زهير محسن رئيسا لها وكانت تلك الهزة الأولى التي عانت منها الصاعقة ردحاً من الزمن([26([.
تبع الهزة الأولى التي أصابت الصاعقة عام 1970 و1971 هزة ثانية في الحرب الأهلية اللبنانية، بعد أن انحازت المنظمة إلى قوات التدخل السوري في لبنان .
لقد اهتزت صورة الصاعقة في فلسطين لانحيازها للموقف السوري منذ حزيران وتموز 1976، وقد مارست بعض وحداتها في مخيم تل الزعتر دوراً أشبه ما يكون بدور المتآمر واضطر بعض عناصرها إلى الانخراط في فصائل أخرى وترك هذا الفصيل وقد أصاب الصاعقة تراجع حاد في وجود العناصر الفلسطينية، واختارت غالبيتهم الانخراط في الفصائل الأخرى([27]) .
ولقد أثار هذا السلوك غضب قادة المقاومة و جماهير الشعب الفلسطيني، فقد تظاهرت الجماهير الشعبية في مدن الضفة الغربية، ففي مدينة نابلس عم السخط المدينة ضد هذا التدخل والانحياز لقوات الكتائب اللبنانية، وقد أظهر عدد من رؤساء البلديات الفلسطينية استياءهم من السلوك السوري غير المتوقع عند بعضهم في دعم القوى الانعزالية المسيحية في لبنان، بينما كانوا يأملون في مساعدة سوريا للفلسطينيين([28]) .
وكانت آخر الشبكات والخلايا الكبرى للصاعقة التي أعتقل أفرادها شبكة يديرها المحامي البعثي فريد غنام عام 1976، وتعرض منزله ومكتبه للإغلاق بالأسمنت المسلح ؛([29]) وبسبب التعذيب، وآثاره المرضية والإهمال المتعمد استشهد فريد غنام في أيار 1978([30]) .
لقد تأثر حجم منظمة الصاعقة بالظروف المحيطة بفلسطين، وخاصة التقلبات السياسية في سوريا، وبحكم ارتباطها بالنظام السوري.
ففي عام 1968 دخل إليها عدد كبير من الفلسطينيين بفضل اعتمادها على مخزون بشري يعود إلى حزب البعث، ويرجح أن الصاعقة انطلقت بعدد لا يقل عن 200 ـ 300 مقاتل دائم، وما لبثت أن أضحت 500 مقاتل، وارتفع عددهم إلى 800 ـ 1000 رجل في الفترة 1969 ـ 1970؛ وذلك بفضل التجنيد الحزبي لتأدية الخدمة العسكرية وتناقصت إلى 500 شخص في الفترة الواقعة بين عامي 1970ـ 1971، وإلى منتصف ذلك العدد في منتصف السبعينيات، وتراجع العدد في أواخر السبعينيات إلى حوالي 200 مقاتل([31]) .

ب ـ أداء وممارسة جبهة التحرير العربية

اعتمدت جبهة التحرير العربية في بداية انطلاقتها على قاعدة حزب البعث العربي الاشتراكي في الأقطار العربية المحيطة بفلسطين ـ شأنها في ذلك شأن الصاعقة ـ وخاصة في القطر العراقي، ثم لبنان الأردن، ونشطت بين أقلية من الفلسطينيين، وقد ضمت في صفوفها منذ بداية نشأتها أغلبية من الأقطار العربية([.32]) وانطلاقا من مبدأ وحدة المصير التي تربطهما انضمت إليها مجموعة من مقاتلي جبهة التحرير الإريترية([33([.
قامت الجبهة بتخريج ثلاث دورات في فترة وجيزة في عامي 1968 و1969 شملت حوالي 300 عسكري، بهذا استطاعت أن تحقق نموًا نسبياً مطردا وملموساً في خلال هذه الفترة حتى أيلول/سبتمبر 1970، وقد بلغ عدد أعضاء وحداتها المقاتلة 500 مقاتل([34([.
بعد انطلاقتها بفترة وجيزة انتقل للعمل في صفوفها أشخاصاً من منظمة الصاعقة رغبوا العمل مع التنظيم المؤيد لحكومة البعث في العراق، وفي إطار الخلاف بين جناحي الحزب انتقل المؤيدون للعراق للعمل في صفوف الجبهة العربية بدلاً من تنظيم الصاعقة([35]) .
بعد أن تعرضت الثورة الفلسطينية إلى مذابح أيلول 1970 في الأردن تناقصت أعداد مقاتلي جبهة التحرير العربية، و بلغ عدد هم 150 مقاتلا؛ بسبب مآزق الخروج من الأردن إلى لبنان حيث أعاقت الحكومة السورية انتقال عناصرها إلى لبنان ومنعتهم من عبور سوريا، ومارست الحجر على الجبهة في أراضيها خلاف الفصائل الأخرى وكثيراً ما تعرضت عناصرها للطرد من قبل الحكومة السورية، وصودرت الأسلحة الخاصة بها، واعتقلت ناقليها، كما أن العلاقات العراقية ـ الفلسطينية ساءت بسبب موقف القوات العراقية في أحداث أيلول 1970، حيث وصف موقفها بالحياد برغم نداءات المقاومة لها بالتدخل كما نسب لأحد قادة الجبهة الدكتور منيف الرزاز أنه هادن الملك حسين، وهو موقف جعلها تعاني منه فترة من الزمن حتى عاد دورها الفاعل يظهر في الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية عام 1972، ثم استفادت من موقف العراق الداعم للثورة الفلسطينية الذي وقف ضد القوات اللبنانية في الاشتباكات التي حدثت بينهما عام 1973([36([.
رد مجلس قيادة الثورة العراقي على الذين اتهموه بالتقصير في أحداث أيلول بأنه أجرى اتصالات مع رئيس( م .ت. ف) السيد ياسر عرفات، وتم بحث الأوضاع، وأنه اكتفى بطلب المساعدة المالية والتسليحية والإعلامية، وان العراق التزم بذلك قبل بدء الصدام وخلال الحوادث أيضاً([37]) .
عادت الجبهة تبني قوتها بصورة تدريجية، وقد تحملت الخسائر في جنوب لبنان ووسطه حتى انتهت بقوة تبلغ حوالي 250 مقاتلا عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام*1982 عدا الميليشيات والمناصرين لها([38]) .
اهتمت الجبهة العربية بتنسيق عملياتها مع المنظمات الفدائية، ونسقت جهودها أحيانا مع قوات من الجيش الأردني في صد دوريات إسرائيلية حاولت العبور من نهر الأردن في الغور الشمالي، وكانت غالبية عملياتها الخاصة تحتل منطقة ممتدة بين مستعمرة أتمار جنوب البحر الميت إلى منطقة جنوبي لبنان، وقد اشتركت دوريات جبهة التحرير العربية، والدوريات المشتركة للفصائل الأخرى في مهاجمة مواقع عديدة، ومنها منطقة : أم سدرة، والتركمانية وتل أبو السفاح ومخاضة الخطيب والمشارع([39]) .
عملت الجبهة العربية على تعزيز الوحدة الوطنية، كما شنت أكثر من 600 عملية بعد مرور عام على انطلاقتها، وانطلقت غالبية عملياتها العسكرية من الضفة الشرقية لنهر الأردن، وشاركت في الدفاع عن الثورة الفلسطينية، وتقديم الشهداء العرب ورسخت وجودها في لبنان، وبنت قواعد لها في المخيمات الفلسطينية([40]) .
يلاحظ عبر قراءة سلسلة البلاغات التي نشرت في مجلة الثائر العربي الناطقة بلسان الجبهة العربية، أو التي أذاعها الكفاح الفلسطيني المسلح، أنها اهتمت بالقيام بعمليات مشتركة مع الفصائل الأخرى والتي بلغت 381 عملية وقنص، قام بها ثوار الجبهة خلال عامهم الأول وتشمل 42 عملية مشتركة قامت بها الجبهة مع المنظمات الفلسطينية الأخرى، مثل : قوات العاصفة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين([41]) .
وهذه قائمة بعمليات الجبهة وفق التسلسل الزمني خلال عام 1969، كما تظهر في الجدول الآتي:ـ

نلاحظ من خلال الجدول أن عمليات الجبهة أخذت تتزايد في شهر آب، وربما يرتبط بزيادة الخبرات ومعرفة المنطقة بصورة أفضل، وتحديد أهداف العدو والتعرف على مراكزه العسكرية كذلك أسهمت الظروف المناخية في توفير ظروف أفضل للعمليات، وقد تكون هناك أسباب أخرى يتعذر معرفتها .
وشملت عمليات الجبهة العربية مناطق : هضبة الجولان رغم تعرضها للحواجز التي فرضت من قبل الحكومة السورية، و غور الأردن الأوسط وشملت مستعمرات أم سدرة والتركمانية وكفار روبين المحصنة، وغور الأردن الجنوبي وشملت مصنع البوتاس، وهكيكار، و هوجمت مراكز عديدة في الجليل الأعلى، ومنها: قرية المطلة، ومغفر العباسية، وقد تراوحت أعمال (ج. ت. ع ) بين عمليـات قنص واشتباكات مسلحة، وهجمات مباغته على المستعمرات الحدودية([42([.
لم تمارس الجبهة العربية العمليات الخارجية كخطف الطائرات، الذي سارت عليه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مع أنها تؤمن بضرب المصالح الصهيونية والإمبريالية أينما وجدت إلا أنها تخشى من أن تضر هذه العمليات بمصلحة الشعب الفلسطيني، نظرا لما تمثله من آثار على الرأي العام المؤيد للشعب الفلسطيني، كما أن الإعلام الصهيوني يسيطر على الرأي العام العالمي ولذا تخشى من أن تقع في أحابيله مما يدفع إلى استنكار واستهجان هذه العمليات([43([.
نجحت (ج. ت.ع) في الدخول إلى ساحة لبنان منذ انطلاقتها في عام 1969 مستفيدة من الدعم الذي تلقته من حزب البعث العربي الاشتراكي اللبناني والمؤيد للعراق برئاسة الأمين القطري الدكتور عبد المجيد الرافعي، فقد رفدها بعدد كبير من المقاتلين والمؤيدين والأنصار، وأدى إلى نجاحها، و تثبيت قدم المقاومة الفلسطينية في لبنان، بعد أن رفعت مبدءاً أساسيا في الثورة الفلسطينية وركيزته الأساس هو : " أن المهم أين تصل قد م المقاتل لا أين تصل قذيفته . وأنه لمن المؤكد لدى جماهير الشعب العربي أنه ما لم تنفجر الثورة داخل الأراضي المحتلة وتستمر وتتصاعد، فإن قدرتها في بلوغ هدفها تبقى محدودة في إطار حرب الاستنزاف التي تدعو إليها الأنظمة العربية "([44([.
لم تهتم (ج.ت .ع ) في بداية انطلاقتها بنشر بيانات عن عملياتها العسكرية إلا أنها بعد مرور بضعة شهور من إعلان انطلاقتها في ليلة السابع من نيسان / أبريل1969، وبعد أن وجهت لها تهمة التقصير، وحرصا منها على الثورة وتفويت الفرصة على الاحتلال الصهيوني عمدت إلى نشر بياناتها باقتضاب، بحيث يشمل كل بيان مجموعة من العمليات، و اهتمت بالعمل الصامت دون إعلان ونشر، واعتبرت عملياتها التي قامت في الشهور الأولى من انطلاقتها بأنها عمليات استطلاع للتعرف على الأرض المحتلة، وتطورت العمليات إلى دك المستعمرات الصهيونية، وفي الشهور الأولى التي تبعت تأسيسها كانت تنشر بياناتها كل شهر إلى أن انتهت بنشرها أسبوعيا لإيمانها أن العمل يجب أن يسبق الإعلام دائما([45([.
اتسمت بيانات الفصائل الفلسطينية بالتضخيم وقتئذِ كما أن عدة فصائل كانت تعلن مسؤولياتها عن العمليات التي تجري في الداخل، و عن زرع عبوة ناسفة، ولا زالت هذه الإشكالية واردة وتتكرر إلى يومنا هذا .
وفي نطاق الإعلام وأهميته في تبيان الحقيقة . طالبت الجبهة العربية بثورة في الإعلام تتجنب نشر البلاغات المضخمة، وحرصت على تجنب الإعلان عن عمليات الداخل كما أنها تفهم الإعلام كوسيلة تثقيف وتوعية ولهذا عملت على توزيع ملصقات تفيد هذا الغرض([46([.
اهتمت الجبهة العربية بتوحيد أداة الثورة الفلسطينية، وأصرت على أهمية الوحدة من منطلق حرصها، وإيمانها بأهمية العمليات الثورية كطريق يقرب القلوب ويوحد الأفكار ويدمج العقول ولأن اللقاءات المشتركة والمختلطة في القواعد وأرض المعركة تخلق جو الوحدة([47]) .
عملت الجبهة العربية على تطوير تركيبتها الداخلية وتطوير فعاليتها النضالية بعد خروجها من الأردن، ففي عام 1972 عقدت مؤتمراً تأسيسا تمثلت فيه جميع القطاعات النضالية وناقشت تقارير مختلفة من قياداتها، وأخذت تلعب دوراً ملموساً في تعميق وحدة النضال بين فصائل (م.ت.ف) وفصائل الحركة الوطنية اللبنانية وأصبحت همزة وصل بين الطرفين، وفي الكفاح ضد المتآمرين على حركة المقاومة الفلسطينية([48]) .
تظهر قراءة في نشاطات الجبهة على الصعيد العسكري وفعالياتها العسكرية الدور المتميز الذي أسهمت به الجبهة العربية في لبنان، ونظرا للدور الذي قامت به في الدفاع عن الأرض اللبنانية إلى جانب الفصائل الأخرى فقد باتت الجبهة مستهدفة من قبل الاحتلال الصهيوني في مناسبات عديدة، ففي كانون الثاني/ يناير1971 تعرضت قواعدها للهجوم والقصف الصهيوني بعد قيامها بالعديد من العمليات العسكرية، وكانت قرية كفر كلا في الجنوب اللبناني من القرى التي تعرضت لاعتداء صهيوني تمثل في هجوم 300 جندي من المشاة يساندهم طيران العدو الذي كان يأمل في مفاجأة الفدائيين المرابطين في منزل عبد الأمير حلاوة أحد قادة الجبهة في الجنوب اللبناني، وقام الإسرائيليون بوضع الألغام في بيته، وبيت محمد جمعة، ونسف منزلهما لكن الرشاشات والقنابل اليدوية انهالت عليهم وحدث الالتحام بين الفدائيين والإسرائيليين، وأخذ وفريق من شباب القرية في المعركة([49]) .
ومن المعارك التي تصدت فيها الجبهة العربية للعدو الصهيوني (معركة حلتا) في جنوب لبنان والتي تمت في وقت كان يستضيف فيه اللبناني حسين علي شبل ثلاثة فدائيين من عناصرها، وقد استيقظ على صوت القنابل المضيئة في سماء القرية، ووقتئذٍ تصدى صاحب البيت، وفدائيو الجبهة العربية للعدو الصهيوني والذي قام بعملية إنزال مظليين وقد أفقدت العدو توازنه، وكانت بمثابة معركة كرامة جديدة([50([. وقد سقط* عدد من فدائيي الجبهة العربية في هذه الغارة، و أوقعوا خسائر كبيرة في فريق الإنزال الصهيوني([51([.
ومن نشاطاتها قيام أحد مجموعاتها بعملية عسكرية، ليلة الأربعاء الموافق 3 كانون الأول / ديسمبر 1969 ،التي تم فيها نصب كمين لسيارات العدو التي تتوجه إلى مصنع التعليب جنوب بحيرة طبريا في منطقة الجليل الأعلى، وقد ورد في تقرير قيادة الجبهة العربية في القطاع
اللبناني أن ثوارها هاجموا بالأسلحة حافلة إسرائيلية، في وقت كانت تتقدم فيه سيارة جيب عسكرية للحراسة، وقدرت الجبهة العربية خسائر العدو ب 55 قتيلا وجريحا وتدمير سيارة الجيب العسكرية وقتل جنودها وعاد الثوار سالمين ومخترقين الطوق الذي ضرب حولهم، واعترف العدو الصهيوني بخسارته ل15 جنديا، ورد عليها باعتدائه على منطقة العرقوب([52([.
هاجم سلاح الجو الإسرائيلي قواعد الفدائيين في العرقوب، التي قابلها الفدائيون بالوحدة القتالية ونجحوا في إسقاط طائرة نهار الخميس في 8 كانون الثاني/ يناير 1970وقد استشهد مقاتل من جبهة التحرير العربية([53([.
رد الفدائيون الفلسطينيون بشن هجوم جديد على المستعمرات الصهيونية، والذي ضم مجموعات من الجبهة العربية وفتح والصاعقة، وشملت الزراعة وبيسان وكفار روبين وسدوت يعقوب وشعارهغولان، وقد استخدم العدو طيرانه لكسر حدة الهجوم وحلق طيرانه أربع ساعات وأغار على الشونة الجنوبية وتل السكر([54]) .
ظلت الجبهة العربية تخوض مع الفصائل الأخرى معركة الدفاع عن الوجود الفدائي في لبنان، وهي تتصدى لعمليات الاجتياح المتكررة على هذا البلد ففي الثاني عشر من أيار/ مايو1970 هاجمت إسرائيل مواقع المنظمات الفدائية في مواقع الخريبة والهبارية وكفرشوبا وكفر حمام في جنوب لبنان، وقاتل فدائيو (ج.ت.ع ) جنبا إلى جنب مع رفاقهم من المنظمات الأخرى كمنظمة فتح، والصاعقة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .تم هجوم العدو الصهيوني عند الفجر وبدأ بقصف صواريخ أرض أرض لمدة ساعة، وتحركت مجنزراته التي قوبلت بأسلحة خفيفة ومتوسطة وفي معركة الخريبة أعطب الفدائيون اثنتين بوساطة الألغام، وسقط للجبهة العربية* شهيدان، وقد شيعتهما جماهير طرابلس في موكب جنائزي شاركت فيه جماهير غفيرة من المواطنين اللبنانيين وكانت مظاهرة تأييد للجماهير في الدفاع عن أرض الوطن([55([.
وتتحدث مصادر الجبهة العربية في هذه الفترة عن نماذج كفاحية بارزة، فقد سقط لها شهيدان** في ساحة العرقوب بعد أن فجرا مجزرتين للصهاينة اللتين تقدمتا إلى الخريبة([56([.
واصلت الجبهة العربية عملياتها الفدائية الخاصة من الأرض اللبنانية، وقامت بعمليات بارزة مثل كفار جلعادي التي استمرت من الساعة الحادية عشر والنصف ليلة 9 تشرين الأول / أكتوبر / 1975 حتى الســاعة التاسعة والنصف من صباح اليوم التالي، و استشهد فيها الفدائيون*([57([.
كذلك جاءت عملية كفار يوفال( إبل القمح ) بناء على أوامر من قيادة فرع الداخل في جبهة التحرير العربية، بقيادة الشهيد محمد جابر نبهان، وهاجمت المجموعة المستعمرة الواقعة شمالي كريات شمونة، واشتبكت مع العدو الصهيوني، وسيطرت على أحد بيوت الشباب من المنظمة الصهيونية الناحل، ووزعت بيانا طالبت فيه بإطلاق اثني عشر فدائيا في سجون الاحتلال الصهيوني وعلى الأثر هاجمت قواته المبنى في محاولة لتحرير الرهائن، وخاض الفدائيون اشتباكا معهم وقد اعترف راديو العدو باللغة الإنكليزية بسقوط 21 قتيلا و 73 جريحا، وقتل أحد كبار الضباط المهاجمين، واستشهد الفدائيون بعد قتال استمر 6 ساعات([58]) .
وقامت الجبهة العربية بعملية طبريا، التي قادها الشــهيد الرائد خـالد محمود الذيب في 4آب/أغسطس1977، التي تمت بعد عودة دورية تابعة لها، وقد اشتبكت مع كمائن العدو الصهيوني بالقرب من مستوطنة سدوت يعقوب التي تبعد أربع كيلومترات جنوب بحيرة طبرية، وقد نجح بعض مقاتلي الجبهة في الانسحاب رغم الطوق الصهيوني الذي ضرب على المنطقة، وقدرت خسائر العدو بحوالي 30 قتيلا وتدمير ثلاث مجنزرات وتدمير ناقلة جنود بمن فيها، وكانت خسائر الجبهة العربية شهيدان وثلاثة أسرى، وقد أصيبوا أثناء المعركة بجروح بليغة([59([.
ومن عمليات الجبهة العربية عملية مسكاف هعام في 8 نيسان/ أبريل 1980، وعمليات داخل فلسطين منها محاولة اغتيال شارون، وخطف جندي إسرائيلي في العام نفسه . وتصدت للعدوان الإسرائيلي المتكرر على جنوب لبنان في سنوات السبعينيات وفي اجتياح القوات الإسرائيلية للبنان عام 1982([60]) .
تمثلت عملية مسكاف هعام باقتحام مستعمرة إسرائيلية في الجليل الأعلى وفيها استشهد بعض أعضاء المجموعة الفدائية، وقتل 13 مستوطنا وجرح 11 مستوطنا وقد طالب الفدائيون بتحرير خمسين من زملائهم في سجون الاحتلال، وقد زار عيزر وايزمن وزير الدفاع هذا الموقع وهدد باتخاذ عقوبات رادعة ضد الفدائيين([61]) .
بعد عام 1982 لم يقرأ الباحث أو يسمع عن عمليات خاصة قامت بها الصاعقة أو الجبهة العربية وصولاً إلى فلسطين مما يرتبط بالمأزق الذي وصلت إليه جبهة جنوب لبنان والأوضاع التي مرت بهما المنظمتين بعد قيام الحرب العراقية ـ الإيرانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان، وخروج منظمات المقاومة الفلسطينية منه. رغم ذلك يصح القول أن الجبهة العربية وبمؤازرة البعث اللبناني أسهمت بمجهود نضالي كبير قياسا بعدد عناصرها وقد بلغ شهداء الجبهة قرابة 500 شهيد حتى عام 2000([62]) .

ج – وضع حزب البعث في الضفة الغربية وقطاع غزة
واجه حزب البعث في الضفة الغربية وقطاع غزة عددا من المعضلات والمصاعب والمتغيرات ت السياسية التي أثرت على أسلوبه وطريقة عمله، ومن أبرزها الميل العربي الفلسطيني للعمل الفدائي، وهو النشاط الذي سلك طريقه البعث، وتمثل بنشاط الصاعقة وجبهة التحرير العربية، كما أن انقسام البعثيين بين مؤيدين للعراق وسوريا جعل التنظيم البعثي في فلسطين ينقسم باتجاهين مؤيد لكليهما .
ثم أن إسرائيل قبضت على ملفات المخابرات الأردنية التي شملت التحقيقات مع البعثيين والشيوعيين والقوميين العرب الذين زج بهم في عام 1966 في سجون الأردن وهو ما جعل هذه القيادة ضعيفة البنيان وعاجزة عن قيادة حركة المقاومة في الأراضي المحتلة في ظل القيود المشددة، وظلت هذه القيادات أمام العين الإسرائيلية الساهرة وأجهزتها التي تراقب بشدة مع التهديد والإنذار الدائم ضد أي تحرك للوطنيين([63]) .
إلى جانب إبعاد الاحتلال الصهيوني لنشيطين في الحزب، ولا ننسى أن بريق التيار القومي العربي تراجع بسبب هزيمة حزيران/يونيو1967. رغم ذلك جرت محاولات لإعادة النشاط الحزبي و العمل الجماهيري الشعبي في ظل الاحتلال . كما أن الاحتلال قام باعتقال عدد من البعثيين* ونفي آخرين**([64]) .
تولى أ سعد عكة المسؤولية عن تنظيم رام الله والضفة الغربية، وقد سافر إلى الخارج وعندها تسلم القيادة إبراهيم البرغوثي عن قوات التنظيم العسكري الفلسطيني (الصاعقة) والتنظيمات البعثية السياسية الموجودة على ساحة فلسطين وقد حدث صراع جديد بين البرغوثي والمسؤول المالي عزمي مرار وعين من قبل السوريين دون انتخاب وارتبط هؤلاء بسوريا، ولم تنل هذه الخطوة استحسان البعثيين الذين قرروا إجراء انتخابات لتثبيت الشرعية وإعادة الروح الديمقراطية وهي انتخابات أخذت طابع المناورة والتكتيك بحيث ضمنت نجاح بعضهم وهو ما قاد إلى العمل على إبعاده إلى الضفة الشرقية، وعين أحمد عقل بدلاً منه، وبعد فترة سافر إلى الولايات المتحدة وترك وراءه علامات استفهام حول مالية التنظيم وعين يوسف البرجي قائدا لقوات الصاعقة([65([.
وجرت عملية انتخاب جديدة للتنظيم الحزبي في بيت تيسير لباده بمدينة نابلس وانتخب عياد المالكي أمينا لفرع الضفة الغربية، وكان يرغب في رأب الصدع وتقريب وجهات النظريين القطرين السوري والعراقي، وإعادة وحدة الحزب، وكانت الفكرة تقوم على الاطلاع على مجريات الأمور في كلا البلدين والتي كانت غير واضحة أسباب الخلاف فيها([66]) .
في الأول من آب /أغسطس 1967 تشكلت سرا الجبهة الوطنية المتحدة في قطاع غزة والتي ضمت كلا من الحزب الشيوعي، وحزب البعث، وجبهة تحرير فلسطين (ج.ت.ف) فضلا عن بعض الشخصيات الوطنية الديمقراطية ذات الوزن العربي والدولي([67]) . ومن أبرز هذه الشخصيات منير الريس رئيس بلدية غزة([68]) .
وأصدرت هذه الجبهة ميثاقها في 30 أيلول / سبتمبر من السنة ذاتها، وتضمن برنامجها أنها ستناضل من اجل سحب قوات الاحتلال الإسرائيلي وعودة الإدارة المصرية إلى القطاع وإسقاط مشاريع التصفية، ومقاطعة قوات الاحتلال في كافة المجالات([69([.
لقد خاضت " الجبهة الوطنية " سلسلة مظاهرات في مناسبات وطنية مختلفة ووضعت ألغام في مواقع مختلفة من القطاع سببت قتل جنود الاحتلال، وإلى جانب ذلك شكلت تنظيما مسلحا في كانون الثاني / ديسمبر 1967 . تراجعت المقاومة الشعبية التي قادتها الجبهة الوطنية ضد الاحتلال، بعد نجاح الاحتلال الصهيوني في القضاء على عدد من قادتها العسكريين، وخاصة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و قوات التحرير الشعبية وفي ظل الحرب التي شنت في أيلول ضد الوجود الفدائي في الأردن، وتوقف حرب الاستنزاف ومبادرة الاحتلال فتح باب العمل للتجار والعمال([70([.
ظل حزب البعث قائما في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن نشاطه كان محدودا كما تأثر بالخلاف بين قيادتي العراق وسوريا وتضاءل نضاله، وجرى تعيين قياداته من الخارج ورغم ذلك شارك في الأحداث المهمة في الضفة الغربية منها تشكيل (الجبهة الوطنية ) عام 1974 واعتمد نشاطه على الشخصيات القيادية البارزة فيه ومما يجدر بالذكر أنه تم تعين فرحان أنيس، وإبراهيم طريف وعزمي مرار، وأمين شحادة لقيادة فرع الضفة الغربية من قبل قيادة البعث في العراق بعد قيام ثورة 17 تموز / يوليو 1968([71([.
تكونت الجبهة الوطنية الجديدة في آب / أغسطس 1974، وسميت الجبهة الوطنية الفلسطينية وكان يرأسها كريم خلف رئيس بلدية رام الله، وكان الحزب الشيوعي نواة الجبهة، وانضمت إليها تشكيلات من حزب البعث، والقوميين العرب، ومن ( م. ت. ف ) وانتهت بخلاف بين حركة فتح والحزب الشيوعي ([.72])
جرت انتخابات للمجالس البلدية في نيسان / أبريل 1976، والتي تم فيها تعديل القانون الانتخابي الأردني ، الذي صدر 1955، بحيث يسمح للذكور والإناث الانتخاب والترشيح من سن 21 عاما، وفي لقاء شمعون بيرس مع رئيس بلدية بيت جالا، وأعضاء المجلس البلدي أعلن أن هدفه إقامة حكم ذاتي وتوسيع صلاحيات المجالس البلدية، وقد وضع نصب عينيه أن فوز مؤيدي ( م.ت.ف) سيكون قليلا ً، ومارست إسرائيل ضغطا على الكتلة الوطنية حيث طردت حمزة النتشة وعبد العزيز الحاج أحمد، ولكنها أعطت دفعة جديدة للمرشحين وتسمت الكتل الوطنية بأسماء مختلفة منها الديمقراطية أو الشعبية وتألفت من شيوعيين وبعثيين* ويساريين، ومن النشيطين في المنظمة، وكان ثلث الفائزين من الشيوعيين والباقين من رجال البعث والقوميين العرب، و قد نجح في الانتخابات بسام الشكعة الشخصية المركزية في قائمة"الكتلة الوطنية " ([.73])
بعد زيارة أنور السادات للقدس اجتمعت رموز الحركة الوطنية وقيادة المنظمات وناقشت موضوع الزيارة، وقد خرج القرار بمقاطعتها، واستقبل المواطنون ورؤساء البلديات وتبادلوا التهاني بمظاهرة احتجاجية في جامع جمال عبد الناصر في البيرة بينما كان السادات يصلي بالأقصى، وقد أسمعه الخطيب تأنيبا على الزيارة، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عقدت مؤتمرات شعبية في الجامعات الفلسطينية تكللت بمؤتمر عقد في مجمع النقابات المهنية، وانبثق عنه لجنة التوجيه الوطني وكانت حركة فتح العمود الفقري لهذا التنظيم ([.74])
أدى النهوض الشعبي الفلسطيني إلى تشكيل لجنة التوجيه الوطني، لتكون ذراع قوي لمنظمة التحرير الفلسطينية . ضمت اللجنة رؤساء بلديات نابلس، ورام الله، والبيرة وعنبتا وطولكرم وتكونت من قرابة 24 عضواً وممثلين من نقابات مهنية وجمعيات خيرية وصحفيين وممثلين عن قطاع غزة([.75])
شاركت الرموز البعثية في لجنة التوجيه الوطني، وقد رفضوا مشروع الحكم الذاتي وقد رفض أعضاؤها دعوات للتفاوض والمشاركة في مباحثات السادات وبيغن وكان الشكعة واحدا منهم مجيبا أن عنوان الدعوة خطأ، وأن قيادة الشعب الفلسطيني هي العنوان ([.76])
على أثر المواقف الصلبة لأعضاء لجنة التوجيه الوطني قام الاحتلال بمحاولة تصفية ثلاثة من أعضاء اللجنة الوطنية .
ففي الثاني من حزيران / يونيو 1981انفجرت شحنات تخريبية في سيارات بسام الشكعة وكريم خلف وإبراهيم الطويل، وأصيب الشكعة وخلف بجروح بليغة، أما الطويل فلم يصب بأذى، وبعد وقت حلت لجنة التوجيه الوطني، وأقصت إســرائيل رؤســـاء بلديات نابلس ورام الله والبيرة من مناصبهم([77([.
كان في فلسطين شكلين من التنظيم أحدهما تنظيم حزب البعث، الذي نشط جماهيريا وبصورة محدودة، أما الثاني فهو نشاط جبهة التحرير العربية بأسلوب التنظيم السري الذي يهتم بالنشاطات العسكرية، وظل عمل التنظيمين منفصلين حتى تم دمجهما عام 1988 في تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي وجبهة التحرير العربية بأوامر من القيادة القومية في بغداد([.78])
عملت (ج.ت.ع) بأسلوبين من التنظيم هما : التنظيم الخيطي، ويكون الارتباط فردي وإذا قبض على "أ" مثلا قد تصل سلسلة الاعتقالات إلى الشخص الأخير أي "ي " ما لم تنقطع السلسلة بصمود أحدهم أو سفره قبل أن يتمكن الاحتلال من اعتقاله وهناك أسلوب التنظيم الرأسي الذي يبدأ بمؤسس يطلق عليه الباني الذي يجند ثلاثة أشخاص يطلق عليهم الرواد، دون أن يعرفوا بعضهم البعض* ويتولى كل شخص من الرواد تنظيم ثلاثة أشخاص، ويمنع الاتصال الأفقي بينهم ويكون الاتصال فقط رأسيا وهكذا يتكرر الشيء نفسه ([.79])

3)علاقة تنظيمات البعث بـ(م.ت.ف) والفصائل المنضوية تحت لوائها
رغم أن منظمتي البعث كانت تتبعان مواقف أيديولوجية مغايرة للمنظمات الفلسطينية إلا أنها لم تقف من المنظمات الأخرى موقفا عدائيا ومناهضا، لكن هذه العلاقة تأثرت أحيانا بموقفهما من نظامي الحكم في البلدين، بحيث تعارضت مع الفصائل الأخرى وتتأثر علاقة الفصيلين بعضهما ببعض بمستوى العلاقة بين حكومتي سوريا والعراق نظرا للارتباطات التي تربط كلا التنظيمين بالحكومتين، ونظرا لتمايز موقفهما فسنقتصر على علاقتهما بالفصائل الأخرى
1 ـ علاقة منظمة الصاعقة مع الفصائل الأخرى

نظرت الصاعقة في علاقتها مع حركة فتح منذ بداية تأسيسها كبديل لها، وحاولت منذ ذلك الوقت اخذ زمام القيادة السياسية والعسكرية من أكبر منظمة من منظمات المقاومة([80([.
وعارضت الصاعقة طرح شعار" عدم التدخل في شؤون الدول العربية"الذي تبنته حركة فتح وحددت طبيعة العلاقة القائمة بين فصائل المقاومة والأنظمة العربية، وأبدت رأيها فيما يجب أن تكون عليه علاقة حركة المقاومة بحركة التحرر الوطني العربية([81]) .
ولقد تأثرت المنظمات الشعبية المؤيدة للصاعقة بهذا الخلاف، الذي انتقل إلى تكتل يساري مع كل من الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، والجبهة الديمقراطية وقوات الأنصار، وتكتلوا في قائمة علنية في (اتحاد العمال ) ضد حركة فتح وحينما زادت وتيرة الخلاف، وهاجم النظام الأردني قواعد الصاعقة أبدت عدم إيمانها بالفهم الخاطئ لعملية الدفاع عن النفس واللهاث وراء الأحاديث وشعارات عدم التدخل([82([. ومعنى ذلك أن الصاعقة أظهرت مبادرة هجومية تجاه نظام الأردن، و آمنت بإسقاطه.
وشاركت منظمةالصاعقة وحركة فتح في دورة المؤتمر الوطني الفلسطيني المنعقد في عام 1968، إلا أنها ظلت تقاوم إشراف فتح على (م.ت.ف)، وحاولت كسب الجبهة الشعبية القيادة العامة إليها وقد نجحت في ذلك([83([.
ورغم هذه الخلافات حول قضايا استراتيجية وتكتيكية إلا أن هذا لم يحول دون تعاونهما في صد الهجمة التي تعرضت لها الثورة الفلسطينية في الأردن .
أما علاقة الصاعقة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فهي علاقة تقوم على أسس تقدمية بين الفصائل الفدائية، وليس لها علاقة بالتناقضات التاريخية التي قامت بين البعث العربي الاشتراكي الذي تشكل الصاعقة امتداداً له، وبين حركة القوميين العرب الذي تشكل الجبهة الشعبية امتدادا لها و طالما أظهرت المنظمة أن رائدها تحرير فلسطين، و ابتعدت عن العلاقات السيئة التي تبعدها عن العمل الثوري([84]) .
أما علاقة الصاعقة مع الجبهة الديمقراطية فتميزت بأنها متينة ؛ بسبب كونها تنظيما يساريا يتبنى النظرية الماركسية، و تقيّم منظمة الصاعقة ممارسات الجبهة الديمقراطية على أنها ممارسات يسارية فعلا، وقياداتها قيادات واعية، وهي باستمرار تسعى إلى تحقيق صيغة متقدمة من اللقاء والتعاون النضالي بينهما . أما علاقة الصاعقة مع الجبهة العربية فهي تتعامل معها كفصيل ثوري ولم تعترض على دخولها مؤسسات ( م.ت.ف) .أما موقفها من قوات الأنصار، والتي هي منظمة الحزب الشيوعي الأردني، فهي ترحب بمبادرة الحزب الشيوعي وتبنيه الكفاح المسلح، ولكنها تختلف معها في الخط الفكري و تتعارض معها في عدم تبنيها لشعار تحرير فلسطين كاملةً([85]) .
وحول علاقتها بجيش التحرير الفلسطيني وقواته الشعبية، فهي تعتبره كفصيل نضالي وهي لا تنكر مظاهر العجز فيه وتشبهه بالجيوش الكلاسيكية، مما يجعله عرضة للتمزق وعاجزاً عن مواكبة مراحل نضال الجماهير وعن نظرتها للفصائل الصغيرة التي لا يمتلك بعضها المبرر النظري لوجوده فإن الحل معها ليس تصفيتها بل الحوار والنقاش، وعندها تموت بعد سحب البساط من تحتها([86([.

2 ـ علاقة جبهة التحرير العربية بالفصائل الفلسطينية
أما موقف الجبهة العربية من منظمة التحرير الفلسطينية، فقد أبدت ج.ت.ع تحفظها تجاه ظروف تأسيسها وربطت نشوءها بمطالبة الجماهير باتخاذ موقف تجاه إسرائيل التي عملت على تحويل روافد نهر الأردن، واعتبرتها صنيع الأنظمة العربية، وأبدت خشيتها من تسليم قيادة (م.ت.ف ) للمنظمات الفدائية انتشاراً لتيار كيان فلسطين، على حساب تيار تحرير فلسطين. ولهذا السبب امتنعت عن دخول م.ت.ف. واكتفت بوجود مراقب لها يتابع أعمال اللجنة التنفيذية والإطلاع على سير العمل الفدائي والوقوف على سلبياته وإيجابياته([87([.
ويلا خط أن الجبهة العربية اختلفت رؤيتها عن الصاعقة في تأكيدها على أهمية إبراز دور المشاركة العربية بعد أن ضمت أكثرية واضحة من البلدان العربية، وأقلية من الفلسطينيين، كما أنها اختلفت مع المنظمات الأخرى التي أظهرت خشيتها من أن يتحول هذا الموقف إلى تبعية للأنظمة العربية([88]) .
ظلت الجبهة العربية مهتمة بالوحدة الوطنية، وخاضت مع فصائل الثورة معارك الدفاع عنها في أيلول وتل الزعتر .
ولكن ما هي علاقتها بفصائل حركة المقاومة الأخرى ؟.
كانت علاقة الجبهة العربية بتنظيم الصاعقة علاقة فصائل مناضلة، وقد بادرت قيادة الجبهة العربية إلى زيارة قيادة الصاعقة تعبيراً عن العلاقات الودية بينهما، وحينما علموا بمحاصرة مكاتب الجبهة العربية كانوا مبادرين إلى التوسط لدى الحكومة السورية لإعادة فتح المكاتب([89([.
وحول علاقتها مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فقد بادرت إلى تجميد الخلافات التي برزت بين فريقي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتسوية المشاكل العالقة بينهما وقامت علاقة وطيدة بين الجبهتين، وقد وصفت الجبهة الشعبية الجبهة العربية بأنها " خير تعبير، وتجسيد عن وحدة المفهوم القومي المقاتل من أجل فلسطين"([90]) .
وعندما دخلت منظمة قوات الأنصار إلى ساحة العمل الفدائي أظهرت الجبهة العربية تأييدا وتحمسا للتطور الذي حصل في سياسة الحزب الشيوعي، والذي سينعكس على موقف اليسار العربي ككل، ثم موقف الأحزاب الشيوعية العالمية، وهو ما يعزز ويقوي الخط المناهض المقاوم لحل الاستسلام والتصفية، وتصد ت هنا لطرح الرجعية العربية القائل : أن هذا اللغم جديد يضاف إلى الألغام التي وضعت في طريق العمل الفدائي([91([.
وحرصت الجبهة العربية على الوحدة الوطنية وحرصا منها على وحدة الثورة دعت إلى إيجاد تصور موحد لكثير من القضايا المطروحة أمام الثورة . دخلت (ج.ت.ع ) إلى قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني رغم ما فيه من ثغرات ونواقص، وقد زادت من نسبة عملياتها المشتركة مع فصائل أخرى بما نسبته حوالي 30% من عملياتها . ولم تقتصر على فصيل دون آخر، وان كانت غالبيتها تمت مع حركة فتح، وقامت بعمليات مع قوات التحرير الشعبية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية (القيادة العامة ) وجبهة النضال الشعبي والمنظمة الشعبية لتحرير فلسطين، والصاعقة وهذا العمل يخلق أجواء صحية للعمل الفدائي الذي يختلط فيه الثوار في قواعد مشتركة ويتبادلون فيه الخبرات([92]) .
وانتقد عبد الوهاب الكيالي أحد قادة الجبهة العربية شعار عدم التدخل في الأوضاع العربية الذي رفعته حركة فتح كبرى فصائل الثورة الفلسطينية، ورأى فيه أحد الأسباب التي أدت بالحكم الأردني إلى ضرب الثورة الفلسطينية، وتدخل الحكومات في شؤونها، واعتبر أن المقاومة الفلسطينية غلًبت اعتبارات السهولة على اعتبارات العمل التاريخي([93([.
بعد قبول قيادة( م.ت.ف) برنامج العشر نقاط ـ البرنامج المرحلي ـ أي إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على أي جزء ينسحب منه العدو أويتم تحريره بالوسائل العسكرية والسياسية ساءت العلاقة بين حكم البعث في العراق وقيادة فتح ؛ بسبب رعاية العراق لصبري البنا(أبو نضال)، ورفض العراق للتكتيك الذي تبنته حركة فتح واعتمادها سياسة المراحل، والذي أدى إلى إضعاف جبهة التحرير العربية([94]) .
تأثرت الجبهة العربية بهذا الخلاف، وحدثت توترات مع فتح، وحاولت محاصرة مكاتبها في مخيمات البداوي والبارد إلا أن الجبهة العربية دافعت عن نفسها، وفشلت الأخيرة في اقتحام المخيمين([95([.
على أثر هذه الاشتباكات عقد السيد طارق عزيز عضو القيادة القومية لحزب البعث ومسؤول مكتب فلسطين والكفاح المسلح في حزب البعث مؤتمرا صحفيا مع وفد إعلامي لبناني ضم مجموعة من محرري الصحف والمجلات اللبنانية، وتعرض لقضية اغتيال علي ياسين ممثل (م.ت. ف) في الكويت، ونفى طارق عزيز أي علاقة بهذه الاغتيالات، وكشف أنه أرسل رسالة للسيد عرفات دعاه فيها للحوار، ومحذرا من أي اعتداء على عناصر جبهة الرفض الفلسطينية، ومنها رفاقه في الجبهة العربية، وحزب البعث اللبناني، وعبر عن دعمه للمجلس الثوري لحركة فتح كتنظيم سياسي إلا أن العراق غير وصي على أعماله ومواقفه([96([.
ظلت علاقة الجبهة العربية بفصائل جبهة الرفض* في تحالف وثيق حتى انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وتراجعت إثر امتناع العراق، ومعارضته لصيغة جبهة الصمود والتصدي و طالب أن تكون الجبهة جبهة صمود وتحرير في مؤتمر طرابلس الغرب، ومؤتمر الجزائر، ولكن سوريا رفضت هذه الصيغة مما دفع العراق لمقاطعتها والانسحاب منها، وانسحب من مؤتمر جبهة الصمود والتصدي في الجزائر . وهذا يعاكس طموح الحزب الذي طرح ميثاق جبهة رافضة للحلول السياسية، ولما رفضت عددا من القوى الخروج من نهج التسوية، وبسبب الموقف غير الواضح قاطعها حزب البعث في العراق([97([.
بعد عقد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 وجهت القيادة العراقية الدعوة لملوك ورؤساء الدول العربية وممثلو 21 قطرا عربيا بالحضور إلى بغداد؛ لمقاومة مشروع السادات في المفاوضات والتطبيع([98([.
بعد لقاءات تمت بين القيادة الفلسطينية والملك حسين في مؤتمر بغداد 2ـ 5 تشرين الثاني 1978،الذي حضره الملوك والرؤساء العرب، و أخرى جرت في آذار/مارس1977 في المفرق وتم تخصيص 3500 مليون دولار كدعم لدول المواجهة العربية وتقرر دعم ( م. ت.ف ). بمبلغ قيمته 100 مليون دولار، وتوصل الطرفان الأردني والفلسطيني إلى تشكيل لجنة مشتركة لدعم صمود الأهل في الأرض المحتلة([99([.
وفي 25 / 28 تشرين الثاني / نوفمبر1978 توجه وفد فلسطيني إلى عمان، وضم خالد الحسن ومحمود عباس وخالد فاهوم وزهير محسن وقابل عن الجانب الأردني عدنان أبو عودة وعبد السلام المجالي وسليمان عرار وحسن إبراهيم وصدر عنهما بيان مشترك أكد الاحترام المتبادل وسيادة الدولة الأردنية واستقلالية القرار الفلسطيني([100([.
لم تستمر العلاقة بين (م .ت. ف ) والحكم في الأردن، فقد ساءت بعد وقوف الملك حسين إلى جانب العراق في حربه مع إيران، ومعارضة سوريا، وقد سايرت منظمة التحرير الحكم السوري في حين امتنعت سوريا عن حضور مؤتمر القمة العربي المنعقد في عمان في 25 ـ 27 تشرين الثاني 1980 ،وامتنعت اليمن والجزائر و(م.ت .ف) عن حضور المؤتمر([101([.
أما منظمة الصاعقة فقد أيدت الموقف السوري، وأبدت انحيازا له وقد تناول هذه العلاقة السيد حسن عجاج في عام 1980 قائلاً :" وفي تصورنا أن هذه العلاقة تؤثر سلبا وإيجابا في النضال الفلسطيني حيث باتت تشكل لغزا لا يفهمه إلا أولو الأمر، وأصحاب العلاقات المباشرة مع النظام الملكي في الأردن "([102([.
ومع اشتداد الخلاف بين الملك حسين والنظام السوري ؛بسبب تأيده للإخوان المسلمين والتي سببت حشد القوات السورية على الحدود الأردنية عام 1981، وقد تناول عصام القاضي هذه العلاقة في لقاء صحفي معه في مجلة الطلائع، وبين أن الملك الحسين يحاول النيل من استقلالية القرار الفلسطيني وأنه قبل الاعتراف في مؤتمر الرباط مرغما عنه، وهو يتحين الفرص المناسبة لتصفية (م.ت.ف) ([.103])
بعد قيام الكيان الصهيوني باجتياح لبنان ومحاصرة بيروت، وخسارة الثورة الفلسطينية لقاعدتها الرئيسة؛ وترتب على ذلك انتقالها إلى تونس، وقد دفعت الظروف الجديدة باتجاه البحث عن ملاذ جديد، وصارت الفرصة مواتية للتقارب مع الأردن، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1982 انسجمت تحركات الطرفين الأردني والفلسطيني مع لقاءات في مؤتمر فاس وهكذا توترت العلاقة مع سوريا من جديد وزاد التنسيق المشترك بين الطرفين الأردني والفلسطيني([104([.
شاركت جبهة التحرير العربية في التنسيق مع الحكومة الأردنية، كما وأيدت القيادة الشرعية بعد انشقاق فتح، في حين تقاربت مواقف قيادة م.ت .ف مع الحكم العراقي، وأخذت تبدي تحولاً في المواقف تجاه إيران في حربه مع العراق، ففي احتفالات (ج.ت.ع) في الذكرى السابعة عشر لانطلاقتها شدد عبد الرحيم أحمد على الحفاظ على وحدة (م.ت.ف) تحت قيادة ياسر عرفات، واعتبرها من مهمات المرحلة النضالية الحالية، وأن المؤامرة التي تستهدف قيادة المنظمة بالضرورة تؤثر سلبياًعلى القضية الفلسطينية، بينما أكد ياسرعرفات أهمية التلاحم المصيري الذي يجمع الشعب العراقي الذي يخوض معركة الفاو مع شعب فلسطين الذي يواجه عملاء الصهاينة في مخيمات لبنان منوهاً إلى المبادرة العراقية التي لبت النداء الفلسطيني أثناء حصار بيروت، والاستعداد لسحب القوات من الجبهة العراقية ـ الإيرانية([105([.

[1]) ياسين، عبد القادر : " الحركات القومية العربية والكفاح الفلسطيني "، شؤون فلسطينية،
ع98 / كانون الثاني / يناير 1980، ص52.
[2]) انظر : سلسلة الوثائق العربية 1966، وثيقة رقم 214، ص 482 .
[3]) المرجع السابق، ص482 ـ483 .
* تشكلت الصاعقة من اندماج فصائل جبهة التحرير الشعبية الفلسطينية ومنظمة قوات الجليل مع منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (انظر : سلسلة وثائق فلسطينية عام 1968، ص 970 ـ 971).
4)انظر : الصايغ، يزيد : منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية " قوات الصاعقة "، الموسوعة الفلسطينية، دراسات القضية الفلسطينية، مج 5، بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط 1990، ص 412 .
1)انظر :الريس، رياض نجيب، ودنيا حبيب النحاس : منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص 73.
وأيضا :خورشيد، غازي : دليل حركة المقاومة الفلسطينية، بيروت : مركز الأبحاث الفلسطيني، 1971، ، ص86.
[6])انظر :الشاعر، جمال : سياسي يتذكر، ص203 .
[7])انظر : وزارة الدفاع الإسرائيلية :المنظمات التخريبية، (د.م ) دائرة التربية والتعليم للنشر والتوزيع 1973، ص 20 ـ 21 .
وقارن أيضا: الريس، رياض نجيب، ودنيا النحاس : منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص 75 .
* أطلق سراح ضافي الجمعاني في نهاية تشرين الأول 1994، وافرج عن رفاقه وهم: حسن الخطيب ومجلي
نصراوين، ويوسف البرجي، وحكم الفايز في عام 1993، والذين اعتقلوا في 25 حزيران 1971 ( انظر : جريدة النهار : فلسطين، الأول من تشرين الثاني 1994، ع 2723، السنة الثامنة، ص4)
وأيضا : مقابلة أجريت مع المحامي منور الريماوي في رام الله بتاريخ 1/8 / 2000 .
[8]) انظر :المالكي، عياد : الفراغ السياسي، ص 49 .
[9]) انظر :خورشيد، غازي : دليل حركة المقاومة الفلسطينية، ص88 .
[10])انظر :علوش، ناجي : فكر حركة المقاومة الفلسطينية (1948 ـ 1987 )، ص 116 ـ 118
* هناك مؤتمران قوميان أحدهما عقدته قيادة 23 شباط في سوريا والآخر عقدته القيادة التاريخية بقيادة ميشيل عفلق في بيروت، وهو تعبيرعن خلافهما حول القيادة القومية والشرعية الحزبية .
[11]) انظر :علوش، ناجي : فكر حركة المقاومة، ص 122 .
[12]) الريس، رياض ، نجيب الريس، ودنيا النحاس : منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص79.
[13]) انظر : وزارة الدفاع الإسرائيلية : قسم الإرشاد والتعبئة، المنظمات التخريبية (باللغة العبرية )
د.م، 1973، ص 22
وانظر أيضا : الشاعر، جمال : سياسي يتذكر، ص 203
[14]) عفلق، ميشيل : نقطة البداية أحاديث بعد الخامس من حزيران، ص 140 .
[15])انظر :جبهة التحرير العربية الطريق القومي لتحرير فلسطين، منشورات جبهة التحرير العربية، رام الله ط2، 2000، ص 8.
[16])انظر : المرجع السابق، ص 9 .
[17])انظر : جبهة التحرير العربية الطريق القومي لتحرير فلسطين،ص17.
[18])انظر : مجلة الثائر العربي، ع19، بتاريخ15 شباط 1970، ص 52.
[19]) انظر :الريس، نجيب رياض، والنحاس، دينا : منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص74.
[20]) انظر : الريس، رياض نجيب :المرجع السابق، ص 75 .
[21])انظر : صحيفة البعث، ع2143، الأربعاء 25/آذار 1970، ص1
[22])انظر : "وثيقة رقم 375 البلاغ العسكري رقم 17 لقوات الصاعقة "، سلسلة وثائق فلسطينية 1968، ، ص 429 .
[23])انظر : جريدة البعث السورية، كانون الثاني 1970، ع2090، ص1.
[24])انظر : سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية، سلسلة الكتاب السنوي الفلسطيني رقم 6، 8، ص 206 ـ بلاغ رقم 39، ص766
[25])انظر : صحيفة البعث، أعداد : 2093و2090 و2095 و2096و2103 و2105 و2117 و2130 و2137و 2139 و 2141 و2157 و2906 وغيرها .
[26]) انظر :الريس، رياض نجيب، ودينا النحاس: منظمة التحرير الفلسطينية المسارالصعب، ص 76 و77 .
[27])انظر : كوبان، هلينا : المنظمة تحت المجهر، لندن : منشورات هايت لايت، 1984، ص 244.
[28]) انظر :جريدة الشعب، فلسطين : القدس 11 / 6 / 1976، ع 1158، السنة الرابعة، مسيرات ومظاهرات استنكار المأساة، ص1 .
وانظر : جريدة الشعب، ع1159، ص1 .
وفي سجن نابلس قوبل أعضاء الصاعقة بالعزلة في ذروة التدخل السوري في لبنان، وفي عام 1982، و أمام قصور الموقف العربي أمام الاجتياح الإسرائيلي، أصبحت كلمة البعث ممجوجة إلى الحد الذي هتف فيه طلاب جامعة بيرزيت في مناسبات عديدة ضد حزب البعث قائلين :
حزب البعث يرتعب لما يسمع صرختنا .( مشاهدات الباحث أثناء اعتقاله في عام 1977 و1978، ثم دراسته في جامعة بيرزيت في عام 1981 ـ 1986) .
[29]) انظر : جريدة الشعب، ع / 1070، 10 شباط 1976، ، السنة الرابعة، ص 1 .
[30])انظر : مجلة فلسطين الثورة، ع 247، الاثنين 14 / 8 / 1978، ظروف استشهاد المناضل غنام، ص 23 .
[31])انظر : الصايغ، يزيد : "منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية ـ قوات الصاعقة"، الموسوعة الفلسطينية، مج5، ص 412 .
[32])انظر :الريس، رياض نجيب : منظمة التحرير الفلسطينية المسارالصعب، ص 81 .
[33])انظر : مجلة الأحرار " مع ثوار إرتريا في فلسطين"، ع 655، 14 تشرين ثاني 1969، ص 16.
[34]) انظر : الصايغ، يزيد : جبهة التحرير العربية : الموسوعة الفلسطينية، مج5، ص 410 .
[35])انظر : الشاعر، جمال : سياسي يتذكر، ص 203 .
[36]) الريس، رياض : منظمة التحرير الفلسطينية المسارالصعب، ص82 ـ 83، و 139 .
[37])انظر : سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية عام 1970، بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أبو ظبي : مركز الوثائق والدراسات، 1972، ص154 ـ 155 .
* يذكر أمين عام (ج . ت.ع) للباحث أن عدد المقاتلين في هذا التاريخ بلغ 1000 مقاتل وعدد المسلحين من الميليشيات الداعمة لها5000 مقاتل، وأن عدد معتقليها في سجن أنصار بلغ 600 شخص .، وأن الذين خرجوا من لبنان إلى العراق بلغوا 250 عنصراً، ناهيك عن الذين خرجوا إلى الأقطار العربية الأخرى .
[38]) انظر : الصايغ، يزيد: " جبهة التحرير العربية"، الموسوعة الفلسطينية، دراسات القضية الفلسطينية، مج5، ص 410 .
[39]) انظر : " ندوات جماهيرية لجبهة التحرير العربية في كافة مخيمات لبنان "، مجلة الثائر العربي ع18، 15 كانون ثاني 1970، ص42.
[40])انظر : هيئة الموسوعة الفلسطينية: " جبهة التحرير العربية "، الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، مج1، ط 1984، ص 517.
[41]) انظر : " 381 عملية قتالية وقنص قام بها ثوارنا خلال عامهم الأول "مجلة الثائر العربي ع 18، 15 كانون الثاني، 1970، ص 65 ـ 66 .
[42])انظر : " 381 عملية قتالية وقنص قام بها ثوارنا خلال عامهم الأول "مجلة الثائر العربي ع 18، 15 كانون الثاني، 1970، ص 67 ـ 69 .
[43]) انظر : "الرفيق الأمين العام زيد حيدر : القيادة الموحدة هي الممثلة للشرعية الثورية "، مجلة الثائر العربي، ع21، 23 نيسان 1970، ص 14.
[44]) منشورات جبهة التحرير العربية: جبهة التحرير العربية الطريق القومي لتحرير فلسطين، ص 154
[45])انظر : "381 عملية قتالية وقنص قام بها ثوارنا خلال عامهم الأول "، مجلة الثائر العربي، ع8 1بتاريخ 15 كانون الثاني 1970، ص65.
[46]) انظر : " حول السياسة الإعلامية لجبهة التحرير العربية المطلوب ثورة في الإعلام لا ثورة الإعلام " مجلة الأحرار، ع 683، 29 أيار 1970، ص 6 .
وايضا:"الرفيق الأمين العام زيد حيدر : القيادة الموحدة هي الممثلة للشرعية الثورية "، مجلة الثائر العربي، ع21، 23 نيسان 1970، ص6
[47]) انظر : "الرفيق الأمين العام زيد حيدر : القيادة الموحدة هي الممثلة للشرعية الثورية "، مجلة الثائر العربي، ع21، 23 نيسان 1970، ص6.
[48]) هيئة الموسوعة الفلسطينية :جبهة التحرير العربية ،الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، مج 1، 1984، ص 517 .
[49])انظر : " كفر كلا قرية لبنانية صامدة "، مجلة الأحرار، ع 718، 5 شباط 1971، ص 4 ـ 5 .
[50])انظر : " تحقيق المصور القاهرية عن الكرامة الصغيرة في حلتا " مجلة الأحرار اللبنانية، ع 652، 24 تشرين أول 1969، ص 1 .
* استشهد المناضل أحمد محمد مصلح في هذه الغارة، كما سقط المناضلان حسين علي قاسم ( اللبناني ) ومحمد لطفي أبوشامة (الفلسطيني ).
[51]) انظر : مجلة الثائر العربي، ع 18، 15 كانون الثاني، 1970، ص 66
[52])انظر :" العدوان على العرقوب جاء رداً على عملية باهرة لجبهة التحرير العربية "مجلة الأحرار، ع 659، 12 كانون الأول 1969، ص 11 .
[53])" فتح وجبهة التحرير العربية تسقطان طائرة إسرائيلية في العرقوب "، مجلة الأحرار، ع664، 17 نيسان . ص12 .
[54])انظر : " ثوار جبهة التحرير العربية، وفتح والصاعقة يشنون أوسع هجوم على مستعمرات إسرائيلية "، مجلة الأحرار، ع 677، 17 نيسان 1970، ص7 .
* الشهيدان هما:أحمد هو شر وسمير حمود، من مدينة طرابلس بلبنان 1970 .
[55] )انظر : " وحدة الدم العربي على صخور جنوب لبنان "، مجلة الأحرار، ع 681، 15 أيار 1970، ص 3 و5
** هما : بكر سليمان الملقب (بصقر البعث )من العراق و محمد ذيب الترك (طرابلس ـ لبنان )
[56]) أ نظر : "صقر البعث".. بطل معركة الخريبة في العرقوب "، مجلة الأحرار ع 682، 22 أيار 1970، ص 5
* سقط من الشهداء : الشهيد حسن شطي الصوفي ( غزة ـ فلسطين ) قائد العملية، والشهيد قاسم رشيد الطائي ( بغداد ـ العراق )، والشهيد عبد الرحمن أمز غار ( المغرب )، والشهيد فكرت أوز باطماز ( بورصة ـ استنبول ).
[57]) أوراق محفوظة لدى الجبهة العربية عملية كفار جلعادي، 225 ـ 227 .
سقط فيها من الشهداء : الشهيد نعيم توفيق الحاج قائد العملية ( فلسطيني من مواليد معسكر اليرموك )، والشهيد كاظم موات عراقي الجنسية، والشهيد أحمد خالد الجلاب سوري الجنسية، والشهيد أحمد محمد شلال التميمي عراقي الجنسية .
[58])انظر :أوراق محفوظة لدى ( ج .ت .ع)، عملية كفار يوفال، 220 ـ 224 .
[59])انظر :أوراق محفوظة لدى الجبهة العربية، 230 ـ 233 .
من شهداء الجبهة الشهيد الرائد خالد محمود الذيب، والشهيد فهمي إبراهيم صالح أبو عيشة ( بئر السبع ) .
[60]) هيئة الموسوعة الفلسطينية: " جبهة التحرير العربية"،الموسوعة الفلسطينية ، القسم العام، مج1، ص 518 .
[61])انظر : "رجال المنظمات الفلسطينية يقتحمون مستوطنة في الجليل الأعلى مقتل المسلحين و13 إسرائيليا وإصابة 11 جنديا بجروح "، صحيفة القدس، ع 3916الثلاثاء 8 نيسان 1980، ص 1، و 7
[62]) انظر : وثيقة أعدتها (ج .ت .ع) عن أسماء شهداء الجبهة العربية نيسان 2000، حصل الباحث على نسخة منها .
وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع الأمين العام لجبهة التحرير العربية.
[63]) "للثائر العربي كلمة "، مجلة الثائر العربي، ع 18، 15 كانون الثاني 1970، ص 5 .
* سجن بسام الشكعة، وعياد المالكي، ومحمد أمين وغيرهم بناءً على تقارير المخابرات الأردنية التي وقعت في يد الاحتلال بعد هزيمة حزيران ( مقابلات أجريت معهم في تاريخ سابق ) .
** نفي كمال ناصرفي 20 كانون أول 1967، وياسرعمر وفي 6 أيلول 1968 (انظر : ملف الإبعاد من 1967 ـ 1992، ج1، 1967 ـ 1970، مجلة الجليل، القدس، ع1، رام الله : المركز الفلسطيني للدراسات والنشر، 1994، 170ص ـ 171 ).
[64])انظر : سليمان، سهيل : كمال ناصر، ص 91 .
وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ياسر عمرو .
وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع تيسير لبادة في نابلس .
[65])المالكي، عياد : الفراغ السياسي، ص46.
[66])المالكي، عياد : المرجع السابق نفسه ، الصفحة نفسها .
وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ سابق، مع ياسر عمرو
[67]) ياسين، عبدالقادر :" القصة الكاملةلإنشاء الجبهة الوطنية المتحدة في قطاع غزة"، مجلة شؤون فلسطينية، ع101، نيسان 1980، ص35 .
[68]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق، مع وفا الصايغ.
[69]) ياسين، عبدالقادر :مرجع سابق، ص35.
[70]) ياسين، عبدالقادر : مرجع سابق، ص 36ـ 37 .
[71]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق، مع الطبيب خالد الدرزي في مدينة طولكرم.
وأيضا : مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع فرحان أنيس .
[72])انظر : ماعوز، موشى : القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية أسرار وتحركات ومواقف، (ب.ط) (د.م )، و(د . ت)، ص 7 .
* كان من بين أعضاء حزب البعث الفائزين في الانتخابات الآتية أسماؤهم : فاز مالك الحاج ابراهيم في عضوا في بلدية طولكرم، و فاز بسام الشكعة رئيسا في بلدية نابلس، وفاز تيسير الشخشير عضوا في بلدية نابلس، و فاز كريم خلف رئيسا في بلدية رام الله، وفاز جاد ميخائيل عضوا في بلدية رام الله، وفاز أمين شحادة رئيسا في بلدية بيرزيت، وفاز إبراهيم عوض الله عضوا في مجلسها، وفاز سعيد رشيد حجازي برئاسة بلدية دير دبوان، وفاز محمد طه النبالي عضوا في بلدية البيرة، و فاز عياد المالكي رئيسا لمجلس كفرمالك و غيرهم ( مقابلات أجريت بتاريخ سابق مع الشكعة والمالكي والنبالي وجاد ميخائيل)
[73]) انظر : ماعوز، موشى : القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية أسرار وتحركات ومواقف، ص 34 ـ 44 .
[74]) الشكعة، بسام : حديث في ندوة جرت في عمان في مجمع النقابات المهنية ورابطة الكتاب الأردنيين صيف عام 1998 بعنوان :" برنامج النضال الوطني الفلسطيني منذ الثورة 1936 وحتى الآن ( متغيرات وتنازلات )، وحصل الباحث على نسخة منها، ص 8 .
[75]) ماعوز، موشى : ماعوز، موشى : القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية أسرار وتحركات ومواقف، ص 86 .
[76]) الشكعة، بسام : " برنامج النضال الوطني الفلسطيني منذ الثورة 1936 وحتى الآن ( متغيرات وتنازلات )، ص9.
[77]) ماعوز، موشى : القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية أسرار وتحركات ومواقف، ص 83 .
مقابلة أجريت بتاريخ سابق، مع فرحان أنيس.
و مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ركاد سالم .
* وفي مثل هذا النوع من النضال يصعب تحديد النشاطات الفدائية لطبيعتها السرية والتي تشمل زرع عبوات ناسفة أو التعرض لعملاء وغيرها من النشاطات .
[79])انظر : نشأة حزب البعث ( القواعد الحزبية )، 14 / 10 / 1980 دفتر جبهة التحرير العربية رقم 47 المخطوط باليد، محفوظ في مكتبة بلدية نابلس، ص 168 .
[80])انظر :الريس، رياض نجيب : منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص74ـ 75 .
[81])انظر : " أحاديث مع قادة المقاومة حول مشكلات العمل الفدائي، الحلقة الثالثة، سامي العطاري، و عبدالوهاب، الكيالي " مجلة شؤون فلسطينية، ع7، ص28.
[82]) انظر :المرجع السابق، ص34.
[83])انظر :الريس، رياض نجيب: مرجع سابق، ص75 .
2)انظر : خورشيد، غازي : دليل حركة المقاومة الفلسطينية، ص 100 ـ 101 .
[85] ) انظر :خورشيد، غازي : المرجع السابق، ص100 .
[86] )انظر:المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[87] )انظر : سلسلة الوثائق العربية 1969، بيروت : الجامعة اللبنانية، ط 1971، ص 406 ـ 407 .
[88] )انظر : الريس، نجيب، والنحاس، دنيا: منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص 81 .
[89]) انظر : خورشيد، غازي : دليل حركة المقاومة الفلسطينية، ص 182 .
[90]) انظر : خورشيد، غازي :المرجع السابق .ص 183
[91])انظر : المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[92])انظر : جبهة التحرير العربية الطريق القومي لتحرير فلسطين، ص157ـ158 .
[93])انظر : أحاديث مع قادة المقاومة حول مشكلات العمل الفدائي، الحلقة الثالثة، سامي العطاري، وعبدالوهاب الكيالي " مجلة شؤون فلسطينية، ع7، ص 43 .
[94]) أنظر: الريس نجيب: منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص83
[95]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق، مع الأمين العام للجبهة العربية ركاد سالم .
[96]) انظر : " الرفيق طارق عزيز للوفد الإعلامي اللبناني الخلاف بين الحزب والثورة مع قيادة منظمة التحرير هو الموقف من القضية الفلسطينية والحلول السياسية"، مجلة الثائر العربي: ع9، السنة التاسعة، 15/8/1978، ص18.
* جبهة الرفض الفلسطينية هي إطار فلسطيني ضم فصائل : الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش، وجبهة التحرير العربية بقيادة عبدالرحيم أحمد، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني بقيادة سمير غوشة، وهوخط يقوم على رفض أي حل مرحلي يقبل بالصلح مع إسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويتناقض مع خط حركة فتح، والجبهة الديمقراطية، ومنظمة الصاعقة . (رياض الريس : منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص 33(
[97])انظر : مجلة الثائر العربي، ع 5 السنة الثامنة، 1/ 3 / 1978، ص 8 .
[98]) انظر :الثورة والتنمية في العراق، 1980 صدر بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لثورة 17 ـ 30 تموز المجيدة، بغداد : وزارة الثقافة والإعلام، تموز (يوليو) 1980، ص 140 .
[99]) انظر : الموسى، سليمان: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ج2، ص460-461 .
[100]) انظر : المرجع السابق، ص 465.
[101]) انظر : المرجع السابق، الصفحة نفسها .
[102])" حديث للسيد حسن عجاج الأمين القطري المساعد للتنظيم الفلسطيني الموحد ورئيس الدائرة السياسية في قيادة منظمة الصاعقة"، سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية سنة1980.ص 226 .
[103])انظر : حديث الدكتور عصام القاضي، أمين سر طلائع حرب التحرير الشعبية ـ قوات الصاعقة ـ عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول الوضع العربي الراهن، والحرب العراقية الإيرانية والوحدة الوطنية الفلسطينية " سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية 1981، ص 57 .
[104]) أنظر: الموسى، سليمان: تاريخ الأردن في القرن العشرين، ج2، ص469
[105]) في الاحتفال بالذكرى 17 لإنطلاقة جبهة التحرير العربية، أبو عمار: "معركتنا في فلسطين والفاو… واحدة" مجلة الطليعة العربية، ع153، 14 باريس: دار الفارس، نيسان 1986، ص10، 11

4) موقف منظمات البعث تجاه النظام الأردني، ومعارك أيلول 1970

تأثرت علاقة ومواقف منظمات البعث تجاه حكومة الأردن بالموقف الذي يتبناه حزب البعث والعلاقات التي اتسمت بالمعارضة والعداء طيلة الخمسينيات والستينيات، كما أنها تأثرت بالموقف والعلاقة التي وقفها حكم الملك حسين تجاه حركة المقاومة ورغم أن الحكم الأردني أبدى قبولا للنشاط الفدائي وغض الطرف عنه بعد حرب حزيران، إلا أن التناقضات بين الطرفين تفجرت في مجموعة من الأزمات والتوترات انتهت بأحداث أيلول/ سبتمبر 1970
بعد حرب 1967 زادت وتيرة العمليات المسلحة من الأراضي الأردنية والسورية وكانت الأنظمة العربية بحاجة لامتصاص النقمة الشعبية التي ولدتها الهزيمة، وقد تشكلت فصائل ثورية فلسطينية عديدة، مستفيدة من الأجواء التي أسقطت برامج الأنظمة والأحزاب السياسية المهزومة ومثلت ردة فعل إيجابيـة على هزيمة حركة التحرير العربي، وردا إيجابيا على الأوضاع اليائسة([1([.
شهدت الثورة الفلسطينية اتساعا في رقعة الأرض التي تنطلق منها في ضرب العدو وتأييد الجماهير والتفافها، مستفيدة من تعميق التناقضات بين إسرائيل والأقطار العربية التي احتلت أراضيها، ومن وجود ( قوات التحرير الشعبية ) في قطاع غزة والجماهير المؤطرة في الضفة الغربية، وكان تخطيط إسرائيل لقصم ظهر الثورة الفلسطينية بتوجيه ضربة نهائية وتصفية قواعدها في الخارج، وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام الكنيست في تهديد واضح قائلا : "إن الأردن لا يفعل شيئا لوضع حد لأعمال الفدائيين التي تنطلق من أراضيه وسنضطر نحن لحماية أمننا "([2([.
وفي السياق نفسه استغلت إسرائيل هجوم الفدائيين الفلسطينيين على باص إسرائيلي وإيقاعهم أضرارا بالغة فيه، وشنت هجوما في صباح 21آذار / مارس 1968 مستخدمة صنوفا مختلفة من الأسلحة، وقد جابهته الثورة الفلسطينية بأعمال ثورية انتحارية، وكان في الموقع 422 مقاتلا من قوات العاصفة و33 مقاتلا من قوات التحرير الشعبية([3([.
وقد دارت معارك في بلدة الكرامة الأردنية بالسلاح الأبيض، والأحزمة الناسفة ضد القوات الإسرائيلية المهاجمة، وقد تضامن الجيش الأردني مع الفدائيين، وأنزل خسائر واسعة في المهاجمين*، وأعاق تقدمهم وأفشل خططهم . مثلت المعركة نقطة تحول في تاريخ الثورة الفلسطينية، إذ أعطتها دفعة للأمام ومقدرة على النمو وتفجرت روح العطاء، وتسابق القادمون للتطوع في الثورة([4([.
أسهمت المعركة في تحويل حركة المقاومة إلى حركة شعبية ثورية، وتوكيد شعارات المنظمات الراديكالية التي تحارب الرجعية العربية وحليفتها الإمبريالية وإسرائيل، وقوى موقف حركة فتح ومحاولاتها السيطرة على(م.ت.ف)، وهو ما نجحت في تحقيقه في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي عقد في تموز / يوليو عام 1968، وتمثل التغيير في بنية( م.ت.ف) وهيكليتها، و تحويل نشاطها من منظمة تعتمد النضال الجماهيري إلى الكفاح المسلح، واعتباره الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين، وكانت المتغيرات الجديدة تتويجاً للالتفاف الجماهيري حول المنظمة، وقوبلت من طرف الحكومة الأردنية بمحاولة التفاف واحتواء ؛ تمثلت في إجراءات تهدف" ضبط الأمور، ومنع الفوضى "، وأبرزها الإجراءات التي تمنع الفدائيين من دخول عمان بالأسلحة وتسليم أسلحة ثقيلة بحوزة المنظمة وحدد 15 تشرين أول/ أكتوبر موعداً للإنذار، الذي قابلته منظمة فتح والمنظمات الفدائية الأخرى بالرفض([5([.
وقد غذى الأزمات والخلافات بين الطرفين ؛ وجود منظمات فلسطينية من مشارب فكرية مختلفة، وتيار إقليمي يعمل في الأردن، ويبدي امتعاضه من العمل الفدائي، كما أن مجموعة من الممارسات تمت باسم العمل الفدائي، وقد تساءل التيار الإقليمي الأردني لماذا الأردن هو الساحة الوحيدة المفتوحة للعمل الفدائي، وشاب العمل الفدائي حب التظاهر، ولم تكن العمليات موجعة للاحتلال، ثم أن المنظمات امتلأت بالتناقضات، وتعرضت المنظمات الفدائية، وبدون ضوابط لسيادة الدولة الأردنية([6([.
اعتبرت بعض المصادر أن منظمة ( كتائب النصر) التي يقودها طاهر ذبلان* واحدة من أبرز الفصائل التي اتهمت بأن لها ضلعا في الإساءة للعمل الفلسطيني الثوري المسلح، وقد اتهمت بأن لها صلة بتحريض الجماهيرعلى التظاهرفي يوم 2تشرين الثاني / نوفمبر1968 ، وقيام أفرادها بحرق مبنى السفارة الأميركية في عمان وتمزيق العلم الأميركي، و وجهت لرئيس الفصيل تهمة العمالة للمخابرات الأردنية من قبل فصائل المقاومة، واعتقل ومعه اثني عشر شخصا من عناصر منظمته، وتبع اعتقاله حدوث اشتباكات أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من رجال الأمن والجيش، وانتقلت المظاهرات إلى الزرقاء، وهوجم مغفر للشرطة فيها، واتصلت المنظمات الفلسطينية بعد ثلاثة أيام من اشتعال الحوادث مع الحكومة الأردنية لوقف الاشتباكات، وهدد الملك حسين بسحق الخارجين عن القانون والنظام بالقوة . قررت محكمة أمن الدولة الأردنية بالحكم على طاهر ذبلان ومعه رفاقه بالإعدام يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر1969 ووجهت له تهمة اســتغلال أعمال الفداء لمصالـح خاصة والتسبب في ترويع المواطنين وسلب ممتلكاتهم([7([.
علقت منظمة الصاعقة بأنها لا يوجد لها أي علاقة معه، واتهمته، بالعمل لحساب جهات مشبوهة، وان لا علاقة لجبهة التحرير الشعبية الفلسطينية التي فصلت طاهر ذبلان وانضمت للصاعقة في شهر حزيران . وقالت في بيانها يوم 2 تشرين الثاني1968 أن هناك جهوداً تجري من جهات مشبوهة تقوم بأعمال تخريبية، وتتصيد في المياه العكرة، وإحياء النعرات الإقليمية بين فلسـطيني وأردني أو بين ضفة شرقية وغربية للوصول إلى هدفها للإيقاع بين الجماهير العربية([8([.
ظلت التوترات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، إلى أن شهدت البلاد في 10 شباط / فبراير 1970 أزمة جديدة جاءت بعد أن ألقى رئيس الوزراء بهجت التلهوني بيانا وبنودا* تقيد حركة العمل الفدائي، وتحركه من الأراضي الأردنية التي تهدف إلى الحد من تنامي الحركة الجماهيرية وأشكال الوعي السياسي الجماهيري وفرض قوانين صارمة . ردت الفصائل الفلسطينية بأن شكلت قيادة موحدة سياسية وعسكرية عرفت باسم" القيادة الموحدة"، وتطورت إلى اللجنة المركزية وأعلنت أنها لن تتخلى عن البندقية، واتهمت النظام بأنه يقود الأوضاع إلى حرب أهلية([9([.
دلت سلسلة التطورات اللاحقة على محاولة نظام الحكم الأردني، وتحينه الفرص للقضاء على الوجود الفدائي، مستغلاً الأخطاء التي وقعت بها منظمة كتائب الأنصار وغيرها، كما أن أزمة سيادة الدولة الأردنية، وقيام سلطة الفدائيين في عمان ظلت تدفع باتجاه تفجير الأحداث والاشتباكات المتكررة.
وكان رد حركة المقاومة الفلسطينية على هذه الإجراءات والمضايقات بالرفض والمعارضة الشديدة من قبل المنظمات الفدائية، وحدثت اشتباكات واسعة، وقتل مالا يقل عن 30 شخصا من القوات الأردنية([10([.
ردت جبهة التحرير العربية بالدعوة لتحقيق ما يلي :
1 ـ توحيد المقاتلين بالوحدة الحقيقية لا وحدة شكلية، والإيمان بأن التحرير لا تحققه فئة دون أخرى و يتحقق بالعمل المشترك .
2 ـ ضرورة تدعيم العمل الشعبي، وتوثيق علاقة الثورة بالجماهير .
3 ـ توجيه الضربات للعدو لأنها تنعكس على القوى الرجعية في الداخل .
4 ـ توسيع إسهام الفكر القومي و فرز العدو من الصديق، وحيّت الجبهة الشهيد يوسف الأسمر عضو التنظيم الشعبي المسلح الذي سقط في أحداث مخيم الوحدات([11([.
انتهت أحداث شباط بعد ثلاثة أيام، ودون حسم المشكلة بين الطرفين بين الطرفين إلا أن الحكم استمر في تعبئة جنوده البدو، والمعروفين بوفائهم الشديد للحكم الأردني، واستمر في نشر الشائعات عن فظائع ومجازر، و تذرعت السلطة أن صبرها قد نفذ، وان صراعها مع" منظمات ملحدة " هذا ناهيك عن ترويج الشائعات عن سرقات وهتك أعراض، وفي 25حزيران/ يونيو 1970 وزعت السلطة منشورا قيل فيه "أخي الجندي أنت تقدم روحك ودمك من أجل الوطن والمواطنين جميعا …أنت تقدم حياتك لتحافظ على حياة كل رجل وامرأة وكل طفل من أبناء شعبك. .."([12([.
بعد هذه الأحداث عقدت مؤتمرات شعبية أردنية وفلسطينية عبّرت عن محاولات استقطاب وتأييد للطرفين، وظهر اتجاهان في شرق الأردن، أحدهما موال للملك وآخر مؤيد للفدائيين وعقد مؤتمر أم رمانة إلى الجنوب من عمان في أوائل شباط/ فبراير 1970 م في إطار التوجه القائل بعدم تـدخل الفدائيين في الحياة العامـة وليقاتل الفدائيون غربي النهر ورفض تدخلهم في الحياة العامة([13([.
عقد مؤتمر في قاعة نقابة المحامين في مدينة عمان في ربيع عام 1970، وضم حوالي 300 شخص، وحضره ممثلو الاتجاهات السياسية والمنظمات الفدائية في الأردن وترأس المؤتمر سليمان النابلسي، والدكتور منيف الرزاز، والدكتور جمال الشاعر، وتشكلت عن المؤتمر لجنة متابعة برئاسة سليمان النابلسي وضمت 15 شخصا، تم تكليفها بعقد مؤتمر شعبي في غضون 6 شهور، و يجمع عرفات والملك حسين، ونظراً لوجود ارتباطات مختلفة للجنة المتابعة، فقد فشلت بالقيام بعمل مثمر، كما أن مجلة الشرارة الأسبوعية التي تصدرها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صدرت موشحه بعنوان بارز " لا مؤتمر مع العملاء " ولقد بدا أن الصدام المسلح قادم، وتوجهت اللجنة إلى سوريا وقابلوا حافظ الأسد في جلسة خاصة والذي نصح سليمان النابلسي بأن لا يشكل الحكومة إذا ما دعي لذلك، وإذا ما حدث صدام مسلح فسيكون إلى جانب الفدائيين، وتطورت الأحداث باتجاه الصدام المسلح([14([.
أيد المؤتمر الوطني الأردني حركة المقاومة الفلسطينية، وربط بين المقررات الصادرة عن مجلس الوزراء الأردني، ونشاط الإمبريالية، وعلى رأسها أميركا، واتهمت الحكم الأردني بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني لفرض الاستسلام على الأمة العربية و تصفية العمل الفدائي الفلسطيني والقضاء على الحركة الوطنية الأردنية . وفي السياق نفسه تلقى عرفات برقيات التأييد من سوريا والعراق والجزائر([15([.
أيدت جبهة التحرير العربية قيام (القيادة الموحدة للعمل الثوري)، و اعتبر زيد حيدر * الأمين العام للجبهة أن تأسيس القيادة الموحدة ليس مجر د مؤسسة تضاف إلى باقي المنظمات، بل تعبير عن الشرعية الثورية وطالب بتفعيل دورها الذي يجب أن يتجاوز دور المؤسسة في إطار جغرافي بل ينبثق عنها مكاتب وهيئات ثورية تنفيذية منها :ـ
1 ـ قيادة أركان ثورية 2ـ مكتب مالي موحد 3ـ مكتب إعلامي 4ـ هيئة صحية 5ـ مؤسسة اجتماعية 6ـمكتب تمثيل وعلاقات خارجية، ووصف النظام الأردني بأنه نظام يعتمد سياسة النفس الطويل([16]) .
تم تسوية الأزمة بعد سلسلة لقاءات مشتركة عقدت في عمان بين مسؤولين في الحكومة الأردنية، وممثلين عن القيادة الموحدة للمنظمات الفدائية، وصدر بيان مشترك يعلن تسوية الخلافات وتهدئة الأجواء عادت وتوترت الأجواء بين الطرفين في حزيران، وطرحت أزمة الوجود الفدائي وسلطة حركة المقاومة من جديد، وبات الصدام متوقعا بينهما، وأخذت القوات الخاصة الأردنية تتحرش بالفدائيين، في حوادث صدام جديدة، جرت في 6 حزيران/ يونيو 1970، وقد أصدر الكفاح الفلسطيني المسلح بيانا في اليوم التالي أعلن فيه وقوع اشتباكات بالأمس بين قوات من الفدائيين وقوات من الجيش الأردني في مخيم الزرقاء قرب عمان في ضاحية يافا، أسفرت عن استشهاد وجرح 72 شخصا([17]) .
وكثرت الاتهامات للمنظمات الفدائية بأنها مسؤولة عن عدد من المتاريس والتي يتم فيها التدقيق في هوية المسافرين، ووجهت اتهام للمنظمات بأنها أقامت حواجز ونصبت كمائن منها نصب كمين يوم 9 حزيران/ يونيو قرب صويلح لموكب الملك حسين، وجاء في بيان رسمي أن الملك نجا من الرصاص، بينما صـرحت المنظمات أن هدفهـا قطع التعزيزات حتى لا تصل إلى عمان([18([.
أحدثت الأزمة الجديدة انفجاراً، وقام الحكم الأردني بمحاصرة المخيمات الفلسطينية في عمان وطوقت دباباته المخيمات وقصفتها . و فوضت المنظمات ياسر عرفات تحريك قوات المنظمات الفلسطينية، وقسمت الأردن لقطاعات عسكرية . أيد التجمع الوطني الأردني قرارات منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى أثر استمرار القصف الأردني للمخيمات ردت الجبهة الشعبية باحتلال فندق فيلادلفيا في عمان في 10حزيران / يونيو 1970 واحتجزت العديد من الأجانب، وأكدت أن الإفراج عنهم منوط بوقف قصف المخيمات ولما كانت الحركة الوطنية الأردنية، والمقاومة حريصة على منع حدوث حرب أهلية وترفض تمكين السلطة الأردنية من تنفيذ مخططاتها في سحب الجيش من الجبهة لضرب المواطنين، لهذا فقد بذلت أقصى جهودها لوقف القتال والذي كان بتاريخ 11 حزيران 1967 . استمرت الحوادث كعمليات الخطف والقتل والقنص، وأسهمت بعض الشخصيات الأردنية والمخابرات دورا في إذكاء الخلاف، ومنهم الشريف ناصر، وزيد بن شاكر، وكان نايف حواتمه المتحدث باسم الجبهة الديمقراطية قد أكد في 17حزيران / يونيو 1970 بأنه يتوقع أزمة أخرى بين السلطة والمقاومة لأن الصراع الذي يفرضه النظام على المقاومة يهدف إلى فرض الحلول الاستسلامية وللمقاومة الحق المشروع في الدفاع عن نفسها ([.19])
وعلقت (ج.ت.ع) على بيان الاتفاق الصادر عن اللجنة الرباعية بتاريخ 10تموز/ يوليو 1970 حول اتفاق المقاومة مع النظام الأردني ما يلي : " لم يتوفر فيه الحد الأدنى من الشروط التي تجعل منه اتفاقا مقبولا بنظر جبهة التحرير العربية، بل جاء في العديد من نصوصه ظفرا للمناورات التي أحاط بها النظام الأردني المفاوضات مستفيدا من الروح السلبية تجاه حركة المقاومة "([20])
بعد هدوء استمر أسبوعين، جاء ما هو جديد، والذي تمثل في مشروع روجرز في 25 حزيران/ يونيو 1970، وهي مبادرة سياسية أميركية لحل قضية الشرق الأوسط، والذي أسهم في إذكاء الصراع والتنافر من جديد، وقد ارتكزت على تطبيق قرار 242، وهو مشروع قابلته حركة فتح بالرفض، ومثلها سوريا، ووصفت صحيفة البعث أنه يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتماثل الرد العراقي والجزائري مع الموقف السوري بينما عقدت( م . ت. ف ) دورة استثنائية للمجلس الوطني في عمان في 27 آب / أغسطس 1970، وفي جو من التوتر نظرا للاشتباكات المسلحة على خلفية تأييد الموقف الأردني والمصري له([.21])
لقد عكس مشروع روجرز الخلاف بين المقاومة وعبد الناصر، وساءت علاقة المنظمات الفلسطينية مع عبدا لناصر، ووضعت العلاقات بين الجانبين في صدارة البحث وتحديد العلاقات المستقبلية .
ذكر صلاح خلف أن المجلس المركزي الفلسطيني كان منقسما بشأن الموقف تجاه عبد الناصر وعما يجب اتخاذه وهل يتصادم معه ؟
لم تكن منظمتي فتح و الصاعقة، وبعض المستقلين يرغبون بقطع جسور العلاقة مع مصر وقد أرسلت وفداًُ إلى مصر، وضم الوفد ياسر عرفات، وفاروق القدومي، وهايل عبد الحميد، وصلاح خلف عن فتح، وضافي جمعاني عن (الصاعقة )، وإبراهيم بكر (مستقل)، و قابلهم ناصر بفتور وكان غاضبا من مناشير فتح وبين أن على رجال المقاومة أن يعرفوا سبب قبوله الموافقة على مشروع روجرز، وبين أنه موقف تكتيكي يهدف إلى كسب الوقت ليستعد الجيش المصري للحرب، بعد أن حصل على صواريخ سام 7 من السوفييت وليتمكن من نصبها على طول قناة السويس . أوضح عبد الناصر انه لن يقبل بضرب الفدائيين، وأنه حذر الحسين خلال زيارته للقاهرة من اتخاذه إجراءات من هذا القبيل([22([.
أيدت (ج.ت.ع) في بيان لها سياسة عبد الناصر، و رفضت زرع الشقاق والخلاف بين المنظمات الفدائية، ومؤيديها من جهة، ومؤيدي عبد الناصر من جهة أخرى وذكرت أن عبد الناصر لم يصرح أنه ضد العمل الفدائي، وأن البعض يتهمه بما لم يقله، وهو تصرف إجرامي يقصد به تفتيت الجبهة العربية واستخدام رصيد ه في سبيل هذه الغاية([23([.
وفي مناخ وأجواء متوترة ومريبة، كان لابد من انقسام الرأي العام بين مؤيد للفدائيين وآخر مؤيد للملك حسين، وكانت الأوضاع المتأزمة مهيأة للانفجار القادم .
قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بخطف ثلاث طائرات ركاب مدنية وحولت الثالثة إلى مطار القاهرة، وهناك أنزل ركابها، وتم تفجيرها.وأوضح الفدائيون الخاطفون أنهم يهدفون إلى الإفراج عن معتقلين فلسطينيين في سجون سـويسرا وآخرين في ألمانيا الغربية، وفي بريطانيا([24([.
تفاعلت قضية خطف الطائرات على المستوى الدولي، وقد طالب الفدائيون بإطلاق سراح ليلى خالد، ورفاقها المسجونين في بريطانيا وثلاثة فدائيين في ألمانيا وهددت بنسف الطائرات إذا اقترب الجنود منهم، وفي تلك الأثناء كانت تجري ضجة عالمية للقضية تلك واتخذ "مجلس الأمن" قراراً يطلب فيه إطلاق سراح جميع الركاب والملاحين والخاطفين فورا، ودون استثناء،بعدأن قادت طائرتان إلى مطار " قيعان خنه" إلى الشمال الشرقي من الأردن، و أعلن الرئيس الأمريكي
أنه "يجب مواجهة خطر القرصنة الجوية في الحال، وبصورة فعالة "، ووجهت حكومة العراق في العاشر من أيلول نداء إلى الجبهة الشعبية واللجنة المركزية تدعوها للعمل على إطلاق سراح الرهائن" لأسباب إنسانية، وحتى لا يكون هناك تدخل أجنبي "([25([.
قرر الملك حسين في 15 أيلول / سبتمبر1970 القضاء على م.ت.ف، وفي الصباح شكلت حكومة عسكرية برئاسة محمد داود، وباتت الأوضاع بانتظار بالانفجار، ومن طرفها أخذت حركة المقاومة الفلسطينية تصدر البيانات المعبرة عن رفضها إ قامة علاقات مع الحكومة العسكرية وأصدرت قرارها في اليوم اللاحق بإلغاء تجميد عضوية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي صدر قبل أربعة أيام، ثم أصدرت أوامرها بتوحيد فوري لقواتها النظامية والفدائية والميليشيا وتولى العميد الركن عبد الرزاق اليحيى قائد جيش التحرير الفلسطيني قيادة هيئة الأركان للجنة العسكرية العليا، وأعلن الإضراب العام([26([.
أرسل عرفات رسائل إلى ملوك ورؤساء الدول العربية يحذر من الكارثة، ولم يحول قرار مجلس الجامعة العربية في جلسته الاستثنائية في القاهرة مساء يوم الخميس 17 أيلول/ سبتمبر1970 من وقف الصدام وحقن الدماء العربية، ولا استنكارات الدول العربية([27([.
اختير عرفات قائداً عاماً لجميع قوات الفدائيين، وقسمت عمان إلى ثماني مناطق عسكرية وعهد إلى فصائل: فتح، الشعبية، الصاعقة، جبهة التحرير العربية الجبهة الديمقراطية جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، منظمة فلسطين العربية الجبهة الشعبية" القيادة العامة " قوات جيش التحرير الفلسطيني، وقوات التحرير الشعبية بالدفاع عنها([28([.
كان الملك حسين يواصل حربه بضراوة مستفيدا من التأييد والدعم الإسرائيلي والأمريكي وقد تحركت القوات الإسرائيلية على طول الحدود الإسرائيلية الأردنية السورية مهددة بالتدخل إذا كان هناك خطر على النظام الأردني، وكان اللقاء المشترك بين الأردن وإسرائيل يهدف إلى القضاء على (م.ت . ف) والتقاسم الوظيفي بينهما([29([.
ثم أن الولايات المتحدة أخذت تلوح باستخدام القوة والتدخل في الأحداث، وتساءل العالم عن سر جر الولايات المتحدة الأميركية لأسطولها في البحر المتوسط، وإذا كان الهدف التهديد، وبث الرعب في قلوب السوريين أو العراقيين أو الروس، وربما التدخل لإنقاذ الرهائن .كان في سوريا وقتئذ تياران متخاصمان في الحكم أحدهما يبدي ميلا نحو المنظمات الفلسطينية وحرب التحرير الشعبية، والآخر يخشى التدخل الأمريكي في الأحداث ويضم التيار الأول صلاح جديد، ونور الدين الأتاسي، بينما يعارضه حافظ الأسد، وزيد الرفاعي وقد أصدر صلاح جديد أوامره لسلاح المدرعات بالتدخل رغم معارضة حافظ الأسد تقديم غطاء جوي للمنظمات الفلسطينية([30([.
حدثت المجابهة الأولى في الرمثا بين القوات السورية والأردنية في 20 أيلول/ سبتمبر وكانت مواجهة مكشوفة بين الطرفين، وكان السوريون قد قادوا الهجوم في بداية المعركة وبدورهم نقل الأردنيون مجموعات من دباباتهم من جنوب البلاد إلى الرمثا، وقد نجح الأردنيون في تدمير عدد من الدبابات السورية بما يفوق مقابل خسائر الأردن منها([31([.
كان حافظ الأسد يدير العمليات من موقع في درعا على الحدود بين سوريا والأردن ولم يكن راغبا في إسقاط الحكم الأردني، وكان تدخله محدودا. أمـر الملك حسين اللواء المدرع الأربعين المعزز بالسلاح الجوي بالهجوم على القوات السورية وحصل اشتباك بينهما وبعد ظهر يوم 22 أيلول عادت القوات السورية أدراجها([32([.
تحركت الجهود الرسمية العربية نحو الوساطة بين الطرفين المتصارعين ففي الرابع والعشرين من أيلول 1970جاءت بعثة عربية مكونة من رؤساء وزارات أربع دول وهي : تونس السودان، مصر، الكويت في محاولة لإقناع الطرفين في التوصل إلى تسوية، وبحثت مع الملك حسين والرئيس ياسر عرفات في وقف إطلاق النار. وتوجه كلاهما إلى القاهرة في 27أيلول / سبتمبر1970 لحضور اجتماع لرؤساء وملوك العرب لبحث الأوضاع المتدهورة في عمان . واتفق في المؤتمر على إنهاء الأعمال العسكرية، ونقل القوات الفدائية خارج عمان في أماكن ملائمة للعمل الفدائي، وتقرر إطلاق سراح المعتقلين، وأن يكون حفظ الأمن من مسؤولية القوات الأردنية، ولكن إجراءات الملك للقضاء على وجود المقاومة تواصلت ؛ فقد عين وصفي التل رئيسا للوزراء واسـتمرت الاشتباكات، وجاء موت جمال عبد الناصر ليغيب قوة مؤثرة على الملك حسين ([33]) .
لم يتوقف الحكم الأردني عن توجيه ضربات متلاحقة وسريعة لحركة المقاومة؛ برغم توقيعه
الاتفاقات المتكررة معها، ولجأ لممارسة الاستنزاف التدريجي للمنظمات الفدائية كما أن الجناح الجذري في م.ت.ف، والمتمثل بالجبهتين الشعبية والديمقراطية عارض هذه التسويات ووصفها بأنها لصالح النظام، وهكذا تجددت الاشتباكات في تشرين الثاني / نوفمبر 1970 وكانون الثاني/ يناير 1971([34([.
وقفت منظمة الصاعقة ضد تصفية الوجود الفدائي في الأردن، وقد سقط 93 شهيدا في عمان لوحدها، وكان هؤلاء من العاملين فيها، ومن مليشيا الحزب([35]) .
كان موقف الأمين العام لحزب البعث ميشيل عفلق تجاه أحداث أيلول مؤيداً للمقاومة الفلسطينية، فقد وجه نداء إلى البعثيين للالتحاق بالثورة الفلسطينية، ووجه تعميماً سريعاً، طلب فيه التحاقهم بالمقاومة للقتال في صفوفها والدفاع عن الثورة الفلسطينية معتبراً ذلك دفاعا عن الوجود العربي في وجه الهجمة الاستعمارية والصهيونية([36([.
قوبلت هذه الدعوة بتلبية 1500 بعثي التحقوا بالثورة من أقطار عربية، مثل :العراق، وسوريا ولبنان، والمغرب العربي، وأقطار الخليج العربي حتى وقف إطلاق النار كما، وشملت الاستجابة منظمات الحزب في يوغســلافيا، وفرنســا التي وجهت بدورها تعميمـات لأعضائها للالتحاق بالثورة([37([.
تعرضت قواعد الجبهة العربية للتنكيل والبطش في شمال الأردن، وقد هاجمتها قوات الجيش الأردني بالدبابات والسيارات المجنزرة، ومنها : قاعدتي حاتم أبو شقرة، وعبد الكريم الشيخلي وقصفتها بقنابل الدبابات والمدافع الرشاشة، وقد استشهد* خمسة أفراد، وجرح ستة أشخاص وفقد آخرون([38([.
مع تواصل الأيام أصبحت منظمة التحرير معزولة عن الجماهير، ونجح النظام الأردني في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، و فقدت التأييد من قبل الأقطار العربية المجاورة، أو على الأقل لم تقدم لها غير الاستنكار وهبت صيحات الإغاثة دون مجيب .
ويذكر صلاح خلف "أبو إياد" في السياق نفسه، كيف قوبل في القاهرة حينما تكلم في قصر القبة بحضور رؤساء الدول العربية عن مجازر أيلول "وقد صدمت وأنا أتكلم، من قلة التحسس لدى غالبية المستمعين إلي . كانت وجوههم ساكنة باردة ونظراتهم غائبة أو لا مبالية "([39([.
تم توقيع اتفاق مصالحة بين الفدائيين والحكم الأردني قبل وفاة عبد الناصر، لكن طارئا جديدا دفع في اتجاه التأزم، وتمثل في تعيين وصفي التل رئيسا للوزراء وحاكما عسكريا في 13 تشرين الأول / أكتوبر 1970. عرفت هذه الشخصية بالدهاء والمكر السياسي ويؤخذ عليه أنه كان يحتك بالجهات القومية ويخدعها أحيانا واظهر انه يريد مساعدة منظمة التحرير إلا انه وضع في شهري تشر ين الثاني /نوفمبر وكانون الأول /ديسمبر 1970 مراكز درك قرب مواقع الفدائيين، وفي كانون الثاني/ يناير 1971 اندلعت الحوادث والمصادمات بين الطرفين، وأخيرا أعلن أنه لا يسمح بهذا الوضع الفوضوي الذي يسببه وجود حركة عاجزة عن فرض الانضباط في صفوفها وطالب بمغادرة الفدائيين مدن المملكة كافة، ونزع سلاح الفدائيين، وأصر على تجميعهم في جرش وعجلون حيث يستطيعون مقاتلة العدو بصورة أفضل([40([.
عقدت المنظمات الفلسطينية في 28 شباط/ فبراير 1971 دورة للمجلس الوطني الفلسطيني وقد حضرها ممثل ا لجبهة العربية إلى جانب المنظمات الأخرى، وطرح أهمية ربط الضال العسكري، بالنضال السياسي، ونضال الثورة القطري بالنضال القومي، والتأكيد على استراتيجية رفض الحل السلمي ووحدة أداة الثورة، وليس فقط وحدة التصور، وتحديد أعداء وأصدقاء الثورة وطالبت باشراك الجماهير العربية في معركة التحرير ووجوب تطبيق هذا التصور في الأردن، وطرحت بأن تقوم هذه الصيغة من خلال" جبهة تحرير فلسطين " لتعبر عن وحدة الثورة الفلسطينية ووحدة الثورة مع الجماهير الأردنية من جهة أخرى، و هي جبهة مفتوحة لجميع المنظمات الفدائية والسياسية والنقابية العربية و تلتزم أسلوب الكفاح الشعبي كخيار استراتيجي وحيد لتحرير الأرض العربية، ومستعدة للتصدي والوقوف في وجه أعداء التحرير والثورة المسلحة، ومستعدة للتصدي في وجه الأنظمة والأوضاع والمؤسـسـات التي تقف في وجه التحرير([41([.
وعلقت الجبهة العربية مع اقتراب 5 شباط / فبراير 1971، وهو موعد انتهاء وقف إطلاق النار من المحاولات الجارية لتكريس الحل السلمي، والتي يقوم بها من وصفتهم بعملاء الصهيونية والاستعمار بعد فشلهم في القضاء على العمل الفدائي في أيلول الماضي، والذين يعاودون الكرة لتصفية العمل الفدائي، وبينت (ج.ت.ع) أنه كان واضحا منذ البداية أن نظام الحكم الأردني يبغي حصر الوجود الفدائي في مناطق معزولة حتى يتمكن من الحصول على فرصة زمنية كافية؛ حتى يتسنى له القضاء على الوجود الفدائي، كما أن الاتفاقات التي عقدتها الحركة الفدائية والنظام الأردني بحضور اللجنة العربية سمحت بتأجيج الصراعات القطرية، وأظهرت المتطوعين العرب كغرباء، مما يحصر أفق الثورة الفلسطينية في إطار قطري([42]) .
تمت في ظل مساعي اللجنة العربية التي يرأسها الباهي الأدغم حملة جديدة من الإبادة والتصفية، وقد حقق الحكم الأردني مكاسب من اتفاق القاهرة تمثلت بنجاحه بشن حملة كثيفة على المرتفعات التي تقع بين عمان واربد ولاسيما ثغرة عصفورة . تعرضت قواعد الجبهة العربية قرب السلط لهجمات قوات الجيش الأردني، وقد دخل الجنود إلى قاعدة (سعيد البياتي) في أم جوزه بجوار السلط بحجة أنهم فلاحون قدموا لحراث الأرض، لكنه تبين لاحقا أنهم كانوا جنودا، و أطلقوا نيرانهم على الفدائيين، وقد أنجدهم الجنود من مكان قريب، وتمكن مناضلون في الجبهة العربية من تكبيدهم خسائر دون أن يسقط أحدهم، وقد حضر للمكان هيئة الرقابة العسكرية التي أمرت بإخلاء القاعدة وتجنب الاشتباكات([43([.
قامت القوات الأردنية بحرق الأشجار الموجودة هناك بقنابل الفسفور، وتمكن الفدائيون من الإفلات إلى مخيم البقعة، وحاصرتهم القوات الأردنية، وهددت بقصف أكواخ المخيم، وقامت بالسيطرة على الطريق المؤدي إلى جرش، وقصفت قواعد الفدائيين في الرميمين وأم جوزه، وأم العمد، ووادي الحرامية، وعملت السلطة على تسليط قذائف مدفعيتها على المساكن المصنوعة من صفائح "الزينكو"، وبعد وساطة اللجنة العربية ووجهاء المخيم، قرروا الخروج منه، وأخذتهم سيارات إلى سوريا، ثم جرى تسفير عدد من الفصائل الفلسطينية مثل :الجبهة العربية،ومنظمة فلسطين العربية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقوات الأنصار([44]) .
واصلت القوات الأردنية تضييق الخناق على الفدائيين في آخرمعاقلهم في أحراج جرش وعجلون، وفي 13 تموز/يوليو 1971عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني جلساته، وقد اهتم المؤتمر بعدم التنسيق مع النظام الأردني، وانتهت مجازر الأردن بطردهم نهائيا، وقدر عدد الذين راحوا ضحية المجازر 18 ألف شهيد، والبعض منهم سلم نفسه للقوات الإسرائيلية وفي مؤتمر صحفي علني صرح الحسين : " بأن السـكوت الكامـل يخيم على الأردن، والآن لا توجد مشكلة "([45([.
كان من نتائج الأحداث اغتيال وصفي التل رئيس وزراء الأردن، يوم الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني / نوفمبر 1971 توجه إلى القاهرة، وبعد أن ارتقى بخطوات مع أصحابه إلى الفندق، تقدم منه شابان، ثم دوت رصاصتان وتهاوى وصفي التل، وأعلنت المسؤولية منظمة أطلقت على نفسها اسم منظمة أيلول الأسود([46([.
كان رد الصاعقة أن أدانت أسلوب الاغتيال لأنها ترى أن على المنظمات أن تنسق جهودها عند اغتيال أي مسؤول، وربما كان ذلك خوفا من عدم اختلاط الأوراق([47([.

5 (موقف منظمات البعث من النظام اللبناني والحرب الأهلية عام 1976

بعد دخول المنظمات الفدائية إلى لبنان تشابكت الأحداث في ساحة هذا البلد، ونظرا لتعدد التيارات المختلفة فيه من سياسية ودينية فإن أوضاعه لم تكن أفضل للمنظمات الفدائية من الأردن ولذا كانت الأوضاع مرشحة للخلافات و الاشتباكات والدعايات ضد منظمات المقاومة.
في إطار من التحولات الاجتماعية اللبنانية تداخل العامل القومي بالإقليمي تداخلا من الصعب الفصل بينهما لتبيين حدود هذا الموقع وذاك، وتمثل القومي بدخول حركة الثورة الفلسطينية، إلى لبنان وتحوله إلى مركز وحيد بعد ضرب الثورة الفلسطينية وإخراج الفدائيين من الأردن وتلاقى العاملان:ـ عامل الثورة التي تفتش عن قاعدة آمنة، وعامل القوى الاجتماعية التي تريد التغيير لصالحها في لبنان([48([. وقد عزز وجود الفلسطينيين التيار القومي العربي داخل لبنان([49([.
التقى وتعاطف مع الثورة الفلسطينية أبناء المخيمات الفلسطينية الذين يعانون من الاضطهاد والتعسف، و الطائفة السنية، و المسلمين بصفة عامة، والذين مثلوا فئات مضطهدة في لبنان من قبل السلطة اللبنانية، والمخابرات اللبنانية، وقد أضعفت الطائفية السياسية سيطرة الدولة اللبنانية، ولم تنجح التنظيمات الأيديولوجية العقائدية في تجاوز نسيج العلاقات الطائفية، التي صبغت المجتمع اللبناني قياداته وعناصره، بلون طائفي واحد أثر في تركيبتها، ومجال امتدادها فالحزب القومي السوري الاجتماعي اتسم بطابع مسيحي أرثوذكسي بشكل عام، والتنظيمات الناصرية استقطبت القطاع المسلم، وانتشر الحزب التقدمي الاشتراكي بين الدروز، وحركة أمل يغلب عليها المذهب الشيعي وينطبق هذا الحال على مختلف التنظيمات والنوادي اللبنانية من مختلف أشكال الطيف السياسي والثقافي([50([.
في هذا الخضم والمعترك السياسي المتشابك المعقد، الذي يشبه فسيفساء سياسية كانت السلطة اللبنانية تقوم بممارسات شرسة ضد الفدائيين الفلسطينيين، ففي عام 1966 توفي أحد أعضاء حركة فتح، وهو جلال كعوش تحت التعذيب، والقي بجثته من بناية عالية من مكتب المخابرات حتى يبدو كأنه حادث انتحار([51([.
بدأ في شباط / فبراير 1968 دخول الفدائيين إلى جنوب لبنان وإقامة قواعد عسكرية فيه قرب الحدود السورية ـ اللبنانية، ومن جنوب لبنان هوجمت المستعمرات الإسرائيلية، وقد شكل هذا الموقع، وإهمال أوضاع الشيعة فيه، تربة خصبة، ومناسبة لنمو العمل الفدائي([52([.
كذلك أصبح لبنان محط آمال القوى الثورية العربية بين عامي 1968 و1974، واعتقد الثوريون العرب أن ثورة عربية ستنفجر من لبنان، وفي هذا العام دب الحماس والتوق الشديد للحرية في لدى القوى القومية العربية، ومنها : البعث والناصرية والقوميين العرب، وكانت حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية 1968ـ1969 وحرب 1973، والتي اعتبرها الرأي العام العربي انتصارا على الهزيمة العربية حافزا هي الأخرى([53([.
شهد الفدائيون الفلسطينيون عام 1969 تحرشات من قبل السلطة اللبنانية، حيث تعرضت لهم بعد أن قاموا بعمليات ضد الاحتلال الصهيوني، وحاولت وضع العراقيل في طريقهم، وهو ما دفع لحدوث توترات بين اللاجئين الفلسطينيين والسلطة اللبنانية .
بادرت الحكومة اللبنانية في نيسان /أبريل 1969 بأن ضربت حصارا على بلدة بنت جبيل لإلقاء القبض على مجموعة فدائيين بُعيد عودتهم من إحدى المهمات ورفض أبناء البلدة تسليم الفدائيين للجيش، وبعد مرور ثلاثة أيام من الحصار والتهديد بالقصف سلم الفدائيون أنفسهم تجنبا لسفك الدماء، وتسربت أنباء احتجازهم في ثكنات صور وانتشرت المظاهرات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، وقتل أربعة طلاب، وجرح عشرين، ووجه تجمع القوى الوطنية والتقدمية في لبنان بالتحالف مع المنظمات الفلسطينية نداء في بيروت، للقيام بمسيرة شعبية ظهر يوم 23 نيسان / أبريل وواجهتها السلطة بإطلاق نار كثيف ورشق بالمياه الساخنة، واستمرت عدة أيام وتبع هذه الخطوة إعلان المخيمات مناطق محررة، وكان أولها في مخيم نهر البارد في 21 آب /أغسطس من ذلك العام([54([.
حدثت توترات و اشتباكات في السياسة والشارع، عندها أذعن النظام اللبناني للضغوط المختلفة، وعقدت اتفاقية القاهرة في 3 تشرين الثاني / نوفمبر 1969 لتنظيم وجود المقاومة الفلسطينية، ونشاطها في الجنوب اللبناني، ونص الاتفاق على السماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان للمشاركة في الثورة الفلسطينية من خلال الكفاح المسلح، وتأمين طريق المرور للعرقوب، وتنظيم العلاقة بين السلطات اللبنانية، والفدائيين الفلسطينيين، والسماح لهم بالمشاركة بالثورة الفلسطينية([55([.
تمتعت الصاعقة في جنوب لبنان بشعبية؛ بسبب اعتمادها على ولاء حزب البعث في الجنوب ناهيك عن تأييد سوريا لها في حين يمكن للنظام السوري أن يمارس قيودا اقتصادية على لبنان، ولذا كان الدور السوري واضحا في أزمتي 23 و24 نيسان/ أبريل 1968 وتشرين الثاني/ نوفمبر 1969، فقد احتل رجال الصاعقة عددا من المخافر اللبنانية قرب الحدود، وأرسلت سوريا وحدات من جيش التحرير لمحاربة السلطة اللبنانية، وهو ما دفع إلى الضغط على لبنان لعقد اتفاقية القاهرة بين السلطات اللبنانية والفدائيين([56([.
علقت (ج.ت.ع) على اتفاقية القاهرة وبينت أن من واجبها أن تحمي ما فيه من مكاسب وأن تقضي على ما فيه من خسائر، وطالما أن النظام اللبناني المرتبط بالشركات الاستعمارية والإقطاعيين وعملاء الشركات الأجنبية لن يسمح للثورة بالمحافظة على إنجازاتها، ثم أن الثورة الحقيقية لا تقبل بتحديد حركتها وتقليص حريتها، وإذاً فان هؤلاء سيجمعون قواهم في انتظار اللحظة الآتية([57([.
عادت (ج.ت.ع) لتؤكد عددا من الحقائق المهمة بمناسبة وجود المقاومة في لبنان و حول العمل الفدائي كالتوكيد على ما يلي :
إن معركة التحرير في فلسطين، ومعركة حركة التحرر العربية ضد تحالف الرجعية العربية المرتبطة بالاستعمار هما وجهان لمعركة واحدة، كما أن قومية العمل الفدائي هي الضمانة الوحيدة لاستمراره وبقائه، ولا غنى للثورة الفلسطينية من الالتحام الكامل بالقوى الشعبية التحريرية في الوطن العربي([58([.
اهتمت (ج.ت.ع)بإقامة قواعد لها في لبنان، مدفوعة بالتركيز على أهمية فتح الحدود أمام العمل الفدائي، والتحمت بحزب البعث المؤيد للعراق في القطر اللبناني، والذي يرأسه عبد المجيد الرافعي، وامتدت في المخيمات الفلسطينية، وأسهم البعثيون اللبنانيون في دعم العمل الفدائي والجبهة العربية، فقد أصدروا مجلة الأحرار اللبنانية، ودافعوا عن العمل الفدائي في وجه الدعوات المعادية له، ومن هؤلاء: الأمين العام لحزب البعث اللبناني وقادته الآخرون أمثال : رغيد الصلح وبشارة مرهج، ونيقولا الفرزلي([59([.
شارك رغيد الصلح* في مهرجان شعبي تم في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في صيدا، في يوم 2 كانون الثاني/ يناير 1970، وحضره قرابة عشرة آلاف شخص الذي تم فيه تخريج دورة من الملتحقين بجبهة التحرير العربية، وألقى الصلح كلمة نيابة عن الشباب الوطني اللبناني، وفيه بين أن العدو كان مطمئنا " لسلام الحدود الشمالية " لأنه كان يعرف أن حكام لبنان يريدون له الخير، ولا يرغبون في إيذائه ويوفرون له أ سباب الراحة بشتى الطرق والوسائل، وألقى رغيد الصلح باللائمة على السلطة اللبنانية التي لا تعد لحرب مع العدو، وهي تتظاهر بتأييد العمل الفدائي، وهي مستمرة في مؤامراتها، و تتظاهر إعلاميا بتأييدها للفدائيين ومن على صفحات الجرائد، لكنها تبحث عن وسيلة تتخلص بها من تبعا ت الحرب، وهي تهمل تسليح، وتدريب الشعب اللبناني، وتحصين حدوده، وتعزيز القدرات الدفاعية والعسكرية، وهي تسعى لإقناع الشعب بقبول الهزيمة والاستسلام للأمر الواقع([60([.
وتطرق إلى دور السفير الأمريكي في بيروت الذي يأمر فيلبى طلبه، أو يسجن السلطة اللبنانية وتعتقل من يتظاهر أو يضرب، ولكن الرواد الأوائل الذين ساروا في طريق البطولة والفداء كانوا يغيرون عليه من الشمال : جلال كعوش، وأحمد عطا الدحابره، وغيرهم كثيرون معظمهم خرج من مخيم عين الحلوة([61([.
وتعرضت جبهة التحرير العربية بالتحليل الشمولي لوجود الفدائيين في لبنان، وتساءلت عن سر التبدل المفاجئ في موقف السلطة اللبنانية، وتناولت شروط انتصار الحركة الجماهيرية، وقد جاء ذلك بعد أن شهد النظام اللبناني تخفيف القيود حول العمل الفدائي، وكتبت مجلة الثائر العربي في استهجان " هل أصبح جزارو 23 نيسان و 21 تشرين اكثر فلسطينية اليوم وأقل لبنانية … طبعا كلا … الذي تغير هو الأسلوب فقط، رغم أن الجوهر قدا ستمر :معاداة العمل الفدائي … واستمرار في التميز بين الفلسطيني واللبناني …"([62([.
يقوم رأي الجبهة العربية على أن السلطة اللبنانية تريد من العمل والوجود الفدائي وجودا معزولاً عن الإمدادات الجماهيرية حتى يسهل التخلص منه في أقرب فرصة ممكنة، ووقفت أمام المزاعم الحكومية اللبنانية القائلة : أن سبب تردي اقتصاد الجنوب اللبناني يعود للوجود الفدائي، وردت عليه " وكأن جنوب لبنان لم يكن قبل عام تماما كالبقاع والشمال من جملة المليشيات في بلد الإشعاع والنور"([63([.
اهتمت جبهة التحرير العربية بردم الثغرات في العمل الفدائي، وتعميق الصلة بين الحركة الوطنية وحركة المقاومة الفلسطينية .
ورأت أن من الأهمية بمكان ترجمة الطابع القومي للمعركة في تنظيم قومي عربي والذي لا يحشد الطاقات فحسب بل يزيل محاولات التمييز الإقليمي والقطري،وهو يؤكد عروبة فلسطين والتحامها بالجماهير العربية، ثم تقوية التفاعل واللحمة بين الحركة الفدائية والحركة الوطنية اللبنانية،والاهتمام بالقرى الحدودية، التي أهملتها الحكومة اللبنانية، واعتبار كل لبناني مؤيد وملتزم بالعمل الفدائي بمثابة فلسطيني والوقوف في وجه الدولة اللبنانية التي تحاول القصاص من اللبنانيين المؤيدين للعمل الفدائي ، ومن الإجراءات العملية تدريبهم وتسليحهم ليكونوا خطا داعما للثورة، والعمل على تحمل الأعباء الاقتصادية، وتعزيز المقاومة بالاحتذاء حذو النموذج الفيتنامي الذي يبني ويقاوم ويزرع ويحارب، والإشراف على تعاونيات تلغي دور الوسطاء([64([.
حاولت إسرائيل خلق هوة بين المنظمات الفدائية وحلفائها اللبنانيين من جهة، والسلطة اللبنانية والقوى اليمينية من جهة أخرى .وقد قامت بإثارة الاضطرابات بينها، وعزل العمل الفدائي عن جماهيره . كما أن السلطة اللبنانية عملت هي الأخرى في تضييق الخناق حول العمل الفدائي، فقد فرضت على المخيمات الفلسطينية عدة قيود . بدأت إسرائيل من عملية العرقوب الأولى في أيار 1970 ،وقد رافقتها عمليات نسف بيوت واختطاف قرويين وحملة تفتيش . لقد تضايقت إسرائيل من تدفق الفدائيين إلى الجنوب اللبناني واشتعال الثورة والأعمال الفدائية المتلاحقة من الجنوب، ولهذا قامت بعمليات اجتياح متكررة للجنوب اللبناني، وكانت الفاتحة، اجتياح القوات الإسرائيلية منطقة العرقوب بتاريخ 12 أيار/مايو 1970 وفيه اشتبكت مع الفدائيين مدة 35 ساعة قتل خلالها 6 جنود لبنانين وجرح 15 وقتل مدنيان، وفي هجوم آخر جرى يوم 10 نيسان / أبريل1973 على مخيمات بيروت قتل 40 فلسطينيا ولبنانيا وجرح 29 و نجحت مجموعة مظليين إسرائيلية في دخول بيروت وراح فيها 3 شهداء من قياديي م.ت.ف**. كانت عملية اغتيال القادة الثلاثة واحدة من الأحداث التي أثارت التساؤل وشككت في دور السلطة اللبنانية، وأدى إلى نشوب خلاف بين السلطة اللبنانية والفدائيين الفلسطينيين، الذي أدى إلى قيام السلطة اللبنانية بتدخل طيرانها للمرة الأولى في الثالث من أيار/ مايو 1973، بقصف مخيم برج البراجنة عرضت تجمعات فلسطينية أخرى لقصف المدفعية اللبنانية([65]) .
على أثر هذا الخلاف قامت مصر في عقد اتفاقية ملكارت بين الطرفين اللبناني والفلسطيني في17 أيار/ مايو 1973، وتعايش الطرفان حتى عام 1975([66([.
في 26 شباط / فبراير 1975 أطلق الجيش اللبناني النار على مظاهرة احتجاجية، قامت بها الجماهير المؤيدة لمعروف سعد، رئيس التنظيم الناصري ضد منح ترخيص لشركة بروتين التي يديرها كميل شمعون، رئيس حزب الأحرار الوطني اللبناني على حساب صيادي السمك، وأصيب سعد بإصابة قاتلة وتوترت الأوضاع بين الجيش اللبناني والمسلمين، وقد أصدرت القوى الوطنية اللبنانية بيانا دعت فيه إلى القيام بإضراب عام في بيروت والمناطق اللبنانية ومحاكمة القتلة؛ بينما ردت السلطة أن المظاهرة لم تكن مرخصة([67]) .
توالت الأزمات، والتوترات المتبادلة بين تحالف القوى اليمينية، وتحالف القوى اليسارية اللبنانية، وقد جاء اعتداء عناصر مسلحة من الكتائب، ليصب الزيت على النار، لقد تعرض باص يحمل ركاباً، من جبهة الرفض الفلسطينية أثناء مروره من حي عين الرمانة في الجزء المسيحي الشرقي من بيروت إلى إطلاق صاروخ، وكانت الحافلة تقل 26 فلسطينياً غير مسلحين حضروا احتفالا بذكرى جريمة دير ياسين، وقد استفز الحادث المنظمات الفلسطينية، وأعلن القائد العام للثورة الفلسطينية ياسر عرفات أن المنظمات الكتائبية هي المسؤولة عن الحادث، واستنكره كمال جنبلاط وأعتبره جزءاً من مؤامرة استعمارية صهيونية نفذتها عصابات الكتائب([68([.
ويذكر أمين سر اللجنة المركزية للجبهة العربية أنه سقط للجبهة 22 شخصا* وكان الاحتفال بمناسبة ذكرى انطلاقة حزب البعث العربي الاشتراكي، وجبهة التحرير العربية التي تصادف تلك المناسبة([69]) .
منذ ذلك التاريخ وقعت المنظمات الفدائية في "الشرك اللبناني "، وهو شرك أعد له كميل شمعون، والصقه بحزب الكتائب اللبناني، وتم بالتعاون مع المكتب الثاني برئاسة العقيد جول البستاني([70]) .
امتدت الاشتباكات في مدينة بيروت، ومنها إلى جهات مختلفة في لبنان وضمت المنظمات الفدائية وحلفاؤها اليساريون اللبنانيون من جهة، والتحالف اليميني المسيحي من جهة أخرى، واتسع الشرخ اللبناني ليشمل الجيش، والخلاف حول رئاسة لبنان ولم تفلح جهود أبي عمار في رتق الفتق فقد واجه هذه المرة قوى متعصبة وارتفعت الأصوات التي تطالب بطرد الفلسطينيين من لبنان([71([.
وكما حدث في الأردن ضاعف من حدة الأزمة تحركات وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، وتم تغيير السفير الأميركي في لبنان بسفير جديد يدعى غودلي، والذي عرف كمهندس للعديد من الانقلابات في العالم مثل فيتنام، وتشيلي، وهو ما أثار توقعات أبناء بيروت عن الكارثة التي تحيط بهم([72([.
شاركت منظمة الصاعقة إلى جانب المنظمات الفلسطينية، وكانت لها مساهمة في حصار السعديات مقر كميل شمعون في كانون الثاني / فبراير1976، ودخلوا إلى قصره([73([.
أخذ النظام السوري يندفع باتجاه التدخل في الحرب اللبنانية، بينما توجهت الأنظار إليه من مختلف القوى . و جاء وفد يرأسه عبد الحليم خدام ويضم ناجي جميل، و حكمت الشهابي في الحادي والعشرين من كانون الثاني /يناير 1976، والذي اتصل بمختلف الأطراف وتم وقف إطلاق النار بصورة ظرفية وعابرة ومحدودة، وتقوم على إعادة العمل باتفاقية القاهرة، وتشكلت بفضل هذه الجهود لجنة عسكرية مشتركة ضمت الأطراف الثلاثة السوريين واللبنانيين والفلسطينيين .أعلن كمال جنبلاط تأييده لما انبثق عن اللجنة من تقسيم المقاعد اللبنانية مناصفة، وانتخاب رئيس الجمهورية من قبل أعضاء مجلس النواب([74([.
استمر النظام السوري في توجيه الجهود السلمية نحو الحل السلمي بين الفرقاء، ولكن كمال جنبلاط كان يميل إلى عدم التدخل الديبلوماسي السوري، رغم أن لقاءً جرى بينهما في27 آذار/ مارس إلا أن القطيعة جرت بينهما، وعاد كمال جنبلاط رئيس الحزب الوطني الاشتراكي يتهم حافظ الأسد بالعمالة والخيانة لحساب الولايات المتحدة الأميركية ([75([.
راح الأسد والقوى المؤيدة له يتهمون جنبلاط بأنه " تاجر ثورة وتقدمية "، ودافع الأسد عن مسعاه بأنه مهتم بسلامة لبنان، وفي 16 نيسان اتفقت المقاومة الفلسطينية والنظام السوري على وقف القتال، ومقاومة التقسيم، ورفض تعريب الصراع([76([.
خرجت سوريا من دور الوسيط السياسي إلى التدخل المباشر في الشؤون اللبنانية، ففي يوم 1حزيران/ يونيو 1976تحركت وحدات سورية مدرعة، ودخلت منطقة زحلة وعكار، وأعلنت الحكومة السورية أن هدفها وقف الاقتتال، وإحباط المؤامرة على لبنان ومقاومة التقسيم ومساعدة اللبنانيين على تطوير نظامهم حتى لا تتدخل إسرائيل([77([.
أيد زهير محسن دخول القوات السورية وصرح أن بقاءها " رهن بتفاهم اللبنانيين وعودة الشرعية "، وبدأت الصاعقة قبيل ظهر يوم 6 حزيران/ يونيو هجومها على مقرات جبهة الرفض في بيروت الغربية مما دفع مغاوير فتح إلى الدفاع عنها([78]) .
قابلت الجبهة العربية محاولة الصاعقة احتلال مكاتبها بالرد الفوري ونجحت في احتلال مكاتب الصاعقة، وتم استمالة حنا بطحيش ليقوم بتمرد على منظمة الصاعقة وتشكيل منظمة منشقة إلا أنها لم تستمر طويلا([79([.
بعد أسبوع من دخول القوات السورية لبنان قامت منظمة صاعقة جديدة، وفر زهير محسن ملتجئا للقوات السورية المرابطة في مطار بيروت، بينما أعلن حنا بطحيش قيام منظمة جديدة، وانتقد زهير محسن وأخيه ماجد اللذين احتكرا كل الصلاحيات، وأعلن الخروج عن الوصاية السورية، وأوضح أن الصاعقة حاربت حتى يوم 22 حزيران/ يونيو، وبعد هذا التاريخ جاءت التعليمات بمنع إطلاق النار على القوات الانعزالية، و هددت بإعدام المخالفين لذلك، وأعلن أن منظمته ستكون لجانب حركة المقاومة وحلفائها من الحركة الوطنية اللبنانية([80([.
لقد كانت بعض العناصر في حركة فتح تشعر بالامتنان لقدوم مئات من المتطوعين* العراقيين الذين قاتلوا في صفوف الجبهة العربية([81([.
أسهم دخول القوات السورية في ميل ميزان القوى لصالح المنظمات المسيحية اليمينية في لبنان مما أثار حماس القوات المارونية للهجوم على عدد من المخيمات التي بقيت في شرق بيروت في القطاع المسيحي ومنها :مخيمات جسر الباشا ومخيم تل الزعتر، وحي النبعة الشيعي، وقد سقط مخيم جسر الباشا في 22 حزيران / يونيو 1976([82([.
تأخر سقوط تل الزعتر، وذلك بسبب استبسال المقاتلون وأبناء المخيم في الدفاع عنه لفترة طويلة . منذ بدأ الضغط عليه في شهر كانون الثاني / يناير، وكانت القذائف والصواريخ لا تنقطع من الصباح إلى المغيب وعلى مدى اثنين وخمسين يوما متتالية([83([.
بعد طول معارك ضارية اقتحم مخيم تل الزعتر، وقد استغلت القوات الكتائبية خروج الفلسطينيين بالاتفاق مع الصليب الأحمر واعتدت على المدنيين، وقتل 3000 شخص نتيجة غدرهم بحيث لم يسقط من الفدائيين أثناء القتال سوى عشرات، في حين سقط هذا العدد الكبير في صفوف المدنيين([84]) .وذكر أنه سقط للجبهة العربية ما يزيد عن 40 مناضلا، وأسهمت (ج.ت.ع) في الحرب و خاضوا معارك حافلة في منطقة الأسواق التجارية في بيروت([85([.
كانت هذه الحرب قد أضعفت منظمة الصاعقة إلى حد كبير فقد جرى ارتداد جماعي في تلك المنظمة وتذكر هلينا كوبان أنه " حينما أعيد تركيبها من جديد على يد قائدها المعتدل والمتناقض زهير محسن، وفي أعقاب الحرب، فإنها ولدت هذه المرة مصبوبة بقالب سوري خالص، وقد حرص السوريون على حرمان المنظمة المعاد بناؤها من أية قدرة ولو محدودة من الحرية التنظيمية الحقيقية التي أدت إلى إحراجهم في عام 1976 "([86([.
استطاع زهير محسن أن يهرب إلى سورية، بينما أعلن حنا بطحيش تمرده في صفوف منظمة الصاعقة وانضم للمنظمات الفدائية، وقام مؤيدو الصاعقة قابلت الجبهة العربية تمرد حنا بطحيش بالتأييد مثلما أيدته فتح، وساعدته في السيطرة على مكاتب الصاعقة في بيروت، لكن تصالح منظمة التحرير مع النظام السوري بعد فترة أعاد مكاتب الصاعقة وممتلكاتها إلى النظام السوري وتحت زعامة أمينها العام زهير محسن، وسافر بطحيش إلى خارج البلاد خوفا من ملاحقة المخابرات السورية([87([.
عارضت غالبية التنظيمات الفلسطينية نشاط منظمة الصاعقة في المناطق التي تسيطر عليها، لكن النظام السوري أجبر قادة فتح و م. ت . ف على ذلك، وتوجه محسن بعد المصالحة إلى المجلس الوطني الفلسطيني في آذار/مارس 1977، وبعد زيارة السادات للقدس نسقت فتح سياستها مع سوريا، وكانت فرصة مريحة للصاعقة، واطمأن زهير محسن وتوجه عام 1979 لنادي قمار في مدينة كان الفرنسية، وقتل على يد مجهول، وبعد مقتله قسمت مهماته بين ثلاثة هم : عصام القاضي الذي عين أمين عام الصاعقة ،و محمد خليفةالذي عين مندوباً للصاعقة في اللجنة التنفيذية، وتولى ماجد محسن شقيق زهير محسن عمليات الصاعقة في لبنان([88([.

(6أثر أبرز الأحداث على الساحة العربية في منظمات البعث

أ ( الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1980

شهد العالم في شباط / فبراير عام 1979 انتصار الثورة الإيرانية بقيادة آية الله الخميني على حكم الشاة رضا بهلوي، وهي ثورة شعبية أسهمت فيها أحزاب وتيارات دينية و سياسية مختلفة، ومنها حزب تودة الشيوعي، وحركة مجاهدي خلق ومنظمة فدائيي خلق وفي الوقت الذي حدثت فيه الثورة الإيرانية، شهد العراق تسليم نائب رئيس الجمهورية العراقية صدام حسين مقاليد الحكم فيها بعد تنحي حسن البكر .
لقد أثار سقوط شاة إيران، وانبثاق الجمهورية الإيرانية مخاوف عربية في الخليج العربي بسبب تمسكه بمواقفه السابقة، ومطالبته بالبحرين، وتمسكه بمقولة" لا حدود في الإسلام " ومن المرجح أن إيران حرضت أطرافاً كثيرة لتسعير الخلافات، وكان جيمي كارتر يحرص على إشعال العراق في صراع مذهبي وقومي، بهدف إشعال بغداد عاصمة مؤتمر القمة العربي الرافض لكامب ديفيد، والإستراتيجي المهم للجبهة الشرقية([89([.
شهدت إيران تصريحات عديدة صدرت عن المسؤولين الإيرانيين، فالخميني يعرب عن استعداد القوات الإيرانية للسيطرة على بغداد، وان قواته ستطالب بفرض سيادتها على بغداد إذا ما طالبت العراق بالجزر العربية، وسلك حذوه أبو الحسن بني صدر، ومثله قائد القوات البرية الإيرانية، وكان واضحا أن الهدف عند الخميني إقامة حكم طائفي في العراق وأخذت إيران تتناقض مع مكونات التسوية التي تمت في اتفاق 6 آذار/مارس 1975 بتدخلها المستمر في الشؤون العراقية([90([.
وفي الوقت الذي كان فيه قادة الجمهورية الإسلامية ينزعون للسيطرة على دول الخليج ومد ثورتهم إليها كانت تشهد إيران ثورات وانتفاضات في مناطق أذربيجان، وكردستان، وبلوخستان، وخوزستان (عرب الأهواز)، وقدمت حكومة البعث في العراق يد المساعدة لعرب الأهواز([91([.
جاءت سلسلة من الانفجارات في العراق وما رافقها من تصريحات لمسئولي البلدين وفي ظل التناقض بينهما زادت حدة التوترات والعداء القديم الضاربة جذوره في التاريخ القديم والحديث للبلدين الجارين في سيرهما نحو الحرب، ففي نيسان/ أبريل 1980 عقدت ندوة اقتصادية حضرها نائب رئيس الوزراء العراقي التي نظمها الاتحاد الوطني لطلبة العراق . فوجئ طارق عزيز بقنبلة يدوية وضعت قرب رجليه، و بين حشد من الطلاب، وقد حذر رئيس الاتحاد طارق عزيز من وجود القنبلة، والتي سببت جرحه وآخرين، و نقل طارق عزيز للمشفى، وفي اليوم التالي زار صدام حسين الموقع، وخطب في جامعة المستنصرية "خطاب الثأر والحرب " . وقد تبين أنها من صنع طالب إيراني يدعى "سمير غلام "، وحذر صدام ممن يحاولون النيل من ثورة العراق، وفي خطابه أطلق قسمه " والله، والله، والله إن الدماء الطاهرة التي سالت في الجامعة المستنصرية لن تذهب سدى "([92([.
وقد غذت الحرب عوامل مختلفة سواءً أكانت قومية أو دينية، أو تدخل أطراف دولية عملت بكل جهد على تغذية الصراع قبل وأثناء الحرب حتى استمرت ثماني سنوات إلا أن العامل القومي يعتبر محركا أساسيا فيها، يقول جون بولتا في كتابه صراع قوميتين الهبه التحرش الإيراني : " ذهبت إلى إيران زمن الشاه، وزمن الخميني وبدا لي أن الحرب على العراق واقعة لا محالة، فهنا تلتهب مشاعر فارسية، وهناك تستعر مشاعر القومية العربية، وبغداد بعد اتفاقيات كامب ديفيد وتحييد الثقل المصري بدت صاحبة الريادة في تحفيزالوحدة العربية واستعجال استحقاقاتها، والرئيس العراقي وعى أهمية العراق في مرحلة ما بعد كامب ديفيد، وكاستراتيجي حاذق، ضاعف الإنجازات وجعل بلاده تنوي على قرارات ذاتية نابعة من هيكلية لطـاقـاتهــا البشــرية والتنمويــة"([93([.
وشخّص الدكتور العراقي وفيق رؤوف السلوك الإيراني على مدار التاريخ، ومنذ القرن السادس عشر، وتناول الانتهاكات الإيرانية التي تمثل مساراً حلزونياً للصراع الضارب في عمق التاريخ، وأن استراتيجية إيران كانت تطمع دوما في السيطرة على مياه الخليج العربي قبل وبعد ظهور النفط، كما أن إيران كانت دوما غير مقتنعة أن يكون العراق ذا شأن، وفي الأعم الأغلب يتعارض ازدهار العراق معها، وقد توجهت إيران نحو ابتزاز العراق قبل وبعد العشرينيات.وقررت إيران التعامل مع الوكيل العثماني، ولم تتعامل مع العراق، الذي اعتبرته صغيراً، وهكذا اعتمدت إيران على مبدأ تحين الفرص، مستغلةً حالة الارتباك السياسي في الوضع الداخلي للعراق، وهكذا نقضت اتفاقيات أرض روم، وعملت على تحقيق مكاسب في اتفاقيات1973، وهددت باحتلال العراق في عام 1959، وعادت لاحتلال الجزرالعربية عام 1972([94([.
قامت القوات العراقية ـ بعد ما وصفته بالتحرشات والاستفزازات ـ بشن هجوم جوي في الساعة الثانية عشر يوم 22أيلول / سبتمبر 1980، وقصفت المطارات الإيرانية، ونجحت في زحفها بالوصول إلى عمق الأراضي الإيرانية، وحدثت ملاحم حربية في المحمرة، وسربيل الذهب وغيلان غرب وسومار . في هذا الوقت أعرب العراق عن استعداده للسلام، وبحث المشاكل العالقة، ووافق بذلك على دعوة مجلس الأمن لوقف القتال بين البلدين لكن إيران رفضت جهود الوساطة، وزجت بالإيرانيين إلى المحرقة، و أصرّت على تحرير الأراضي الإيرانية كافة . والإطاحة بنظام البعث العراقي، وظلت تعتمد أسلوب الحشد البشري في الحرب . في هذا الوقت مدت إسرائيل يدها لإيران، وقد زودتها بقطع الغيار، واعترفت إيران بأنها اشترت السلاح مقابل سداد ديون من عهد الشاه، و قابل حافظ الأسد، والعقيد معمر القذافي تلك الحرب بالانحياز إلى الطرف الإيراني وعقد حافظ الأسد معاهدات علنية وسرية، بموجبها أغلق أنابيب النفط العراقي المارة في الأراضي السورية([95([.
لقد اختلفت الآراء وتشعبت، في نظرتها للحرب، فبعضهم مع هدف الحرب، ولكن ضد التوقيت، والبعض يعتبرها استنفاذا لطاقة العراق العسكرية والبشرية التي تحولت عن القضية المركزية، قضية فلسطين، ويرون أنها تستهدف بلداً انتقل من موقع العدو إلى موقع الصديق، وآخرون يرون أنها خدمة للإمبريالية الأميركية ([96]) .
أيد عبد الرحيم أحمد أمين عام الجبهة العربية وجهة النظر العراقية في الحرب، ويمكن القول أن موقف الجبهة العربية يتفق تماما مع الموقف العراقي، فقد اعتبرها : " الوحدة القومية ضد التفرقة الطائفية والمذهبية، وهي معركة التقدم والتحرر ضد التخلف والتحجر وهي معركة السيادة القومية أمام كل من يحاول أن ينال من شرف هذه الأمة وقدرتها على الانطلاق …"([97([.
أما موقف فصائل( م .ت. ف) فاتسم بمعارضة العراق وتأييد إيران، وقد توترت العلاقات خاصة مع الجبهة الشعبية التي اتخذ العراق قرارا بترحيل 32 من أفرادها في 25 نيسان / أبريل 1980 وأغلق مكتبها في بغداد([98([.
واعتبرها عصام القاضي أمين عام الصاعقة أنها تفتح أبواب المنطقة أمام الولايات المتحدة وتقدم الحرب المسوغات للولايات المتحدة وحلفائها لبسط هيمنتهم الكاملة على المنطقة([99([.
ميز الموقف الشعبي الفلسطيني بمعارضته للعراق، فقد قوبل الموقف العراقي بالاستهجان والنقد اللاذع في مناسبات عديدة، وقد تجلت صورة ذلك في المهرجانات السياسية في الجامعات، والمعاهد الوطنية، كما أن القوى السياسية عبرت عن استيائها، وقد لهجت الألسن بالقدح والذم ووصف موقفه ب "الرجعي وحليف السعودية " لتحالفه مع دول الخليج العربي ضد الحكم الديني في إيران الإسلامية([100([.
لقد ركزت عناصر الجبهة العربية وقيادتها في الدفاع عن هذا الموقف مثلما ركز"صوت فلسطين من بغداد "على أخبار جبهة الحرب، ومجلة الطليعة العربية الصادرة في باريس 1984ـ 1988 .، التي حررها ناصيف عواد عضو اللجنة المركزية ل (ج.ت.ع)، وقد اعتبرت الجبهة العربية حرب العراق بأنها " القادسية الثانية" وهو الاسم الذي أطلقه العراق على هذه الحرب. كما أن الجبهة العربية أرسلت سرية من المتطوعين إلى جبهة المعارك وبصورة دائمة من قواتها في لبنان منذ عام 1980 التي ضمت أعضاء في لجنتها المركزية ومن عناصرها القاعدية، وكانت تُسِّير سرية بين فترة وأخرى([101]) .
واجهت جبهة التحرير العربية صعوبة كبيرة في إقناع الشارع الفلسطيني بوجهة نظرها المؤيدة للعراق، حيث كان الحماس الفلسطيني منقطع النظير للثورة الإيرانية ولمرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني، ولم تنجح في استقطاب الجماهير باعتبارها منظمة تدافع عن مواقف العراق، ولم يكن الإعلام العراقي بقادر على توضيح صورة نظام الخميني أمام الحماس الفلسطيني الجارف له، هو ما أسهم في عزلة الجبهة العربية([102]) .
كانت صحيفة الأسبوع الجديد الصوت الإعلامي الوحيد المؤيد للعراق التي حررها زهير الريس أحد الناصريين، وقد بينت ردود الفعل المختلفة من الرئيس العراقي صدام حسين، ومما جاء في تعليق الريس :" في نظر الماركسيين التقليديين أنت يميني ورجعي ومتخلف وفي نظر اليمينيين الرجعيين أنت أحمر وشيوعي . .. نظرتهم جميعا من زاوية واحدة … أنت القومي التقدمي فان المستقبل هو ملكك وكل القوى المستنيرة في كل أنحاء العالم أصبحت تدرك أن الطريق إلى حل مشاكل العالم لا يتأتى إلا من خلال القوميات المتآخية… وتقدميتك المعبرة عن موقفك الإنساني الرافض للعنصرية والشوفينية … أنت الآن في الواد والسهام تنصب عليك من كل صوب، لكنك لن تتوقف ولن تتراجع لأنك أنت الأمل وفيك يكمن الخلاص، أنت ضمير هذه الأمة فليبق صوتك مدويا"([103([.
تأثرت الساحة اللبنانية بمجريات الحرب الإيرانية ـ العراقية، وانعكس الخلاف بين المؤيدين لإيران وسوريا من جهة، والموالين للعراق من جهة أخرى، وقد مزقت هذه الخلافات( م.ت.ف) والقوى اليسارية اللبنانية ([104]) .وجرّت إلى اقتتال داخلي بينها، ثم اغتيال عدد من القادة الفلسطينيين أمثال الدكتور عبد الوهاب الكيالي في 8 كانون الأول / ديسمبر1981، واغتيال عشرات من القادة اللبنانيين من زعماء الحركة الوطنية اللبنانية أمثال موسى شعيب، واغتيال صلاح الدين البيطارأحد مؤسسي حزب البعث، الذي اغتيل في باريس على يد المخابرات السورية في 21 تموز/ يوليو 1980([105]) .
لا يوجد لدى الباحث وثائق تستحق الذكر أو ما يفيد في تغطية موقف، ونشاط منظمات البعث في داخل فلسطين سوى الصورة التي كونها من خلال مشاهداته وتجربته التي عاشها كأحد أنصار الجبهة العربية .
يلاحظ عند تناول نشاطات (ج .ت.ع) والصاعقة أنها كانت لا تمارس أسلوب العمل النقابي، الذي مارسته الفصائل الأخرى بصورة علنية تحت الاحتلال في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، فقد تأخرت الجبهة العربية في تأسيس اللجان الشعبية، بينما قامت باقي المنظمات الفلسطينية، والحزب الشيوعي الفلسطيني بتأسيس أطر شعبية بين القطاعات الشعبية المختلفة كالشباب والعمال والنساء والطلاب مثل " لجنة الشبيبة للعمل الاجتماعي " المناصرة لحركة فتح و"جبهة العمل " المؤيدة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و "كتلة الوحدة " المؤيدة للجبهة الديمقراطية و"كتلة الاتحاد " المؤيدة للحزب الشيوعي الفلسطيني و"الكتلة الإسلامية "المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين، بينما لم توجد أي كتلة طلابية أو عمالية بارزة ونسائية خاصة بحزب البعث حتى عام 1983 مما يعكس ضعف الاستقطاب الشعبي لمنظمات البعث، وربما تراجعه إلى أدنى مستوى منذ نشأة الحزب في فلسطين([106([.
كانت المبادرة الأولى للنشاط النقابي، الذي عملت به (ج.ت.ع)، قد تمثل في قيام
) لجنة قومية للعمل الاجتماعي ) في( بيت فوريك ـ نابلس ) عام 1983، كما أن بعض النشاطات، والمشاركات جرت في نادي بيرزيت، ونادي بيتا، والنادي العربي الأرثوذكسي في بيت ساحور، وتأسيس الروضة العربية في قلقيلية من قبل مجموعة من المؤيدين لجبهـة التحـرير العربية([107([.
كانت مجموعة من عناصر الجبهة العربية الذين سبق لهم أن سجنوا في 8/10/1976، وبلغ عددهم 46 شخصاً قد التحقوا بالجامعات الفلسطينية بعد عام 1978، واخذوا ينشطون بين الطلاب في جامعتي بيرزيت والنجاح الوطنية، وقد اتخذ نشاطهم طابع الدفاع عن موقف العراق ضد إيران، وشارك بعضهم في انتخابات اللجان الطلابية في الكليات الجامعية، ولكن دون الدخول في انتخابات مجالس الطلبة، انطلاقاً من فلسفة الجبهة العربية التي تحرص على الابتعاد عن النشاطات المكشوفة، وحتى لا ُتكسب الاحتلال الصهيوني وجهاً ديموقراطياً([108([.
بعد أن قرأ الباحث بضع مئات من بيانات الحركة الوطنية لم يلاحظ في هذه الفترة الاهتمام بتوزيع بيانات أو منشورات لفصائل البعث، كما هو الحال في نشاط الفصائل الأخرى، وكانت المرة الأولى التي يصدر فيها بيان باسم البعث المؤيد للعراق، البيان الذي صدر في الذكرى الثامنة والثلاثين لانطلاقة حزب البعث حيث صدر بيان وزع آنذاك في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويحمل توقيعاً باسم " تنظيم شباب البعث الفلسطيني "، وجاء يشرح أفكار البعث وموقفة من قضية فلسطين منذ عام 1947. وقد صدر منشور طلابي آخر وزع في أروقة جامعة بيرزيت باسم "التجمع القومي الطلابي" والذي أبدى رفضه للمشاريع الاستسلامية، و أشاد بدور حزب البعث، ودور جمال عبد الناصر، مما أعطى مؤشرا على أنه صدر باسم عدد من الطلاب المؤيدين للبعث وللناصرية وفي شهور لاحقة صدرت بيانات أخرى موقعة باسم " تجمع الطليعة العربية / الثامن من شباط "، وقد جاءت التسمية نسبة لثورة الثامن من شباط العراقية عام 1963، وقد صدرمنها بيانين في مدينة رام الله، وقد دلت هذه البيانات وأفصحت عن غياب دور القيادة في الأرض المحتلة وأنها أشبه بالمبادرات الفردية، أما منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية "قوات الصاعقة " فان حالها لا يختلف عن حال الجبهة العربية في الثمانينيات، وقد صدر لها منشور باسم التنظيم القطري لحزب البعث والحزب الشيوعي الفلسطيني الكادر اللينيني، الذي طرح مسائل سياسية، وتناول الأوضاع بالتحليل، ولم يلمس الباحث وجود طلاب مؤيدين لها في جامعة بيرزيت، أما في جامعة النجاح، فكان هناك بضعة أشخاص متعاطفين معها دون وجود هيئات وأطر شعبية طيلة الفترة الممتدة بين عامي 1980 ـ 1987، .كذلك ظهرت بعض النشاطات الاحتجاجية* ضد الاحتلال وروابط القرى العميلة التي نشطت في منطقة قلقيلية في عام 1982([109([.
يميل الباحث للرأي القائل أن الصاعقة حركة صغيرة تستمد وجودها من وقوف النظام السوري وراءها، وهو ما أفقدها الشعبية والتأييد بين جماهير الشعب الفلســطيني في الأرض المحتلة([110]) .
وينطبق الحال على (ج.ت.ع) في فلسطين ؛ فقد ظهر للباحث قصور التنظيم وغيابه عن الساحة في الفترة الممتدة بين عامي 1980 ـ 1987. وكانت الجبهة العربية عبارة عن قيادات في الخارج بلا قواعد شعبية في الداخل، وبدأت تظهر علامات الضمور في التنظيم وتعبئة الجماهير، ثم التذمر بين صفوف وأعضاء الجبهة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تسنى للباحث معرفة ذلك عبر مخالطة العديد من العناصر البعثية، ومنهم أشخاص عانوا من تجربة الاعتقال، وتمحورت بعض شكواهم حول ما يلي :ـ
أولا : عدم اتصال القيادة بهم وانقطاعها عنهم ولم تصلهم تعليمات بخصوص العديد من القضايا والمسائل المهمة .
ثانيا : إهمال شؤونهم في الاعتقال، وعدم صرف مستحقات مالية عن فترات اعتقلوا فيها.
ثالثا : لقد أثار عدم الاكتراث والإهمال أسئلة كثيرة حول طبيعة المسؤولين في الأرض المحتلة، ودفعت أسباب الخلل إلى اتصال بعض العناصر مع قيادة حزب البعث و(ج.ت.ع) في الخارج عبر قنوات مختلفة. كانت منها الاجتماع بعضو اللجنة المركزية ل (ج.ت.ع) في باريس السيد ناصيف عواد(عين عريك ـ رام الله ) محرر مجلة الطليعة العربية،والسيد ركاد سالم في قبرص وتم شرح أوضاع البعث لينقلها إلى المسؤولين في (ج.ت.ع) في العراق ولبنان . وكذلك جرت اتصالات أخرى مع الأمين العام عبدالرحيم أحمد([111([.
كانت علامات الضعف والتقوقع ظاهرة على تنظيم البعث في الضفة الغربية، الذي تحول إلى رموز تؤمن بفكر البعث، ومن جيل الخمسينيات والستينيات أو أشخاص درسوا في الجامعات العراقية، وتخرجوا فيها، وتأثروا بفكر البعث، وحول عزلة التنظيم والقوقعة التي أصابته بالشلل في المنتصف الأخير من السبعينيات كتب المالكي :
" وفي بغداد تقابلنا مع عضو القيادة القومية الرفيق علي غنام وعضو قيادة فرع بغداد السيد صبار حسين وبعض ضباط الجيش، وشرحنا لهم ظروف الضفة الغربية وأخطاء التنظيم القاتلة هناك بالعزلة الجماهيرية وليست هنالك قيادة تعمل على توحيد الحزب أو تضعه في المكان اللائق بين فصائل الثورة . وفي رحلة ثانية التقينا مع المرحوم أمين شحادة الأمين المالي لتنظيم الضفة الغربية وأكد لهم نفس ما قلناه … ولكن لم يحصل أي تغيير على الساحة الفلسطينية …أن من أساء لتنظيم البعث هنا هم تلك القيادة المعينة والتي تم نقدها ولم تتغير عن سياستها الانعزالية والنفعية. .. ولم يكن يهمهم سوى الكسب المالي " ([112([.
ألقت حرب الخليج بظلالها على (ج.ت.ع) في فلسطين منذ عام 1980، واكتسب النشاط يومها طابعاً فردياً، كما ظل تنظيم حزب البعث، وتنظيم (ج.ت.ع) في غياب عن النشاط الشعبي في فلسطين إلى أن اشتعلت الانتفاضة الشعبية الأولى في عام 1987، وأذنت الحرب الإيرانية ـ العراقية بالانتهاء، وأخذت أنظار حكومة البعث في العراق تتجه صوب فلسطين . ففي عام 1988 قررت القيادة القومية لحزب البعث دمج التنظيمين في تنظيم واحد، وتلقت قيادات(ج.ت.ع) في فلسطين دعما من الحكومة العراقية قدر ب365 ألف دولار، وقد قامت الجبهة بأنشطة ثقافية مختلفة، وشاركت في فعاليات الانتفاضة الشعبية التي برزت في بعض المدن والقرى الفلسطينية* وانضمت للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الفلسطينية، وأصدرت نشرات فكرية تعبوية، و أبحاثاً وكتباً، وتناولت مناسبات الانتفاضة، وأنشطتها ومارست التوعية حول الاعتقال، وأعادت طباعة مؤلفات مؤسس البعث ميشيل عفلق. كذلك تعرضت مجموعة من عناصر الجبهة العربية للاعتقال في سجن أنصار في النقب عام 1988و 1989([113([.
ب)أثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982
كان من النتائج المباشرة لاتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني العمل على إشغال العراق في حربه مع إيران ؛ الذي أدى إلى إصابة الجدار الأمن القومي العربي بثقوب تسلل منها الكيان الصهيوني؛ فقام بضرب المفاعل النووي العراقي في عام 1981، ثم اجتياحه للقطر اللبناني ومحاصرته بيروت عام 1982 .
لم يكن اجتياح الرابع من حزيران/ يونيو 1982 أول اجتياح إسرائيلي يتعرض له لبنان فقد سبقت احتياجات أخرى كان أهمها اجتياح آذار 1978 م، وهو الذي جاء انتقاما من عملية فدائية جرت عبر الحدود الإسرائيلية في تل أبيب، ولقد انتقمت إسرائيل بأن خلفت وراءها 1100 فلسطيني ولبناني قتيل معظمهم من المدنيين، ووصفت إسرائيل هذا العمل بأنه انتقامي للعملية الفدائية التي سقط فيها 35 إسرائيليا بين قتيل ومصاب([114([.
ففي عام 1978 واجهت (ج.ت.ع) الاجتياح الإسرائيلي بالقتال والمقاومة مع فصائل
(م . ت. ف)، وقد أعطىالمرحوم عبد الرحيم أحمد الأمين العام السابق ل( ج.ت.ع) أمرا لأعضاء الجبهة بالقتال والمواجهة حتى الموت، حتى أن مقاتلا رفض الاستسلام لحصار صهيوني قامت به قوة من العدوالصهيوني ؛ فألهب غضب الضابط الصهيوني فقاد دبابته بالمرور فوق الجندي، وقدمت (ج.ت.ع) خيرة المناضلين فيها في الدفاع أمام الهجوم الصهيوني([115([.
وكررت إسرائيل هجماتها على لبنان بحجة إبعاد خطر الفلسطينيين عن الجنوب، ولإثبات هذا التوجه قامت بهجوم على محور قلعة النبطية وخاصة قلعة شقيف في لبنان، وتم الهجوم صباح يوم 19آب / أغسطس1980، وفي هذا المحور جرت معركة شبيهة بمعارك الشوارع([116([.
واجهت إسرائيل في هجومها على قطاع النبطية مقاومة لم تتوقعها، وقد غاضت هذه المقاومة البطولية الصهاينة الذين أمطروا المنطقة بوجبات من طلقات المدفعية، التي وجهت نحو عدد من قرى ويلدات جنوب لبنان مثل :النبطية ومخيم النبطية، وكفر تبنيت وشوكين والجرمق وقلعة الشقيف بلغت خسائر الفدائيين 28 شهيدا ومفقودا واحدا، وأسهمت في هذا القتال المنظمات الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح، وضمت الجبهة العربية ومنظمة الصاعقة، وسقط ثلاثة شهداء للجبهة العربية، ومنظمة الصاعقة([117([.
و في السادس من حزيران / يونيو 1982 قامت إسرائيل بعملية سلام الجليل وتمثلت أهدافها بالعمل على تدمير البنية العسكرية ل (م .ت. ف) وتدمير م.ت.ف وبناها التحتية من اجتماعية وثقافية واقتصادية، بالإضافة إلى تطلعاتها الوطنية . وإقامة نظام لبناني جديد والسيطرة على جبل الباروك الموقع الإستراتيجي المشرف على دول المنطقة والسيطرة على طريق بيروت ـ دمشق، أما هدف العملية المعلن فهو إبعاد(م. ت. ف)إلى مسافة أربعين كيلو متراً ([118([.
بدأت الحرب بالتقدم في ثلاثة محاور رئيسة برية، ورافقها هجوم بحري وجوي على لبنان، وقوبلت التقنية الإسرائيلية بضعف الدفاعات السورية وسهوله اختراقها ونجحوا في تعطيل اتصالاتها، واتسم الهجوم بأنه مذهل . نجحت إسرائيل في الدخول بسرعة إلى لبنان، وعطلت الاتصالات، وواجهت مقاومة محدودة من المدرعات الفلسطينية، وجرت معارك بالدبابات مع الجيش السوري، وكان أداء الجيش السوري رديئا في القتال وخسروا 70 دبابة وتراجعوا إلى تخوم الطريق الدولية التي تصل بيروت بدمشق([119([.
تمثل نجاح إسرائيل في إبعاد المنظمات عن منطقة الجنوب، وحوصرت بيروت نحو ثلاثة اشهر وقطع الكهرباء، والماء عن أهلها ودخلت القوات الصهيونية الشطر الغربي من بيروت في 5 أيلول /سبتمبر 1982، واضطرت المنظمات للخروج من بيروت في شهر آب/ أغسطس1982، وحدثت مجزرة صبرا وشاتيلا يوم 16أيلول / سبتمبر1982 على يد القوى الكتائبية وبدعم معنوي من إسرائيل واستمرت يومين، وراح ضحيتها 1500 رجل وامرأة([120([.
ظهر دور منظمة الصاعقة في تنسيق جهودها مع الجيش العربي السوري في خطته العسكرية الشاملة ([121([.
لقد شاركت (ج.ت.ع) في معركة الدفاع عن بيروت أمام الحصار الصهيوني وشاركت في الدفاع عن الثورة الفلسطينية حتى خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان عام 1982([122]) .
وفي خطوة مفاجئة أعلن العراق يوم 9 حزيران / يونيو 1982 عن استعداده لوقف إطلاق النار في جبهة الحرب الإيرانية ـ العراقية، وجاء ذلك عقب اجتماع القيادتين القطرية والقومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في بغداد بشرط موافقة إيران على ذلك، وأعلن استعداده وقف العمليات العسكرية معها، والتخلي عن الأراضي الإيرانية التي يحتلها وسحب قواته إلى لبنان([123([.
قوبل الاجتياح الإسرائيلي بتضامن الجماهير الشعبية في فلسطين، وعبرت عن انتفاضتها الشعبية في مظاهرات مختلفة جرت في الجامعات الفلسطينية في بيرزيت والنجاح وتضامن رؤساء البلديات مع (م. ت. ف) ورفضوا التعامل مع الإدارة المدنية الصهيونية وقبول عروضيات الحكم الذاتي، وأدانوا نشاط روابط القوى العميلة، وقد أقالت إسرائيل للجان البلدية المنتخبة في مدينة نابلس وبلدة دورا وعزلت رشيد حجازي رئيس بلدية ( ديردبوان ـ رام الله ) كما أنها عزلت رئيس بلدية غزة في 9 تموز/ يوليو 1982، واعتقلت خمسين طالبا من جامعة بيرزيت بتهمة التظاهر، وأغلقت الجامعة واضطروا للتعويض خارجها([124([.
تحرك فيليب حبيب وسيطاً بين إسرائيل ولبنان وسوريا و(م.ت.ف)، ونجح بعد سلسلة جولات مكوكية إلى بيروت ودمشق في إقناع الأطراف المتصارعة على وقف القتال واشترطت إسرائيل خروج المنظمات الفلسطينية من بيروت، وهددت بتدميرها إذا استمر وجود الفدائيين فيها، وبعد معارك وصمود ضاريين في بيروت اضطرت المقاومة للخروج، وقد ساعد على ذلك ضعف الدور العربي، وخاصة الدور السوري([125([.
تقرر خروج الفدائيين الفلسطينيين على دفعات إلى عدد من الأقطار العربية التي أعلنت استعدادها لاستقبالهم . تواصل إبحار الفدائيين من مختلف المنظمات طيلة أيام 21- 28 آب/ أغسطس 1982، وقد غادروا إلى السودان واليمن وتونس وسوريا، وقد بلغ عدد الفدائيين الذين تم ترحيلهم 14749 وقد ضمت القافلة الأولى فدائيين من قوات بدر في جيش التحرير الفلسطيني وجبهة التحرير العربية، والذين غادروا بحرا إلى قبرص فالأردن([126([.
بلغ عدد القافلة الأولى 397 شخصا ً، وقوبلت بوداع شعبي كبير، ونثر عليهم الورد والأرز، وحيوا بإطلاق النار، وفي اليوم التالي 22 آب / أغسطس 1982 غادرت دفعة أخرى ضمت 982 مقاتلا من قوات عين جالوت، وفرقة أل17 وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والجبهة العربية، والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي اليوم الأول من أيلول / سبتمبر 1982 غادرت دفعة من كل المنظمات الفلسطينية وتضم 542 مقاتلا و 16 امرأة و69 طفلا([127([.
رابطت بعض وحدات الصاعقة في جنوب لبنان في مطلع عام 1978، وبقيت هناك منتشرة في جوار بنت جبيل ومنطقة النبطية، وانتقلت إلى سهل البقاع وسوريا بعد عام 1982([128([.
في حين شاركت جبهة التحرير العربية جنبا لجنب مع فصائل المقاومة الفلسطينية وبلغ عدد الذين أسرتهم إسرائيل600 شخص في معتقل أنصار، وبلغ عدد مقاتلي الجبهة الذين غادروا لبنان إلى العراق واليمن وتونس 500 عنصر([129([.
مثل إبعاد فصائل م. ت. ف عن ساحة لبنان نتائج سلبية على حركة المقاومة الفلسطينية حيث ضعف تأثيرها العسكري على ساحة فلسطين، كما أسهم في ميلها وقبولها السير نحو الحلول السلمية، وقد أصبح عمل فصائل م . ت . ف في المجال العسكري في فلسطين ضعيفا؛ بسبب انتقال المنظمة إلى تونس وعندها أخذ يغلب الأسلوب السياسي والإعلامي على سواه من النشاطات الأخرى كالعمل بالكفاح المسلح، وتحرير الأرض المحتلة، وصاحب هذه الحالة اغتيال عدد من قادة العمل العسكري والتصفيات الداخليــة، واستمــر الحال حتى مجيء الانتفــاضة عام1987([130([.
لم يلاحظ الباحث أي تصريح أو موقف للمسؤولين في منظمتي الصاعقة، والجبهة العربية حول الاجتياح الإسرائيلي، رغم مشاركة المنظمتين في مقاومة الاجتياح شأنها شأن الفصائل الأخرى بدليل خروج مقاتلي جبهة التحرير العربية مع باقي فصائل حركة المقاومة الفلسطينية .

[1])انظر : الأيوبي، الهيثم، "عشرة عوام من عمر الكفاح الفلسطيني"، مجلة شؤون فلسطينية، ع 41/42 كانون ثاني وشباط 1975، ص242 .
[2])أبو بكر، توفيق : معركة الكرامة الخالدة شهادات وكتابات الإعلام المركزي، ط 1998، ص17 ـ 18 .
[3]) انظر :الأيوبي، الهيثم: المرجع السابق، ص 245 .
* وخسر العدو الصهيوني 250 قتيلا و450 جريحا، وتم تدمير 18 آلية مختلفة للعدو، وبقيت مجموعة دبابات في أرض المعركة، وسقطت سبع طائرات واستشهد وجرح من أفراد الجيش الأردني ما يقارب المائتين، أما الفدائيون فقد خسروا 97 شهيدا وبعض الأسرى، ودمر المخيم .
[4]) انظر :أبو بكر، توفيق : مرجع سابق، ص19، وص20
[5])انظر :حبيب الله ،غانم : علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالنظام الأردني 1964 ـ 1976 بين التنسيق والتصادم، عكا : مؤسسة الأسوار الثقافية الفلسطينية، ط 1987، ص 51 ـ 52 .
[6]) بطرس، عودة : الاستسلام في الواقع العربي، عمان : وكالة التوزيع الأردنية، ص 134 و138و141
* طاهر ذبلان : ولد في بلدة عزون عام 1926 في محافظة قلقيلية، التحق عام 1948 بجيش الإنقاذ، ثم بالجيش السوري، تدرج حتى أصبح برتبة عقيد، وفي سنوات الوحدة المصرية السورية أحيل إلى التقاعد، ، وبعد عام 1967 أسس منظمة كتائب النصر، ونجحت المخابرات الأردنية في القبض عليه بعد أن لاقت قبولاً من حركة فتح والصاعقة التي اتهمته بالعمالة للمخابرات الأردنية، وقد توفي في سجن الجفر عام 1972 في ظروف غامضة، وليس من الثابت صحة هذا القول .( مقابلة أجريت بتاريخ 19 / 3/ 2001مع الباحث في تاريخ عزون عبدالخالق سويدان من بلدة عزون ) .
([7] )انظر : الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج2، ص282ـ 284
[8])انظر : " بيان القيادة العامة للصاعقة ينفي وجود أية علاقة بطاهر ذبلان 4/11/ 1968 "وثائق الكتاب السنوي الفلسطيني لعام 1968، ص84.
* يتكون البيان من 12 نقطة و أبرزها : 1ـ منع قيام جميع المظاهرات والاجتماعات والندوات غير المشروعة 2ـ منع النشاط الحزبي باعتباره عملا مخالفا للأصول والأنظمة المرعية .3ـ منع التجوال وحمل السلاح داخل حدود عمان، وغيرها .
[9]) انظر : حبيب الله ، غانم : علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالنظام الأردني، ص56.
[10]) الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج2، ص302ـ 303.
[11]) انظر : " بانتظار المؤامرة الجديدة "، مجلة الثائر العربي، ع 19، شباط 1970 ،ص 2 .
[12]) انظر : حبيب الله، غانم : علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالنظام الأردني، ص57
[13]) الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج2، ص303.
[14])انظر :الشاعر، جمال: سياسي يتذكر، ص207 ـ 213 (بتصرف )
[15]) انظر : سلسلة الكتاب السنوي الفلسطيني سنة 1970، ص 7 .
* زيد حيدر : مناضل قومي عربي، ولد عام 1929 في بعلبك، نشأ وترعرع في دمشق، انتسب للبعث عام 1945، عين في القيادة القطرية الموسعة عام 1966، سجنه انقلابيو 23 شباط في سوريا، تولى منصب الأمين العام في الجبهة عام 1969 ـ 1970، وأصبح بعدها مسؤولا للعلاقات الخارجية في القيادة القومية (الكيالي، عبد الوهاب : موسوعة السياسة، بيروت : مؤسسة الدراسات والنشر، 1983، ص 54 ).
[16]) انظر :"الأمين العام لجبهة التحرير العربية يعلن القيادة الموحدة للعمل الفدائي هي الممثلة الشرعية الثورية "، مجلة الأحرار، ع675، 3 نيسان 1970 ص6.
[17]) انظر : سلسلة الكتاب السنوي الفلسطيني سنة 1970، ص7
[18]) انظر : المرجع السابق، ص 8 .
وانظر أيضا : الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج2، ص 305- 306 .
[19]) انظر :حبيب الله، غانم : علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالنظام الأردني 1964 ـ 1976، ص 59 .
[20])"الأمين العام لجبهة التحرير العربية يشرح أسباب تحفظ الجبهة على بيان الاتفاقية الذي أذاعته إذاعة اللجنة الرباعية "، مجلة الأحرار، ع690، 17/7/1970، ص34.
[21])انظر :حبيب الله، غانم : علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالنظام الأردني، ص 59 ـ 60 .
[22])انظر : رو لو، أريك : فلسطيني بلا هوية، ص 134 ـ 135.
[23]) "بيان جبهة التحرير العربية تؤيد فيه سياسة الرئيس جمال عبد الناصر بيروت 31/7/1970"، وثيقة رقم 300، سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية، 1970، ص7
[24]) الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج2، ص 322 ـ 323 .
[25]) الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج 2، ص 323
[26]) انظر :سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1970، بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1974، ص13 .
[27]) انظر : سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1970، بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص 13.
[28]) الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج2، ص 327 .
[29])حبيب الله، غانم : علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالنظام الأردني، ص 76 .
[30])انظر : ــ ليلى خالد وحرب أيلول، القدس : مؤسسة صيام للدعاية والنشر، ص 121 .
[31])انظر : ــ ليلى خالد وحرب أيلول، ص 168 .
[32]) سيل، باتريك : الصراع على الشرق الأوسط، بيروت :المؤسسة العامة للدراسات والتوزيع، 1986، ص 259 ـ 260.
[33])انظر :حبيب الله، غانم : علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالنظام الأردني، ص77 ـ 78
[34]) انظر :حبيب الله، غانم : المرجع السابق ص77ـ 78.
[35]) انظر :أحاديث مع قادة المقاومة حول مشكلات العمل الفدائي الفلسطيني، الحلقة الثالثة، سامي العطاري، عبد الوهاب الكيالي " مجلة شؤون فلسطينية، ع7، ص 35 .
[36]) انظر : عفلق، ميشيل : نقطة البداية أحاديث بعد الخامس من حزيران، ص 173 .
[37])انظر : " تلبية لنداء الأمين العام 1500 مناضل بعثي التحقوا بالثورة "، مجلة الأحرار، تاريخ 9/ 11/ 1970، ص 10.
* من الشهداء: براق طالب الرفاعي(العمارة بغداد )، طارق محمد عبد الستار الشيخلي (بغداد )، الشهيد ابراهيم محمد عويدات( بئر السبع ـ فلسطين )، سعد محمد سعيد يونس، ونجم محمد عبد الله الجبوري (حيفا ـ فلسطين ).
[38])انظر : " قوات النظام العميل تشوه جثث شهداء جبهة التحرير العربية "، مجلة الأحرار، عدد 699، الجمعة 18 أيلول، 1970، ص 9 .
[39]) رو لو، أريك : صلاح خلف ـ فلسطيني بلا هوية، ص146 .
[40]) انظر : رو لو، أريك : المرجع السابق، ص151 ـ 152
[41]) انظر : " مذكرة جبهة التحرير العربية إلى المجلس الوطني الفلسطيني " مجلة الأحرار، ع 721، 5 آذار 1971، ص 11 .
[42])انظر : " حملة إبادة جديدة في ظل اللجنة العربية "، مجلة الأحرار، ع 721، ص 4 ـ 5.
[43])انظر : مجلة الأحرار، ع 721، ص 4 .
[44])انظر : " حملة إبادة جديدة في ظل اللجنة العربية "، مجلة الأحرار، ع 721، ، ص5 .
[45]) حبيب الله ، غانم : علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالأردن، ص 80 .
[46]) انظر : رو لو، أريك : صلاح خلف- فلسطيني بلا هوية، ص 156 .
[47])انظر :أحاديث مع قادة المقاومة حول مشكلات العمل الفدائي الفلسطيني، مجلة شؤون فلسطينية، ع7، ، ص 225 .
[48]) العابد، حمزة : حديث جديد عن لبنان، بيروت : دار الأصالة، ص46.
[49]) كوبان، هيلينا : المنظمة تحت المجهر، ص110.
[50]) العابد، حمزة : مرجع سابق، ص22، و 33
[51])الصايغ، روز ماري : الفلاحون الفلسطينيين من الاقتلاع إلى الثورة (مترجم)، القدس : منشورات صلاح الدين، ط2، 1983، ص183.
[52]) انظر : سويد، محمود: الجنوب اللبناني في مواجهة إسرائيل 50 عاما من الصمود المقاومة، بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص 6 ـ 7 .
[53])انظر : الصايغ، روز ماري : الفلاحون الفلسطينيين من الاقتلاع إلى الثورة، ص 192 .
[54]) انظر :الصايغ، روز ماري : المرجع السابق، ص 197 .
[55])انظر : المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[56])انظر :الريس، رياض نجيب : منظمة التحرير الفلسطينية المسار الصعب، ص74.
[57])انظر : جبهة التحرير العربية الطريق القومي لتحرير فلسطين، ص71،72.
[58])انظر : " للثائر كلمة اتفاقات القاهرة !!.. محطة في طريق طويل، ما الذي انتهت إليه أحداث لبنان الدامية "، مجلة الثائر العربي، ع19، 5 شباط 1970، ص3ـ 4.
[59]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ركاد سالم.
* ذكر أمين عام الجبهة العربية ركاد سالم للباحث أن رغيدالصلح تعرض لأ كثر من مرة لمحاولة اغتيال من المكتب الثاني وراح فيها أحد حراسه، وهو ما اضطره الخروج إلى لندن (مقابلة جرت في تاريخ سابق بمدينة رام الله . )
[60]) انظر : "لقاء جديد بين جبهة التحرير والجماهير في مخيم عين الحلوة "، مجلة الثائر العربي : ع 18، 15كانون الثاني، 1970، ص47 .
[61]) انظر : لقاء جديد بين جبهة التحرير والجماهير في مخيم عين الحلوة "، مجلة الثائر العربي، ع 18، 15كانون الثاني، ص 46 .
[62]) جبهة التحرير العربية الطريق القومي لتحرير فلسطين، ص 81 .
[63]) المرجع السابق، ص 83 .
[64]) انظر : المرجع السابق، ص 86 ـ 90
** وهم: محمد يوسف النجار، وكمال عدوان، والشاعر كمال ناصر .
[65]) انظر : سويد، محمود : اجتياح لبنان، ص 8 ـ 9 .
[66])انظر : رو لو، أريك : صلاح خلف – فلسطيني بلا هوية، ص 252 ـ 253 .
[67])انظر : عيتاني، بديع : حرب لبنان، بيروت : دار المسيرة، ط 1982، ص 361 .
[68])انظر : عيتاني، بديع: المرجع السابق، ص 163 .
* هذه قائمة بالشهداء الذين سقطوا للجبهة في هذه المذبحة : من فلسطين فوزي منصور، ومحمد أبو خليل حمادة ومحمد حسن، ومحمد حسين قدورة، و الشيخ محمد علي محسن، وعبد الفتاح الداهودي، ومحمود عبدالكريم شحادة، و أحمد أبو خليل، وموسى أحمد دعيبس، ومحمد أحمد سالم، ومحمد محمود شحيبر، ومن لبنان كل من : الشيخ محمد علي محسن، وخالد محمد محسن، و مصطفى علو، واستناد دندش، وحسن سعيد، ورمضان أحمد قوصان، و صلاح مصطفى علو، وحيدر محمد محسن، ومن العراق : مزهر جلوب سايد .
شاركت جبهة التحرير العربية في معارك بيروت، ومخيم تل الزعتر، ومخيم الضبية، وحي الشياح ومدينة صور، ومعارك الفنادق، وغيرها، وبلغ شهداء الجبهة في معارك مخيم تل الزعتر لوحدها قرابة 40 شهيدا، هذا ناهيك عن الذين سقطوا في ساحات أخرى .( عن أسماء شهداء الجبهة العربية حتى عام 2000 )
[69]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع الأمين العام للجبهة العربية ركاد سالم.
[70])انظر : رو لو أريك : صلاح خلف ـ فلسطيني بلا هوية، ص 255 .
[71]) انظر : رو لو، أريك : المرجع السابق، ص 267 ـ 268 .
[72])انظر : عيتاني، بديع : حرب لبنان، ص 175 .
[73])مقابلة أجريت مع أمين عام الجبهة العربية في تاريخ سابق .
[74])انظر: عيتاني، بديع : حرب لبنان، ص 175
[75])انظر: عيتاني، بديع :المرجع السابق، ص 181 .
[76]) عيتاني، بديع :المرجع السابق، ص 187 .
[77])انظر : المرجع السابق نفسه ، الصفحة نفسها .
[78]) رو لو ،أريك : صلاح خلف ـ فلسطيني بلا هوية، ص 284 .
[79]) مقابلة :أجريت بتاريخ سابق مع أمين عام الجبهة العربية.
[80])انظر :" صاعقة جديدة تنشق عن منظمة زهير محسن "جريدة الفجر المقدسية، ع 2475، الثلاثاء 3 آب1976، ص 1، وص 5 .
* يذكر ركاد سالم في مقابلة أجريت معه بتاريخ سابق أن عددهم بلغ 800 متطوع .
[81]) انظر : كوبان، هلينا : المنظمة تحت المجهر، ص 130 .
[82])انظر : كوبان، هلينا: المرجع السابق، ص 123 ـ 124
[83]) كوبان، هلينا:المرجع السابق، ص 187 .
[84])انظر : رولو، أريك : صلاح خلف ـ فلسطيني بلا هوية، ص 285 ـ 286
[85]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ركاد سالم.
[86]) كوبان، هلينا: المنظمة تحت المجهر، ص 132 .
[87]) انظر : كوبان، هلينا : المرجع السابق، ص 244 .
و مقابلة أجريت بتاريخ سابق، مع ركاد سالم.
3) انظر :كوبان، هلينا: المرجع السابق، ص 245 .
[89])الكيالي، عبد الوهاب : العرب والقضايا الاستراتيجية، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1982، ص 66 وص 119 .
[90])مقبل، زياد، وأمين، عبدالعزيز: حرب الكرامة العربية، نابلس : مطبعة جمعية العمال التعاونية 1983، ص106 ـ 107.
[91]) مباشر، عبده: الحرب العراقية الإيرانية، القاهرة : دار الكتب والوثائق القومية، 1986، ص 13.
[92]) مقبل، زياد، وأمين، عبدالعزيز: حرب الكرامة العربية، ص 119 .
وانظر أيضا : أسامة غزالي، حرب "أبعاد النزاع العراقي الإيراني " مجلة السياسة الدولية ع 61 يوليو تموز 1980، ص 186 ـ 187 .
[93]) جون بولتا في كتابه صراع قوميتين ألهبه التحرش الإيراني، مجلة الطليعة العربية، ع 176، 22 أيلول 1986، ص6 .
[94]) وفيق رؤوف في تحليله للسلوك الإيرني عبر التاريخ ، مجلة الطليعة العربية، ع 116، 22 تموز 1985، ص 29 .
[95])انظر :مقبل، زياد، وأمين، عبدالعزيز: حرب الكرامة العربية، ص 129 ـ 144 . (بتصرف)
[96]) "بمناسبة العيد الرابع والثلاثين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي والذكرى الثانية عشرة لانطلاقة جبهة التحرير العربية حول بعض القضايا الراهنة" سلسلة الوثائق الفلسطينية 1981، ص115-116 .
[97]) حديث صحافي خاص للسيد عبد الرحيم احمد، أمين سر جبهة التحرير العربية، ص 152 . .
[98])انظر : "بيان صحافي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول إغلاق الحكومة العراقية لمكتب الجبهة في بغداد " سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية 1980"
[99])" حديث الدكتور عصام القاضي، أمين سر منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية "قوات الصاعقة " حول الوضع العربي الراهن، والحرب العراقية والوحدة الوطنية الفلسطينية "سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية، 1981، ص 56 .
[100]) مشاهدات الباحث وسماعه لخطابات القوى الوطنية في مهرجانات عديدة جرت في جامعة بيرزيت، ومعد معلمي الوكالة في رام الله بمناسبة قرار الأردن إرسال قوات اليرموك لجبهة الحرب عام 1982 .
[101]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ركاد سالم .
وأيضا: مقابلة أجريت بتاريخ 1/ 7/ 2000 مع راتب العملة عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير العربية في مدينة رام الله، الذي قاتل في الحرب العراقية ـ الإيرانية .
وأيضا : متابعة الباحث لصوت فلسطين وأعداد مختلفة من الطليعة العربية .
[102]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع فرحان أنيس .
وحضور الباحث للندوات والمهرجانات الخطابية في جامعة بيرزيت آنذاك .
[103])انظر : مقبل، زياد، وعبدالعزيز أمين: حرب الكرامة العربية، ص 156 ـ 157 .
وأيضا : جريدة الأسبوع الجديد : غزة : مطابع دار العلوم، ع 20، 27 أيلول 1980 . ص1 .
[104]) كوبان، هلينا : مرجع سابق، ص 171
[105]) مقبل، زياد : المرجع السابق، ص 146 .
وانظر : صحيفة القدس، الأربعاء، ع 4512، 9كانون أول 1981، ص1
وانظر: صحيفة النهار، القدس : مطابع النهار، الاثنين، ع 142 6تموز 1987، ص3 .
مشاهدات الباحث للتجارب الانتخابية الطلابية في جامعة بيرزيت وسواها من النشاطات في الجامعات والمعاهد، والأندية، وكان التنافس في جامعة بيرزيت على سبيل المثال يتم بين الكتل الطلابية المؤيدة لحركة فتح والشيوعي والجبهة الشعبية والديمقراطية والكتلة الإسلامية، بينما كان المؤيدون للجبهة العربية والنضال الشعبي والقيادة العامة بضعة أشخاص .
[106]) مشاهدات الباحث ولقاءاته في حينه مع البعثيين في هذه المواقع .
[107]) لقاءات الباحث في حينه مع البعثيين أثناء دراسته في جامعة بيرزيت .
[108]) لقاء الباحث مع عدد من البعثيين، وتجربته الاعتقالية من 2/8/1978 ـ 11/4/ 1980في سجن نابلس المركزي.
*شاهد الباحث في منطقة قلقيلية بين عامي 1980 و1982 كتابة شعارات بتوقيع الجبهة العربية على جدران المدارس والشوارع في كفر ثلث، وعزون، وحبله، وسنيريا، ضد باعة الأراضي، وسماسرة الاحتلال، و ضد مشروع الحكم الذاتي، وروابط القرى العميلة .
[109]) تسنى للباحث الإطلاع على هذه المنشورات، وبسبب ظروف الاحتلال والاعتقال أتلفت .
[110]) كريشان، محمد: منظمة التحرير الفلسطينية التاريخ والهياكل الفصائل والأيديولوجية، لبنان : دار البراق، 1986، ص90
[111]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع محمد طه النبالي .
[112])المالكي، عياد : الفراغ السياسي، ص 55
* من أبرزها قرى ومدن شمال الضفة الغربية، وهي : بيت فوريك، وطمون، وقلقيلية، وبيتا، وقصرى، وفي قطاع غزة برزت بيت حانون، وغيرها من مدن وقرى فلسطينية .
[113]) تجربة الباحث الإعتقالية في سجن أنصار في النقب عام 1989 وقد كان على صلة بهم.
[114]) الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982م، دراسات سياسية وعسكرية (مجموعة مؤلفين )، ص8.
[115]) " الرفيق عبد الرحيم أحمد لمجلة الشباب العراقية القتال هو قرارنا وخيارنا سنقاتل كل من يحاول منعنا من ممارسة نضالنا المشروع ضد العدو الصهيوني " مجلة الثائر العربي ع3 السنة التاسعة، 15 أيار 1978، ص 7 .
[116]) أبو فضة، عبدالعزيز : قلعة الشقيف قلعة الصمود، بيروت : منشورات فلسطين المحتلة، 1982، ص71و73 .
[117]) أبو فضة، عبدالعزيز : المرجع السابق، ص 93، و95.
[118]) سويد، محمود : الجنوب اللبناني في مواجهة إسرائيل، ص16ـ 18، وص 91ـ92.
[119]) انظر : كليفورد، أ . رايت "آلة الحرب الإسرائيلية في لبنان "الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، ص 57 ـ 61 .
وانظر: معتوق، مها : وقائع الحرب الإسرائيلية ـ الفلسطينية في لبنان، ص16 ـ 19 .
[120]) الصايغ، يزيد " الأداء العسكري الفلسطيني في حرب 1982 " الاجتياح الاسرائيلي للبنان، ص 91 – 92 .
[121]) الصايغ، يزيد: "منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية " قوات الصاعقة "،الموسوعة الفلسطينية، دراسات القضية الفلسطينية، مج5، ص 413 .
[122]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع الأمين العام للجبهة العربية.
[123]) معتوق، مها : وقائع الحرب الإسرائيلية ـ الفلسطينية في لبنان، ص74.
[124])انظر : معتوق، مها : وقائع الحرب الإسرائيلية ـ الفلسطينية في لبنان، ص149 ـ150 و327 و332.
[125])انظر:معتوق، مها : المرجع السابق، ص32 ـ33
[126]) انظر : معتوق، مها :المرجع السابق، ص 509 و730 .
[127])انظر : سري الدين، رجا : اجتياح لبنان، صور، وثائق، إعداد وكالة مختارات الأخبار العربية والعالمية، ص 110 و 112 و 120 .
[128]) الصايغ، يزيد :الموسوعة الفلسطينية، دراسات القضية الفلسطينية، مج5، ص 412.
[129]) مقابلة أجريت بتاريخ سابق مع ركاد سالم أمين عام الجبهة العربية .
([130] ) بيان القيادة القومية حول الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، منشورات القيادة القومية حزب البعث العربي الاشتراكي، بغداد، أيلول 1993، ص 4 .

الفصل الخامس

موقف حزب البعث تجاه الحلول السلمية العربية ـ الإسرائيلية

أ ) موقف حزب البعث تجاه الحلول السلمية مع إسرائيل 1948 ـ 1967
ب) موقف منظمات البعث الفلسطيني من مشاريع التسوية 1967 ـ1982
أ) موقف حزب البعث تجاه الحلول السلمية مع إسرائيل 1948 ـ 1967


انطلاقا من نظرته لقيام إسرائيل والحركة الصهيونية كحركة استعمارية تشابه الغزو والاحتلال الإفرنجي الصليبي، لذا برزت لديه استراتيجية، ومواقف سياسية لا تعرف الحلول الوسط والتصالح مع الكيان الصهيوني، ومن هنا فقد آمن البعث بضرورة تحرير فلسطين التاريخية كلها عن طريق الكفاح المسلح، مناهضا وبشكل صارم لأطراف الصراع المهادنة للدولة الصهيونية والرجعية العربية والإمبريالية الأميركية([1]) .
فقد قابلت "جماعة البعث " في رام الله التحركات السياسية المختلفة والمشاريع المطروحة للتصالح مع الكيان الصهيوني بالرفض والمعارضة في أكثر من مناسبة وقد قوبل مشروع الوحدة الأردنية الفلسطينية بشيء من التحفظ والمعارضة لما يعنيه من انضمام الضفة الغربية للضفة الشرقية تحت زعامة أمير عرف بتأييده لبريطانيا، ومهادنته إلى إسرائيل.
لم يكن البعثيون متحمسين لمؤتمر أريحا، وقد عمل هؤلاء كمعارضة لإبطاله عند انعقاده في شهر كانون الأول / ديسمبر 1948 والذي أشرف عليه محمد علي الجعبري من مدينة الخليل، وكانت فلسفته تنطبق على مقولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه ويذكر الجعبري عن هذه المعارضة " وقد بدا لي أن هناك هيئة للمعارضة بدأت تعمل لإبطال المؤتمر أذكر منهم : أنور الخطيب والدكتور موسى عبد الله الحسيني ويحيى حمودة، وكمال ناصر، وعبدالله نعواس، وعبدالله الريماوي، وكانوا يسخرون (فريد فخر الدين) وكانوا منظمين حالهم تنظيم فني"([2([.
ولكن"جماعة البعث" لم تذهب إلى حل بعيد في معارضتها لمشروع الوحدة، فقد شاركوا في الانتخابات النيابية في 20 نيسان/ أبريل 1950، وقد فاز فيها عبد الله الريماوي وعبد الله نعواس، الأول عن رام الله والأخير عن القدس، وفي عام 1950طرح مشروع دعاه الملك الأردني" بالمصالحة أو الموادعة "، ويقوم مشروع المصالحة على فتح طريق يصل بين الضفة الغربية وحيفا أو غزة عبر طريق بيت لحم والخليل، واستعادة جزء من أملاك ودفع تعويضات، وقد حضر سعيد المفتي رئيس الحكومة، ومحمد الشريقي وزير الخارجية، وسعد جمعة سكرتير رئاسة الوزراء، وعقد اجتماعا في المدرسة العائشية في نابلس، وضم رؤساء بلديات : نابلس، وجنين، وطولكرم وقلقيلية، وعنبتا، وغيرهم من وجهاء نابلس، وحضره متصرف نابلس أحمد الخليل، وقوبل المؤتمر بمعارضة هاشم الجيوسي، وكان مشروع المصالحة يدعو إلى فتح ممر أو منفذ إلى يافا أو حيفا للاجئين([3]) .
وذهب الوفد إلى القدس،ليعقد مؤتمرا فيها، وحضره عدد من رؤساء بلديات المنطقة، ومن الشخصيات بهجت أبو غربية، وكان محمد الشريقي رئيساً للحفل، وقد قال في اجتماع المدرسة الرشيدية:" لقد جئنا لبحث موضوع الصلح مع إسرائيل، وانتم يا أهل فلسطين الذين تطلبون ذلك، الملاك واللاجئون يراجعون عبد الله من اجل ذلك لقد جئنا كممثلين للحكومة لنستطلع الأمر رسميا…"، وهنا وقف بهجت أبو غربية، وعارض، وهاجم بشدة، وبصراحة، فكرة الصلح مع اليهود، وانفض الاجتماع بلا نتيجة([4([.
وفي مرحلة نمو حزب البعث، وتصاعد شعبيته بعد حرب فلسطين عام 1948، وزيادة اهتمامه بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية قومية مركزية، واعتبارها خلاصة القضايا العربية، وربط الحزب بين أهداف الوحدة والتحرير للأقطار العربية، ثم القضاء على الإقطاع والاستغلال، قام الحزب ببلورة أفكاره ونظرته السياسية وبرنامجه حتى عام 1955 على النحو الأتي:
أولاً : ربط النضال الشعبي العربي الموحد مع مطالبته بالقضاء على الإقطاع ومحاربة الاستعمار والصهيونية، واعتبرهما شيئا واحدا، وحمل الفئات الإقطاعية المسؤولة عن ضياع فلسطين لاعتمادها سياسة المهادنة، وهي التي باعتهم الأرض وسخرت موارد البلاد في خدمتهم، وعلى ضوء العلاقة بين تحالف الصهيونية والاستعمار والفئات الإقطاعية وجب النضال ضدهما كشيء واحد ليضمن النصر([5]) .
ثانيا : دعا البعث إلى إيجاد أعمال ثابتة للاجئين، وإعدادهم ليكونوا طليعة جيش التحرير وطالب الدول العربية بمقاطعة الاستعمار الذي يدعم الصهيونية ويحميها .
ثالثا : رفض البعث أي شكل من أشكال الوجود الاستعماري والسيطرة على البلاد العربية وطالب بدعم نضال مصر ورفض مشاريع الدفاع المشترك، والمساعدات الأمريكية([6([.
ومن الأمور التي رفضها البعث انضمام العرب للتحالفات الدولية القائمة*، ورفض مقولة "دول العالم الحر"، والتي تقاوم الخطر الشيوعي المزعوم .
كانت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وتركيا تغذي مفاهيم التحالف والدفاع المشترك لدول المنطقة بما فيها إسرائيل. بيّن البعث أن الخطر الخارجي ينحصر في الاستعمار والصهيونية حيث قال : "أن قضية العرب الخارجية تنحصر اليوم في تحررهم من الاستعمار الغربي والصهيونية وأن دفاعهم ضد العدوان يعني نضالهم ضد هذين الخطرين "([7([.
رابعا : ربط البعث بين النضال الشعبي ومقاومة الوجود الاستعماري، ومحاربة الإقطاع، والاستغلال وإقامة مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية، وطالب بإلغاء المؤسسات الاستعمارية، وتأميم الشركات الاستعمارية، ومقاطعة البضائع الأجنبية وربطها بسياسة الحياد الإيجابي، والدعوة لنظم ديمقراطية نزيهة، وطالب بإسقاط حكومة أديب الشيشكلي في سوريا،ويسجل للحزب في هذه الفترة دوره القيادي في مقاومة الاستعمار وأحلافه ومشاريعه والدعوة للنضال الشعبي والوحدة العربية([8([.
كانت هذه المبادئ تجمع فروع حزب البعث في أقطار الوطن العربي، ولقد لخص المؤتمر القطري الثالث في عام 1954م، الذي عقد في المملكة الأردنية الهاشمية تركيزه على المسائل الآتية :
1ـ مقاومة الحكم الدكتاتوري وفكرته في أرجاء الوطن العربي .
2 ـ النضال من أجل إبقاء قضية فلسطين حية بما ينطوي عليه هذا من مقاومة لخطط الاستعمار
وأساليبه التي تستهدف تحقيق هذه الغايات وهي : ـ
أ ـ تصفية قضية اللاجئين بإسكانهم واستقرارهم .
ب ـ تأمين قيام محادثات مع اليهود على مستويات عالية .
ج ـ العمل على وضع العرب والأردن بصفة خاصة في موقف العاجز أمام الاعتداءات الصهيونية .
3 ـ مقاومة ربط العرب بالأحلاف السياسية والعسكرية وتوسيع النشاط من أجل دعم موقف الحياد .
4 ـ حل قضية تحرير الأردن حلاعربيا([9([.
وأكد منهاج الحزب في مؤتمره المذكور آنفا على مهاجمة المعاهدة البريطانية ـ الأردنية والمطالبة بإلغائها، وإبراز أهمية الوحدة العربية كضرورة قومية، وكحل للخلاص وتحرير الأردن بالكامل، ورفض تصفية القضية الفلسطينية، وما يترتب عليه من " ـ رفض التفاوض مع اليهود بجميع المستويات . ب ـ مقاومة الصلح مع اليهود بأي شكل من الأشكال . ج ـ مقاومة الاستيطان، ومقاومة أي تحالفات ثنائية واستعمارية ومساعدات مصدرها الاستعمار "([10([.
ولقد أكدت البرامج الانتخابية لمرشحي البعث في عام 1954، هذه الأفكار، وفي برنامج مرشحي البعث : عبدالله نعواس، وبهجت أبو غربية، جاءت عدد من البنود في دعايته الانتخابية.ومنها : ـ " تحقيق وحدة الجيوش العربية التي تطوق إسرائيل بجيش واحد وقيادة واحدة " وفي ظل مرحلة المد القومي العربي، وحماس شباب البعث المتوثب في تلك الفترة، جاء في البيان " أن( سبعون مليون) عربيا يؤمنون بقوميتهم ويريدون التحرر من الاستعمار والقضاء على إسرائيل وتحقيق الوحدة"([11([.
وفي بيان آخر لهذين المرشحين تتكرر عبارات حماسية ثورية ومنها "من أجل العمل على استرداد الجزء المغتصب من فلسطين، وتحطيم إسرائيل ومقاومة كل صلح معها من أجل الوحدة العربية "([12([.
ووصفت فلسطين بالوطن المغتصب والسليب، وفي دعاياته الانتخابية نقد الحزب المرشحين الذين اختارهم ( أبو حنيك ـ كلوب باشا ) أي الموالين للسلطة، ودعا إلى انتخاب مرشحيه لا مرشحي الأحزاب ، التي تدعو إلى الصلح مع إسرائيل، أو تعترف لها بحق الوجود، والحكام الرجعيون الذين يطلبون منه أن ينسى قوميته وعروبته، و ينتقد دعاة الأحلاف ومنها : حلف بغداد، لأنه يطعن القضية العربية عامة، والقضية الفلسطينية خاصة([13]) .
ويعود البعث ليؤكد شعاراته وبرامجه في انتخابات جرت عام 1956م، وقد عّرف الصهيونية في صدر بيانه أن " الصهيونية حركة استعمارية غازية، وإسرائيل هي التجسيد السياسي لهذه الحركة، وهما يهددان الكيان القومي العربي، ولذلك فإن الحل الوحيد للمشكلة الفلسطينية، هو في القضاء على إسرائيل والصهيونية، واسترداد الوطن السليب"([14([.
ويؤكد على جملة الشعارات والمسائل التالية :
1ـ رفض الصلح والاعتراف بإسرائيل سواء أكان مباشرا أو غير مباشر ومقاومة كل اتجاه نحو ذلك .
2ـ رفض توطين اللاجئين بأي شكل من الأشكال . بما في ذلك المشاريع المطروحة للحل السلمي سواء أكانت فردية أو حكومية،ويدعو لمقاومتها، ويحذر من تصفية قضية فلسطين، واعتبارها قضية لاجئين مؤكداً على الطابع الذي يميز فكره ، وهوطابع وطني على صلة بالطابع القومي العربي .
3 ـ رفض مشروع جونسون وأمثاله لأنه يهدف للاعتراف بإسرائيل وتوطين اللاجئين .
4 ـ تحسين أحوال اللاجئين .
5 ـ الاستعداد لتحرير فلسطين، بالتعبئة القومية العربية، وتشمل الاستعداد العسكري والمادي والمعنوي،ومن ثم دفع حركة التحرر العربي إلى الأمام .
6 ـ استمرار الحصار الاقتصادي على إسرائيل وأحكام المقاطعة، وسد أي ثغرة في الطوق المضروب حولها([15([.
لقد تنبهت فروع حزب البعث في مختلف أقطار تواجده إلى أن قضية فلسطين ليست مشكلة لاجئين، ورصدت التحركات التي جرت لتوطينهم فقاومتها بأساليب مختلفة ففي قطاع غزة جرت مظاهرات شعبية عام 1954 و1955 بشأن توطين اللاجئين في سيناء وقد شارك البعث في هذه المظاهرات الوطنية رغم حداثة وجوده في القطاع([16([.
تم طرح مشاريع توطين اللاجئين بصورة سرية من قبل وزارة الخارجية البريطانية التي دونت تقريرا سريا في كانون الثاني / يناير 1955، وجرت مناقشته مع الحكومة الأمريكية([17([.
وجرت اجتماعات في آذار من العام نفسه، وبحثت مسألة التقديرات المالية التي يمكن أن تتحملها الولايات المتحدة الأمريكية، وتحدثت عن "خطة توطين اللاجئين". واقترحت توزيع * العائلات الفلسطينية في مناطق مختلفة من الوطن العربي، وقد طرح عرض أمريكي حول هذه المسألة على لسان وزير الخارجية الأمريكية أوائل الستينيات دين راسك وأبدى استعداد بلاده لتحمل تكاليف مشروع "التوطين " كاملة، ونظرا لسيادة التيار القومي ومعارضة عبد الناصر فشل المشروع([18([.
ظلت الولايات المتحدة وبريطانيا تحرصان على تسويق وترويج مشاريع تهدف إلى إثبات وجود إسرائيل ككيان مشروع ضمن كيانات المنطقة، والحفاظ عليها، وجاء مشروع جديد عرضه جون فوستر دالاس، وزير خارجية أمريكا، مستغلا رغبة مصر في بناء السد العالي، وقد عرض إنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية واعتبرها " مشكلة لاجئين "، وجاءت دعوته في 26 آب 1955 وقد عبر في حديثه عن حل المشكلة بين الدول العربية وإسرائيل، وطرح تصورات ومقترحات سياسية لتسوية المشكلة وهي :
وضع حد لحالة البؤس والشقاء التي يعانيها اللاجئين الفلسطينيين، وذلك بتأمين حياة كريمة لهم وعودتهم إلى وطنهم ضمن الحدود الممكنة، وتوطينهم في البلاد العربية المتواجدين فيها وإجراء استصلاح المزيد من الأراضي، وتحقيق مشاريع الري لهذا الغرض، وإيجاد أعمال ثابتة ومستقرة للاجئين، ودفع تعويضات إسرائيلية، وتسهم الولايات المتحدة لتغطية هذا الغرض والعمل على تحديد الحدود، ويتم التوصل إلى حل ثابت تحت إشراف الأمم المتحدة، وتوقيع معاهدات رسمية، وعدم اعتداء من شأنه تغيير الحدود([19([.
قوبل هذا المشروع بمعارضة سورية، ومصرية، فقد صرح رئيس وزراء سوريا سعيد العربي في البرلمان السوري يوم 26 أيلول 1955، رافضا المحاولات المشبوهة والرامية لعقد صلح أو سلام مع إسرائيل، كما أن مصر رفضته على لسان أحمد سعيد، مدير إذاعة صوت العرب "واعتبره محاولة لوضع مصر تحت رحمة الصهيوني!"([20]) .
أما إسرائيل فقد أعربت عن استعدادها لإدخال تعديلات في الحدود مع جيرانها العرب ولكنها غير مستعدة لتقديم تنازلات عن منطقة النقب، وأن عقد معاهدة حول تعيين الحدود أهم من المعاهدات الدفاعية، وأن منطقة النقب لا مجال لبحثها، لأهميتها كطريق نحو ميناء إيلات الحيوي الذي يشكل منفذاً لإسرائيل على البحر الأحمر (4).
وتمثل رد القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أن هذا المشروع يختلف عن المشاريع الأخرى، إذ صارح العرب ولأول مرة بالصلح مع إسرائيل، بينما كان يقدم مشاريعه في المرات السابقة باسم " مشاريع اقتصادية كمشروع جونسون " وأخيرا بإسم التعاون المشترك في حلف العراق ـ تركيا، ووصفه عفلق بأوصاف ونعوت مختلفة" أن هذا المشروع يطرح بشكل وقح أما م العرب مباشرة قضية الصلح مع إسرائيل على أساس إرغامهم بالتسليم المطلق بواقع إسرائيل الحالي وبجميع مطالبها"([21]) .
وقال البعث أن مشروع دالاس هو الحلقة الأخيرة من سلسلة مشاريع الاستعمار الغربي الصهيوني، والغاية منه تسوية قضية فلسطين على أساس التسليم الكامل بجميع مطامع إسرائيل وتهيئة أسباب الحياة الطبيعية لها في قلب الوطن العربي وتحقيق مطامع الاستعمار الأمريكي الرامي إلى بسط نفوذه على البلاد العربية عن طريق المعاهدات الثنائية مثل مشروع دالاس الذي يدعو الدول المشتركة بحوض مياه نهر الأردن صراحة إلى عقدها معه بحجة حمايتها([22([.
وفي عام 1959 طرح رئيس هيئة الأمم المتحدة همرشولد مشروعا يهدف إلى حل المشكلة الفلسطينية، وتحدث عن إسكان اللاجئين الفلسطينيين في الأقطار العربية المجاورة بعد تهيئة الأوضاع الاقتصادية المناسبة، وقد رد حزب البعث بأنه يهدف إلى اغتصاب أرض فلسطين وتشريد شعبها، وإقامة إسرائيل كرأس جسر ونقطة سيطرة للصهيونية في الوطن العربي ودعا البعث إلى إعداد شباب فلسطين في نطاق جيش التحرير الشعبي، والسير حذو الثورة الجزائرية([23([.
لم تقف المشاريع المطروحة سياسيا عند مشاريع التوطين بل تم طرح مشاريع الأحلاف والتي كانت تروج لها بريطانيا، ودول عربية وإسلامية، ومن أبرزالمشاريع التي طرحت مشروع حلف بغداد، في شباط/فبراير 1955 جرت جهود سياسية تركية عراقية وبريطانية لإقامة حلف سياسي دعي باسم حلف بغداد، وقد برر نوري السعيد رئيس وزراء العراق انضمامه للحلف بدعوى أن العالم يشهد صراعا بين المعسكرين الغربي والشرقي، وان العراق يقع عند حافة الحلفين المتصارعين ولذا عليه أن يقرر انحيازه لأحدهما، لأن الحلف الغربي الأطلسي تكفل بتسليح العراق ليدافع عن نفسه، ولذا قرر الانضمام إليه([24]) .
تصدى حزب البعث لهذه الفكرة، وعارض زيارة الجنرال البريطاني جيرالد تمبلر الذي جاء إلى الأردن في نفس العام لغرض جر الأردن إلى الحلف، وقد عارضه البعث لعدة أسباب منها : أن القومية العربية ليس لها مصلحة في الانضمام إلى الأحلاف، ولان عقد اتفاقيات دفاع مشتركة يعيد سيطرة الاستعمار إلى بلادنا ولأنه إعادة لتغيير الوجوه والأسماء من حلف تركي ـ باكستاني إلى حلف تركي عراقي رفضه البعث([25([.
وقد أسهمت النشرة الدورية في شرح مخاطر الحلف والذي يشكل حزام يشمل لبنان والأردن والعراق وتركيا وإسرائيل، وهو تطويق يخدم مصلحة الغرب ويعرض سوريا لمزيد من المؤامرات الغربية والعربية، ويوهن استقلالها ويؤخر انطلاقتها وقد جاء فيها " بصفتها المعقل الأساس للثورة الاشتراكية العربية وطليعة حركة التحرير والوحدة العربية ويؤدي إلى ضرب حزبنا في معقله…"([26([.
ويرفض البعث ادعاء الغرب بأنه سيسلحنا بما نحتاج، بل سيسلحنا بما يحفظ التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل فقط، خاصة أن شعار المعسكر الغربي (إن إسرائيل وجدت لتبقى )" ولن يحمي العراق إلا نضال عربي مخلص يستهدف تحقيق وحدة وطننا وتحريره وتسليحه كجزء من سياسة دفاعية عربية قائمة على الحياد … "([27([.
وقد حذر البعث من الانضمام إلى هذا الحلف لما له من آثار على تصفية قضية فلسطين وربط إسرائيل بحزام دفاعي للشرق الأوسط ترتبط به العراق وتركيا ويدفع إلى الاعتراف بإسرائيل، والذي يدفع عنها المصاعب الاقتصادية ويكشف الأسرار العسكرية للعرب عند العدو، وقد كذب البعث ادعاء ناطق عسكري عراقي أن الاتفاق العراقي ـ التركي موجه ضد إسرائيل بسبب العون الذي تلقاه إسرائيل من تركيا، وهي التي تهرب بضاعتها للوطن العربي([28([.
حرص البعث على تعبئة عناصره والشعب الأردني ضد الأحلاف من خلال المظاهرات والبيانات والمنشورات، ولما كان رئيس وزراء الأردن هزاع المجالي ممن دافع عن سياسة الأحلاف في كتابه " هذا بيان للناس "، وقد رد عليه حزب البعث في كتاب آخر بعنوان "بيان للشعب من حزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن ردا على دعاة الأحلاف الاستعمارية "، وقد أوضح فيه أن الشعب قام بهبة شعبية جماهيرية أسقطت الأحلاف والوزارات المؤيدة لها ومنها وزارة هزاع المجالي حتى أن الوزارة الجديدة برئاسة الرفاعي تعهدت بعدم الدخول في الأحلاف([29([.
وقد طالب حزب البعث أعضاءه قراءة هذا البيان الذي جاء بصورة كتاب تم شرحه وتوزيعه، وطالبهم فيه بقراءته بإمعان وإعطاءه أكبر قدر من التعميم والانتشار([30([.
وقد بين حزب البعث جملة حقائق حول الحزب وأهمها:
1ـ أن حلف بغداد يضم انكلترا، و تركيا، والباكستان، وإيران .
2ـ لم يكن الحلف من مبادرة هزاع المجالي أو نوري السعيد، بل بادرت إلى تأسيسه بريطانيا .
3ـ أن حلف بغداد حلقة من حلقات التآمر على العرب على الصعيد الدولي والعالمي([31([.

وبعد أن قدم البعث في كتابه شرحا وافيا حول عدد من الأحلاف، ألتي سبقته على النطاق العالمي، وسبق لها أن اقترحت ضم العرب إليها . انتقل إلى تمجيد نضال نواب حزب البعث في عدد من البرلمانات العربية، وبين أن دفاعهم عن الحياد الإيجابي يتفق مع منطق الرسالة العربية، وافتخر البعث أنه الأول من بين الحركات والأحزاب العربية، الذي نادى بهذا الشعار المؤهل للتعامل السياسي في التعاطي مع السياسات والتكتلات الدولية([32([.
بقي البعث يدعو للحذر الدائم من الالتحاق والانضمام للأحلاف، لأن المخطط الاستعماري يسير في خطين متلازمين لغرض تحقيق هدفين هامين هما :
1ـ إيجاد إسرائيل لتبقى .
2ـ جر العرب للأحلاف بهدف عقد صلح مع إسرائيل والعرب، وقبولها أمرا واقعا ولجر العرب للعالم الحر ؛ أي الدفاع عن مصالح الاستعمار، وقد بين حزب البعث أن محاولة الاستعمار لجر العرب إلى هذا الحلف فشلت بسبب"وعي الشعب وخوف الخونة والاستعمار من نتائج هذه المحاولة "([33([.
وتوقف البعث عند حجج هزاع المجالي القائلة :ـ" إن في الحلف تقوية للعراق والعرب من ناحية التسليح، وأن فيه تقوية للعراق والعرب من أجل القضاء على إسرائيل، والقول أنه يدرأ الخطر الشيوعي "([34([.
ورد البعث أن العراق لم يحصل على السلاح من الغرب، واقرب دليل على ذلك صفقةالأسلحة المصرية من الدول الشرقية، واستشهد البعث بقول صالح جبر لنوري السعيد" انك ضللتنا بإدخالنا الحلف ولم نستفد أي شيء من السلاح وعزلتنا من العرب وعن مكاننا منهم " وكذلك استشهد بقول رئيس الوزراء البريطاني :" أن هذا الحلف هو خير سبيل لضمان الأمن والاستقرار لإسرائيل في الشرق الأوسط "([35([.
ومثلما طرح دالاس مشروعه الأميركي سارع أيدن رئيس الوزراء البريطاني إلى طرح مشروع آخر في التاسع من تشرين الثاني 1955، وقدم اقتراحا بريطانيا لحل النزاع العربي ـ الصهيوني " يستهدف تحديد وتثبيت حدود جديدة" لإسرائيل تقع بين حدودها الحالية خطوط الهدنة 1949 وحدود قرار التقسيم 1947 "([36]) .

وعند متابعة وثائق نضال البعث في أجزائه المختلفة نرى أن الحزب يصدر بيانات ومنشورات في ذكرى وعد بلفور وقرار التقسيم وقيام إسرائيل عام 1948، ويشدد على عدم الاعتراف والقبول بالصلح مع إسرائيل أو الاعتراف بها كواقع، داعيا إلى تصفيتها، لكن يتبادرإلى الذهن السؤال التالي : أين موقع الإنسان اليهودي من مطالبة حزب البعث تصفية إسرائيل، خاصة أن البعث حزب اشتراكي إنساني؟
أجاب ميشيل عفلق حول هذه القضية عام 1957 " إن ما يشكل خطراً على الأمة العربية هو كيان إسرائيل كدولة لا وجود أقلية يهودية في الوطن العربي والتعجيل في النضال الاشتراكي العربي يضعف مخاوف الأقلية اليهودية، من تعذر تعايشها السلمي العادل مع العرب كما يزيل أو يضعف سلاح الدعاية الصهيونية العالمية في استدرار عطف الشعوب الحرة والطبقات الشعبية على إسرائيل كدولة يراد لها أن تكون ملجأ لشعب مضطهد وشعب راق متقدم."([37]) .
وفي عام 1957 كثر الحديث عن غزة وانسحاب الاحتلال الصهيوني منها، وحول الوضع في غزة جاء رد صلاح الدين البيطار بعد رجوعه من مؤتمر ملوك ورؤساء الدول العربية كان مما جاء فيه السؤال والإجابة التالية ما هو موقف الدول العربية المتحررة فيما لو انسحبت إسرائيل وأقيم في غزة حكم على نمط الحكم الذي كان قائما في ألمانيا بعد الحرب ؟
أجاب البيطار " إن قطاع غزة ليس قطعة جغرافية على الخارطة حتى لا يأبه العرب لها ويتخلوا عنها : إنها جزء عزيز من فلسطين المغتصبة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نقبل بأن تقطع من وطننا . إن ما يقال عن مشاريع لفصل قطاع غزة من مصر يشكل خطرا كبيرا على السلم في هذه المنطقة، ولا يمكن للعرب أن يساوموا على هذا الموضوع . "([38([.
وفي عام 1959 أثبتت الدلائل أن إسرائيل مقبلة على تحويل مجرى نهر الأردن وأثيرت القضية شعبيا ورسميا، وبدأت الأوساط الشعبية تتساءل عن الرد المناسب على المشروع الإسرائيلي عن طريق تحويل مجاري بانياس، والحاصباني، واليرموك قاوم الحزب هذا الاتجاه وطالب منع التحويل بالقوة، وأكد ناطق بلسان القيادة القومية لحزب البعث بتصريح لجريدة الصحافة اللبنانية في 16 شباط 1960 حول المشروع وقرار التحويل "… إن الرد العربي السليم والواضح على تحويل مجرى نهرا الأردن هو منع إسرائيل من التحويل، وكل . حل آخر لن يكون إلا خداعا وتضليلا للرأي العام العربي "([39([.
بعد صدور ميثاق السابع عشر من نيسان 1963 م حول الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق وقد عملت جرائد الحزب على إظهار الوحدة كطريق لتحرير فلسطين. وعلقت جريدة البعث في مقالها الافتتاحي بتاريخ 26/ 4 / 1963 م " أن قيام الدولة الاتحادية يعني في نظر شعبنا العربي الخطوة الأساسية لتحرير فلسطين واسترداد الأجزاء السليبة من وطننا العربي"([40]) .
وفي هذا العام، وقد كثر الحديث عن ردود فعل عربية تجاه تحويل إسرائيل روافد نهر الأردن، لري النقب، عاد حزب البعث ليؤكد على شعار منع تحويل نهر الأردن بالقوة طالبا في المؤتمر القومي السادس من السلطتين العراقية والسورية بشكل خاص والجمهورية العربية المتحدة العمل والتضامن لمواجهة الخطر سواءً بمنع الضخ أو التحويل لمياه نهر الأردن([41([.
ظل حزب البعث يبدي تحفظا تجاه تأسيس م. ت. ف خشيةً منها أن تكون في المستقبل منظمة لتمثيل الشعب الفلسطيني والتفاوض باسمه بدلا من أن تكون تعبيرا عن تمثيل على طريق التحرير، ففي خطاب منيف الرزاز الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في مهرجان أسبوع نصرة فلسطين عام 1965 ، يقول في معرض انتقاده لنظام عبد الناصر وقد كثرت الحملة الإعلامية وزادت حدتها بين البلدين، وتبادلوا الاتهامات بعد سوء العلاقات نتيجة لفشل الوحدة الثلاثية عام 1963 يقول الرزاز:ـ
"ولقد شكك الحزب وله الحق في ثورية م.ت .ف وجدوى قيادتها ولكن الحزب، سورية الحزب وسورية الثورة، هي الوحيدة التي فتحت للمنظمة أبوابها لتجسيد وتعبئة، ودعما، وتنظيما وعسكريا وماليا …نحن لا نطلب أن تنتهي منظمة التحرير، ولكنانطلب من عبد الناصر بالذات أن يسمح لها بأن تكون منظمة ثورية منظمة تحرير لا منظمة تمثيل "([42])
وفي مقال" صوت الجماهير" النشرة الدورية لحزب البعث في الأردن بعنوان " المد الرجعي وقضية فلسطين "، وفيه بين تأييده لموقف قيادة البعث في سوريا من الكيان الفلسطيني ككيان " لتعبئة عرب فلسطين وتدريبهم ومدهم بالسلاح وتقوية الجيوش العربية المحيطة بإسرائيل باستعمال الموارد النفطية في الوطن العربي "([43([.
وجرت حملة اعتقالات قام بها النظام الأردني واعتبرت أنها جاءت في محاولة لإبعاد (م.ت.ف) والقوى الثورية عن خوض حرب التحرير الشعبية في فلسطين .
ونبهت النشرة إلى قيام الأردن بتسليم أراضٍ جديدة من اللطرون إلى الكيان الصهيوني قبل بضعة أشهر، وهي لا تستبعد أن تقوم هذه الحكومة بتسليم أجزاء أخرى من الأرض العربية الفلسطينية إلى الصهاينة . وطالبت أن لا تكون م..ت. ف ألعوبة في يد حفنة من الأشخاص يتقاذفونها حسب أهوائهم، وهي تطالب بأن تكون منظمة ثورية ذات أسس سليمة لإنجاز مهمة تحرير فلسطين([44([.
وفي هذا العام قام الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بزيارة إلى بلدان المشرق العربي خلال شهري آذار ونيسان عام 1965، وقد زار مدينة أريحا([45([.
ألقى خطابا حيا فيه مقاومة شعب فلسطين، بين المشاركة الكفاحية بين الشعبين، و قامت فكرته على التعايش مع اليهود، وتبني سياسة الخطوة خطوة في الحل، وضرب أمثلة مختلفة عن الحركة الوطنية التونسية وقبولها بالحكم الذاتي من فرنسا عام 1954 والذي كان طريقا للاستقلال([46([.
أثار خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة ضجة هائلة في الأوساط الشعبية والحزبية العربية في المشرق العربي، و لم يلق الاقتراح الذي تقدم به تأييدا من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي، شأنه في ذلك شأن المشاريع الأخرى المطروحة للتعايش والحوار بين العرب وإسرائيل وشرحت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي المخاطر والأضرار، التي نتجت عن دعوته للحل السلمي مع إسرائيل، موضحة مخاطره، التي تعني القبول بالكيان الصهيوني، والاعتراف بوجوده، وعندها تصبح القضية مجرد خلاف حول الحدود، وان قبول الأنظمة الرسمية به يعني التخلي عن مبدأ حق تقرير المصير للشعوب وأوضح البيان أن شعب فلسطين هو المؤهل الوحيد ليقرر مستقبل بلده، وشدد البيان أن الحل الوحيد لتحرير فلسطين من الصهيونية يتحقق باتخاذ حرب التحرير الشعبية منهجا، ووصف حزب البعث موقف الحبيب بورقيبة بالخيانة والتواطؤ، والذي يحكي بلسان الحكام الذين سبق لهم القبول بقرار التقسيم، وقرارات هيئة الأمم المتحدة، ودعا البعث إلى وحدة صفوف الثوريين، و إلى بتر الحبيب بورقيبة من جسم الأمة باعتباره خائنا للأهداف القومية([47([.
أيدت إسرائيل اقتراحات بورقيبة، وقد علق يغئال ألون عليها بقوله :"لقد رأيت في تصريحات الرئيس التونسي بورقيبة خيطا من نور، وبشرى خيرة تبعث على التفاؤل والأمل خاصة وأنها أول مرة نسمع بها زعيما عربيا مرموقا، ينادي بشعارات سلمية بصورة علنية وعلى رؤوس الأشهاد"([48([.

ب) موقف منظمات البعث الفلسطيني لمشاريع التسوية 1967 ـ1982

كانت حرب عام 1967 مثالا صارخا على حرب لم تدار بطريقة ناجحة من قبل مصر وسوريا والأردن، وانتهت نهاية بعيدة عن أي توقعات لحرب ذات أسس ناجحة([49([.
ولم تقتصر آثار الهزيمة بطبيعة الحال على الآثار العسكرية بل كانت هناك آثار سياسية ولعل أهمها :
أ) انكفاء مصر داخل حدودها، وتراجع زعامتها القومية للوطن العربي سواء الأنظمة أو تأثيرها على الجماهير والحركات العربية إذ لم يعد عبدالناصر مرجعية لهذه الحركات([50])
ب) تغير الخطاب السياسي المصري، وتحوله من شعار تحرير فلسطين إلى شعار "رد آثار العدوان "، وهو تعبير عن تراجع لغة الخطاب القومي الناصري، وبدأ الحديث عن الضفة الغربية . وقطاع غزة والجولان وسيناء بدلا من التحدث عن الجزء المحتل عام 1948.
وقد جاء مؤتمر القمة الرابع في الخرطوم الذي عقد خلال أيام 29اب/ أغسطس ـ 3ايلول / سبتمبر1967 ،الذي اشترك فيه عدد من رؤساء الجامعة العربية، والذي تغيبت عنه سوريا على أساس مسؤولية مشتركة بين جميع الدول العربية، وقرر المؤتمر أن إسرائيل هي المعتدي، وأن على العرب البحث عن الوسائل لإزالة أثار هذا العدوان، وفي هذا المؤتمر رفع المؤتمرون المبادئ التالية : لا صلح مع إسرائيل، ولا اعتراف بها، ولا إجراء مفاوضات معها، وقد انسحب رئيس( م .ت. ف) بسبب عدم إدراج اقتراحات المنظمة بأن لا تنفرد أي دولة عربية بالحل المنفرد مع إسرائيل مالم يلاقي إجماع عربي كامل وفي مؤتمر تشارك به المنظمة([51([.
في الثاني والعشرين من تشرين الثاني من عام 1967 صدر قرار مجلس الأمن رقم 242 والذي ينص في بنوده على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1976 وان تنهي كل دولة حالة الحرب، وتحافظ على السيادة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحقها أن تعيش في سلام في نطاق "حدود آمنة " ومعترف بها ويؤكد المجلس على ضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية والحفاظ على حدود كل دولة من دول المنطقة([52([.
وتبع صدور قرار الأمم المتحدة 242 الذي نص على وقف القتال بين الأطراف المختلفة وقد تحرك غونار يارنغ مبعوثا من هيئة الأمم المتحدة في رحلات مكوكية بين بيروت وعمان والقاهرة وتل أبيب مرات عديدة، والدول العربية تطالب إسرائيل بالانسحاب وترد عليها إسرائيل برفض الشروط المسبقة قبل المفاوضات المباشرة، وهي تدعو إلى عقد مفاوضات مباشرة كطريق لإحلال السلام العادل والدائم، وصارت تحرف في نصوص 242 بين القول بالانسحاب من أراضً احتلت عام 1967 أو الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967([53([.
انفجرت حرب الاستنزاف عام 1969 بين مصر وإسرائيل، وعملت على تحريك العملية السلمية التي تجمدت عروقها، ووجه عبدالناصر في عيدا لعمال عام 1970م خطابا خاليا من العنف، وفيه وجه تساؤلا للرئيس الأمريكي نيكسون، هل أنت عاجز على حل المشكلة أم غير راغب في هذا ؟.
مضت فترة محدودة على هذا الخطاب، وجاء روجرز وزير الخارجية الأمريكي في حزيران / يونيو سنة 1970، وأطلق مبادرته التي تنص على قبول إسرائيل مبدأ الانسحاب من الأراضي التي اغتصبتها بالقوة في حزيران / يونيو 1967.مضى غونار يارنغ قرابة عام وتصف في ذهابه وإيابه، وساد المنطقة حالة سكون ونجحت مساعيه في: ـ وقف إطلاق النار مدة 90 يوما يجرى فيها وساطة الأمم المتحدة و الأطراف المعنية من أجل تسوية مشكلة الشرق الأوسط ، وقبول إسرائيل التفاوض غير المباشر مع مصر والأردن تحت إشراف السفير يارنغ مندوب الأمم المتحدة . و رفض العرب الحل المنفرد مع إسرائيل([54([.
قابلت المنظمات الفلسطينية موافقة عبدالناصر على مشروع روجرز بموجة شديدة من ردات الفعل داخل حركة المقاومة الفلسطينية، التي اشتملت رفض مقترحات روجرز من ناحية والتنديد بقبول مصر من ناحية أخرى([55([.
كان رد حركة فتح في 26 يوليو/ تموز 1970، وبعناوين بارزة (أبو عمار : البندقية هي الطريق الوحيد )* . عبرت المنظمات الفدائية في تصريحات مختلفة عن رفضها لقرار 242 وكل صيغه وأشكال تنفيذه، ومنها مشروع روجرز " أما الأردن فقد أيد مصر في هذه القضية بينما أوقفت مصر برامج بعض المنظمات الفدائية فيها "([56([.
عارضت منظمة الصاعقة التي عبرت عن موقف البعث السوري مشروع روجرز محذرة من "وقوع حركات التحرر العربية والأنظمة التقدمية في أحابيل ومخططات القوى الاستعمارية والرجعية"، وأعلنت رفضها الحازم للمشروع([57([.
أما الجبهة العربية فقد ألقت اللوم على الدول العربية التي قبلت " العجز والاستسلام " وما تحاوله القوى الاستعمارية وحلفاؤها من زرع الاستسلام ليتوازى مع شعور الأنظمة بالعجز، ودعت إلى تعميق العلاقة بالأنظمة التقدمية والتي بدونها يستحيل حماية الثورة و بقائها كما عاهدت جماهيرها بالوقوف في وجه ما سمته " الاستسلام والتصفية " معتمدة على الجماهير المنظمة الواعية، ومطالبة بتحديد القوى الثورية والتقدمية والتحالف معها([58([.
وتعرضت (ج.ت.ع) لشعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية منذ بداية انطلاقتها، وحذرت من تضخيم قوة الثورة الفلسطينية منذ أن صدر بيانها السياسي في 31آب/ أغسطس 1969، وفيه حذرت من تزيين الشخصية الفلسطينية وصولا بها إلى التخلي عن القتال والصمود والكفاح والتحرير الكامل لتصل في النهاية إلى غايتها دعوة الفلسطينيين إلى التخلي عن القتال والصمود والتحرير الكامل بحجة عدم قدرتهم وحدهم على ذلك، وهكذا تكون هذه القوى قد نقلت أبناء فلسطين من" الأمل الكاذب إلى اليأس غير المبرر"([59]) .
وقد نبه عبد الوهاب الكيالي أحد قادة الجبهة العربية وعضو القيادة القومية في حزب البعث العربي الاشتراكي في مذكرة أرسلها إلى المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التي عقدت في شباط / فبراير1969، وتناول أهم الأخطار المحدقة بالثورة الفلسطينية،ومما جاء فيها : " أول ما يتبادر إلى الذهن هو وقوع العمل الفلسطيني ورقة في يد القوى العربية والعالمية الراغبة في الدخول في مساومات الحل السلمي وليس بخاف على أحد أن قوى عربية ودولية مهمة سياسية ترغب في إنهاء حالة الصراع بين الدول العربية وإسرائيل على أساس قبول الدولة الصهيونية في أسرة دول المنطقة العربية كدول ظافرة ذات حدود آمنة ومعترف بها، وان يكون للعمل الفدائي وتصفيته ثمنا لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حزيران1967 ،وأن الموقف السليم من الحل السلمي والتصفية النهائية للقضية الفلسطينية لا يقتصر على رفضها وحسب بل بالتحسب والعمل على وضع مخططات مضادة لا فشال جميع المؤامرات"([60([.
ويحذر عبد الوهاب الكيالي من غياب الأسس الفكرية والأطر النظرية، وان غيابها يؤدي إلى طغيان العوامل التكتيكية على الأهداف الاستراتيجية فتصبح الضرورات مبادئ وتكرس الاعتبارات المرحلية الاضطرارية على أساس أنها واقع دائم ومقبول([61([.
ظل قادة الجبهة العربية يبدون حذرهم من بعض المظاهر التي أخذت تؤثر على حركة المقاومة، ويعاود الكيالي مذكرا بأسباب نشوء م.ت.ف، والتي تعود إلى مشيئة الأنظمة العربية، التي قدمتها تحت ضغط الجماهير العربية ومطالبتها بالوقوف في وجه الكيان الصهيوني في تحويله لمياه نهر الأردن بصورة خاصة، وتجاه القضية الفلسطينية بصورة عامة، وكذلك لمنع التفاف الجماهير حول العمل الفدائي الذي ظهر في عام 1964 وخوفا من تحوله إلى ثورة شاملة([62]) .
وحذرت (ج.ت.ع) من أن يكون تسليم المنظمة للحركات الثورية الفلسطينية إلى حقنها بمصل الحياة بعد أن حلت بالأنظمة الأنظمة العربيةهزيمة الخامس من حزيران/ يونيو 1967،وبعد أن ثبت انهيار تركيبتها ، وفساد عقليتها([63]) .
يمكن القول أن الأنظمة العربية تحمست لظهور( م . ت . ف)، وكذلك طرح شعار الدولة الديمقراطية العلمانية، ثم استلام حركة فتح لزعامة المنظمة، وتضخيم دور العمل الفدائي رغبة منها في التخلي عن دورها في حل القضية الفلسطينية، وتمرير الحلول السياسية التي تراها مقبولة، وقد ترافق ذلك بتأييد النظام المصري لاستقالة أحمد الشقيري وتم فتح خطوط جديدة من علاقات الأنظمة العربية مع حركة فتح .
وقد قام محمد حسنين هيكل بتعريف ياسر عرفات بجمال عبد الناصر، ومن ثم قيامه بزيارة الاتحاد السوفييتي برفقة جمال عبدالناصر في عام 1969، في حين اشتدت الحملة على أحمد الشقيري لتقديم استقالته، وتبع ذلك تغيير الميثاق القومي الفلسطيني، وهذا التغيير أصاب المادة رقم 2 من الميثاق، وكان انعكاسه لاحقا في إعلان الدولة الديمقراطية العلمانية التي دعت لها فتح، والتي يتعايش فيها أصحاب الديانات الثلاث([64([.
كانت حركة فتح والجبهة الديمقراطية اكثر المتحمسين لها، وظلت مثار نقاش بين الفصائل الفلسطينية، وفي ندوة عقدتها(ج.ت.ع)، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين استعرض ممثل (ج . ت .ع )الأسباب التي دفعت لطرح هذا الشعار، ومنها :الدافع لا براز الشخصية الفلسطينية، ولإثبات مطالب الشعب الفلسطيني العادلة كحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والتغلب على الصورة الشوفينية لأهداف النضال الفلسطيني التي رسمتها تصريحات الزعامة الفلسطينية، والتي حاولت إخفاء عجزها عن طريق التطرف الكلامي الغوغائي وقذف اليهود في البحر ([65([.
وقام تحليلها على أن هناك عدة تيارات أساسية من أهمها :
الأول: تيار يتكون من زعامات الضفة الغربية والبرجوازية التقليدية المساومة التي تؤمن بالكيان الهزيل للحفاظ على مواقعها الطبقية، وزعامتها المنهارة، تلك المواقع التي لا يمكن أن تتعزز إلا في ظل التجزئة .
الثاني : التيار الأممي المتمثل بالجبهة الديمقراطية، وهو تيار قوي وتدعمه الرجعية العربية والقوى الانهزامية في المنطقة كافة" والذي يجسده تصريح نايف حواتمة في حديثه لصحيفة لوموند الباريسية في مطلع كانون الثاني 1970 ونشرته صحيفة الحرية اللبنانية في 12/1/1970 الذي جاء فيه أن الجبهة الديمقراطية تناضل من اجل بناء دولة ديمقراطية و شعبية على ارض فلسطين يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق وواجبات متساوية من حق كل منهما في تطوير ثقافته الوطنية بروح ديمقراطية تقدمية وليس المهم الشكل الدستوري لهذه الدولة "دولة واحدة أو اتحادية على غرار يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا الخ "([66([.
وانتقدت الجبهة العربية حديث الجبهة الديموقراطية على وجود قوميتين متساويتين في فلسطين على نسق القوميات اليوغسلافية، دون النظر إلى الفارق المهم كون إسرائيل غزو استعماري كما أن لينين لم يقر أن اليهود أمة كاملة، وهي لا تؤمن بالوحدة العربية لأنها ترى في شعار دولة فلسطين شعاراً استراتيجياً.
وعن أسباب الحديث عن قيام دولة فلسطين خارج الأوساط الفلسطينية عزت (ج.ت.ع) ذلك إلى رغبة الاستعمار والصهيونية تطويق النضال الفلسطيني وتفريغه من محتواه وخنقه حتى تقيم " كيان فلسطيني هزيل تابع لسيطرة أمريكا وإسرائيل في الضفة الغربية وغزة تحت شعار الدولة الفلسطينية "، وهي خطوة للتصفية والتسوية النهائية، إلى جانب آخر يتصل بأهداف الاستراتيجية الصهيونية بعد حرب 1967 ([67([.
ورأت أن الحل البديل يكمن في رفض اعتبار الدين رابطة قومية، وبالتالي رفض اعتبار اليهود أمة، و حل الصراع العربي ـ الصهيوني على أساس بناء مجتمع اشتراكي ديمقراطي ضمن وحدة عربية شاملة، وأن الديمقراطية لا يمكن تحقيقها دون تحقيق العوامل الموضوعية لعلاقات إنتاجية ديمقراطية، كما أن موقفها ينبع من الموقف القومي اليساري الذي يعمل في تيار معاكس للتسوية والتجزئة العربية ([68([.
وتعتبر الجبهة العربية أن المستفيدين من الحل السياسي هم الإمبريالية وإسرائيل والأنظمة الرجعية العربية، أما المتضررون فهم أبناء الوطن العربي الذي سيصبح ساحة لاستغلالها ومعنى ذلك أن فلسطين هي " خلاصة القضية العربية "، وأن الحرب فيها هي حرب على أعداء الأمة العربية جميعا . وفي هذا السياق رفعت شعار " الحلول السلمية وليدة التجزئة وحماية لها في الوقت ذاته " " قل لي ما هو موقفك من الوحدة العربية أقول لك ما هو موقفك من تصفية قضية فلسطين "، قل لي ما هو موقفك من الحل السلمي أقول لك أين هي مواقفك من الوحدة"([69([.
وقبيل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في آذار/ مارس 1971.أرسلت (ج.ت.ع) مذكرة إلى المجلس الوطني الفلسطيني كان مما جاء فيها " أن استراتيجية رفض الحل السلمي لا يمكن من أن تتعايش مع استراتيجية فرض الحل السلمي "، وفيه ذكرت أن هذا المجلس مرشح رغم الرفض اللفظي الذي يخرج عنه إلى الوصول إلى نتائج مؤتمر الخرطوم إذا لم يحدد منذ الآن الطريق الثوري الذي يجب أن تسلكه حركة المقاومة بكل وضوح([70([.
ومن الاستدلالات على هذا النهج أن الثورة الفلسطينية أخذت تتساهل في التمسك بخصائصها الثورية وبدلا من أن تخرج من إطارها الوطني إلى البعد القومي الأرحب راحت الأنظمة العربية تعمل على استدراجها نحو الحل السياسي بعد أن تعاملت معها ككيان رسمي لفلسطين، وبدلاً من التعامل معها كثورة، وفي هذا الصدد علقت ج.ت .ع "… وبدأت في معاملة قادة حركة المقاومة كحكام في دولة فلسطين المنتظرة بدلا من القضاء على أعدائهم "([71([.
وتهتم الجبهة العربية بالتشديد على مفهومها القومي للمعركة، وترسيخه بين فصائل الثورة الفلسطينية، وتبدي نقدها إلى مفهوم الفصائل الأخرى له، التي أخذت تقيم شبكة من العلاقات السياسية والعسكرية والبرتوكولية مع الأنظمة بدلاً من العلاقة مع الجماهير العربية([72([.
وهي تطالب أن يكون رفض الحل السلمي استراتيجية ثابتة للثورة على ضوئها يتحدد أصدقاء الثورة وأعدائها: " إن استراتيجية رفض الحل السلمي لا تتعايش مع استراتيجية فرض الحل السلمي … وأصحاب الاستراتيجية الأولى لن يكونوا حلفاء أصحاب الاستراتيجية الثانية"([73([.
ومن ثم تحويل الرفض اللفظي إلى " برنامج تنظيمي وسياسي وعسكري كامل يهدف إلى القضاء على الأفكار والمخططات والأفراد الذين يمهدون لهذا المشروع التصفوي الخائن ويأتي على رأس هذا البرنامج إشراك الجماهير العربية في معركة التحرير سواء من خلال أفواج المقاتلين العرب أو من خلال التنظيمات الشعبية التي يجب أن تقام في كافة الأقطار العربية مهما كان موقف الأنظمة العربية منها "([.74])
ويجدر الذكر أنها رفضت دخول المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لأنها تمثل حسب قولها مؤسسات قطرية، ويتعلق بطبيعة م.ت.ف التي جاءت وليدة مؤتمر القمة العربي الذي عقد في تحويل مجرى نهر الأردن، وهي خطوة "تسكينية" وضربة "استقطابية استباقية" للتململ الثوري الذي يسود أوساط الشعب الفلسطيني، لقد كانت نظاما عربيا آخر .. ونحن نعلم أن الإجماع لا يكون إلا حسب قاعدة "سيروا سير أضعفكم "([75([.
أدى طابع الجبهة القومي إلى منع بعض قادتها من العرب من دخول اللجنة التنفيذية و المجلس الوطني الفلسطيني لأنهما يركزان على الكيان الفلسطيني، بينما سمح للفلسطيني الذي يمارس دورا في الثورة بدخوله، ودخلت الجبهة العربية بعد حرب أيلول في الدورة التاسعة للمجلس الوطني الفلسطيني تحت مبدأ " أن تتواجد حيث تتواجد المنظمات الأخرى " ومن أجل تثوير المنظمة الذي يعني تحويل مؤسسة مثل المجلس الوطني الفلسطيني إلى مؤسسة ثورية وليس مؤسسة كيانية كما أن المنظمة باتت مقتنعة أكثر بقومية المعركة وأهميتها ([76([.
كثر الحديث عام 1971 و1972 عن الدولة الفلسطينية، وتشكيل حكومة فلسطينية في المنفى، وحول هذا الموضوع علق رئيس منظمة الصاعقة زهير محسن بقوله : "… أن مجرد البحث في مثل هذه المشاريع يتضمن في حد ذاته أخطارا، ومن شأنه أن يجر إ إلى منزلقات توصل إلى مواقع غير وطنية وغير ثورية "، ويعود سبب ذلك أن قضية فلسطين يتم إنزالها بهذه الطريقة من قضية عادلة وذات قدسية إلى قضية هامشية مجزأة ويجعل الهزيمة أمرا مقبولا ويكرس فلسفة الأمر الواقع الذي أنتجته الهزائم المتلاحقة([77([.
وعن التيارات الفلسطينية صاحبة هذه البرامج يذكر أنها تياران أحدهما: يساري والآخر يميني، وعن المبررات التي يسوقها التيار اليساري، ومنها أنه لم تعد هناك إمكانية لرمي اليهود في البحر أو التفكير بإخراجهم من فلسطين، فإن التوصل لإقامة سلطة على أي جزء تنسحب منه إسرائيل سيكون موقفا إيجابيا ومن خلاله يحقق الفلسطينيون إنجازا عقلانيا بعيد عن الميتافيزيقيا، وفي رأي هؤلاء أن الكفاءات والمهارات الفلسطينية المنتشرة في العالم ستلعب دورا في خلق مجتمع صناعي ويشدد كلا التيارين " أن المقاومة إذا لم تبادر إلى القبول بالمشروع فإن الملكية الهاشمية ستمتلك فرصة جديدة لإعادة هيمنتها وهيمنة الشرق أردنيين "([78([.
ويتصدى زهير محسن لهذا المنطق القائل أن " طبقة التقنوكراسيا* " ستجتمع في فلسطين والمبعثرة في العالم، وسبب ذلك " لأنها خلقت لنفسها مصالح في المهاجر التي انتقلت إليها، وأن الدولة المرتقبة لا تتوفر فيها المشاريع والبرامج القادرة على استيعاب تلك الطبقة " ([79([.
وعن مستقبل هذه الدولة والقوى المسيطرة ومستوى سيادتها، ذهب زهير محسن إلى أن الطبقة الرأسمالية مؤهلة لأن تحتل دور الوسيط و السمسار التجاري بين "الإنتاج الإسرائيلي الكبير والمتطور وبين الأسواق العرب الاستهلاكية " ([80([.
وفي رأيه أن الدولة الفلسطينية المقترحة لن تنشأ فيها بروليتاريا متميزة قادرة على انتزاع السلطة وفرض هيمنتها، ويعود سبب ذلك إلى قوة الاستثمارات الصهيونية وتبعية الطبقة العاملة العربية، كما أن إسرائيل ستقيم علاقة منفردة مع كل بلد عربي وستحاول الحلول بدل الدول الكبرى كما أن السلطة فيها لن تكون بقادرة على الحفاظ على الشخصية الفلسطينية طويلا لأن إسرائيل تبقى هي المنفذ الوحيد لها على العالم ([81([.
تعرض زهير محسن إلى الدور الذي قامت به إسرائيل في محاولاتها في إشغال أبناء الضفة الغربية في شؤون خدمية ومطلبية ثانوية كالانتخابات أو الإنعاش الاقتصادي والتعايش السلمي والتي بدأت بإقالة رئيس بلدية غزة الرافض للتعاون مع الاحتلال،وقد استبدلت بمنير الريس رشاد الشوا، الذي وجهت له الأنظار كمنقذ للأوضاع الخانقة ومنع أبناء غزة من تصدير البرتقال واليه توجه أصحاب المصالح الاقتصادية بالتأييد والتي قوبلت بتأييد الحكم العسكري الصهيوني كتب زهير محسن عن نظرة أصحاب المصالح " الرأي أن غزة هي أحوج الآن ومن أي وقت مضى إلى مجلس بلدي قوي ورئيس بلدية قوي ليكون لدينا هيئة شبه تمثيلية، تتولى حل مشاكل المواطنين، ومواجهة أي ظروف قد تطرأ "([82]) .
وعاد زهير محسن، وفي مقال نشره بعنوان :" منظمة التحرير وأفاق المستقبل "المنشورة بتاريخ 28 شباط /فبراير 1972، ليربط بين ما يجري من حديث صهيوني لأجراء انتخابات بلدية لغرض إقامة حكم ذاتي، وقد استشرف في الأفق السياسي أن هناك تيارين: أحدهما قابل بالتسوية وآخر رافض لها، وقد أكد أن الجانب الوحيد القادر على تغيير المعادلة هم الفلسطينيون من خلال التفافهم حول الثورة ورأى أن طريق الوحدة الوطنية هو فقط القادر على إبعاد خطر التصفية و"السلام الإسرائيلي" كما وصفه، وعاد زهير ليؤكد على منطلقات هامة وهي:
1ـ الالتزام باستراتيجية الكفاح المسلح والنضال لتحرير كامل التراب الفلسطيني و رفض المشاركة في أي تسوية قادمة، لإزالة آثار العدوان .
2ـ رفض الحكم الذاتي أو أي تشكيل سياسي يرتبط بالاحتلال و الحرص على وحدة الصف الوطني و احترام الاجتهادات المختلفة رغم تباينها([83([.
وفي 15 آذار/ مارس 1972 طرح الملك حسين " مشروع المملكة المتحدة " والذي قوبل برفض اتحاد الجمهوريات العربية ( مصر وسوريا وليبيا و العراق )([84([.
طرح المشروع أمام 400 من الوجهاء والأعيان الذين حضروا إلى القصر الملكي الأردني واشتمل على اثني عشر بندا وأهمها أن تصبح المملكة الأردنية الهاشمية مملكة متحدة بنظام كونفدرالي، وتشمل قطرين هما الضفة الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عمان عاصمة قطر الأردن والقدس عاصمة قطر فلسطين ورئيس الدولة هو الملك حسين، وقد قوبل المشروع برفض المنظمات الفلسطينية وأطلق عرفات يوم 17 آذار تصريحات ملتهبة ضد المشروع وأعلن أن فتح ستسقط النظام الأردني([85([.
وفي الجلسة العاشرة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في القاهرة في شهر نيسان / أبريل 1972 صدر قرار برفض مشروع ألون ـ حسين ووصف بأنه مؤامرة أردنية على الثورة، وحضر المؤتمر مائة شخصية فلسطينية([86([.
كان رد محسن بعنوان :ـ " لا شرعية لغير القتال والمقاومة "، وفيه بين التوقيت الذي جاء فيه مشروع المملكة المتحدة الذي جاء قبل أسبوعين فقط من الموعد المحدد لبدء الانتخابات البلدية في الضفة الغربية، وقبل شهرين من زيارة الرئيس الأميركي نيكسون للاتحاد السوفييتي، وكذلك في أعقاب رسالته الأخيرة للكونغرس في شباط/ فبراير 1972، والذي أشار فيه إلى أن الشعب الفلسطيني جاء يكافح للحصول على وطنه، وكذلك شهدت قواعد الثورة في جنوب لبنان، عدوانا واسعا لتصفية قواتها وسبق إعلان المشروع اجتماع حسين وإيغال ألون في العقبة ([87([.
ويستطرد محسن في حديثه حول طبيعة المشروع الصهيوني، وأسباب نشوء الثورة الفلسطينية فيقول " لم تكن القضية التي وجدت من اجلها الثورة الفلسطينية، هي قضية تصحيح العلاقة بين الضفة الغربية والعرش الهاشمي بالرغم من أهمية ذلك .. بل من اجل منع تحول " الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة إلى أمر واقع " ([88([.
ويشكك زهير محسن في انسحاب إسرائيل من القدس وتحويلها إلى عاصمة لفلسطين المنتظرة ويتساءل قائلا : " هل أن إشارة الملك للقدس كانت لمجرد التخدير أم سيعتبر ارتفاع العلم الأردني فوق المقدسات الإسلامية هناك كافيا لإقناعنا بان القدس عادت إلى عروبتها " ([89([.
عاد سامي العطاري أحد المسؤولين في منظمة الصاعقة ليؤكد أن على المنظمة أن لا تتزحزح عن هدفها وهو تحرير كامل فلسطين، وعن الجهود المبذولة لإيجاد طرف فلسطيني يقبل بالتســوية أكد أن المهمة العاجلة للمقاومة تكمن في الحيلولة دون إيجاد أي طرف فلسطيني يقبل بها ([90([.
بعد حرب رمضان 1973 بين إسرائيل ومصر نشطت جهود التسوية السياسية بينهم ، التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر والتي تتضمن إجراء ترتيبات لوقف النار بعد أن انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن رقم 338، ولم تتوقف عملياتها العسكرية في جبهة القناة وكان الجيش الثالث المصري محاصرا، وقد هددت مصر بالعودة إلى القتال ولكن عادت الإتصالات بين الأطرافالمختلفة وهي: مجلس الأمن،ومصر،وإسرائيل والولايات المتحدة ([91([.
انتقلت هذه المباحثات إلى الكيلو 101 على طريق القاهرة السويس الصحراوي، وتم رعايتها بإشراف الأمم المتحدة وممثلها الجنرال أنزيو سيلاسفيو قائد قوات الطوارئ الدولية واستغرقت فترة، وجاء هنري كيسنجر ليظهر على مسرح الشرق الأوسط يوم 6تشرين الثاني / نوفمبر 1973، وأجرى مفاوضات كان نتيجتها أن نجح هنري كيسنجر في أن يقنع الرئيس محمد أنور السادات بقبول استراتيجية التسوية " خطوة .. خطوة " بدلا من تحقيق تسوية مباشرة وشاملة إلى جانب محاولاته إقناع مصر بعدم جدوى علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي، ودعوته لتطبيع علاقات إسرائيل مع مصر ،وانسحاب قواتها تدريجيا وراء الحدود الدولية عبر عدة سنوات([92([.
بدأ الحديث في عام 1973 عن مؤتمر جنيف وعن إمكانية حضور وفد فلسطيني وسوري، ومصري، وقد أوحى السادات إلى زعماء (م. ت. ف)، وفهم ياسر عرفات وصلاح خلف " أبو إياد " عن إمكانية اشتراكهم، وعليهم الاستعداد لحضور مؤتمر جنيف، وفي عام 1974 عقد مؤتمر في مدينة الرباط، حضره زعماء وملوك ورؤساء الدول العربية، ورئيس (م.ت.ف ) والذي اعترف بها ممثلا شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
كما أن عرفات ألقى خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة . عقد مؤتمر جنيف في يوم السبت 23 كانون الأول/ ديسمبر 1973 م، بحضور ممثلي دول مصر إسرائيل، والأردن، ولم تحضر سوريا، ولم توجه دعوة إلى فلسطين وقد أشار الدكتور كورت فالدهايم، إن على الدول المذكورة أن تبدأ بتطبيق قرار 242 وقال أن المؤتمر سيحقق تقدما في فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل، على جبهة قناة السويس، ثم ينتقل لبحث إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط([93([.

وكان الموقف الأمريكي يتلخص في:
الانسحاب من الأراضي المحتلة، وإقرار حدود منزوعة السلاح، وحدود معترف بها مع ضمانات دولية للحدود، والاعتراف بالحقوق الشرعية للفلسطينيين، وبقدسية الأماكن المقدسة لدى أصحاب الديانات الثلاث، ثم التعجيل بالفصل بين القوات العسكرية، وقد لاقت م. ت.ف قبولا واعترافا دوليا في عام 1974 م، بعد أن وجهت دعوة لياسر عرفات الذي ألقى يوم تشرين الثاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي هذا المؤتمر قدم عرفات عرضه وقبوله للسلام بقوله !" لقد أتيت حاملا غصن الزيتون في يد، بينما تمسك يدي الأخرى بندقية مناضل، فلا تدعو ا غصن الزيتون يسقط من يدي "([94([.
وصدر عن الجمعية العامة قرار 3236 والذي يؤكد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحق السيادة والاستقلال الوطني، وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي اقتلعوا وشردوا منها، وتعترف أن الشـعب الفلسطيني هو طرف أســاسي في تحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط([95([.
وخرج المؤتمرون فيه ببيان الاعتراف( ب م. ت. ف ) ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب العربي الفلسطيني، وفي 29 من هذا الشهر جاء في البند الثاني منه ما يلي : ـ
" تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة . بقيادة م .ت.ف بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، على أية أرض فلسطينية يتم تحريرها، وتقوم الدول العربية بمساعدة هذه السلطة عند قيامها في جميع المجالات وعلى جميع المستويات وقد قوبل هذا القرار بتحفظ من قبل رئيس الوفد العراقي صدام حسين في حين أيد الأردن الإجماع العربي"([96([.
وفي الإطار نفسه عقد مؤتمر الرباط في 26 ـ 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1974 وفي سياق هذه التحركات طرحت قيادة م.ت.ف، والتيار المسيطر عليها، والمتمثل في حركة فتح، ومعها الجبهةالديمقراطية، ومنظمة الصاعقة برنامجا مرحليا للنظام الفلسطيني في دورته الثانية عشردعي باسم البرنامج المرحلي ـ برنامج العشر نقاط، والتي عقدت في القاهرة في حزيران / يونيو 1974 والذي جاء بعشر نقاط ، ومنها المادة الثانية والقائلة "تناضل منظمة التحرير الفلسطينية بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح، لتحرير الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، وهذا يستدعي أحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله "([97]) .
لقد قوبلت هذه الخطوة بالرفض الشديد من قبل مجموعة فصائل فلسطينية ومنها : الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بقيادة جورج حبش، وجبهة التحرير العربية برئاسة عبد الرحيم احمد، والجبهة الشعبية القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، بقيادة الدكتور سمير غوشه، ومن شخصيات وطنية والتي أعلنت في تموز/ يوليو 1974 عن تشكيلها " جبهة القوى الرافضة للحلول الاستسلامية ". وأعلنت أن هذا البرنامج يهدف إلى جر العرب للاعتراف بالكيان الصهيوني، وشددت على أهمية الوحدة الوطنية لإنجاز التحريرالكامل ([.98])
وقد لاقت جبهة الرفض الفلسطينية الدعم والتأييد من العراق، وعارضت( ج .ت .ع ) هذا البرنامج وفي عام 1974 صرح عبد الرحيم احمد أمين عام الجبهة أن التسوية هدف إمبريالي مقدمات ونتائج، ولذلك يجب مقاومته وأول المعنيين في ذلك الشعب الفلسطيني قيادة وجماهير([99([.
وأكدت (ج. ت.ع ) موقفها الرافض بالقيام بعدد من العمليات العسكرية الخاصة في عامي 1974 و1975 ومنها كفار يوفال وكفار جلعادي، وقالت الجبهة: " أن حربها مع العدو حرب وجود لا حرب حدود "، ونددت باتفاقية سيناء وأكدت بعد تنفيذها لعملية كفار جلعادي في الجليل الأعلى" أن من أساليب تصفية الثورة الفلسطينية محاولات العدو إجراء انتخابات بلدية وتأليف حكومة مدنية في الضفة الغربية وذلك للضغط على الثورة وجماهيرها كجزء من الضغوط الرامية لدفعها سريعا على طريق التسويات ومراميها التصفوية…"([100([.
قابلت منظمة الصاعقة هذا البرنامج بالتأييد، وتغيرت لهجة الأمين العام لمنظمة الصاعقة، من موقف متشدد رافض لأي تنازل إلى صوت خافت ومعتدل، ففي معرض لقائه ورده على أجوبة ومحرري مجلة شؤون فلسطينية في شباط/ فبراير1974، تحدث زهير محسن عن الرومنطيقية التي حكمت التفكير الثوري قبل حرب تشرين 1973، وهي تعود لأسباب الشعور بالعجز أما بعد الحرب " نحن مطالبون أن نتصرف بمسؤولية، مطالبون بان نحدد برامجنا وأهدافنا بشكل مسؤول يجمع بين الالتزام المبدئي وبين الواقعية "([101([.
وأخذ يتحدث عن سياسة المراحل والتدرج فيها حتى في خوض معارك مع العدو الصهيوني، وربط هذا التطور بتطورات حرب 1973، التي على ضوئها لابد أن تتطور الوسائل والبرامج العملية المرحلية بما ينسجم مع النتائج والاعتبارات التي خلفتها الحرب([102([.
ورغم قبوله بالتدرج والميل نحو الحلول، إلا انه طالب بأن لا تنفرد مصر في حضور مؤتمر جنيف أو تدخل في اتفاقيات ثنائية، وطالب بان يتفق الاتحاد السوفييتي ومصر وسوريا، و(م.ت.ف ) على الحد الأدنى، ويحددوا سقف التنازلات التي يمكن للأمة العربية تقديمها لتحقيق السلام، وشدد محسن على أي سلام يعقده العرب مع إسرائيل ويجب أن لا ينهي حالة الحرب في مقابل ثمن بخس لا يسمح للشعب الفلسطيني بتحقيق حد أدنى من المكاسب التي تمكنه من مواصلة نضاله أو المحافظة على قضيته الوطنية([103([.
تناول عبد الوهاب الكيالي أحد قادة (ج. ت. ع ) التطورات التي قادت إلى فرض "سلام استراتيجي "، وهي معادلة تهدف إلى تعريب الصراع العربي إلى ثلاثة أبعاد، وهي الصراع العربي العربي، والصراع العربي الفلسطيني والصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني، وقد استطاع أن ينجح في الخطين الأولين، وفشل في الثالث . وبين أن أجواء الإشاعات جرت لخلق اقتتال بين الرافضين والقابلين بالتسوية، ولكنها فشلت وبدوره بيّن أنها منظمات غير منضبطة إلا أنها شـــدت لحمتــها المعارك في لبنان باستثناء الصاعقة([104([.
كان من نتائج دخول القوات السورية إلى لبنان أن شهدت المنظمات الفلسطينية انحيازا بعضها للنظام السوري، أو توقفها عن القتال، كما حصل في منظمة الصاعقة السورية ومنظمة الجبهة الشعبية "القيادة العامة " بزعامة أحمد جبريل، وقد دفع ذلك إلى انشقاق جديد قاده محمد عباس " أبو العباس " وطلعت يعقوب، وتكون منظمة جديدة باسم جبهة التحرير الفلسطينية وهو اسم قديم للجبهة الشعبية "القيادة العامة "، وقد أسهم في التأثير على قوة جبـهة الرفض الفلســطينية([105([.
بعد انتهاء الحرب اللبنانية الفلسطينية انعقدت دورة الشهيد كمال جنبلاط بتاريخ 12 ـ 22 آذار / مارس 1977، والتي عقدت في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، في وقت لا زالت فيه توجد جبهتان فلسطينيتان :الأولى جبهة القابلين بالتسوية أو المعتدلين والأخرى جبهة الرافضين للتسوية، وفي هذا المؤتمر دار الحديث عن الكفاح المسلح ومواصلته ضد العدو الصهيوني والوحدة الوطنية وارتفعت فيه نسبة التمثيل في المجلس الوطني من 170 إلى 300 عضو([106([.
تقدمت جبهة الرفض الفلسطينية في المؤتمر الوطني بورقة عمل في حين قدمت حركة فتح ومنظمة الصاعقة والجبهة الديمقراطية ورقة أخرى .أكدت جبهة الرفض اتلفلسطينية على رفض" البرنامج المرحلي " الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر الذي عقد عام 1974 وحينما عقدت الجلسة قدمت (ج.ت.ع) تحفظات مكتوبة إزاء العديد من النقاط المدرجة في الإعلان السياسي للمجلس، بينما فاجأ أبو ماهر ممثل الجبهة الشعبية بقوله : " أن الجبهة الشعبية لا تتحفظ على البيان وإنما ترفضه بمجمله " وقد أحرج هذا الموقف الجبهة العربية التي قراراً بتجميد عضويتها؛ لتنسجم خطوتها مع شريكتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، حيث تشتركان في جبهة الرفض الفسطينية ([107([.

كانت أهم الأسس والمبادئ التي حرصت على تثبيتها( ج. ت. ع ) هي : ـ
التأكيد على رفض قرار 242، و التصميم على مواصلة الكفاح المسلح و تصعيد النضال في الأرض المحتلة، ورفض مشاريع التصفية كافة، إضافة إلى رفض الحلول السياسية الأميركية كافة والتصميم على إفشال أية تسوية تتم على حساب حقوق شعبنا .والالتزام بدعم الثورة لاسترداد الحقوق الوطنية والثابتة للشعب العربي الفلسطيني ورفض الصلح والاعتراف ومبدأ رفض التعامل مع العدو الصهيوني ورموزه وأدواته، ووصف الكيالي قرار 3236 القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه من أفضل القرارات التي تصدر بحق القضية الفلسطينية وخاصة البند الخامس منه([108([.
بعد حرب 1973 ظهرت ثلاثة اتجاهات سياسية رئيسة في الساحة العربية تهتم بمقتضيات التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي وتتمثل بالاتجاهات التالية :ـ

أولا :اتجاه الحركة الوطنية الفلسطينية الذي يدعو إلى رفض الدخول في مساومات سياسية تنتهي بقبول الاعتراف المباشر والصريح بإسرائيل أو التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني وهو تيار يقر بالصعوبات التي تقف حائلا دون التحرير الشامل، ويتحفظ على قبول مقتضيات التسوية.
ثانيا : اتجاه سوريا وبعض المنظمات الفلسطينية والقوى العربية القائل بأن التسوية بحاجة إلى تعادل في ميزان القوى الاستراتيجي، وحتى يضمن العرب نجاحهم في تحقيق سلام عادل وشامل، وقد زاد الحديث عن هذه النظرية بعد خروج مصر من دائرة المواجهة مع إسرائيل([109([.
وقد عبر عن هذا الموقف زهير محسن في معرض إجابته عن سؤال " ما حجم التنازلات التي انتم على استعداد لتقديمها فيما لو قدمت إليكم عروض ؟.
وقد جاء في إجابته أنه لا إمكانية للتنازل عن الحقوق التاريخية لشعبنا باعتبارها أمورا مصيرية لا تهاون فيها، ولكن مقابل تحرير بعض الأرض قد يقبل بهدنة تطول أو تقصر، وقد تلغى مقاطعة إسرائيل، ولا توجد ثورات حققت أهدافها مرة واحدة إذ تتعرض للتراجع أو الهدنة، والزعيم الروسي فلاديمير ايليتش لينيين قدم نصف أراضى روسيا لألمانيا في الحرب العالمية الأولى([110([.
ثالثا :ـ اتجاه الرئيس المصري أنور السادات القائل بأن إسرائيل متفوقة، وتلقى الدعم الأمريكي، وأن العرب لا يلقون نفس الرعاية من السوفييت، و على العرب السعي لتحييد الولايات المتحدة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه([111([.
إلا أن النهج الثالث أصبح هو الأقوى في الفترة التالية بعد أن مضى السادات في خطه القائم على اعتبار السلام خياره الاستراتيجي، ومؤكدا على سياسة الخطوة خطوة، وتكللت هذه الخطى بإعلانه عن زيارته المفاجئة للكيان الصهيوني في التاسع عشر من تشرين الثاني / نوفمبر1977.
كانت زيارة السادات في هذا الوقت منهجا جديدا لبلوغ حل النزاع بطريقة سلمية تهدف إلى نيل الشعب حقوقه، وفقا لقرارات وميثاق الأمم المتحدة . وقد تشكلت هذه الفكرة من حرب1973 وشكلت تحولا في الخط الجغرافي السياسي المرسوم لحل الصراع، وهي محاولة لإثبات أن ما فشلت المواجهة العسكرية من تحقيقه يمكن له أن يتحقق بالجهود الديبلوماسية وبالحوار والمفاوضات المتصلة([112([.
وفي العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1977 واجه السادات الإسرائيليين في خطابه الذي ألقاه أمام الكنيست بجملة أمور هامة حول القضية الفلسطينية ومنها أن السلام المنفرد بين مصر وإسرائيل لا يحقق حلا شاملا للسلام، وان الحل العادل للمشكلة الفلسطينية هو الذي يحقق العدل والسلام كله في العالم.
وأن من ينكر حقوق الشعب الفلسطيني من الإسرائيليين يتناقض مع العالم الذي اقر بقضية الشعب الفلسطيني ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ضوء ذلك أعلن السادات خطة السلام المصرية أمام الكنيست على النحو الآتي:ـ
ـ تحقيق الحقوق الثابتة لشعب فلسطين في حق تقرير المصير وإقامة دولة له.
ـ حق جميع الدول في المنطقة في إقامة حدود آمنة ومعترف بها من قبل الجميع.
ـ أن تمارس دول المنطقة العلاقات بينها حسب قرارات الأمم المتحدة.
ـ إنهاء حالة الحرب في المنطقة([113([.
قوبلت زيارة السادات لإسرائيل برفض واسع من الوطن العربي، وفي الأرض المحتلة رد خطيب الأقصى بتأنيب السادات على زيارته، كما أن رؤساء البلديات عقدوا الاجتماعات ردا على عقد معاهدة كامب ديفيد، وقد خرج قرار مقاطعتها ومعارضتها، وعقدت المؤتمرات في الجامعات الفلسطينية التي فضحت أغراضها الاستعمارية والصهيونية، وقد بدت إيماءات من القيادة الفلسطينية في الخارج تدعو إلى التريث؛لأن موقفها لا يتفق مع ما يحدث في الداخل، واستمرت المجالس البلدية والهيئات والمؤسسات في المقاومة([114]) .
قابلت العراق وسوريا مبادرة السادات بالرفض والتقارب بينهما، وتوقيع ميثاق العمل القومي، الذي يعبر عن توحيد جهودهما أمام الكيان الصهيوني، ومن ثم عقدت قمة بغداد التي استقطبت الموقف العربي باتجاه مقاوم لخط السادات المتصالح مع الكيان الصهيوني، وقد خرجت قمة بغداد بتلبية الحد الأدنى من طموحات الجماهير العربية، ووقفت أمام محاولات جر أطراف أخرى لخط السادات القابل بالتسوية، وقد فتحت المنظمة حواراً وعلاقات جديدة مع الأردن، وهو الحوار الأول بعد حرب أيلول/ سبتمبر 1970، وقد انتقلت المنظمتان (ج.ت.ع) والصاعقة من العداء المزمن إلى علاقات الصداقة والتحالف بينهما، وقد ظهر الرفض الإجماعي للمشروع من قبل منظمة التحرير الفلسطينية ولم يروج للمشروع سوى بضعة أشخاص في الضفـة الغـربيـة، وقد تواروا بعد قمة بغداد، وكذلك رفض الرأي العام الاتفاقية في قطاع غزة([115([.
وبعد زيارة السادات للكيان الصهيوني اعتبر زهير محسن بأن الصراع العربي الصهيوني دخل طورا جديدا، ولم يكن مجرد زوال الحاجز النفسي الذي تحدث عنه السادات بل أن الأمة العربية ستجد نفسها مضطرة لمواجهة التحالف السري بين العدو والأنظمة الرجعية وبصورة علنية وسيأخذ مبادرة الهجوم لتصفية الحركة التحريرية العربية ، ثم أن السادات يقبل المفهوم الصهيوني القائم على تطبيع العلاقات في المجالات كافة إلى جانب إقامة علاقات ديبلوماسية([116([.
عارضت ( م.ت .ف ) مبادرة محمد أنور السادات في زيارته لإسرائيل بالكفاح المسلح وجرت عملية عسكرية في عام 1978 والتي توجت باجتياح إسرائيل في آذار/ مارس 1978 وتمخض عن احتلال جنوب لبنان صدور قرار مجلس الأمن رقم 425 بتكليف قوة هيئة الأمم المتحدة إقفال المنفذ الرئيس أمام الثورة بمنعها من العبور وممارسة دورها النضالي، والذي قبلته قيادة م.ت.ف، ونتج عنه مأزق عسكري وسياسي تمثل في وصول الثورة الفلسطينية إلى عنق الزجاجة واصبح لزاما فتح الثغرة للخروج من الحصار، وقام رأي الجبهة العربية أن على الثورة الاهتمام بصورة افضل في نقل الثورة والانتفاضة الشعبية إلى داخل الأرض العربية المحتلة([117([.
قابلت منظمة الصاعقة التقارب السوري العراقي الذي أعلن عنه في الميثاق القومي بالترحيب وعبرت عن أملها في أن تنتهي إلى إعلان وحدة كاملة بين القطرين، وتطلعت إلى دور إيراني يخلق عمقا استراتيجيا ً، وتأملت أن تكون ثورتها على الطغيان وسيلة لدعم الشعب الفلسطيني، ومساندة ثورته ضد الصهيونية، وقد عقدت حكومتي العراق وسوريا اجتماعات في دمشق، ما بين 28 ـ 30 كانون ثاني / يناير 1979، وتقرر من خلالها تكريس العمل بموجب مؤتمر القمة العربي التاسع الذي عقدته في بغداد، وتقرر اتخاذ القيادتين التدابير اللازمة لمواجهة أي شكل من أشكال تهديد الأمن الداخلي والخارجي للبلدين ([118([.
تناولت (ج.ت.ع) في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الرابعة عشر التي عقدت في كانون ثاني/ يناير 1979 الرد المطلوب تجاه مبادرة السادات وسيره في نهجه المنفرد، و أيدت الجبهة مبادرة العراق في الميثاق القومي، واللقاء بين البلدين العراق وسوريا والذي طرح في أوائل شهر تشرين الأول / أكتوبر عام 1978 واعتبرتها المحور الأساس وقاعدة للنضال التحريري العربي ضد تحالف السادات والصهيونية والإمبريالية ثم توفير مستلزمات النضال الداعم لمنظمة التحرير الفلسطينية وتفويت الفرصة للانقضاض على الأمة العربية بوساطة"مخطط التصفية والاستسلام "، وهي تكرر أن التصدي يتم بالخروج نهائيا من دائرة التسوية و ضرورة إنجاز وحدة وطنية فلسطينية، وترتكز على رفض القبول بالتصالح مع الكيان الصهيوني ثم التعامل بإيجابية مع الميثاق القومي بين العراق وسوريا، والتأكيد على أهمية ممارسة العمل الجماعي ثم تعزيز الكفاح المسلح، ورفض الحكم الذاتي والتوطين . واشترطت لعودة العلاقة مع النظام الأردني أن تفتح الجبهة الأردنية أمام العمل الفدائي([119([.
رغم رفض قيادة )م. ت. ف) لمشروع كامب ديفيد ونهج السادات الفردي المتصالح مع الكيان الصهيوني، ومشاركتها في اجتماع جبهة الصمود والتصدي في كانون الأول/ ديسمبر 1977 في طرابلس الغرب، وقيام فتح بعملية دلال المغربي ونزولها في ساحل تل أبيب في 11 آذار / مارس 1978، وما تبعه من اجتياح إسرائيلي واسع النطاق في جنوب لبنان، ومحاولة إحراج نظام السادات ودفعه للتخلي عن سيره في النهج السلمي مع إسرائيل، لكن الأمور سارت باتجاه تعاون عرفات مع قيادة القوات الدولية، وتبني القرار 425 ضمنا، والذي شكل أول قبول بوقف إطلاق النار مع إسرائيل، واعتبره عرفات إنجازا حيث يشكل اعترافا من جانب هيئة الأمم في عملية فك الاشتباك في جنوب لبنان و قوبل قراره برفض بعض أبناء فتح، مثل : محمد عودة(أبو داود)، والذي حاول نسف الاتفاق، ورفض القرار صبري البنا ( أبو نضال) المتحالف مع حزب البعث في العراق وقد اغتال أبو نضال سعيد حمامي بسبب اتصالاته بالحركات والشخصيات اليهودية، ورغم ذلك نجحت فتح في إفشال محاولات البنا تفجير جبهة جنوب لبنان والسيطرة على الأمن([120([.
وكانت)ج.ت.ع) قد سارت هي الأخرى في الاتجاه الذي يرفض وجود قوات دولية تعيق العمل الفدائي وانطلاقه من جبهة جنوب لبنان، واصطدمت بهذه القوات في مناسبات مختلفة([121([.
حاول السادات جاهدا ربط المشكلة المصرية بالقضية الفلسطينية، منطلقا من أنه يطبق منهجية شاملة في الحل، لكن إسرائيل رفضت إقامة صلة زمنية بين المسألتين ووقعت مع مصر في 26 آذار/ مارس 1978 معاهدتين تنص الأولى : على انسحاب إسرائيلي على مراحل من سيناء، وتنص الأخرى : على انسحاب جزئي من الضفة الغربية وقطاع غزة، وإقامة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، وطالب الجانب المصري إجراءات ثقة لحفز الفلسطينيين على المشاركة في المفاوضات والتي عقدتها مصر مع إسرائيل ومنها :
تجميد إقامة مستوطنات لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات وتأكيدها على الاستعداد لقبول التفاوض مع أي مجموعة فلسطينية تعلن قبولها بقرار 242، والاعتراف أن عرب القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني([122]) .
أخذ على هذه الاتفاقية تنكرها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهي تتعامل مع أبناء الأرض فقط كساكنين ليس لهم الحق في استغلال الأرض، واستبعدت منظمة التحرير من التسوية وتبحث عن مجموعات أخرى بديلة من الفلسطينيين، كما أن إسرائيل غير مستعدة للرجوع إلى حدود حزيران/ يونيو 1967 وتتخطى قرارات الأمم المتحدة، ولا تنص صراحة على إلغاء الاستيطان واستجابت لشروط إسرائيل في الصلح المنفرد، وقبل أن يتحقق الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة([123([.
قابلت الأقطار العربية مبادرة السادات بالمعارضة، وعقد مؤتمر بغداد واتفق على حد أدنى من القرارات، وصدرت قرارات تقاطع مصر، وتقرر نقل مقر الجامعة العربية من مصر إلى تونس، وتعليق عضوية مصر في المنظمات العربية ومقاطعة مصر وتبادل الطرفان المصري والصهيوني السفراء بينهما يوم 26 شباط / فبراير 1980 ورفرف العلم الصهيوني لأول مرة فوق أكبر عاصمة عربية([124([.
تمثل موقف عدد من الأقطار العربية بالرفض وعقد ممثلو خمسة أقطار عربية مؤتمرا في طرابلس الغرب وشملت سوريا وليبيا والعراق وفلسطين واليمن الجنوبي وأعقبت مؤتمرها بقطع العلاقات الديبلوماسية مع مصر، وتابعت الأردن ودول أخرى قطع علاقاتها باستثناء دول ثلاث هي الصومال والسودان وعمان، في حين احتفظت منظمة التحرير ببعثتها الديبلوماسية في القاهرة([125([.
وبعد فترة من الزمن وفي عام 1981 طرحت السعودية مشروع فهد للسلام، وهي مجموعة قرارات مشتقة من قرار مجلس الأمن 242، وقرارات أخرى للأمم المتحدة وهي مقترحات كانت تبحث عن كامب ديفيد جديد ة([126([.
تواصلت سلسلة اللقاءات و المفاوضات والعلاقات بين النظام المصري وإسرائيل يرعاها الدور الأميركي الذي اعتبر الشريك الكامل في المفاوضات، وكان رأي محمد أنور السادات أن على الولايات المتحدة أن تمضي قدما باتجاه إقناع الفلسطينيين بأنه يمكنهم الحصول على حقوقهم بالتفاوض وأن على الطرفين الأميركي و(م. ت. ف) إقامة قنوات اتصال بينهما والتي حملها في رسالته الأخيرة للولايات المتحدة في آب/ أغسطس 1981([127([.
سجلت( م.ت.ف ) نموا في تحركها نحو الخطوات الديبلوماسية بين عامي 1974-1977 خاصة عن طريق فتح حوار مع دول أوروبا الغربية، وإقامة علاقات مع العديد من دول العالم الثالث، وقد نذرت قيادة فتح نفسها لهذه المهمة، وبعد تسلم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الرئاسة الأمريكية حدث شيء من الاهتمام في أوساط الديبلوماسية الفلسطينية، وأيقن قادة فتح والمنظمة وانتعشت آمالهم بعد رحيل هنري كسينجر وزير الخارجية الأسبق، ورغم نجاح بيغن في انتخابات ربيع 1977، الذي أعاق خطط الإدارة الأمريكية الجديدة إلا أن قنوات الاتصال استمرت مع مصر وسوريا للوصول إلى بيان مقبول تعلنه م.ت.ف، ويمكن اعتباره شرطا مقبولا لمباشرة الحوار الأمريكي الفلسطيني([128([.
أطلق كارتر في 16 آذار/ مارس 1977 تصريحا، يشكل منطلقا جديدا في التفكير الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية، والذي قال فيه انه لابد من إيجاد وطن للاجئين الفلسطينيين الذين عانوا من قسوة اللجوء لسنوات عديدة([129([.
وقد تمت اتصالات من خلال الأمير فهد ولي العهد السعودي، وحمل معه مذكرة تحدد موقف ( م.ت.ف) من مفاوضات السلام، والتي كتبها خالد الحسن، وفاروق القدومي، وقد قام الموقف الأمريكي على مطالبة صريحة للمنظمة بالاعتراف بقرار 242([130([.
وبعد إقدام السادات على خطوته، ونهجه السلمي المنفرد مع إسرائيل، توقفت الاتصالات مع( م . ت. ف ) وقوبل بمقاومة العرب في مؤتمر بغداد، إلا أن تطورات جديدة في المنطقة العربية أدت إلى انفراط عقد المقاومين لنهجه، وعودة مواقف الليونة من قبل قيادة (م.ت.ف)ومحاولتها الدخول في حلول سياسية مع إسرائيل.
في سياق التحولات واتراجعات المستمرة لدى قادة (م.ت . ف) عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وسيرهم في نهج القبول بالتسوية والبحث عن موطأ قدم للفلسطينيين فيها، طرح خالد الحسن من خلال الحوار العربي الأوروبي، ومشاركة منظمة التحرير الفلسطينية فيه الدعوة إلى مايلي :
1- عدم جواز ضم الأراضي بالقوة .
2- الدعوة لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967 بما فيها القدس .
3- وضع الأراضي التي تقرر إسرائيل الانسحاب منها في عهدة الأمم المتحدة لمدة تتراوح بين 12 شهرا وتشرف الأمم المتحدة على تقرير المصير .
4- عقد مؤتمر دولي تشارك فيه الدولتان الكبريان وأطراف أوروبية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتؤكد المنظمة على تجنب تفسير القرار 242 على نحو يسيء تفسيره([131([.
ردت منظمةالصاعقة على الطرح القائل بوضع الضفة الغربية تحت وصاية الأمم المتحدة، وبينت أنه رفض في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، وقد طرح أول مرة عام 1968، ولم يقبل به الفلسطينيون، وان إسرائيل تطرح مشاريع الإدارة المدنية في محاولة لكسب الجانب الفلســطيني على طريقة إسرائيلية، واعتبر هذا الطرح تنازلا وخطيرا لأنه لا توجد قوة تحميه([132([.
وفي عام 1980 صرح أمين عام الصاعقة عصام القاضي في حديثه لمحرر مجلة لطلائع برفضه لضم القدس، و أنتقد موقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل وموقف الزعامات العربية الذي لم يخرج عن بيانات الاستنكار وغسل الوجدان، وأعرب عن رفض الصاعقة لأي مساومة أو صفقة لأنها تصب في طاحونة كامب ديفيد التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وأنه من الخطأ المراهنة على الموقف الأميركي ونتائج الانتخابات الأميركية([133]) .
قوبلت مقررات مؤتمر فاس العربي برفض عراقي لها، وتمسكها بقرارات مؤتمر بغداد وامتنع صدام حسين المشاركة، وتحفظت سوريا الموافقة على قرار 338 المتضمن قرار 242 وكذلك الجزائر وليبيا، وتحفظ عليه رئيس (م. ت. ف) ورفضت إسرائيل مقررات المؤتمر . جاء المؤتمر معبراً عن الضعف العربي([134]) .
وردت الصاعقة على مشروع فاس بأنه إجماع كاذب ويؤدي إلى ارتباطات استسلامية وطالبت بتعزيز العلاقات مع جبهة الصمود والتصدي([135([.

[1]) انظر: فرزات، حرب : الحياة السياسية في سوريا، ص 240 .
[2])عبد الهادي، مهدي: المسالة الفلسطينية ومشاريع الحلول السياسية ‍؟ 1943ـ 1974. بيروت صيدا، ط 1، 1975، ص 181 .
[3])عبدالهادي، مهدي : المرجع السابق، ص196 ـ 197.
[4]) عبد الهادي، مهدي: المرجع السابق، ص198.
[5])انظر :"استرداد فلسطين لا يتم إلا بقيام حكم شعبي الحكم الإقطاعي يقيد الشعب، ويساعد الصهيونية والاستعمار "، سلسلة نضال البعث ج3، ص115.
[6])انظر : "الشعب العربي يقف صفا واحدا مع مصر لتحقيق الجلاء والوحدة، ورفض الدفاع المشترك "، سلسلة نضال البعث ج3، ص116.
* ساد العالم في حينه وجود كتلتين من الأحلاف السياسية هما: حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي .
[7])المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[8])انظر : "الشعب العربي يقف صفا واحدا مع مصر لتحقيق الجلاء والوحدة، ورفض الدفاع المشترك" سلسلة نضال البعث ج3، ص180.
وأيضا:علوش، ناجي: المسيرة إلى فلسطين، ص 103 ـ 104.
[9])انظر : تعميم حزب البعث العربي الاشتراكي أيار 1954 حول "المؤتمر القطري "، ص1 و 2 .
[10]) المرجع السابق، ص4
[11]) أرشيف الوثائق جمعية الدراسات العربية " مرشحا البعث العربي الاشتراكي "، دار الطباعة العربية القدس، بيان رقم 251.
وفي بيان آخر تظهر فيه خارطة فلسطين، وكتب عليها: إنما العودة فرض واجب لربى يافا وبيت المقدس، وتظهر صورة الجيوش العربية التي تتحرك لتحريرها من مصر وسوريا والأردن ( أر شيف الوثائق جمعية الدراسات لعربية، بيان عبدالله نعواس وبهجت أبوغربية، رقم 251).
[12]) أر شيف الوثائق جمعية الدراسات العربية: بيان عبدالله نعواس وبهجت أبوغربية، " أيها المواطنون الكرام "، رقم 251).
[13])انظر : أر شيف الوثائق جمعية الدراسات العربية :منشور بعنوان " أيها الشعب الكريم "، عبد الله نعواس وبهجت أبو غربية رقم 250 .
[14])البرنامج الانتخابي لمرشحي الحزب عام 1956، ص3.
[15])انظر : المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[16])انظر : أبو عمرو، زياد : أصول الحركات السياسية في قطاع غزة، ص 119 .
[17])انظر : صليبا، خميس، " وثائق الخارجية البريطانية للعام 1955 "، مجلة كنعان، الحلقة الثانية ع 6، تشرين الأول 1991 .، ص 21 .
* اقترح أن يتم توزيع اللاجئين وفق التوزيع التالي : ــ 30 ألف عائلة في غور الأردن، 15 ألف عائلة في مشروعات صغيرة، وعن طريق تعويضات، 15 ألف عائلة في إسرائيل، 10 آلاف عائلة في لبنان، 25 ألف عائلة في غزة، و35 ألف عائلة في الأردن .
[18])انظر : المرعبي، فايز :"خطة واشنطن السرية لتوطين الفلسطينيين "، مجلة الطليعة العربية، ع144، 10 شباط 1986، ص 5 ـ 6 .
وقارن مقالة صليبا، خميس: مرجع سابق، ص20 ـ 28 .
[19]) عبد الهادي، مهدي : المسألة الفلسطينية ومشاريع الحلول السياسية ؟ 1943ـ1974، ص203ـ 204 .
3)عبدالهادي، مهدي : المسألة الفلسطينية، ص205 .
4)انظر : المرجع السابق، ص206
[21])استراتجية مشروع دالاس، سلسلة نضال البعث ج3، ط 1976، ص 115 .
[22])المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[23]) انظر: حزيران 1959 قضية فلسطين قضية قومية لا مجرد مشكلة اقتصادية في الشرق الأوسط "، سلسلة نضال البعث ج8، القطر اللبناني 1951ـ 1961، ص 176.
[24]) من ملفات المخابرات الأردنية في (أرشيف دولة إسرائيل) 10/493 النشرة الدورية شباط 1955، ص 3.
[25]) انظر : بيان للشعب من حزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن ردا على دعاة الأحلاف الاستعمارية (د.م) شباط 1955، ص1 ـ2 .
[26])النشرة الدورية لحزب البعث شباط 1955، ص3.
[27]) انظر : بيان للشعب من حزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن ردا على دعاة الأحلاف الاستعمارية، ص4
[28]) المصدر السابق، ص5 .
[29]) المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[30])انظر : المصدر السابق، ص6 .
[31])انظر :المصدر السابق، ص11ـ 12.
[32])انظر : بيان للشعب من حزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن ردا على دعاة الأحلاف الاستعمارية، ص 28 .
[33]) المصدر السابق، ص18.
[34]) المصدر السابق نفسه، ص25.
[35]) المصدر السابق ، ص25.
[36]) " ذكرى 15 أيار طريق استرجاع فلسطين في محاربة الاستعمار والرجعية والشيوعية حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان"، سلسلة نضال البعث، ج8، ص174
[37])العيسمي، شبلي : حزب البعث العربي الاشتراكي مرحلة النمو والتوسع ج2، ص 85 .
[38]) "هكذا قال وزير الخارجية سوريا لا يمكن للعرب المساومة على غزة السياسة العربية المستقلة تفرض السلم وتبعد الحرب "، سلسلة نضال البعث، ج3 "، ص 228 .
[39]) علوش، ناجي : المسيرة إلى فلسطين، ص 114 .
[40]) علوش، ناجي :المرجع السابق، ص 125 .
[41])انظر :" بيان مقررات المؤتمر القومي الساد س، دمشق 27/ 10/ 1963، القيادة القومية"، ص12
3) خطاب الدكتور منيف الرزاز الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في أسبوع نصرة فلسطين، وزارة الإعلام السورية، 1965، ص15 ـ 16 .
[43]) نشرة دورية يصدرها البعث العربي الاشتراكي في الأردن صوت الجماهير، ع22، تشرين الثاني السنة الثانية، 1965، ، ص 2 .
[44])انظر :المصدر السابق نفسه .الصفحة نفسها .
[45])ألون، يغئال : ثلاث حروب وسلام واحد، (ترجمة محمود عباس )، ط 1، 1970م، ص25 .
[46])انظر : خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في أبناء فلسطين بمنطقة أريحا، سلسلة الوثائق العربية الفلسطينية 1965، ص 78 ـ ص82 .
[47])انظر : سلسلة الوثائق العربية الفلسطينية 1965، ص 78 .
وانظر : بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول القضية الفلسطينية، سلسلة الوثائق العربية الفلسطينية عام 1965، ص 180 ـ183 .
[48])ألون، يغئال : ثلاث حروب وسلام واحد، ص 25 .
[49]) لنت، جيمس : الحسين سيرة حياة، ص 167 .
كما أن الجيش السوري لم يخض معركة تذكر إذ كانت خسائره لا تتعدى 127 شخصا، إلى الحد الذي علق فيه ديغول رئيس وزراء فرنسا أن هناك تواطئا مع إسرائيل( العيسمي، شبلي : الطليعة العربية " المواقف السياسية تقاس بالنتائج وكل ما يقوم به حافظ أسد يخدم الأعداء " ع 121، 2أيلول 1985، ص 28 .)
بينما كان الجيش الأردني قد فضل الانسحاب منذ اليوم الأول دون قتال وقد بدت مظاهر الانهيار النفسي والمعنوي ظاهرة على جنوده الهاربين (مشاهدات الباحث لضباط وجنود هاربين من المعركة والذين عرضوا سلاحهم على الآخرين، أو لبسوا ملابس النساء لاخفاء أنفسهم عن أعين المحتلين الصهاينة .
[50])الحافظ، ياسين : الهزيمة والأيديولوجية المهزومة، ص124ـ 125.
[51])انظر : الموسى، سليمان : تاريخ الأردن ج2، ص233ـ 235.
[52]) انظر :مالك، عادل : من رودس إلى جنيف، بيروت، 1974، ص220.
[53])انظر : مالك، عادل : من رودس إلى جنيف، ص236.
[54])انظر :السادات، أنور : البحث عن الذات، ط2، القاهرة، (د.م) 1978، ص289.
وانظر أيضا : عودة، بطرس عودة : الاستسلام في الواقع العربي، الأردن : وكالة التوزيع والنشر 1998، ص143.
[55]) سلسلة الكتاب السنوي الفلسطيني، 1970، ص16 .
* ومن أقوالها أيضاً : (أننا حركة تحرير لا نقاتل من أجل تسويات سلمية . أن ثورتنا هي لتحرير الأرض كليا.(لا نعرف للتسويات إلا معنى واحدا استسلام لإرادة النصر).
[56])المصدر السابق، ص 17 .
[57]) سلسلة الكتاب السنوي الفلسطيني 1970، ص 47 .
[58]) انظر: "جبهة التحرير العربية حول المشروع الأميركي لحل أ زمة الشرق الأوسط "، سلسلة الوثائق العربية 1970 وثيقة رقم294، ص 546 .
[59])انظر :" البيان السياسي للجبهة العربية الجمهورية العراقية ـ بغداد، 31/ 8/1969 " سلسلةالوثائق العربية 1969، وثيقة 364، ص622 .
[60]) مذكرة السيد عبد الوهاب الكيالي إلى المجلس الوطني الفلسطيني، سلسلة الوثائق العربية 1969، ص166.
[61])انظر : المرجع السابق، ص 165
[62])المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[63])" تقرير جبهة التحرير العربية عن أعمال الدورة السادسة للمجلس الوطني الفلسطيني "، مجلة الأحرار، ع 648، بيروت 26/9/69 ص14 .
[64])انظر : لنت، جيمس : الحسين، ص 206 .
[65])انظر : المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[66])" حديث ممثل جبهة التحرير العربية في ندوة الجامعة الأردنية "، مجلة الأحرار، لبنان،ع680،15 أيار 1970 ص14.
[67]) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[68])انظر :المرجع السابق، ص 14 ـ 15.
[69])انظر : المرجع السابق، ص15.
[70])انظر :"مذكرة جبهة التحرير العربية إلى المجلس الوطني الفلسطيني أن استراتيجية رفض الحل السلمي لا يمكن أن تتعايش مع استراتيجية فرض الحل السلمي " مجلة الأحرار،ع721، 5 آذار1971،ص10.
[71]) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[72]) المرجع السابق، ص11.
[73]) " مذكرة جبهة التحرير العربية إلى المجلس الوطني الفلسطيني 26/2/1971( الثورة (بغداد ـ 5/3/1971، " سلسلة الوثائق العربية 1971، ص211.
[74]) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[75]) العطاري، سامي، والكيالي، عبدالوهاب(أحاديث) : مجلة شؤون فلسطينية، ع7، ص48و49.
[76]) المرجع السابق، ص49 .
[77]) محسن، زهير : الثورة الفلسطينية بين الفكر والممارسة، دمشق : منشورات الطلائع، 1972، ص 29
[78]) المرجع السابق، ص 32 .
* شريحة المثقفين المهنيين، وأصحاب الكفايات العلمية .
[79]) المرجع السابق، ص 35 .
[80]) المرجع السابق، ص 36
[81]) محسن، زهير : المرجع السابق، ص 38 ـ 39 .
[82]) المرجع السابق، ص 50 ـ 51. .
[83])انظر : المرجع السابق، ص57 ـ 58 .
[84])انظر: الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج2، ص 58 .
[85])انظر: الموسى ، سليمان: المرجع السابق، ص 388
[86])انظر: ماعوز، موشى : القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية أسرار وتحركات ومواقف .ص 6
[87]) محسن، زهير : الثورة الفلسطينية بين الفكر والممارسة، ص66
[88]) المرجع السابق، ص68
[89])محسن، زهير:المرجع السابق، ص 69 .
[90]) انظر : العطاري، سامي، والكيالي، عبدالوهاب(أحاديث) : مجلة شؤون، ع 7 آذار 1972، ص 7.
[91])انظر: الجمصي، محمد عبد الغني : مذكرات حرب أكتوبر 1973، ط 1، ، باريس : المنشورات الشرقية، 1989، ص 457 .
[92])انظر : المرجع السابق، ص466.
[93])انظر: الجمصي، محمد عبد الغني : المرجع السابق ، ص 473 ـ 474.
[94])عبد الهادي، مهدي : المسألة الفلسطينية ومشاريع الحلول السياسية، ص557 ـ 558 .
[95]) المرجع السابق، ص576 ـ 577.
[96]) الموسى، سليمان : تاريخ الأردن في القرن العشرين ج 2، ص 389 .
[97]) سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية عام 1974، بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط 1977. ص23.
[98])انظر : سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية 1974، ص23.
[99])انظر : المرجع السابق، ص29.
[100]) سلسلة الكتاب السنوي سنة 1975، ص13، و65 .
[101]) انظر : حديث مع زهير محسن، مجلة شؤون فلسطينية 3 شباط 1974، ص11.
[102])انظر : المرجع السابق، ص12.
[103]) انظر: حديث مع زهير محسن، مجلة شؤون فلسطينية 3 شباط 1974، ص11 .
[104])انظر :الكيالي، عبد الوهاب : دراسات ومطالعات فلسطينية (1974ـ 1977)، ص164ـ 167 .
[105]) انظر :دراغمة، عزت : مرجع سابق، ص 162، و 166 .
[106]) انظر :الكيالي، عبد الوهاب : دراسات ومطالعات فلسطينية (1974ـ 1977)، ص 162 و 166 .
[107])انظر :الكيالي، عبدالوهاب: المرجع السابق، ص 167 ـ 169 .
[108]) انظر: المرجع السابق ، ص 170 ـ 171 .
[109]) انظر : حسين، جعفر اغا، والخالدي، أحمد سامح " المساومة التاريخية "، النشرة الاستراتيجية، مج 9، ع 22، 24 تشرين الثاني /نوفمبر، 1988، ص1.
[110]) " حديث صحافي خاص للسيد زهير محسن، أمين سر قيادة منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية – قوات الصاعقة في لبنان ورئيس الدائرة العسكرية في منظمة التحرير الفلسطينية، حول بعض المسائل الراهنة "، سلسلة الوثائق الفلسطينية 1978، ص 150 .
[111])انظر : حسين، جعفر، والخالدي، أحمد سامح : " المساومة التاريخية "، النشرة الاستراتيجية، ص1و2 .
[112])انظر :غالي، بطرس:"سياسة مصر الخارجية في وحدة ما بعد السادات" مجلة السياسة الدوليةع 69، 1982،ص79ـ 80
[113]) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها .
[114])انظر : الشكعة، بسام : عن محاضرته في ندوة مجمع النقابات المهنية ورابطة الكتاب الأردنيين عام 1998، ص8.
[115]) انظر :" حديث للسيد زهير محسن أمين سر القيادة العامة طلائع حرب التحرير الشعبية ـ قوات الصاعقة حول ميثاق العمل القومي والحوار الأردني الفلسطيني "، سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية 1978، ص784ـ785
[116]) انظر :حديث صحافي للسيد زهير محسن حول المواقف المترتبة على زيادة الرئيس أنور السادات، رئيس جمهورية مصر العربية، لإسرائيل " سلسلة الوثائق الفلسطينية 1979، ص594.
[117])انظر :"حديث صحافي للسيد عبدالرحيم احمد، أمين سر اللجنة المركزية لجبهة التحرير العربية، حول تمركز قوات الأمم المتحدة في جنوبي لبنان "، سلسلة الوثائق الفلسطينية 1978، ص 233 ـ234.
[118])انظر : حديث الأمين العام لمنظمة الصاعقة حول التقارب السوري العراقي، سلسلة الوثائق الفلسطينية 1979، ص50ـ 51.
[119]) انظر: " كلمة السيد أبو إسماعيل عضو اللجنة المركزية للجبهة العربية في الدورة الرابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني" سلسلة الوثائق الفلسطينية 1979، ص 52 ـ 55 .
[120])انظر :هيلينا، كوبان: المنظمة تحت المجهر، 154ـ 159.
[121]) مقابلة :أجريت يتاريخ سابق، مع ركاد سالم.
[122]) انظر :بطرس، غالي : "سياسة مصر الخارجية في وحدة ما بعد السادات" مجلة السياسة الدولية ع69 ، ص 81.
[123])انظر: هيئة الموسوعة الفلسطينية : اتفاقية كامب ديفيد ،الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، 1984، ، ج 3، ص 631 ـ 632 .
[124])انظر :المرجع السابق، ص 45 ـ 46 .
[125])انظر :غالي، بطرس: مجلة السياسة الدولية ع 69، ، ص 84 .
[126]) بطرس، غالي :المرجع السابق، ص 82 .
[127]) بطرس، غالي :المرجع السابق، ص 83 .
[128])كوبان، هلينا: المنظمة تحت المجهر، ص146.
[129]) المرجع السابق، ص147.
[130]) المرجع السابق، ص148.
[131])انظر :" حديث صحافي للسيد خالد الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح "حول الموقف الفلسطيني بشأن تحقيق تسوية سلمية "، سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية 1980، ص150.
[132]) حديث صحافي خاص للسيد عصام القاضي، أمين سر قيادة منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية – قوات الصاعقة، حول بعض القضايا الراهنة، مقتطفات "، سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية 1980 ص176.
[133])انظر :"الرفيق عصام القاضي للطلائع " مجلة الطلائع، ع 508، 7 / 10 / 1980، ص1و2
[134])انظر :الكيالي، عبد الوهاب : العرب والقضايا الاستراتيجية، ص 129 ـ 131 .
[135]) كريشان، محمد : منظمة التحرير الفلسطينية التاريخ والهياكل الفصائل والأيديولوجية، ص 89 .

الخاتمة

أكد البحث أن نشوء الوعي القومي العربي بدأ ظهوره في أوائل القرن التاسع عشر، وقد نما وتطور إلى تأسيس ونشوء جمعيات وأحزاب قومية عربية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ،التي بدأت بزعامة عائلية وفردية.
وتطورت الجمعيات والأحزاب القومية العربية في أهدافها،وغاياتها مع بداية الثلاثينيات من القرن العشرين ، وتجاوزت مفهوم القومية المجردة إلى مفهوم القومية الشاملة ذات المبنى التنظيمي والفكر الشمولي ، الذي يحلل أوضاع المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج ويتجاوز مفهوم الوحدة الذي ساد الحرب العالمية الأولى وحصرها بأقطار آسيا فقط ، ويعمل لتغيير الأوضاع في مناحي الحياة كافة .
لقد مثلت عصبة العمل القومي ، ثم حزب البعث أولى الحركات العربية التي تجاوزت القومية المجردة إلى القومية العربية الشاملة في حدود الجغرافيا والفكر، حيث أدرجت في برنامجها تحرير فلسطين وعربستان، والإسكندرونة، وأريتريا، وسائر الأراضي العربية المغتصبة، ثم ربطت شعار الوحدة السياسية بأهداف وحركة ذات تنظيم وتعبئة فكرية ونظرية قومية عربية، كما أن الحركات الجديدة قامت على أسس جماهيرية وقادها فئات مثقفة، وشملت فئات المجتمع الأخرى.
شكلت نتائج حرب فلسطين عام 1948 ،وقصور الأنظمة العربية، وهزيمتها في الحرب دافعا قويا لظهور البعث وسرعة امتداده في فلسطين، ويصح القول أن امتداده وتوسعه في فلسطين في فترة قصيرة من الخمسينيات يرتبط بطموح الجماهير العربية الفلسطينية، وتعليق آمالها على هذا الحزب في تحقيق الوحدة العربية كطريق لتحقيق الانتصار على الصهيونية والتخلص من الأنظمة التي كانت جيوشها سبباً في الهزيمة .
رغم امتداد حزب البعث وتوسعه السريع في بلاد الشام والعراق، لكنه عانى من سيطرة وتأثير جمال عبدالناصر على عدد من قياداته في فلسطين، وأسهم هذا الاختراق في حدوث أول هزة للحزب تمثلت في خروج عبدالله الريماوي الذي أضعف خروجه الحزب في هذه الأقطار، ثم أن الأوضاع العربية الأخرى كانت تسهم في تراجع جماهيرية البعث، مثل: فشل الوحدة السورية المصرية، مما أدى إلى انفصال الوحدة عام 1961، كما أن نجاح انقلابي البعث في العراق وسوريا، وصعودهما للسلطة انعكس سلبا على البعث في فلسطين ؛ بسبب ممارسات وأخطاء العسكريين واستعجالهم تسلم السلطة في انقلابات عسكرية على حساب النضال الشعبي، وكان انقلاب 23 شباط/ فبراير 1966 وسيطرة العسكريين على السلطة، هو الحد الفاصل بين حزب موحد تقوده فئة مثقفة يعتمد العمل الشعبي، إلى سيطرة عدد من العسكريين على القيادة القومية وتصدع البعث وانقسامه بين جناحين متخاصمين في سوريا والعراق، ومن يدور في فلكهما.
ويتضح من البحث أن حزب البعث ظل يعارض النظام الأردني كحزب يطالب بانتخابات حرة نزيهة ويعتمد أسلوب العمل الشعبي، ويطالب السلطة بانتهاج سلوك سياسي يقربها من مبادئ البعث مثل : الدخول في الوحدة العربية، و تبني سياسة الحياد الإيجابي والتخلص من السيطرة والمعاهدات الأجنبية.
ويتضح أن البعث أخذ يخطط لإحداث انقلابات عسكرية في المملكة الأردنية بعد أن أطاح النظام بحكومة سليمان النابلسي، وقيام الجمهورية العربية المتحدة، ويلاحظ أن البعث كان صلبا وقويا في مجابهة وإفشال سياسة الأحلاف، ومحاولتها جر الأردن لها . و تعتبر الفترة الممتدة بين عامي 1950 ـ 1958 من سنوات التوسع في مسيرة الحزب، بينما مثلت سنوات الستينيات تراجعا في استقطابه للجماهير وانتشاره، وكانت الحملات الاعتقالية عام 1966 أعنف الضربات التي وجهتها السلطة الأردنية للبعث، و للحركات القومية العربية والوطنية، و قد تركتها مهيضة الجناح وعاجزة عن مجابهة الاحتلال .
رغم أن حزب البعث حاول بعد حرب الخامس من حزيران / يونيو 1967 أن يجدد نشاطاته بصورة عمل فدائي، كما جسده في قيام منظمتي الصاعقة، وجبهة التحرير العربية، لكنه سجل نجاحا بصورة محدودة، حيث تمثل في نشاط عسكري فدائي، ومشاركة في الدفاع عن الثورة الفلسطينية في الأردن، إلا أن وجود الصاعقة سرعان ما تراجع بسبب الولاء للنظام السوري على حساب الثورة الفلسطينية في لبنان، وكلا الفصيلين كانا يرتبطان في ذهنية الجماهير بنظامي البعث ويتأثران بمواقفهما وصورتهما عند الفلسطينيين، وكانت ساحة فلسطين أكثر ميلا وقبولاً للتيار القطري المتمثل بحركة فتح .
يمكن القول أن البعث في فلسطين شكّل مدرسة أولى لعدد من قادة حركة المقاومة الفلسطينية،الذين احتلوا مراكز مهمة في حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وشغلوا مواقع في اللجنة التنفيذية باسم المستقلين .
اتسم موقف حزب البعث ومنظماته بالرفض والمعارضة للصلح مع الكيان الصهيوني وينسجم مع رأي البعث في الصهيونية منذ صدور قرار التقسيم عام 1948، والذي يعتبرها كيانا سرطانيا يجب اجتثاثه، ورفض التصالح معه باعتباره كيانا غاصبا، ولكن حدة هذا الموقف تراجعت بعد قدوم ثورة حافظ الأسد التصحيحية، التي تأثرت بها الصاعقة وتقوم على معارضة بعض جوانب المشاريع المطروحة للحل السياسي، بينما يقوم موقف البعث العراقي والجبهة العربية على رفض للحل والتصالح مع الكيان الصهيوني، ويلاحظ أن قادة التنظيمين قد قرءوا جيداً الآثار التي ستنتج عن القبول بالتصالح مع إسرائيل، والآثار التي ستتركها على القضية الفلسطينية لاحقاً .
لم ينجح قادة حزب البعث في العراق وسوريا، ومنظماته في طبع النضال الفلسطيني بالطابع القومي، وظل تأثير منظمتي البعث ليس بمستوى التيار القطري الفلسطيني، عدا عن قصورهما في توحيد جهودهما باتجاه فلسطين، وتغلب تناقضاتهما على الصراع الأساسي مع إسرائيل، وهو يبرز الحاجة اليوم للتعلم من التجربة السابقة، وأن تتحالف سوريا مع العراق، وأن تشكل إيران ظهيراً لهذا التحالف، الذي بإمكانه إذا تحقق أن يعدل في ميزان الصراع العربي الإسرائيلي .
لقد تأثرت القاعدة الشعبية لتنظيمات البعث بما يجري من تطورات سياسية في العراق وسوريا، وقد شكل انحياز الصاعقة للتدخل السوري في لبنان تراجعاً حاداً في شعبيتها في صفوف الفلسطينيين ؛حيث انعكس على تواجدها إلى يومنا هذا، مما أضعف فعالياتها على الساحة الفلسطينية، بينما ظلت تحافظ (ج.ت.ع) على وجودها ونشاطها، الذي تذبذب بين نشاط فاعل في لب